السياسة والطرق الصوفية في المغرب العربي وأفريقيا الغربية
الناشرون الضيوف: أوديل مورو وبيير فيرمين
قراءة وتقديم : الحسن سرات
صدر عدد جديد من “جريدة تاريخ التصوف” journal d histoire du soufisme ضمن الدراسات العلمية البحثية الغربية عن الإسلام عامة، والتصوف خاصة،
وتصدرها شركة دراسة الثقافة الشرقية، ويوجد على رأسها الناشرون تيير زاركون Thierry ZQRCONE وهو باحث في المركز الفرنسي للبحث العلمي، و Alexandre PAPAS الباحث بنفس المركز، و Ekrem ISIN العضو بمركز أراستيرمالاري بإسطنبول.
journal d histoire du soufisme
جريدة تاريخ التصوف مجلة سنوية تنشر دراسات علمية عن تاريخ التصوف الإسلامي، والطرق والزوايا الصوفية بالعالم الإسلامي. وبسبب تعدد التخصصات فيها، فهي لا تنشر فقط الأبحاث العلمية عن التصوف، بل تنشر أيضا الأعمال العلمية في مجالات الآداب واللسانيات والعلوم السياسية والاقتصاد وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا والفلكلور والعقيدة والفنون الجميلة والهندسة والموسيقى الإثنية.
في تقديم العدد، كتب أوديل مورو، الأستاذ بجامعة بول فاليري مونتبولييه 3، وبيير فيرمين، المؤرخ والأستاذ بجامعة باريس 1 والسوربون، مقدمة للعدد، ذكرا فيها بأن هذا الملف يقترح مشاركات في الاستعمالات والتوظيفات التي ثبتتها الدول والفاعلون الصوفيون والسياسيون في منطقة تشمل أفريقيا الشمالية وبلدان الساحل والحوض المتوسطي، وكذلك تقاطعاتها في بلدان المهجر بأوروبا.
والملف هو ثمرة لملتقى علمي بعنوان “عودة أو امتداد مسألة الطرقية الصوفية على ضفتي الصحراء: أفريقيا الشمالية وأفريقيا الغربية” سنوات 2014 و2015 و2016، متبوعا بملتقى ثان بعنوان “التوظيفات السياسية للطرق الصوفية في العالم العربي الأمازيغي المتوسطي وفي أفريقيا الغربية” سنتي 2016 و2017، وهو الملتقى الذي ساهم في تنشيطه الباحثان في معهد دراسات الإسلام والمجتمعات في العالم الإسلامي طوال ثلاث سنوات.
هذا الملتقى الذي استمر وتوسع، استقبل حقا عشرين متخصصا قدموا توصيفا تاريخيا لظاهرة شديدة التعقيد، متعددة الأشكال، للطرق الصوفية المسلمة في أفريقيا، مدعومة ببعض الامتدادات في الشرق الأوسط، مصر وتركيا. لم يكن يقصد الملتقى دراسة شاملة للطرقية الإسلامية، باعتبارها ظاهرة دينية، ولا تقديم أشكالها الأنتروبولوجية والاجتماعية، بقدر ما كان يهدف، من جهة، إلى إنشاء فضاء للبحث وتقديم الأبحاث المعترف بها أو التي هي في طريق تبلورها، والمخصصة لهذه الظاهرة التي تتميز إلى جانب تعقدها وتعدد أشكالها، بأنها مرنة جدا، وموجهة إلى جمهور جامعي ودارسين غير متخصصين، كان لا بد من تحسيسها بالظواهر الأكثر تأثيرا، والأقدم وجودا، والأطول دواما وحضورا من الإسلام السياسي والاجتماعي. يتعلق الأمر بإبراز ثراء الأشغال التي اهتمت بالموضوع ومدى عدم اطلاعها، وأيضا وضعية البحوث الحالية حول الموضوع.
ومن جهة أخرى كان الملتقى يقصد التركيز على ظاهرة من بين ظواهر أخرى، لهذه المسألة المعقدة: تسييس الفعل الطرقي، وصمود الطرقية ومرونتها، بالنسبة لاستخداماتها. هذه الظاهرة بارزة في وقتنا الحالي، مادامت الدول العربية، خاصة بالمغرب العربي، وهو العربي الامازيغي في الحقيقة، في إطار سياسة مكافحة الإسلام السياسي منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي. فقد أعادته للسياسة بعد أن حاربته خلال من سنوات الستينيات حتى الثمانينيات.
وأخيرا، كان من أهداف هذا الملتقى تحليل ظاهرة لا تستسلم للانغلاق في الأشكال التقليدية، ولا في الحدود الوطنية والإقليمية. فقد نشأت الطرق الصوفية الكبرى في العصر الوسيط بالشرق الأوسط، مثل الطريقة القادرية ذات السلسلة الطويلة، ثم عن طريق التلاقح والتخمر، برزت خاصة في المغرب العربي والأناضول، في العصر الحديث. وفي الحقيقة، في كل عصر ازدهار الحضارة الإسلامية.
في العصر الحالي، بعيدا عن الفتور والانكماش، استمرت عملية التخصيب بظهور طرق متزايدة الحماس أو الهيمنة، وبصفة خاصة عند الزاوية التيجانية التي ظهرت عند نهاية القرن الثامن عشر، التي قدمها مؤسسها سيدي أحمد التيجاني على أنها خاتمة القداسة النبوية.
غير أن هذه الظاهرة ينبغي أن يكون فيها مقدرة حق قدرها، ينبغي أن تعولم. كانت رغبتنا الأصلية هي أن نتجاوز الصحراء لدراسة الظاهرة على أنها دينامية حركية دينية أنتروبولوجية وسياسية تربط بين الساحل وأفريقيا الغربية، من جهة، والمغرب العربي من جهة أخرى. غير أنه إضافة إلى أن الصحراء كانت مجالا رئيسيا لنشر وتوليد الطرقية، مثل الطريقة السنوسية والتيجانية، فإنه من المناسب لذلك الأخذ بعين الاعتبار تقاطعها مع الشرق الأوسط، وتعامد التصوف باتجاه أوروبا في سياق الهجرة الحالي.
والمجلة الواصل عدد صفحاتها إلى 232 صفحة، قسمت فهرسها لقسمين كبيرين، الأول لهذا الموضوع قيد الدراسة، والثاني منوعات.
القسم الأول: السياسات والطرقية في المغرب العربي وأفريقيا الغربية، فيها، بعد المقدمة، فصلان:
الفصل الأول بعنوان: مصادر الاستعمالات السياسية للطرقية في المدى الطويل، وشارك فيه:
ريمي ديوير Remi DEWIERE ببحث بعنوان مشروعية السلاطين أمام مصير الإسلام الطرقي بالساحل الأوسط في القرنين 16 و17.
محمد أوشتان ببحث “الطرقية والالتزامات السياسية: الحاج الحسين الإفراني والتيجانية في منطقة الأطلس الصغير بالمغرب.
رشيد أكرور: استعمال اللغة البربرية في انتشار الدرقاوية بالمغرب، من نهاية القرن 19 إلى بداية القرن العشرين.
الجيلالي العدناني: الطريقة التيجانية بين التوظيفات والاستعمالات السياسية
كونستان هاميس Constant HAMES : التيجانية و11 حبة للشيخ حام الله: الفاعلون والرهانات في الصراع أيام الاستعمار.
الفصل الثاني بعنوان: عودة وتجديد الطرقية في القرن العشرين
وشارك فيه:
تييري زاركون Thiery ZARCONE في شأن أيقونة أحمد التيجاني: صورة شغف وسيرة روحية بصرية.
رشيدة شيح: ما معنى تجديد طرقي؟ في أصول القادرية البودشيشية في المغرب المعاصر.
جان لويس تريو Jean Louis TRIAUD، ليبيا.. في سبيل البحث عن الطريقة المفقودة.. عودة الذاكرة السنوسية.
لمين إصاد، الطريقة الرحمانية في منطقة القبايل: من “المراقبة والعقوبة” إلى “المراقبة والتعاون” 1871. 1962
أرييل بلانيكس Ariel PLANEIX الطرقية ضد الدولة: التاريخ السياسي لليوسفية.
محمد حبيب السمرقندي: التيجانية بين السنغال وفرنسا، صورة الشيخ منصور بارو
وهذا العدد الخاص يعيد وضع السؤال حول التصوف وعلاقته بالسياسة، وهل الشيخ الصوفي فاعل سياسي أم تربوي روحي فقط؟ وأين تبدأ العلاقة مع السياسة وأين تنتهي؟ ولماذا يقتصر دور الطرق الصوفية اليوم، وفي الغالب، على كسر شوكة ما يسمى بالإسلام السياسي؟ وهذا الإسلام السياسي لماذا زهد في كنز روحي ثمين ولم يستفد منه، بل حاربه لوقت طويل قبل أن يقتنع بثقله وأهميته وضرورته؟
وفي التاريخ السياسي العام، ألم تخرج دول وإمبراطوريات إسلامية كبرى من رحم الزوايا والتكايا والرباطات والخلوات؟ ألا يمكن أن يتكرر ذلك اليوم وغدا؟ وإذا تكرر أليس من اللعب بالنار إحياء تلك الطرق وتقويتها ومحاربة جزء من العمل الإسلامي العام بالتصوف؟ ألا يمكن أن ينقلب السحر على الساحر؟
وهذه الأسئلة ليست موضوعة على طاولة ذوي القرار في العالم الإسلامي، بل هي تعني أيضا كثيرا من الدول الغربية التي صار فيها الإسلام حاضرا وجزءا منها، واختارت هي الأخرى مواجهة الحركيين بالصوفيين؟ وبعد، فهذا تقديم بسيط لمجلة علمية عريقة وعميقة.