تحديث الفكر الإسلامي: أصغر على أنجنير أنموذجا
محمد حمزة
أعمال مهداة للأستاذ عبدالمجيد الشرفي
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية – تونس 2010
ص ص 133 – 172
حفّزنا على الاهتمام بالمفكر الهندي المعاصر أصغر علي أنجنير ([1]) انتماؤه إلى فضاء غير الفضاء الجغرافي العربي الذي تركز عليه عادة الدراسات المهتمة بالفكر الإسلامي الحديث، وهو فضاء له خصوصياته الثقافية والفكرية التي يسهم من خلالها في إثراء الفكر الإسلامي وإكسابه صفة التنوع والتعدد ([2])، كما دعانا إلى العناية بهذا المبحث ما لاحظناه من انخراط عديد المفكرين من غير العرب في مسار تجديدي طريف جدير بالتأمل فيه وتفحص مقولاته وتحليل مرتكزاته، وقد صار هذا المسار يحظى باهتمام متزايد في دوائر الدرس الأكاديمية التي يتحدث فيها عن اتجاه في الفكر جديد أطلقوا عليه تسمية ” المفكرين المسلمين الجدد “([3]) تمييزا لهم عن المفكرين التقليديين وتسمية ” الإسلام الليبرالي” إظهارا لاختلافه عن إسلام ثان ينعت بالأصولي أو الأرثوذوكسي ([4])، ووسمناه نحن ب” إسلام المجددين ” ([5]) وعنينا به مفكرين يعملون على خرق المنظومة التقليدية والتفاعل الإيجابي مع قيم الحداثة كشأن عبد المجيد الشرفي ومحمد الشرفي ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وعبد الكريم سوروش وفريد إسحاق وغيرهم.
لقد لاحظنا قلة اهتمام الدارسين العرب بأصغر على أنجنير على الرغم من وفرة إنتاجه الفكري ([6]) وأهميته ومحاولاته تبني الفكر النقدي الحديث وتطبيق مقولاته على دراسة الظاهرة الدينية، ولعل من العوائق التي تحول دون الاطلاع على ما ينشره هذا المفكر وعلى ما ينشر في الإسلام الأسيوي عموما عائق الترجمة خصوصا والعديد من هؤلاء المفكرين يكتبون بلغاتهم المحلية كالأوردية أو هم يكتبون في أحسن الحالات بالانقليزية.
هكذا ظل القارئ العربي مدينا في معظم الأحيان إلى الترجمات العربية كتلك التي أنجزت وكانت لها الفضل في التعريف بالمفكر الباكستاني فضل الرحمان ت 1999 رغم الثغرات والنقائص التي تعتريها ([7])،وهو ما حملنا على العودة إلى كتابات أصغر علي أنجنير في لغتها الأصلية ([8]).
في سيرة ذاتية كتبها أنجنير في جويلية 1999 ([9]) نراه يتحدث عن طفولته وعن بيئته التي عاش فيها وانتماء والده إلى طائفة البهرة وهي من الشيعة الإسماعيلية، كما يكشف عن الاستبداد الذي تمارسه المؤسسة الدينية باسم الدين وعانت منه أسرته خصوصا وقد كان والده تابعا لهذه الطائفة وقاسى منها الظلم والاستغلال، وقد ظهر له منذ حداثة سنه البون الكبير الفاصل بين ما تدعيه الديانة وما تزعم الوفاء له والممارسة التي تبتعد ابتعادا كبيرا عن جوهر تلك الديانة، كما شعر بغربة شديدة من تغليب الشعائر والطقوس والرسوم الظاهرة على الجانب الروحي المتعالي والسامي، ولكنه فهم على التدريج أن كل الديانات سواء أكانت سماوية أو غيرها تنحو إلى التنظيم والمأسسة وتصير بالتالي نظاما عقائديا مغلقا. وقد نبهته قراءة القران دون وساطة إلى مفارقة مهمة هي التباين الكبير بين وظيفة القران الحقيقية والقائمة على إثراء الجانب الروحي للإنسان مصداقا للآية :” الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ” ([10])، والإيديولوجيا التي أقامها العلماء ويسوسون بواسطتها شؤون المقدس .
لقد دعاه ذلك إلى التفكير في كيفية تشكل نظام العقائد والأسس التي ينبني عليها الدين وأعانه على ذلك ما نهله من التعليم الديني التقليدي ومن التراث العرفاني والفلسفي القديم مما أتاح له ثقافة متنوعة المشارب تمازج فيها النص الديني من قرآن وحديث وتفسير وفقه بالحكمة الإشراقية والفلسفة الباطنية وخصوصا رسائل إخوان الصفاء، والكتابات الفكرية الحديثة لسيد أحمد خان ت 1898 ومحمد إقبال ت 1938 بنصوص كارل ماركس وبارتراند رسل. هذا التمازج انتهى به إلى أن لا غنى للعقل الحديث عن كل هذه الروافد، وأن التكامل بينهما أمر لا مندوحة عنه ([11]).
لقد تبلور هذا التنوع الثقافي لدى هذا المفكر في ضرب من التوحيدية تستوعب التعدد الديني الموجود في شبه القارة الهندية سماها بعض الدارسين توحيدا كونيا monothéiste universaliste” ([12])، لذلك لا يغيب عن دراساته استحضار واقع التعدد الذي تعيشه الهند وأن الإسلام هو مكون من مكونات الهوية الهندية الحديثة .([13])
يعمل أنجنير على تجاوز واقع الطائفية القائم في بلاده من خلال المركز الذي يديره ([14])ويسهم فيه مع مثقفين أخرين وحقوقيين في بناء هند حديثة أساسها ديمقراطية علمانية تنبني على التعدد والتنوع فكرا وممارسة ([15])، مثلما يسعى إلى إقامة حوار بناء بين الديانات التوحيدية الثلاثة ([16]).
نقف في الدراسات التي كتبها أنجنير في السنوات الأخيرة على اهتمام مكثف بمشاكل التحديث إلي تعيشها المجتمعات الإسلامية عموما والأسيوية منها على وجه التخصيص، وهو يسعى إلى فهم الروابط القائمة بين واقع هذه المجتمعات السياسي والاجتماعي وواقعها الفكري والثقافي كما يعمل على دراسة الصلات المعقدة القائمة بين العالم الإسلامي بمختلف تشكلاته من جهة والغرب المتقدم من جهة ثانية.
يدرك أنجنير خطر الأصولية الدينية، فقد عاين بنفسه خطورتها وآثارها في الصراعات الطائفية التي تعيشها شبه القارة الهندية وفي تنامي الحركات الأصولية في الباكستان وأفغانستان وأندونيسيا. وإذا كان الغرب يرى في الأصولية الإسلامية منذ هجمات سبتمبر/أيلول 2001 خطرا يهدده، فإن أنجنير يرد أسبابها إلى عوائق التحديث في العالم الإسلامي وفشل الدول القطرية بعد تحررها من الاستعمار الغربي في بناء دول حديثة وضعف المراهنة على التنمية الاقتصادية مما أدى إلى تفشي الفقر والأمية وضعف المراهنة على المعرفة الحديثة والتعليم الحديث. يضاف إلى ذلك مساندة الغرب للديكتاتوريات القائمة التي تثبت شرعيتها بقوة السلاح وسلطة الدين في غياب الحرية والديمقراطية ([17])، هكذا راحت المدرسة الدينية وخوصا في دول جنوب آسيا تبث تعليما دينيا تقليديا يغذي الأمل والحنين في تغيير الواقع وقيام مجتمعات بديلة يتم فيها استعادة أمجاد السلف وعظمتهم والوفاء المطلق لتعاليم الشريعة ([18]).
لا يقتصر الأمر على الغرب الذي يحمل مسؤولية الأصولية الدينية للإسلام وللنص القرآني، فالبعض من المتنورين العرب لا يتردد في اعتبار القرآن نصا يعارض معارضة صريحة العقل ومقتضياته ويقف على طرف نقيض مع حقوق الإنسان عموما وحقوق المرأة على وجه الخصوص كما يحث على العنف ضد الآخر المخالف في العقيدة والمذهب والسلوك الاجتماعي ويأمر بقتاله إلى حين قبوله اعتناق الإسلام.
إن هذه الاعتراضات وسوء الفهم وغيرها تدفع إلى ضرورة التفكير في قضية النص المقدس وكيفيات فهمه ومدى إمكانية المواءمة بين الإسلام والحداثة.
الإسلام في تقدير أصغر علي أنجنير لا يتعارض مع الحداثة، الحداثة بما هي صنو للزمن الحديث القائم على التغيير والتجدد والمعرفة النقدية الحديثة من أجل هذه المواءمة لا بد من تعريف جديد للدين تكون الأولوية فيه للتجربة الروحية الصميمة وللقيم الإنسانية العميقة. أما مقاومة الفكر الإسلامي التقليدي للحداثة أو ما تسمى ب” أزمة الحداثة”
في المجتمعات العربية والإسلامية فهي مسار طبيعي لم يختص به الإسلام فقد عرفته بدورها المسيحية التي لم يكن من الهين على المصلحين الدينيين من أمثال لوثر وعلى العلماء كغاليلي فرض آرائهم على الكنيسة ([19]).
إن ما ينقص الفكر الإسلامي في نظره إذن هو تلك الديناميكية التي تتيح فرصا أكثر لإعادة التفكير في نظام العقائد القائم ولفتح سبل جديدة لتحديث الفكر الديني بعيدا عن ضروب القمع والإكراه التي يمارسها رجال الدين ويعملون من خلالها على فرض وجه واحد للإسلام تغلب عليه الصيغ الطقوسية ذات البعد الاجتماعي والعناصر المغذية للانتماء الحضاري ([20]).
لا مناص إذن من تجذير مشروع شامل لتحديث الفكر الإسلامي وإعادة بناء ركائزه للانخراط الحقيقي في إسلام جديد يجمع في آن بين تعاليم الدين الخالدة ومنتجات العقل الإنساني الحديث ويتجاوز السائد من الأفكار والتقاليد التي ينتجها العقل الديني التقليدي. فكيف السبيل إلى ذلك؟
هذا ما نحاول تبينه من خلال دراسة موقف هذا المفكر الهندي من قضيتين راهنيتين هما حرية المعتقد والمساواة بين الجنسين لنرى إلى أي حد انخرط هو في مثل هذا المشروع، ولنفهم طبيعة الأفق التأويلي الذي تحرك في فضائه أنجنير ومدى تجاوز السقف الذي أوجده الإصلاح الديني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ولنتبين إن كان دفاعه المستميت عن عدم التعارض بين القيم الكونية والقران يعكس تمثلا حقيقيا للقيم الحديثة من جهة وللسياق التاريخي الذي تشكل في ثناياه النظام الفكري والقيمي للمسلمين في القرون الإسلامية الأولى من جهة ثانية، أم أن كتابات هذا المفكر لا تعدو أن تكون تعبيرا عن الضغوطات التي تمارسها قوى التغيير الاجتماعي الحديثة والتي تدفع ببعض المفكرين إلى تبني بعض القيم الغربية الحديثة والدفاع عنها، بل والعثور في أغلب الأحيان على تبرير قراني لها.
في حرية المعتقد
يؤكد أنجنير علي مسألتين مركزيتين لفهم علاقة الإسلام بالقيم الحديثة، المسألة الاولي ضرورة التمييز في فهم الإسلام بين الدين في جوهرة من جهة وما التبس به من عوارض من جهة ثانية ([21]). فالدين الإسلامي رسالة روحية سامية تأسست علي نص اكتسي قداسة لدي المؤمنين به. أما الشريعة فاندراج للدين في التاريخ بما تقتضيه الوضعية التأويلية من توليد أجتهادات بشرية لفهم تلك النصوص تأويلها واستخراج دلالتها. إن هذا الاجتهادات هي التي بلورها الفقه الإسلامي الذي تشكل على التدريج خلال القرون الإسلامية الأولى. وأما المسالة الثانية فاختلاف الواقع التاريخي الذي عاش فيه السلف وفي سياقه تولدت الشريعة الإسلامية بمختلف تجلياتها عن السياق التاريخي عن الذي نعيشه اليوم وتباين القيم التقليدية التي عاش في نطاقها الإنسان قديما عن القيم الحديثة التي تتسم بمركزية الإنسان وسيادة القانون المدني ([22]).
يهتم المفكر المسلم بالقيم اهتماما كبيرا خصوصا وقد صارت القيم الحديثة من مقتضيات الحداثة التي لا غنى للضمير الحديث عنها، وأضحت تفرض نفسها من خلالها يسائل تراثه وبقدر الاقتراب أو الابتعاد عنها تقاس درجة انخراط تراث أو ديانة ما في الحداثة. إن هذا الاهتمام يمكن أن نفهمه في سياق تلك العلاقة المعقدة التي تربط المسلم بالآخر/الغربي. وإذا كانت مسألة الحرية بتجلياتها المختلفة من حرية التفكير وحرية التعبير والنشر كما حرية المعتقد مدينة في أصولها إلى فكر الأنوار، فإن المكانة الكبيرة التي صارت لها في العصر الحديث لم تكن لتحصل لو لم تصر الحرية مطلبا ملحا جسده الإصلاح الديني ضد الكنيسة، ثم ترجمته منظومة حقوق الإنسان التي نصت عليها المواثيق الدولية.
يبدو أنجنير واعيا بالهوة الفاصلة بين المجتمعات الغربية الحديثة والمجتمعات التقليدية، وهو شديد الخشية من الوقوع في الإسقاط التاريخي أو القفز على الوقائع أو تعميم النتائج، لذلك ينطلق من مقدمتين أساسيتين:
الأولى أنه بقدر ما تحكم المؤسسة الدينية قبضتها على معتقد الإنسان وتصوغ الأصولية الدينية رؤية ثابتة وجامدة للعقيدة، يصير مطلب الحرية الدينية مطلبا ملحا وتشتد دعوات المطالبة به. أما الثانية فتتمثل في أنه عندما ينفصل الدين عن الدولة يصير مطلب الحرية الدينية أمرا متحققا.
ولكن كيف يمكن الدمج بين معطيين يبدوان في نظر الكثير متنافرين أولها الحرية الدينية بصفتها قيمة مركزية في فكر الحداثة تجعل الشخص حرا في الاعتقاد أو اللااعتقاد في أي ديانة، وثانيهما الإسلام وقد شكل العلماء فيه روية مخصوصة للاعتقاد من منظور اصطفائي يرى في الإسلام أفضل الديانات وفي المؤمن خير الخلق وفي الإيمان بالإسلام إلتزاما لا انفصام عنه؟
إن القراءة التاريخية تبين كيف فرضت المؤسسة الدينية في الإسلام سلطتها على العقول والنفوس وعلى العلاقات الاجتماعية بتحالفها مع المؤسسة السياسية وبإقامة صلة وثيقة تربط الدين بالدولة، فلم يكن الفرد بمستطاعه أن يعتقد في ما شاء فكان الانصياع والانقياد لأحكام المؤسسة الدينية أو أن يدفع الفرد حياته ثمنا للحرية التي ينادي بها. والتاريخ الإسلامي يذكر عددا كبيرا من الذين دفعوا حياتهم ثمنا للحرية التي طالبوا بها ([23]).
من الخطأ بمكان التسليم في نظر أنجنير بالتعارض بين الإسلام ومبدأ حرية الاعتقاد. الإسلام لا يسمح فحسب بحرية الاعتقاد بل يؤكد هذه الحرية إذا لم يتم المساس بالركائز الأساسية للدين. والواقع، إن الإسلام لا يختص بمثل هذا المعطى ذلك أن الديانات كلها لا تسمح بمثل هذا الاختراق إذ لكل دين أسس بدونها يكف عن الوجود ([24]).
كيف تشكل حد الردة إذن وكيف تم فرض هذا الحد على من يغير دينه؟
يرفض أنجنير رفضا قاطعا أن يكون مثل هذا الحكم مستمدا من التعاليم القرآنية ذلك أن القران لا يشتمل على أية واحدة تعطي المشروعية لمثل هذه الحد. أما الحديث الوارد في هذا الشأن ([25])، فلا يمكن التسليم بصحه من حيث صحة إسناده، كما يتعين تفحص السياق الذي تلفظ فيه الرسول بهذا الحديث على افتراض صحته ([26]).
إن الفقهاء هم الذين وضعوا حد الردة ولا صلة لهذا الحد بالقرآن، ذلك أن الله لو شاء تثبيت هذا الحد على نحو لا ريب فيه لنص عليه بلفظ صريح ([27]). إن الآية التي تتحدث عن مصير الذين يؤمنون ثم يكفرون ثم يؤمنون ويكفرون ثانية توكل أمر عقابهم لله وحده ” إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا” ([28]) وهي تبين دون مواربة أنه لا حق لأحد من البشر أن ” يتولى عقاب المرتد ذلك أنه ” لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ” ([29]).
لقد رسخ القران الحرية الدينية في الآية ” لا إكراه في الدين ” ([30])، بيد أن المفسرين قد تعسفوا على الآية عندما اعتبروها تلاعبوا بدلالتها واعتبروها منسوخة ([31]).
لا يكتفي أنجنير باعتبار حد الردة لا مستند له من القرآن بل يرى أن حرية المعتقد تمثل مبدأ كونيا كان القران قد دشنه بصريح الآية: ” وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ” ([32])، والآية: ” وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ” ([33]) وهو مبدأ كان صالحا عصر الدعوة وبقي إلى اليوم وسيبقى كذلك ([34])، هذا يعني بالنسبة إلى المفكر الهندي أن القران كان سباقا إلى ترسيخ مبدإ حرية المعتقد قرونا كثيرة قبل دعوة الحداثيين والعلمانيين إلى هذا المبدإ، ويسوق أدلة قاطعة على ذلك. الدليل الأول اعتراف الإسلام بالديانات التوحيدية التي كانت موجودة عند ظهوره واحترام معتنقيها، والدليل الثاني سماحه للمسلم بالزواج من غير المسلمة، أما الدليل الثالث
فيتمثل في أن الدعوة إلى الله التي جاء بها القرآن لا تكون بالإكراه بل بالحكمة والموعظة الحسنة ” وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ” ([35]). إن هذه الأدلة تبين دون مواربة أن الإسلام حفظ للإنسان حقه في الإيمان أو عدمه ([36]).
كذلك فالقران رسخ مبدأ مركزيا من مبادئ العقيدة هي مسؤولية الإنسان وحريته في اختيار ديانته، إن هذه الحرية التي شرع لها الإسلام لا تتصل فحسب بحرية الإنسان في اعتناق الإسلام بل وأيضا بحريته في الانسلاخ منه: حرية الضمير إذن لا يمكن أن تكون في نظره في اتجاه واحد “cannot be a one way traffic ” ([37]) أي في أتجاه الدخول إلي الإسلام، بل يجب أن يكون الحق مكفولا أيضا لمن يريد الخروج منه.
الاعتقاد مبدأ فردي، و” اللااعتقاد ” كما تغيير الديانة حق للفرد يمكنه اللجوء إليه إذا كفت الديانة التي يعتنقها عن مخاطبة ضميره .([38]).
إن الحد من حرية المسلم في مغادرة الإسلام واعتناق الديانة التي يرتضيها لا علاقة له بجوهر الديانة، ولشرح هذه الفكرة يقدم أنجنير تفسيرا اجتماعيا وتاريخيا لدواعي تشكل حد الردة، فيذهب إلى أن هذا الحد كان يعكس الحاجات المجتمعية التي كانت الدولة في الإسلام في حاجة إليها كالأمن والاستقرار، لذلك عد الخروج من الإسلام معادلا لمبدإ عصيان الدولة الذي كانت عقوبته القتل. إن الفقهاء، بحكم الترابط والتضامن الذي كان قائما بين السلطتين الدينية والسياسية هم الذين استجابوا لحاجة الدولة إلى الاستقرار من خلال مقايستهم خطر الانسلاخ من سلطة الدولة على خطر الانسلاخ من العقيدة فبلوروا تبعا لذلك حد الردة وأضفوا لباسا دينيا عليه. ([39])
إن الباحث في العصر الحديث. بمقدوره أن يتفهم السياقات التاريخية التي تبلور فيهما قديما مفهوما ” دار الإسلام ” و” دار الحرب “. لقد كانا مفهومان لهما وجاهتهما في العصر الوسيط ذلك أن مثل هذا التقسيم الثنائي كان يعكس رؤية معينة للعالم لا يخرج فيها الإنسان على أن يكون مسلما أو على غير ملة الإسلام. غير أن هذين المفهومين فقدا اليوم كل معقولية، فالناس في العصر الحديث صاروا يعيشون في نطاق ديمقراطيات علمانية تضمن لهم حقوقا متساوية تنص عليها الدساتير من بينها حرية المعتقد، يضاف إلى ذلك أن هذه الدول التي يسكنها الآخر ذاك الذي بيده
القوة والتقدم والمدنية لا يمكن باي حال من الأحوال أن نطلق عليها تسمية ” دار الحرب “، في حين أن دولا أخرى يدرجها الفقهاء ضمن مفهوم ” دار الإسلام ” هي دول كليانية واستبدادية على النحو الذي نراه في الإسلام الخليجي ([40]).
إن الهند بصفتها بلادا ديمقراطية وعلمانية تمثل أنموذجا يتجسد فيه مبدأ حرية المعتقد من خلال التعايش القائم بين ديانات شيء وطوائف مختلفة الملة دون أن تكون في حاجة إلى الاندراج في مفهوم “دار الإسلام “.
الحرية الدينية مطلب ملح لا تفرضه المقتضيات الحديثة فحسب بل يستمد مشروعيته من جوهر الدين الإسلامي الذي مثل ثورة ليس دينية فحسب بل اجتماعية واقتصادية أيضا ذلك أنه أعطى للمجتمع الإنساني نظاما قيميا جديدا ودعم توق الإنسان للتغيير نحو الأفضل ([41]). إن هذا التوق للارتقاء بالإنسان إلى مرتبة الكمال هو الذي يسند المشروعية لكل دعوة ترى تهافت حد الردة الذي قرره الفقهاء وانبتات صلته بالنص القرآني وضرورة تأسيس مجتمعات حديثة تنبني على الحق في المواطنة والحق في الحرية بمختلف وجوهها.
إن سلطة المؤسسة الدينية تشهد اليوم تراجعا لافتا للنظر بفعل التحولات العميقة التي تشق العالم الإسلامي، إن تهاوي سلطة المؤسسة الدينية وإن كانت متفاوتة من مجتمع إلى آخر باعتبار أن العديد من المجتمعات لا تزال يرتبط فيها الدين بالدولة، فإن هذه التحولات سائرة لا محالة في اتجاه انعتاق تدريجي للضمير الديني يسمح له بممارسة حقه في الاعتقاد كيفما شاء دون رقابة على الضمائر والأنفس.
في المساواة بين الجنسين
كثيرا ما تتحصن الكتابات التي تخوض في وضعية المرأة من منظور تقليدي بالقول إن الشريعة الإسلامية كرمت المرأة وأسندت إليها من الحقوق ما لا يضاهيه أي تشريع أخر وبالتأكيد على أن المناداة بالمساواة بين الجنسين هي مقولة تغريبية غير صالحة بل وغير ممكنة في ضوء الشريعة الإسلامية وأحكامها اعتبارا إلى أن قيمة المساواة مثلها في ذلك مثل بقية القيم الحديثة قد انبثقت في مجتمعات أخرى غريبة عن البيئة الإسلامية الحق، ولا يؤدي تبنيها بالتالي إلا إلى إسقاط قيم اجتماعية وأخلاقية تتنافى مع ما نصت عليه الشريعة الإسلامية مع ما ينتج عن ذلك من استلاب وتغريب.
إن هذه المواقف الدفاعية التي ترفض الدعوة إلى المساواة بين الجنسين وتتهم الداعين إليها بكونهم من صنائع الاستشراق ومن دعاة التشبه بالأخر الغربي تهمل أن الفقه الإسلامي تشكل خلال القرنين الثاني والثالث وفي سياق تاريخي كانت المشروعية فيه يحتكرها الخطاب الديني والناطقون باسمه، وهو سياق يختلف جذريا عن الذي نعيشه اليوم، وهذا يعني في نظر انجنير أن الأحكام المتصلة بالمرأة التي نص عليها الفقهاء إنما تعكس الوضعية التي كانت للمرأة في الواقع الاجتماعي آنذاك، وأن موقف العلماء المحافظ والرافض لكل تغيير يمس من هذه الأحكام إنما يسعى إلى تأبيدها وإلى خلع صفة التعالي عليها ([42]).
لقد ظل العلماء يقاومون كل موقف مخالف ومغاير لرؤاهم ويقدمون الدعوة إلى المساواة بين الجنسين بصفتها دعوة تتعارض مع الأحكام الدينية المطابقة للإرادة الإلهية، وهم في حقيقة أمرهم يخفون خوفهم من كل تغيير قد يمس مصالحهم ويعملون بشكل مباشر كي يحافظوا على الامتيازات التي يتمتعون بها وعلى مواقعهم الجندرية . ([43])
لا ينفك أنجنير يذكر في دراساته ببشرية هذه الأحكام وبتاريخيتها وبكونها لا تعكس الإرادة الإلهية بل هي تكشف عن اجتهادات أصحابها ورؤاهم ([44]). الشريعة الإسلامية صاغها الفقهاء وضمنوها أحكامهم، وأنجنير لا ينفك في دراساته العديدة يذكر بتاريخية هذا التشكل وبالسيرورة المعقدة التي مر بها، آية ذلك في نظره انقسام الإسلام إلى سني وشيعي وخارجي واعتزالي واختلاف المدارس الفقهية داخل الإسلام الواحد، يضاف إلى ذلك المجادلات العميقة التي حفت بتثبيت أصول الفقه واختلاف المسلمين في مدى حجيتها وضبط وجوه تحققها على نحو يعصف بثلاثة منها هي السنة والإجماع والقياس، كذلك انبناء الشريعة على الحديث النبوي مع ما يحيط به من علل ومطاعن تمنع من التسليم بحجيته هو أيضا.
ينتقد أنجنير مواقف العلماء التي تتشبث بظاهر النصوص وتتعسف في تأويلها وتهمل في المقابل الثراء الروحي الداخلي الذي تضمنته رسالة القرآن، وهو ينبه إلى البون الهائل الذي يفصل منطوق الرسالة الإلهية عن الأحكام التشريعية التي صاغها الفقهاء والتي كانت متأثرة بوضعيات بشرية شأن هذه الأحكام في ذلك شأن أي فكر يتأثر بالواقع الذي يصدر عنه: لقد كانت المرأة تابعة للرجل في المجتمعات الذكورية ومن بينها المجتمع العربي والإسلامي القديم، والأحكام الفقهية عكست بكل بساطة هذه الوضعية الاجتماعية وأضفت عليها المشروعية الدينية بواسطة تأويل الآيات القرآنية المتصلة بالمرأة على نحو ينسجم مع المعايير الأخلاقية والاجتماعية السائدة عصرئذ ويتماشى مع النظرة القائمة عن المرأة
والمهيمنة آنذاك.
هكذا تم تجاهل كل الإشارات القرآنية التي تحث على المساواة بين الرجل والمرأة إما بالقفز عليها أو بتأويلها على نحو يفرغها من مقاصدها الحقيقية.
يتحدث أنجنير عن خاصية مركزية في الخطاب القرآني هو ذلك ” التوتر الخلاق بين الموجود والمنشود
” a creative tension between what is and what ought to be بيد أن هذا التوتر اختزله العلماء بتغليب سلطة السائد والموجود وتثبيته، وتم بالتالي وأد الممكنات التأويلية التي كانت تذهب في اتجاه تغيير أوضاع المرأة في اتجاه الأفضل.
إن هذا التوتر من منظور هذا المفكر لا يمس من تعالي القران ومن قدسيته، ذلك أن القرآن وإن كان مصدره إلاهيا، فهو مرتهن بطبيعة القراءة المجراة عليه، القران إلهي ولكن قراءته بشريه تختلف من قارئ إلى آخر ومن مذهب إلى آخر. إن ما هو بشري هو بالضرورة نسبي وما هو نسبي يصير بداهة قابلا للتجدد والتغيير. الشريعة في نهاية المطاف تنبني على فهم بشري لنص إلهي وهي بالتالي قابلة للتغير بل عليها أن تقبل التغير. ([45]).
إن القول بتعالي القران لا ينفي احتواءه على تعاليم وثيقة الصلة بالبنية المجتمعية السائدة آنذاك لدى العرب، إن هذه التعاليم تكشف في نظر أنجنير عن القيم الاجتماعية والعادات القبلية التي كانت تحكم تلك المجتمعات من بينها عادة الظهار ([46]) إلي عرفها العرب وأخبر عنها القران في مواضع عدة ([47]) ونص على عقاب المظاهر بتحرير رقبة. لقد كانت هذه العادة مستشرية لدى العرب وهي في نهاية المطاف عادة قبلية اختص بها العرب ولا وجود لها في مجتمعات أخرى.
لقد كان الحكم الوارد في القرآن لمعالجة هذه الوضعية منسجما مع طبيعة المجتمع العربي القديم الذي يكثر فيه عدد الرقيق . أما اليوم فمن أين لمسلم ظاهر زوجته أن يأتي بعبد ليعتقه خصوصا وقد ولت مؤسسة الرق وانقضت؟ وقس على ذلك تشريعات عديدة تتصل بالرقيق لم يعد من داع اليوم للمحافظة عليها.
يبين هذا المثال وغيره إذن الترابط الوثيق القائم بين التشريع والواقع التاريخي، وهو ما يحمل في تصوره على ضرورة التمييز في التعامل مع النص القرآني بين ضربين من الآيات: الآيات المعيارية normative verses والآيات السياقية contextual verses، أما الضرب الأول فآياته أبدية وتتعالى على كل قراءة سياقية في حين أن الضرب الثاني من الآيات لا يفهم إلا بالرجوع إلى سياق الواقع التاريخي الذي انبثقت فيه هذه الآيات وعنه أخبرت وبه اصطبغت.
وهنا ينبه أنجنير إلى مفارقة خطيرة تتمثل في كون المفسرين والفقهاء قد اعتبروا عددا كبيرا من الآيات التي يخبر فيها القران عن المرأة والتي هي بالنظر إلى طبيعة الإخبار فيها آيات سياقية، اعتبروها آيات معيارية وأسندوا لها تبعا لذلك صفة الأزلية والثبات وأهملوا بالتالي تجذرها في التقليد الاجتماعي لمجتمع القرن السابع ميلادي.
إن هذه القراءة النقدية التي يقدمها أنجنير لا تخلو من طرافة فهي تخلخل مسلمات التأويلية القديمة فيما تنتهي إليه من ضرورة التمييز في الخطاب القرآني بين ما هو خالد وأزلي ويخاطب كل المجتمعات على اختلاف أعراقها وأجناسها وتباين عاداتها وسلوكاتها، وما هو ثقافي متحول بالضرورة كان متصلا بمجتمع الدعوة وصارت صلته بمجتمع اليوم بمشاغل المسلم الحديث صلة باهتة بل هي منقطعة خصوصا في المجتمعات التي تعيش إسلاما يبتعد بقدر كبير أو صغير عن المجتمع الذي أخبر عنه الفقهاء وخصصوا له أحكامهم.
يبدو أنجنير مدركا للاعتراضات التي يمكن أن توجه إليه وهي أن القرآن لا ينفرد بالبيان بل يعاضده الحديث النبوي الذي اضطلع بوظيفة الشرح والبيان على النحو الذي حدده الأصوليون، لذلك فهو يسارع إلى إثبات تهافت هذا الاعتراض إذ أن الأحاديث النبوية المنسوبة إلى الرسول والتي يمكن أن نسلم بصحتها هي بدورها سياقية ولا يمكن أن تخرج في دلالاتها ومعانيها عن الإطار المجتمعي الذي عاش فيه الرسول والمجتمع الإسلامي الأول. إن هذا الفهم ينسحب بدوره على الأحاديث التي تتصل بتفسير القرآن ذلك أن الرسول لم يكن ليفهم القران خارج المعطى السياقي بمحدداته الاجتماعية واللسانية ([48]).
تدعم الآية الرابعة والثلاثون من سورة النساء هذا التمشي التأويلي الذي يذهب إليه أنجنير، ذلك أن منطوق هذه الآية : ” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ” يكشف عن الوضعية التي كانت تعيش فيها المرأة في القرن السابع ميلادي بالجزيرة العربية، وقد ذكر المفسرون القدامى كالرازي والطبري في أسباب نزول هذه الآية كيف أن امرأة اشتكت أمر ضرب زوجها إياها إلى الرسول وأباح لها الرسول لطم زوجها، غير أن الوحي نزل مخالفا لرغبة الرسول وأتاح للرجال ” تأديب النساء ” بالضرب.
إن هذه المخالفة في تقدير هذا المفكر الهندي تكشف دون مواربة عن سعي القران إلى المحافظة على “الإيتوس الاجتماعي ” ( (social ethos القائم وتبين بشكل قطعي أيضا أن الاية المخبرة عن تأديب المرأة بالضرب وبقية الآيات المتضمنة أحكاما تشريعية مرتهنة بالمعطى السياقي والتاريخي ([49]).
إن التمثلات والمواقف والرؤى المتصلة بالمرأة كما العادات والأعراف التي كانت سائدة في القرون الإسلامية الأولى هي التي تشرب بها الفقه الإسلامي ووجهت تشريعات الفقهاء وتابعهم العلماء التقليديون في العصر الحديث الذين لا يكتفون بإعادة إنتاج المواقف القديمة بل يصرون على تضييق الخناق على المرأة في ادعائهم أن المسلم يتوجب عليه اتباع الأحكام الفقهية اتباعا كليا في كل جزئياتها.
يدرك أنجنير أن جوانب كبيرة من الحياة الاجتماعية للمسلمين صارت اليوم معلمنة مثل قوانين الملكية والعقود والقوانين الجنائية والمعاملات المالية والمصرفية وغيرها، ولكن الأحكام المتصلة بالمرآة من زواج وطلاق وميراث ونحوها تظل عصية عن العلمنة ([50]). إنها مقاومة صلبة تلك التي يقودها الرجل برفض كل تغيير قد يهدد الامتيازات التي يعتبر أن الشريعة منحتها إياه أو يقلل من الحقوق التي أسندها القرآن له.
إن مثل هذا الاعتراض ونزعة المحافظة التي ظل الفكر الإسلامي التقليدي يتسربل بها بدعوى الاقتداء بالسلف الصالح في تعاليمهم ورواهم لا يمكن أن يصمدا في وجه التغييرات الحتمية التي تصيب العالم الإسلامي وإن على نحو بطيء ومتفاوت من مجتمع إلى آخر وفي وجه الوعي العلمي الذي يبين على نحو لا يدع مجالا للشك أن الأحكام الدينية المتحصنة بالغيي والماورائي تجد تفسيرا لها في العوامل التاريخية والبشرية والاقتصادية والنفسية والسوسيولوجي، وهي في نهاية المطاف إيديولوجيا ذكورية وإن كانت لا تزال لها الهيمنة في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية فإنها قد فقدت جانبا كبيرا من البداهة التي كانت لها في السابق.
يؤكد أنجنير على ضرورة استيعاب ” الروح الديناميكية للقران”، the dynamic spirit of Qur’an وهي ديناميكية تنهض على تقاطع قائم داخله بين الزمني والمطلق، بين التاريخي والأبدي: الزمني هو ما أخبرت به الآية 34 من سورة النساء وغيرها من الآيات التي نقرأ فيها تمييزا بين الرجل والمرأة. أما الأبدي فهو ما نصت عليه الآية: ” إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” ([51]). إن استيعاب هذه الروح القرآنية الأصيلة سيولد قطعا تغييرا حتميا في المجتمعات الإسلامية في اتجاه تثبيت مبدإ المساواة بين الجنسين.
لقد أزف وقت وضع المساواة القرآنية بين الجنسين موضع التطبيق، والمجتمعات الإسلامية اليوم لا خيار لها، إن هي أرادت معانقة الحداثة، سوى استلهام تعاليم القران الخالدة والارتكاز على الآيات المعيارية الأبدية والمنسجمة مع القيم المركزية التالية: العدل والإحسان والرحمة التي تنص عليها آيات عديدة من قبيل الآية: ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ” ([52]).
يتوجه القرآن بالخطاب إلى المستضعفين في الأرض لتحقيق العدالة ويخاطبهم بالقول : ” ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ” ([53]) القران يريد إعادة الاعتبار للمستضعفين في الأرض والمرأة تنتمي إلى هذه الفئة في المجتمعات الذكورية.
ينبه أصغر علي أنجنير إلى أن القيم السالفة الذكر لا يمكن فهمها خارج نطاق فهم العصر لها ذلك أن فهم العصر الوسيط للعدل يختلف عن الفهم المعاصر لهذه القيم، عصرنا اليوم عصر ديمقراطية والعدالة لا يمكن تحقيقها إن لم تتحقق المساواة بين بني الإنسان دون تمييز بجنس أو عرق أو ديانة. أما في القديم فلم يكن التمييز بين الرجل والمرأة أو وجود الرق أو المراتبية القائمة في المجتمع مولدة لأي تساؤل أو نفور. بون كبير يفصل إذن بين أحكام الفقهاء فيما يخص العبد الآبق على سبيل المثال والتي لم يروا فيها غضاضة أو تعارضا مع قيمة العدل ومع الشريعة التي تحدثوا باسمها، وما تنصص عليه التشريعات الحديثة في خصوص حقوق الأطفال ومنع عملهم لخرقه مبدإ العدالة.
إنه إضافة إلى البون الشاسع بين التصور التقليدي والتصور الحديث للعدل فإن الأرثوذكسية الدينية لا ترى في التشريعات الحديثة المجسمة للعدل غير مخالقة للتعاليم الإلهية ولأحكام الشريعة الإسلامية. إن هذا الموقف النكوصي الذي ينفر من القيم الحديثة ويجرمها هو المانع الفعلي في رأي أنجنير لكل تغيير إيجابي في وضعية المرأة في اتجاه المساواة بينها وبين الرجل على الرغم من أن القران في آيات عديدة يوفر مستندات لمثل هذه المساواة .
مقاصد القران الحقيقية هي الوصول إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة مصداقا لقوله: ” وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ” ([54]).
لقد كان القران مستوعبا لمقتضيات العدل التي اقتضاها العصر الإسلامي الأول مثلما استوعب المقتضيات التي تحتاج إليها العصور اللاحقة من خلال إمكانات التأويل التي سمح بها. إن هذه الإمكانات الفسيحة التي يتيحها النص القرآني هي التي تجعل من فهم القران للعدل فهما يتجاوز النطاق القبلي الضيق ليصير مبدأ كونيا ([55]).
إن الحادثة التي أباح فيها الرسول للمرأة أن تقتص من زوجها الذي ضربها وإسراع القران بمخالفة رأي النبي بجعل سلطة التأديب بيد الرجل تبين بما لا يدع مجالا للشك أن القرآن راعى أحوال المتقبلين عصرئذ وإيد حق الرجل في تأديب امرأته حتى لا تتعارض أحكامه مع القيم المجتمعية السائدة آنذاك. لقد كان من غير العدل عند المسلمين آنذاك أن تقتص المرأة من زوجها إن هو ضربها.
لا يعيب القران في شيء أن يجعل للرجل حق تأديب زوجته بالضرب، ولكن العلماء لم يفهموا أن هذا ” الإجراء ” وقتي ومنسجم مع ذهنية العرب حديثي العهد بالإسلام. لقد غلب العلماء سلطة الموجود وثبتوه وأهدروا بالتالي الممكنات التأويلية التي يتيحها القران لصالح المقتضيات التي فرضتها عصورهم وللــ” إيتوس الاجتماعي ” القائم، ويستدل أنجنير على ذلك بمسألة تعدد الزوجات التي اعتبرها العلماء حقا أباحه القرآن للرجال في الآية الثالثة من سورة النساء ” فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ” .
لقد كان تعدد الزوجات في نظره إجراء محدودا ووقتيا دعا إليه ارتفاع عدد الأرامل واليتامى بفعل الغزوات مع الدعوة إلى الاكتفاء بأربعة وإلى العدل بين كل الزوجات، لقد كان هذا الإجراء آنذاك ثوريا إن نحن استحضرنا السائد لدى العرب من عادة الإكثار من النساء، بيد إن المفسرين لم يقرأوا الآية السالفة الذكر بربطها بالآية السابقة لها ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ” والتي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة، كما أنهم لم يربطوا هذه الرخصة بالخشية من أكل مال اليتامى التي بينتها الآية : “وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ” مثلما لم يربط المفسرون بين الجزء الثاني من الآية الثالثة ” فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ” وبين : ” وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ” ([56]) وعوض أن تنتهي القراءة بالمفسرين للايتين إلى استحالة العدل بين النساء وبالتالي لانتقاء مشروعية الإباحة، فإنهم اتكأوا على الحديث النبوي ليجعلوا باب الإباحة مشرعا. ([57])
إن قطع السبيل اليوم أمام الذين يدعون شرعية تعدد الزوجات ويدعون إليها لهو في نظر أنجنير خير وفاء للمقصد القرآني، وقس على ذلك ضرورة إسناد الحق في الطلاق للمرأة مثلها في ذلك مثل الرجل ([58]).
ينتهي أصغر علي إلى اعتبار ما عد من الأحكام صحيحا لا يتغير إنما هو نسبي تاريخي ويمكن تغييره بتبدل الظروف التي ولدت وجوده، تنسحب هذه النتيجة على الأحكام المتصلة بالمرأة فما عده القدامى كافلا لحقوق المرأة صار اليوم غير ذي جدوى. إن الضمير الإنساني ضمير متحول والقيم الأخلاقية والاجتماعية تتعدل وتتكيف وفق رؤية الضمير الإنساني لها فما عد عادلا في عصر من العصور يكف عن أن يكون كذلك في عصور أخرى.
محصلة موقف أنجنير فيما يخص المرأة أن الفكر الإسلامي الحديث مطالب بإعادة قراءة عديد الآيات التي وظفت طيلة قرون لتثبيت دونية المرأة وقصورها وعدم نديتها للرجل. إن هذه الدونية هي من أثر الثقافة والاجتماع في حين أن الإسلام والقران منها براء.
إن شرط الإصلاح الديني في تقدير أنجنير إعادة تأويل القران باستحضار سياق تاريخي جديد مثلما استحضر القدامى سياقهم التاريخي عندما تعاملوا مع القران. إن مقاصد القرآن الحقيقية هي الوصول إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة مصداقا لقوله:” وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ” ([59]) .
ملاحظات نقدية
يعمل أنجنير على تقديم قراءة شاملة لمناحي الفكر الإسلامي تجمع بين القراءة التاريخية للشريعة الإسلامية والتأمل الرصين في المقتضيات المعرفية الحديثة التي يتعين على المسلم في العصر الحديث الانخراط فيها، وما لاحظناه هو خيط ناظم بين الدراسات التي اطلعنا عليها لهذا المفكر يتمثل في التأكيد على تاريخية الأحكام الفقهية واستجابتها لحاجات المسلمين القدامى وعدم قدرتها في المقابل على تقديم إجابات مقنعة للضمير الديني الحديث.
إذا كنا ركزنا على موقف أنجنير من قضيتي حرية المعتقد والمساواة بين الجنسين فلأننا نعتبر هذه القضايا من أكثر القضايا المحرقة التي شدت إليها المفكرين المسلمين المندرجين في مشروع تحديث الفكر الإسلامي: الأولى بصفتها جوهرا لكل محاولة جادة وجريئة للتفكير في الدين ولها مساس مباشر بمسؤولية الإنسان وحريته الأساسية عموما وبحرية المفكر تخصيصا في أن يصدع برأيه دون خوف على نفسه من دعاوى التكفير وإقامة حد الردة عليه.
ودون شك، فإن الرقابة الصارمة التي تفرضها المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية، بتضامن كبير بينهما، على كل من يجرؤ على إعادة النظر في المسلمات الدينية تدفع بعدد من المثقفين إلى مغادرة مواطنهم كشأن فضل الرحمان ونصر حامد أبو زيد وعبد الكريم سوروش وغيرهم، وتحملهم على الإلحاح على مركزية الحرية الدينية وضرورتها بصفتها مفتاحا لكل عمل نقدي يروم بناء فكر ديني جديد كما تدفعهم إلى تأكيد تهافت حد الردة وانقطاع صلته بالنص القرأني وتعبير هذا الحد عن عقلية قروسطية لا ترى في الاختلاف غير تهديد محدق بالدين يجب مقاومته . أما قضية المساواة بين الرجل والمرأة التي سعينا إلى رصد موقف أنجنير منها فتندرج ضمن قضية تحرير المرأة، تلك القضية التي مثلت قطب الرحى في كل دعوة إلى الإصلاح الديني والاجتماعي منذ عصر النهضة وإلى اليوم.
إن تركيزنا على هاتين القضيتين دون غيرها فرضته حدود الدراسة التي أقمناها ذلك أن في ثراء فكر أصغر على أنجنير وتنوعه ما يقتضي دراسة ضافية لقضايا عديدة من بينها الموقف التأويلي الذي يتبناه هذا المفكر والآليات التي يستخدمها في مشروعه النقدي خصوصا واهتماماته الفكرية تتعدى حدود النص الديني لتنفتح على مشاغل جديدة لعلها في صميم ما يطرحه اليوم لاهوت التحرر في تجارب توحيدية مغايرة. لذلك، لا يكتفي أنجنير بنقد إسلام الفقهاء، إسلام الشعائر والطقوس والأحكام الفقهية الجامدة بل يعمل على تجذير لاهوت جديد ([60]) قوامه تجربة روحية عميقة وقراءة تأويلية ثورية للنص الديني وللتراث عموما تلتقط العناصر الحية فيه وتعمل على تغيير الواقع الاجتماعي والقضاء على الظلم والفاقة والتمييز بين البشر.([61])
يدرك أنجنير وطأة دعاوي التقليد وغلق باب الاجتهاد التي يفرضها العلماء التقليديون وتحميها المؤسسة الدينية، لذلك نراه لا يتواني عن حشد المؤيدات النصية التي تبيح وتؤيد إعمال الرأي والاجتهاد. وهو يعتبر أنه أيا كان حجم الضغط الذي تمارسه هذه المؤسسة للحجر على العقول، فإن الاجتهاد الذي انخرط فيه الفكر الإسلامي الحديث يفتح أبوابا جديدة لإعادة التفكير في الإسلام أسوة بالجهد الذي بذله المفكر الهندي محمد إقبال والذي بشر فيه ب” مولد العقل الاستدلالي ” الذي أدى إليه ” إلغاء النبوة “. يقول إقبال: ” إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسه. وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا على الأبد على مقود يقاد منه، وأن الإنسان، لكي يحصل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو ” ([62]).
لقد سبق لإقبال أن دعا إلى المساواة بين الرجل والمرأة باعتبار أن قاعدة تفوق الرجل على المرأة هو افتراض مناف لروح الإسلام ([63]). إن هذه الروح الاجتهادية هي التي عمل على التقاطها أصغر علي أنجنير وتبلورت على وجه الخصوص في كتاباته وفيما لاحظناه لديه من برم ومن شعور حاد بما انتهت إليه قراءة الفقهاء للنص القرآني من تكبيل الدلالة فيه وتحنيطه. والواقع، إن الشعور بوطأة الموروث التفسيري وما يرزح تحت ثقله النص القرأني من أثر القراءات قد انبثق في الفكر الإسلامي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وتلميذه رشيد رضا حين أكدوا على ضرورة الإصلاح الديني ووضعوا له الركائز التالية: أولا تبرئة الإسلام من مسؤولية التخلف الذي أصاب المسلمين وتحميل المسلمين مسؤولية ما آل إليه أمرهم. ثانيا تبرئة القران من الجمود الذي خيم عليه واعتبار أن الجمود ليس من صفاته بل من أثر تحجر قراءته. ثالثا الدعوة إلى إعادة تفسير القران على نحو يستجيب لحاجات المسلمين المستجدة.([64])
لا نرى أنجنير غريبا عن هذه الاستراتيجية، فكتاباته في وجه من وجوهها تنطق بها وإن تسربلت بلبوس جدة الطرح . إنه يؤكد باستمرار من خلال حديثه عن الروح الديناميكية الكامنة في القران على قدرة هذا النص على استيعاب مقتضيات العصر، وكثيرا ما يعيب على المفسرين تقصيرهم في فهم القرآن ووقوفهم عند المستوى الأول أي المستوى الزمني لا يتعدونه، هؤلاء جمدوا بعقولهم عند العصور القديمة واعتبروا العرضي أبديا. أما الدائم والأبدي فقد أهملوه واطرحوه جانبا ([65]).
ولكن ما معيار تحديد الآيات الظرفية والآيات الأبدية؟ ألسنا في كل تقسيم نقيمه لآي القران بتصنيفه إلى زمني عارض وأبدي دائم نكون قد انخرطنا بدورنا في قراءة تأويلية وزمنيه مشروطة بأفق المؤول والحاجات المجتمعية التي يعبر عنها؟
إن القراءة التي يقدمها أنجنير والتي تحاول توسيع أفق الاجتهاد الذي يتحرك في نطاقه الفكر الإسلامي الحديث باستحداث قراءة ثورية للقران تسعى إلى التقاط ” الروح الديناميكية للقران ” تتشابه في رأينا إلى حد كبير مع القراءة السهمية التي دعا إليها محمد الطالبي وسعى إلى تطبيقها على القضايا نفسها التي يهتم بها أنجنير والتي مدارها مصالحة المسلم في العصر الحديث مع القيم الحديثة ([66])، مثلما نرى في مفاهيم ” الآيات الظرفية ” و” الآيات الأبدية ” و” الآيات السياقية ” و” الآيات المعيارية ” التي يوظفها أنجنير تقاطعا واضحا مع المنهجية التي اعتمدها المفكر السوداني محمود محمد طه في تقسيم القران إلى آيات فروع وآيات أصول : الأولى آيات وقتية ويمثلها القران المدني وقد كانت صالحة لمجتمع الدعوة الذي نزلت فيه، والثانية أبدية وتشمل الايات المكية والتي يعتبرها طه صالحة للعصر الحديث ([67]).
تسعى هذه القراءات جميعا في وجه من وجوهها إلى الانخراط في تجديد قراءة القرآن عبر البحث فيه عما هو جوهري ثابت في القران وترك ما هو عرضي زائل مرتبط بالتاريخي والظرفي وذلك خيط واصل بينها، غير أن لكل قراءة منها في تقديرنا مفاتيحها وخصائصها وحدودها الإجرائية والمعرفية.
إن ما لاحظناه في دراستنا لأنجنير أن تحمسه لإثبات ” براءة القرآن ” من الأحكام التي ضمتها الشريعة الإسلامية كثيرا ما يوقعه في منازع تبريرية بل وأحيانا في قراءة متضاربة في منطقها الداخلي، من ذلك أنه يعتبر أن مقاصد القرآن الحقيقية هي الوصول إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة اعتمادا على الآية: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ” ساكتا عن باقي الآية ” وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ” ([68]) التي لا تستجيب في دلالتها الظاهرة لمبدإ المساواة التامة بين الرجل والمرأة. إن ما يعمد إليه أنجنير في قراءته الانتقائية للآية هو الوجه الآخر لما قام به عموم المفسرين، ففي حين أنهم أقاموا تأويلهم المثبت لأفضلية الرجل على المرأة على عبارة ” الدرجة ” وتقننوا في إسنادها شتي الدلالات المتصلة بالاختلافات الاجتماعية والنفسية والبيولوجية بين الرجل والمرأة، بنى أنجنير تأويله المدافع عن مبدإ المساواة بين الجنسين اعتمادا على المقطع القرآني ” لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ” .
إن قراءة أنجنير السالفة الذكر لا تخلو من إسقاط، ذلك أنها تتبنى مفهوم المساواة المستقى من المنظور العلماني ومن فكر الأنوار وتحاول أن تسقطه على تجربة الإسلام، فهل يمكن التسليم باستيعاب المفهوم القرآني لل” مساواة ” للمفهوم الحديث للمصطلح نفسه؟
من جانب ثان لا يسحب أنجنير النتيجة التي توصل إليها والقائلة باشتمال القران في مستوى ” المنشود” على المساواة الكلية بين الرجل والمرأة، على المساواة بينهما في الميراث، فهو يذهب إلى أن ما في الآية 11 من سورة النساء ([69])، من عدم المساواة بينهما في الميراث يجب تنزيله في سياقه التاريخي لمجتمع الدعوة باعتبار أن المهر كان يعوض في السابق نقص ميراث الأنثى عن الذكر باعتبار أن المرأة لم تكن مدعوة إلى الإنفاق. غير أن أنجنير يسكت عن طبيعة الآية الأنفة الذكر إن كانت سياقية أو معيارية على ضوء التقسيم الذي أقامه لآيات القرآن، كما أنه لا يخوض في إمكان القول بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث في ضوء المنشود الذي يروم القران الوصول إليه وكذلك في ضوء ما يقرضه الواقع اليوم من تغير عديد المعطيات من بينها فقدان المهر للقيمة التي كانت له في السابق، كذلك ما تشهده اليوم عديد المجتمعات العربية والإسلامية من خروج قطاعات عديدة من النساء إلى العمل خارج البيت صرن يساهمن في الإنفاق وفي تحمل أعباء الأسرة على نحو مساو للرجل ([70])، يضاف إلى ذلك أن عدد المفكرين والحقوقيين والجمعيات المدنية المطالبة بإلغاء التمييز بين الجنسين في كل المجالات ومن بينها الميراث ما انفك يتزايد ([71]).
إن تهيب أنجنير من الولوج إلى مناطق محظورة في النص القراني لا يفسر في تقديرنا بثقل الموروث الديني فحسب بل قد يفسر أيضا بوطأة الأعراف والعادات المحلية المتصلة بالمهر وبالميراث في الإسلام الآسيوي.
إن ما نلاحظه أن أنجنير وإن حاول باحتشام إعادة النظر في مبدا قدسية القران، فإنه وقف عند عتبة فهم القران لا يتخطاها واكتفى بسقف تأويلي كان منتهاه النقد الذي وجهه صوب ما اعتبره منتجات إنسانية بشرية قابلة للنقد وإعادة النظر فيها.
إننا لم نر فيما اطلعنا عليه لأنجنير تخطيا لهذه الحدود اللاهوتية، فالقران في تنزله وحيا على الرسول محمد وفي تبليغه إياه إلى صحبه، وفي تاريخ تشكله مصحفا يبقى بمنأى عن كل مساءلة ([72]). في مقابل هذا التهيب، فإن أنجنير لا ينفك يؤكد على تهاوي صرح مدونة الحديث ويرى في مواقف السلف من الحديث ومن الاحتجاج به وهشاشة الإقرار بحجيته بدءا بموقف الرسول الناهي عن تدوينه، وموقفي أبي بكر وعمر المسايرين له دليلا على طابعه الخلافي، كما يرى في تباين الصحابة من حيث مؤهلات فهمهم وحفظم ومدى قرابتهم من الرسول واستيعاب كل ما تلفظ به، وفي نسبية جهود نقاد الحديث كالبخاري مسلم واستشراء ظاهرة الوضع فيه ومسعى المدارس الفقهية للبحث عن مستندات نصية من الحديث، كل ذلك يرفع دون ريب الثقة عن الحديث.
إن تجاوز السقف التأويلي الذي أشرنا إليه سلفا يظل محدودا ومشدودا إلى بعض المسلمات إلي لم يكن من اليسير على الفكر الإسلامي الحديث تخطيها تخطيا حقيقيا، بل إن هشاشة البنية النفسية للمفكر الحديث ووطأة الموروث الديني وثقل مسؤولية إعادة النظر في التراث ومراجعته تظل تتربص ببعض المفكرين لترتد بهم إلى محطات كثيرا ما نتصور أنهم كانوا قد تخطوها ([73]).
إن ما يحسب لأنجنير هو فهمه العميق للواقع الاجتماعي والسياسي والفكري للمسلمين اليوم وتنبهه إلى شتي العوائق إلي تمنع من تحقيق التحديث الفعلي والتزامه الفعال بالكتابة والنشر في دعم الوعي التاريخي والدعوة إلى الانخراط في شروط التحديث الحقيقي المادي منه والفكري ومعانقة قيم الديمقراطية والعدالة وثقافة حقوق الإنسان وتعويد المجتمعات على الفكر النقدي الحديث ([74]) القائم على التنوع والاختلاف، خصوصا إذا ما كان هذا الاختلاف صادقا ونزيها ويتيح أفقا أرحب للتفكير. لم يكن مؤسسو المذاهب الفقهية الكبرى طيلة القرنين الثاني والثالث للهجرة يهابون الاختلاف، فكيف نخشى نحن منه اليوم ؟ ([75]).
لقد كان الإسلام في بداياته ثورة على الظلم والجهل وسعيا إلى هداية الإنسانية نحو التوحيد والترقي بها بترسيخ روح العدل والمساواة والرحمة. إن هذه الروح الثورية هي التي أكد عليها الإصلاح الديني الحديث مع الشيخ محمد عبده والسيد أحمد خان ومحمد إقبال، وما قاموا به وما دعوا إليه من مقاومة الجمود والخنوع والتخلف والخرافات هو ” الجهاد الحقيقي ” الذي يتعين في تقدير أنجنير استئنافه بسلاح المعرفة والدعوة إلى تغيير واقع العالم الإسلامي لا جهاد الجماعات الأصولية المسلحة. ويبقى ذلك رهين انفتاخ المعرفة الدينية على الدرس الفلسفي الحديث مثلما هو رهين استحداث علم كلام جديد في ضوء المعرفة النقدية الحديثة([76]).
[1] مفكر هندي ولد سنة 1945 بمدينة مومباي الهندية.
[2] وخصائص التنوع والتعدد هي التي اهتم بها المشروع الذي أشرف عليه عبد المجيد الشرفي وعنوانه الإسلام واحدا ومتعددا وتناول فيه باحثون عديدون بالدرس الإسلاميات المختلفة التي شكلها اندراج الإسلام في التاريخ من بينها دراسة أمال قرامى: الإسلام الآسيوي، ط 4، دار الطليعة، بيروت، 2007 .
[3] Rachid Benzine, Les nouveaux penseurs de l’Islam, Albin Michel, Paris, 2004.
[4] Alain Roussillon, La pensée islamique contemporaine. Acteurs et enjeux, Téraèdre, Paris, 2005.
[5] انظر دراستنا: إسلام المجددين، دار الطليعة، بيروت ،2007.
[6] ألف أصغر علي أنجنير أكثر من أربعين كتابا نشر جلها في الهند وأعيد طبع البعض منها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من أهمها:
Islam and Muslim-Critical Perspectives, Rupa Books, Jaipur, 1985;
Religion and Liberation, Ajanta Books, Delhi, 1989;
Rethinking Issues in Islam, Orient Longman, Mumbai, 1998;
State Secularism and Religion, Ajanta Books, Delhi, 1998;
The Qur’an Women and Modem Society, Sterling publishers, Delhi, 1999;
Rational approach to Islam, Gyan Publishers, Delhi, 2000;
Islam ,Women and Gender Justice, Gyan Publishers, Delhi, 2001;
Islam and Liberation Theology: Essays on Liberative Elements in Islam, Mumbai, 2005.
[7] Fazlur Rahman, Islam and Modernity, University of Chicago, USA,1982.
وقد عربه إبراهيم العريس تحت عنوان: الإسلام وضرورة التحديث، ط 1، 1993
[8] عدنا إلى مقالات اصغر على أنجنير التالية وقد كتبها بين سنتي1999 و2008 وهى جميعها منشورة على الموقع التالي: http://www.csss-isla.com/
A. A. Engineer, Islam and Religious Freedom;
Reconstruction of Islam Thought Islam;
Woman and gender justice;
Islamic world and crisis of Modernism;
A new approach for Islamic world needed;
Meaning of Islamic Worship;
On methodology of understanding Qur’an;
Problems of Idendity and existence;
Twenty First Century; Religion and Peace;
Plurality or Polarity ?;
What I believe
[9] A. A. Engineer, What I believe.
[10] الرعد 13/ 28.
[11] A. A. Engineer, What I believe
[12] انظر:
Saverio Marchignoli, Monothéismes et Modernités en Inde: le cas de Rammohan Roy,in monothéismes et modenités, Oroc et Fondation Naumannl996, p. 398.
[13] A. A. Engineer, Problems of Idendity and existence.
[14] Centre for study of Society and secularism, Mumbai-INDIA.
[15] ” Nothing can be more valued than our diversity. Our diversity is the core of our democracy. Freedom becomes meaningless without respect for this diversity “, in: Plurality or Polarity ?
[16] A. A. Engineer, Twenty First Century, Religion and Peace.
[17] A A Engineer, Islamic world and crisis of Modernism.
[18] يبين أنجنير تمازج التعليم الديني في هذه المدارس بالرهانات السياسية لتشكيل إيديولوحيا جهادية بدعم من الإسلام الوهابي والمخابرات الأمريكية في البداية لمقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان وانقلابه فيما بعد على القوى التي نفخت فيه من روحها، أجلى مثال لذلك انبثاق حركة طالبان من رحم المدرسة الدينية . انظر بأكثر تفصيلا مقاله: A new approach for Islamic world needed
[19] A. A. Engineer, Islamic world and crisis of Modernism
[20] A. A. Engineer, Reconstruction of Islam Thought
[21] وهو الفصل الذي نلحظه لدى مفكرين آخرين، انظر عبد المجيد الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ط1، دار الطليعة، بيروت، 2001
[22] A. A. Engineer, Islam Woman and gender justice
[23] A. A. Engineer, Islam and Religious Freedom
[24] A. A. Engineer, In Islam and Religious Freedom
[25] حديث ” من بدل دينه فاقتلوه “
[26] Islam and Religious Freedom
[27] يقول أنجني:
” If the punishment for irtidad had been death this verse would have, clearly mentioned it. The above verse (4:13), on the other hand, says that even those who believe and then disbelieve and again believe and then again disbelieve Allah will not pardon them and will not show them the right way. Had Allah wanted to punish murtad (i.e. renouncer) of Islam by death He would have clearly mentioned it. But He simply says He would not pardon them and would not show them “, in: Islam and Religious Freedom the right path
[28] النساء 4/ 137
[29] الأنعام 108/6
[30] البقرة 2/ 256
[31] راجع الروايات العديدة الواردة في أسباب نزول هذه الآية والتمشي التأويلي الذي اعتمده المفسرون تارة بصرف معني عدم الإكراه بكون العرب ليسوا معنيين به استنادا إلى قول قتادة:” أكره عليه هذا الحي من العرب لأنهم أمة أمية ليس لهم كتاب يعرفونه فلم يقبل منهم غير الإسلام ولا يكره عليه أهل الكتاب إذا أقروا بالجزية أو بالخراج، ولم يفتنوا عن دينهم فيخلى عنهم ” وطورا بعد الآية منسوخة بآية القتال، انظر محمد بن جرير الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن ،تحقيق محمود محمد شاكر، م 5، ص 416-408..
[32] الكهف18 / 29
[33] الأنعام 107/6
[34] يقول:
It is declaration of a universally valid principle rather than any contextual statement. It is valid until today and will remain valid in future also “, in: Islam and Religious Freedom
[35] النحل 125/6
[36] A. A. Engineer, Islam and Religious Freedom
[37] Id.
[38] One should be free to renounce his/her religion if it ceases to appeal to his/her conscience A religion which does not appeal to once conscience or does not form part of once inner conviction can have no meaning for that person “, in: Islam and Religious Freedom.
[39] يبدو هذا التداخل بين السياسي والديني جليا فيما أقدم عليه الخليفة الأول أبو بكر من محاربة القبائل التي امتنعت عن دفع الزكاة للدولة.
[40] يشير أنجنير إلى الاضطهاد الذي يتعرض له الشيعة من طرف الدولة الوهابية السنية حين يمنعونهم من إظهار عقائدهم وممارسة طقوسهم.
[41] A. A. Engineer, Reconstruction of Islam Thought
[42] A. A. Engineer, Islam, Woman and gender justice.
[43] Idem.
[44] In Islam, it is common belief that the shari‘ah is divine and hence immutable, Whenever any measures for gender justice are proposed one meets with this stock argument. It is important to note that shari‘ah, though undoubtedly based on the Holy Qur’an, is a human endeavour to understand the divine will. It is an approach to, rather than divine will itself. The priesthood, the community of ‘ulama projects it as a divine end itself and hence refuse to admit any change ”, in: Islam, Woman and gender justice
[45] Thus the Qur’an is divine and its interpretations are human and what is human admits of change. The Shari‘ah, being based on human interpretations of divine word, can, and does admit change ” in: Islam, Woman and gender justice.
وانظر بأكثر توسعا مقاله On methodology of understanding Qur’an:
[46] عرفة الفقهاء لغة بأنه مشتق من الظهر، وخص بالظهر من بين الأعضاء لأنه موضع الركوب كأن يقول الزوج لزوجته أنت على كظهر أمي وفي الاصطلاح: تشبيه الزوج امرأته بمن تحرم عليه مؤقتاً
[47] الآية: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) الأحزاب 33/4 والأيه (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) (المجادلة 58/ 2-3).
[48] A. A. Engineer, On methodology of understanding Qur’ an
[49] مثال ثان يورده أنجنير هو ظاهرة التسري بملك اليمين التي عرفها المسلمون وأضفى الفقهاء عليها الشرعية ومارسها الرسول في اتخاذه مارية القبطية سرية له، والباحث يدرك اعتراض عديد العلماء اليوم على مسألة اعتبار مارية القبطية سرية، إذ هم يؤكدون على أن الرسول تزوجها . والواضح أن أنجنير يستند إلى موقف المودودي في تفسيره ” تفهيم القرآن ” والذي يرى فيه أن مارية كانت سرية لدى الرسول وهي ظاهرة قد قبلها القدامى ولم يكونوا يرون فيها غضاضة.
[50] انظر عبد المجيد الشرفي: العلمنة في المجتمعات العربية الإسلامية الحديثة ص 53-95 ضمن كتابه لبنات، تونس . 1999
[51] سورة الأحزاب 34/35
[52] النحل 16/90
[53] القصص 5/28
[54] البقرة 2/ 228
[55] The Qur’anic notion of justice was not tribal but universal. And this made all the difference. The Qur’anic notion of justice is so universal that it laid down that even the enmity with any one else should not come in the way of dispensing justice “, in: Reconstruction of Islam Thought.
[56] النساء4/129.
[57] يبين أنجنير تهافت الحجة التي يعتمدها المناصرون للتعدد في العصر الحديث والقائمة على اعتبار حاجة الرجل البيولوجية لأكثر من واحدة من النساء حتي يتم الإحصان بما نراه من الخليج العربي من انتشار أشكال متنوعة من ” الدعارة الحلال ” على الرغم من إباحة تعدد الزوجات. انظر مقاله:
A. Engineer, Islam, Woman and gender justice
انظر أيضا عبد الله كمال: الدعارة الحلال، المؤسسة الحديثة للزواج في مصر والسعودية وإيران، المكتبة الثقافية، بيروت، 1997 .
[58] يرى أنجنير أن قراءة شاملة للآيات المتعلقة بالطلاق من بينها البقرة 229/2 والسماء 19/4 و 35 والتوبة 71/9 تبين أن القرآن أعطى للمرأة الحق في الطلاق مثلها في ذلك مثل الرجل. انظر المقال المذكور.
[59] البقرة 228/2
[60] وله كتاب في هذا الشأن:
A. A. Engineer, Islam and Liberation Theology: Essays on Liberative Elements in Islam, Mumbai. India. 2005.
[61] يؤكد على سبيل المثال ضرورة أن تكون العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج ضمن رؤية لاهوتية جديدة تتجاوز ممارسة الطقس إلى تغيير الواقع الاجتماعي. يقول:
The act of prayer is not merely a ritual to be performed. It is an act which transforms ones inner” being and makes him or her a perfect person. Perfection of inner being is very important aspect of act of worship. Thus Qur’an describes the act of worship as under: “It is not righteousness that you turn your faces towards the East and West, but righteous is one who believes in Allah, and the Last… Thus worship is not a mere physical act of bowing and prostrating; it is much more than that. The Islamic concept of ‘ibadah is as much social as spiritual. Thus among ‘ibadat are included fasting, zakat and HajjThese acts of worship have other dimensions, which are very important in reordering and refashioning our world, a world without suffering, a world without discrimination, a world without inequalities and without bondage. Such a world can be created only with a passionate commitment to dignity and freedom of humanity. It is this passionate commitment with humility before Allah which can constitute a real act of a free man’s worship which has spiritual as well as social dimension”
انظر مقالهMeaning of Islamic Worship:
[62] محمد إقبال: تجديد التفكير الديني، ترجمة عباس عمود، القاهرة، 1955 ص 144
[63] محمد إقبال: المرجع نفسه، ص 195
[64] انظر مقدمة تفسير المنار.
[65] They have frozen their minds in the classical age of Islam. What was temporal has become permanent for them and what is permanent is just brushed aside as of no consequence ”, in: Islam, Woman and gender justice
[66] انظر محمد الطالبي: الحرية الدينية حق من حقوق الإنسان أم قدر الإنسان؟ ضمن كتاب أمة الوسط، تونس، 1996
[67] انظر نحو مشروع مستقبلي للإسلام: ثلاثة من الأعمال الكاملة للمفكر الشهيد محمود محمد طه؛ المركز الثقافي العربي ودار قرطاس الكويت، ط 1، 2002.
[68] البقرة 228/2.
[69] الآية: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا “
[70] نرى أن عديد المفكرين الحداثيين يقرون بإمكانية التشريع لمجتمعاتهم خارج نطاق النص الديني وهو ما يجنب في حالات عديدة لي عنق النص والتعسف في تأويله كي يستجيب لمطالب التحديث. انظر على سبيل المثال محمد الشرفي: الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي، تونس، دار الجنوب، 2002.
[71] وهو ما ينادي به عديد الحقوقيين والمنظمات المدنية التي تطالب برفع الظلم الذي يسلط على المرأة بعدم المساواة بينها وبين الرجل في الميراث. انظر دراسة رجاء بن سلامة: للدكر حظ الأنثيين موقع الأوان
www.alawan.com
[72] The Quran is unanimously accepted as divine and there is no controversy bout it.
Also, its contents are also accepted with unanimity and without any controversy No one maintains that this or that verse of the Qur’an is unauthentic, or added later, or of doubtful origin , in: Islam, Woman and gender justice
[73] نرى في محمد الطالبي في كتابه الأخير ” ليطمئن قلبي ” مثالا لهذا الارتداد الذي يعصف بالمفكر المسلم في العصر الحديث ويفرض عليه التخلي عن المبادئ الفكرية التي كان تبناها ودافع عنها في كتابات سابقة.
[74] A A Engineer, A new approach for Islamic world needed.
[75] يقول أنجنير:
We should not be afraid of differences. These differences, if honest and sincere provide greater vigour to human thought. The founders of the different schools of jurisprudence during the second and third centuries of Islam were not afraid of differences. Why should we be? ”, in: Reconstruction of Islam Though.
[76] Ibid.