كتاب تصوّف الغرب الإسلامي في الدراسات الاستشراقيّة

كتاب تصوّف الغرب الإسلامي في الدراسات الاستشراقيّة

أن نلتقي في رحاب جامعة الشهيد حمة لخضر بالوادي على مائدة مريمية طعامها للقلب والروح وشفاء للنفوس ومشكاتها (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) ( الشمس:09)،ونورها سيد الوجود سيدنا محمد  الذي قال الله في حقّه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. ( آل عمران:164)، فكانت التزكية مقصدا عظيما لرسالته واحتلت موقعا محوريا في الإسلام وشكّلت أحد منظوماته الرئيسية الثلاث الواردة في حديث جبريل عن الإيمان والإسلام والإحسان، فليست أمرا كماليا أو تحسينيا بل لها حكم الوجوب وظاهر الإثم كباطنه لقوله تعالى : (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ) ( الأنعام: 120) وباطنه هو أعمال القلوب، وقد بُذلت جهود من طرف علماء الأمة في بسط منظومات حديث جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان وهو ما تمخض عن علم الفقه والعقائد والتصوف ،وهذا الأخير أحد أجزاء الدين، وهو ما بيّنه الشيخ زروق الفاسي في قواعده في القاعدة 05 بقوله  “إسنادُ الشّيء لأصلِه والقيامُ فيه بدليلِه الخاصِّ به يدفعُ قول المنكِر بحقيقتِه لأنَّ ظُهورَ الحقِّ في الحقيقةِ يمنعُ من معارضتِها، فأصلُ التّصوّفِ مقامُ الإحسانِ الذي فسّرهُ رسولُ الله r بأنْ تعبدَ الله كأنّك تراه … كما دار الفقهُ على مقامِ الإسلام، والأصولُ على مقامِ الإيمان، فالتّصوّفُ أحدُ أجزاءِ الدّين”

وقد شهد التصوف الإسلامي حضورا قويا بمنطقة الغرب الإسلامي من خلال التراثٍ الصوفيٍّ الكبيرٍ المنظومٍ والمنثورٍ، أسهم في إنتاجه دخول التصوّف الإسلامي إلى المنطقة في وقت مبكِّر جدًّا،كما كان للرّحلات العلميّة والدينيّة دور كبير في إثراء الحياة الروحية بالمنطقة، وهو ما كان عاملًا مشاركًا في البناء القيمي للأفراد والمجتمعات، وباعثًا مهمًّا على التعايش مع الآخَر ومدّ جسور التواصل معه، وهو ما يؤكِّده الحضور الثقافي من خلال الآثار التي خلّفها أعلام التصوف المنظومة والمنثورة، التي تَحْفِلُ بها مكتبات العالم؛ كمؤلَّفات الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي وابن سبعين والأمير عبد القادر الجزائري، وغيرهم كثير.

ويتجلّى الحضور الاجتماعي للتصوف بالمنطقة من خلال الزوايا والرُّبُط والمقامات ونشاط الطُّرق الصوفيّة من قادريّة وشاذليّة ورحمانيّة وتيجانيّة؛ فلا تكاد تخلو منطقة بالغرب الإسلامي من وجود آثار ماديّة أو معرفيّة مؤكِّدة على الحضور القوي للتصوف ورجالاته بالمنطقة، وهو ما عبّر عنه ابن قنفذ القسنطيني في كتابه (أنس الفقير) بقوله: “إن أرض المغرب تُنبت الأولياء كما تُنبت الأرض الكلأ”.

وكانت المضامين الإنسانيّة والآفاق الاستيعابيّة التي تميّز بها هذا الميراث الروحي عاملا مُهمًّا في جذْب اهتمام الدراسات الاستشراقيّة؛ فقد بُذلت جهودٌ كثيرةٌ في التعرف على الميراث الروحي للمنطقة، وكان أعلام الغرب الإسلامي محورا رئيسًا لهذه الدراسات؛ فقد نُشرت أبحاثٌ عديدةٌ في دائرة المعارف الإسلاميّة ودائرة المعارف البريطانيّة، وأُنجزت أعمالٌ أكاديميّةٌ سلّطت الضوء على هؤلاء الأعلام وآثارهم؛ باعتبار تأثيرهم في العالميْن الإسلامي والغربي، كما عُنيت هذه الأبحاث والأعمال الاستشراقيّة بمدارس التصوف المختلفة، فكان لها الفضلٌ الكبير في إخراج ميراثٍ روحيٍّ وعرفانيٍّ ذي بالٍ.

ويأتي هذا الملتقى الدولي محاولةً لفحْص مختلف الدراسات الاستشراقيْة التي اهتمت بالتراث الصوفي في الغرب الإسلامي وأعلامه؛ من أجل التعمّق في مضمونها؛ لمعرفة قيمتها المعرفيّة، وخلفيّتها الإيديولوجيّة والفكريّة والحضاريّة.

  • الإشكالية:  

        يعالج هذا الملتقى إشكالية مركزية يمكن صياغتها على النحو الآتي

إلى أيّ مدى أسهمت الدراسات الاستشراقيّة بمختلف اتّجاهاتها في إعادة إحياء الميراث الصوفي للغرب الإسلامي، والعمل على حضوره في الوعْيَيْن الغربي والإسلامي؟ وإلى أيّ مدى أسهم الميراث الصوفي للغرب الإسلامي في إنقاذ النزعتيْن الدينيّة والإنسانية للإنسان الغربي؟

وختاما :نشكر كل الذين أسهموا في إثراء هذا الملتقى دعما وتشجيعا ممثلا في السيد مدير المعهد أ.د إبراهيم رحماني، ومعرفيا ممثلا في السادة الباحثين المختصين في الشأن الصوفي داخل الجزائر المحروسة وخارجها، وعلى رأسهم السيد رئيس اللجنة العلمية د. عامر أحمد باي وفريقه ،وتنظيميا من خلال اللجنة التنظيمية التي بذل أفرادها جهدا مميزا في سبيل فعاليات الملتقى وعلى رأسهم السيد الدكتور مختار قديري وفريقه ونأمل أن يكون هذا الملتقى بذرة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها وعينا يشرب منها المقربون.

مدير الملتقى  د. قول معمر

لتحميل الكتاب وقراءته 

 

Download (PDF, 13.26MB)

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!