المفكر التونسي الدكتور كمال عمران:
- كل دين إذا فُهِمَ على غير مقصده أصبح عقلا غير قادر على إنتاج المعرفة.
- الثقافة الإسلامية إزاء اختيارين إما التطور والحياة وإما التحنّط والمعاناة.
- الرأي عندي أن تكون اليقظة ذاتية وأن يكون الإصلاح من الداخل.
حاور: عبد الدائم السلامي *
كمال عمران: أحد الأسماء اللاّمعة في الجامعة التونسية من حيث جدّةُ الدّروس التي يُلقي على طلبته، ومن حيث الحضور في السّاحة الثقافية، بل يكاد يكون من الجامعيين القلائل الذين لم يكتفوا بالحرم الجامعي إطارًا لنشر المعرفة، وإنّما انفتحت مشاركاتُه على جميع ميادين الثقافة تونس نقدًا ومتابعةً وإبداعًا.
ولعلّ اهتمامه بالشأن الحضاريّ بحثًا ومُعالجةً وتدريسًا جعله مَرْجِعًا يعود إليه كلّ باحث في عناصر الحضارة العربية الإسلامية .. من شعر ودين ومذاهب فقهية ولغوية، ولم يمنعه درسه الجامعيّ من أن يسهم بفعالية في الإشراف على بعض المؤسّسات الإعلامية التونسية، وأن يعضُدَ جهود بعض مؤسّسات المجتمع المدنيّ.
- الإسلام مُتّهم من قبل غلاة مفكري الغرب بتفريخ الإرهاب، هل يعود هذا إلى اعتماد الخطاب الأصولي الذي يَرَوَّجَ له الآن بعض “المقاولين زعماء الحركات الأصولية“ كما يسميهم محمد أركون على القوة الإلزامية التخييلية لتقديس ما لم يكن مقدسا، وتحويل الدّنيا إلى دين، أو إلي كَفَّ المفكرين المسلمين عن التعامل مع الإسلام بوصفه خطابا منفتحا على الأحداث والسيرورة الزمنية؟
- للظاهرة الدينية في تركيبة الذهن البشري خصائص يجدر الوقوف عندها وأن لمامًا، وأبرز خاصية هي ما يطلق عليه امتلاك الحقيقة، وهي ذاتها راجعة إلى أنماط عليا تنحدر عنها الأنساق ثم السلوكات الثقافية؛ وعلى هذا المعنى .. فإن كل دين، على الإطلاق، قابل متى فُهِمّ على غير مقصده الأصيل وهو نشر الخير وتجسيمه لينحرفّ إلى الإرهاب. الإرهاب من هذه الزاوية حالة مرضية تستوجب العلاج. وليس الإسلام مخصوصا بها .. على أنه اليوم مناطَ تهمة ذائعة عند المفكرين وعامة الناس في الغرب، وليس الوجه كيل التهمة بالتهمة وإنها لغاية القادرة على الاستفادة من نقد الآخر أو من انتقاده. هذه العقلية ضرورية ليمتلك الفكر الإسلامي ناصية المراجعة الذاتية بدل التمجدي والمفاخرة.
- ولا شك في أن الخطاب “الأصولي“ الراجع إلى ما يعبر عنه بالإسلام الحركي، هو نفسه وضع مَرضي، وحالة من الجهل قامت على الإفراط والتفريط في آن واحد.وأذهب إلى أن هذا التفكير ينطلق من مرجعية تحتاج إلى التدقيق لأنها تجسيم للنشاز الحضاري، وتعبير عن انزياح فظيع عن الإسلام في منابته الأصلية، وهل يمتلك الفكر الأصولي الآليات العقلية المؤدية إلى الفهم الصحيح الضروري للإسلام؟
- إن أبرز ما تتميز به الحركات الأصولية التقليد، وهو في الاصطلاح الأخذ عن الرجال دون حُجّة أو دليل من القرآن والسنة، وهذا يعني أن الحركات الأصولية قد اصطنعت أصناما من المُقَلَّدَةِ (الرجال من نَقَلَةِ العلم الشرعي)، وفرضت الفهم والتفسير على مقتضى الإدراك البشري، وصادف أن البيئة الفكرية والثقافية لتلك المرجعيات متميزة بالتخلف المعرفي والديمغرافي. وكيف للفهم الإنساني المقيد بالزمن أن يُوَفْرَ الرؤى الملائمة للتطور العمراني؟ إن مسألة المرجعية على درجة كبيرة من الأهمية .. فإن نهلت من الظاهرة القرآنية (وهي تشمل السنة الصحيحة)، فإنها تكتسب القدرة على التعامل الموضوعي مع الواقع التاريخي المتقلب . .إذ إن مرتكز هذه الظاهرة الاجتهاد وإعمال العقل. والنتيجة من هذه الوضعية الغريبة قلب القيم، وليس غريبا أن تتراكم المقدسات .. وأن تنغلق الأبواب .. وأن يتغذى التهيُّؤُ للصراعات. وآية ذلك ما طرأ على الثقافة الإسلامية من انسداد الأفق إلى درجة أصبح فيها العقل الإسلامي عقلا مستعارا غير قادر على إنتاج المعرفة. والجدير بالانتباه الاستعدادُ إلى المنهج النقدي إبطالاً للمعيارية والتمجيد والمفاخرة.
الخلاصة لهذا المدخل ضرورة التصدي للتطرف على كل المستويات، وما يهمنا في التصدي المواجهةُ بالعلم والمعرفة والاجتهاد في انتشال عامة الناس من داء الأصولية؛ لأن مضارّها تُفسد على الثقافة الإسلامية اعتدالَها، وتهَبُ لغلاة المفكرين الغربيين الفرصة للتشنيع. ولا يمكن أن يُثمر الاجتهادُ في البيئة المنغلقة.
- يتصف العقل الحديث بقدرته على تنويع التأويلات لكل الظاهرات الإنسانية، ورفض أحادية الرؤية إليها بسعيه إلى نزع إغلال السحر والتقديس عن وجه العالم، ألا ترون أن انغلاق باب الاجتهاد في الأصول التشريعية منذ القرن الثاني الهجري، ساعد على تعزيز مواقع المناوئين للدين الإسلامي من مستشرقين وأصوليين سلفيين؟
- مسألة انغلاق باب الاجتهاد محفوفة باللُّبْس؛ لأنّ لها من المداخل ما يجعلها خطيرة الأبعاد. وقد جرت الأفكار تاريخيا في هذا المجال على الانتقال من مرحلة الاجتهاد إلى مرحلة الاتَّبَاع، (وقد أُعتُبِرَ محمودا) إلى مرحلة التقليد (وقد اُعتبر مذموما)، وقد ساد التقليد .. ودل على أن خط تاريخ الأفكار في الثقافة الإسلامية قد غلب عليه التدحرج والتدهور؛ فبدل أن يؤسس المنهج الاجتهادي نسقا يشتدّ عوده بتطور الزمن، تفاقم أمر التقليد. ويرى المتشائمون أن بداية التقليد انطلقت مع القرن الخامس الهجري، ويرى المتفائلون أنه انطلق مع القرن السابع الهجري، وقد لخّص الشوكاني في كتابه “البدر الطالع في محاسن القرن السابع” هذه الإشكالية. ولابن خلدون في المقدمة لطيفة ملخصها أن الاجتهاد لم يغلق، بل سُدَّ وأحيل إلى البيئة الثقافية وقد اعتراها الوهن .. فآل الأمر إلى جفاف مَعِين الاجتهاد. فالكلام على الاجتهاد لا يمكن أن يقتصر على معالجة الآلية، بل على العناصر الشاملة الحافة به، ولا يمكن بداهة أن يثمر الاجتهاد في البيئة المنغلقة. ووُجَّهَ النّظرُ في المسألة من تحت إلى فوق وليس العكس؛ التّحت هو التفكيك للأسباب الثقافية والديمغرافية والسياسية والاجتماعية التي أدت إلى سد الاجتهاد، والفوق هو التعلق بالنظري والإسراع إلى المواقف الجاهزة، وفرض الحلول التي أوجدها السلف على المعضلات التي يتعرض لها الخلف. وليس شأن العقل الحديث وحده أن يُنَوَّعَ التأويلات، إن المهمة منوطة بالعقل على وجه الإطلاق، لأن العقل مجبول على هذه العملية. فليس الإشكال متصلا بالآلة بل بالمحيط، فإذا تلوّث المحيط تعطّلت الآلة. ولعل الأمر في الثقافة الإسلامية أشد .. لأنه يصطدم بمفارقة مُبَنتَاهَا على أن البدايات تميزت بإعمال العقل، وهل من مزيد عن قول بعض رموز الثقافة الإسلامية القديمة “إنما الأمر أنف”، والمعنى أن الحقيقة تصير وتستأنف .. ولا يتسنى الاكتفاء بالموروث على التوهُّمِ أن المعرفةَ منوطة بفكر بشر مهما علا شأنه. ولا وجه للتنكيب عن الرّموز المعرفية، أو عن الموروث على أن التقديس لا مجال له البتة فوجب الكلام على المعادلة، طرف فيها معرفة الموروث حق المعرفة دون ذوبان، وطرف ثان معرفة الراهن والأخذ بأسبابه .. بل التفقه في علومه بكل فروعها.
قد يقال هذا الكلام كعفو البديهة معروف .. وأنه أصبح كالابتذال، على أن سؤالا آخر ينبجس ومؤداه: ألم يتسنَّ للفكر الإسلامي أن يصوب النظر إلى المنهج النقدي (ولا نقول جلد الذات)، وقوامه على العقلانية، وعلى القيم الأصلية، وهي السماحة والعفو واللين، وكلها من مقومات جمالية السلوك عند النبي (ص). ولا سبيل إلى الموالفة بين المسلمين والعصر إلا بالاجتهاد الشامل، وهو ليس الآلية من أصول التشريع فحسب، بل هو استنبات لأسس ثقافية تقوم على الفاعلية والنجاعة ونشر قيم الخير، بل إنه أيضا اعتياض عن ذهنية التوهم أن التقدم يكون نحو الأسوأ بعقلية التقدم نحو الأفضل (وهو جوهر الإسلام).
- أليس الإسلام محتاجا اليوم أشد الحاجة إلى تثوير مفاهيمه الحضارية من قبل طليعة عالمة على شاكلة لوثر كينغ أو الفرنسي ألفريد لوازي حتى تصير منزوعة الأغلال قادرة على الانتصار للحداثة وللتحديث المجتمعي؟
- لكل ثقافة في نظرنا خصوصيات وليس من سبيل – موضوعيا – إلى نقل الحلول، وإلا تحولت المسألة إلى الأشباه والنظائر، وهي في عمقها نوع من إقرار التفاوت بين الحضارات والثقافات. ولا يعني هذا الموقف رفض المثاقفة بل؛ يعني الأزورار عن الهيمنة أو عن رسم المثال بالذوبان. الوضوح في هذا الشأن ضروري لأن المزالق كثيرة .. وقد تصبح الأضداد أندادا. والرأي عندنا أن التعامل بين أهل الحضارات ضروري ولا مَحِيد عن التواصل بين المجتمعات والأفراد. وأن الثقافة الذاتية لكل مجتمع حق يضمن الهوية. على أن الإشكال كامن حول الهُوية. فقد تكون الهُويَّات قاتلة (على تعبير أمين معلوف) وقد تكون منفتحة، ومعنى الانفتاح الاكتمال في خصائص الهوية الداخلية.. وبلوغ درجة الامتلاء المؤهل للتعامل مع الآخرين على قاعدة التكافؤ.
في القرآن الكريم آية في سورة الرحمان نصَّتْ على الحركة التي لا تنقطع وهي قوله تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) ويَبْقَى وجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكْرَامِ }، وآلية الحركة تقتضي الصيرورة لا الثبات بالنسبة إلى كل المخلوقات. في القرآن الكريم الدعوة إلى الفعل وإلى العمل (بالمعنى الشامل)، وهذا يستوجب أن المفاهيم والمعرفة والعلم ضمن الظواهر كلها جارية على التجدد وعلى التطور؛ فطبيعة الفكر – في الأصل – الحركة والتقدم نحو التراكم المؤدي إلى الأنساق الثقافية الملائمة للظروف المتغيرة، وليس من وَجه أن تحدُث التحولات بشكل يرعب هذه الأنساق – ألم تسرع الثقافة الإسلامية إلى الانزياح نحو الجاهز والثابت والمقدس غير الأصيل؛ فاصطدمت بالواقع التاريخي المختلف، وأزعجها الانتقال من المركزية الإسلامية إلى المحورية الغربية .. إذ قبعت الأولى في التقليد وازدهرت الثانية بالحداثة. وعلى هذا النحو نفهم الإصلاح على يدي لوثر الألماني وكلفان الفرنسي؛ إذ كانت المسيحية عهدئذ قد اصطدمت بالتحنّط .. فتمحّض الإصلاح؛ لأن المنظومة نفسها عاطلة أو تعطلت. أما المنظومة الإسلامي فهي – كما ذكرنا آنفا على سبيل الإلماع – متضمنة لدلالات الحركة. وإنما التحنّط في ثقافة المسلمين إلى درجة يتسنى أن نقول إن الشفرة الثقافية (A D N) عليلة، وليس الكلام من باب التمجيد؛ بل من قبيل الدعوة إلى المنهج النقدي وقوامه رفض اللمسلمات، ونبذ التقليد، واكتساب الطرق المناسبة للإبداع (من أيّ جهة كانت، والعلوم الإنسانية المعاصرة كلها مفيدة في هذا السياق). السبيل إلى التحديث ممكنة على قاعدة المنهج النقدي والتعامل مع مستجدات المعرفة والعلم والتكنولوجيات المتطورة، تعاملا نفعيا يرقى إلى القيم الأصلية التي تضمنها الثقافة الإسلامية في صورتها المنتجة المستنيرة. وأحسب أن أزمة العصر، رغم العولمة والتطور التكنولوجي، أزمة قيم كذا في البيولوجيا (Biotheique) وكذا في الاتصال الإعلام (Infoethique)..
وخلاصة القول إن الثقافة الإسلامية إزاء اختيارين، إما التطور والحياة وإما التحنط والمعاناة.
التجربة العلمية والقرآن الكريم
- ألا يعد طمس حقيقة “الخطاب“ القرآني بما تعنيه لفظة الخطاب من تلاحم النص مع المقام، منذ أن أعلنت السلطة الرسمية (مؤسسة الخلافة) اعتماد مصحفٍ ناجزٍ واحد، هو مصحف عثمان، وإعدام النسخ الأخرى له (نسخة ابن مسعود مثلا)، هو الذي أبعدنا اليوم عن التوصل إلى فهم أكثر أمانة للخطاب النبوي الشفوي، ومن ثمة قراءته قراءة تاريخية تأخذ في الاعتبار أسباب النزول، لا قراءة إيمانية عجائزية تسعى إلى التأويلات الأيديولوجية للنص القرآني، وتمنعه من أن يتماشى وضاغطات عصرنا المعولم؟
- ثمة مسائل تاريخية عويصة لا يمكن فك التعقيد منها بيسر. ومن هذه المسائل ما طرح في السؤال متعلقا بالقرآن الكريم وبالخطاب القرآني. وبصرف النظر عن الملابسات الحافة بالمشكلة، فإن طرق التعامل مع تاريخية الإشكال يمكن أن توجز في خطين: الخط الأول علمي يسعى إلى مساءلة التاريخ بعقل منتج، وبمنهج نقدي صارم، قد يلتجئ إلى توخي طريقة “الحياد المنهجي”، وهو افتعال التفكيك لتركيب العناصر الفاعلة في التأسيس للظواهر؛ ولهذا الخط العلمي دور في إحراج الطمأنينة السكونية في الثقافة الإسلامية، ولا فكاك من هذا الدور؛ لأن الفوائد المرجوّة منه تؤدي إلى التمكن في الثقافة لا إلى الهشاشة، وقد تلوح النتائج العلمية ذات قسوة لمن يحمل زادا ثقافيا عاطفيا، أو لمن يجترّ رواسبَ فكرية سطحية، إلا أنها للمتأني .. ولمن يرجو الخير للثقافة الإسلامية حيرة لا يمكن أن تفضي إلا إلى اليقين القائم على تجدد المعرفة، وعلى اطمئنان موضوعي أن المرجعية في الثقافة الإسلامية وَلُودٌ – وعلى هذا المعنى فإن المنزع العلمي يفهم ولا ينتقد، ويفسر ولا يسقط، ويؤول ولا يتعسف، وهو يدرك ما للتاريخ من مرتكزات .. ويتعامل معها على أساس التفكيك والتأليف، وهو يحيل إلى النتائج بطريقة مخبرية هي في هذا الشأن معادلة. الطرف الأول يستند إلى فهم تاريخية المصحف بالتضاريس الحافة بها؛ والطرف الثاني التعامل مع الظاهرة على قاعدة الفاعلية ومؤداها أن “المصحف المنجز” مقترن بعوامل منها ما هو نقلي {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، ومنها ما هو عقلي، وهو خلاصة التفكيك العلمي، ولا يجوز أن يخل العلم ويوقع بمن يكتسب خصال العلم. والخط الثاني أيديولوجي، وهو يبيح لنفسه النسف وفرض الشك المذهبي، وكأن النظر عند أصحاب هذا الخط الطعن في الثوابت وإتهام الظاهرة الدينية من جذورها. وقد يصل هذا الخط إلى أن المصحف العثماني مختلف عن الأصل.
والسؤال المطروح: ما الفائدة العملية من هذه النتيجة؟ وهل هي الفاتحة عن التقدم.
يوجد حديث يؤكد أن “القرآن يحشر يوم القيامة بكرا”، وهو متصل بفكرة تتردد في النصوص القديمة، وهو أن القرآن لا تنقضي عجائبه، وقد وقف أبو الحسن القابسي (التونسي) في كتاب له موسم بـ “الرسالة المفصلة” إلى مثل هذه المعاني، فالمجال – واقعيًا وعمليا – مفتوح لإنتاج المعرفة على القرآن الكريم. والمشكلة في تقديري لا تتصل بالنص القرآني .. بل بنسيج الثقافة الإسلامية وقد أصابه المرض، وكأن الحاجة أكيدة إلى معالجة الأمراض حتى لا نتوهم أنها كامنة في مواضع أخرى. الخلاصة، هي الحاجة إلى العلم واللجوء إلى درء مفاسد الايديولوجيا.. فهل جرب المفكرون في الثقافة الإسلامية التجربة العلمية الصرفة مع القرآن الكريم؟
- يذهب بعض المفكرين إلى القول: إن انتصار بعض المفكرين (كأبن تيمية والغزالي)، الذين يقرؤون القرآن الكريم في حرفيته على التيار الفكري التأويلي المنفتح(ابن رشد مثلا) جعل أكثرية جمهور المسلمين تعتبر النص الديني محتويا على كل الحقائق العلمية ما ظهر منها وما سوف يظهر، هو الذي جعل ثورات الغرب تنحو صوب المستقبل لإحلالها مِخْيالَ التقدم محلّ المخيال الديني .. ذاك الذي صار الآن لا يدعو إلى جنة ولا يزجر عن نار، وجعل ثوراتنا الفكرية العربية تنحدر عميقا إلى الماضي؟
- الجواب عن السؤال يحوج إلى مداخل اخترنا منها علامات نوجزها في مصطلح السنة، وهو في هذا الاستعمال غير الأصل التشريعي، إنه الطريقة والتمثل للثقافة الإسلامية مجموعةً من السُّنن نريد أن نشير إليها. مَثَّلَ أبو حامد الغزالي سُنّةً ثقافية مؤداها عناصر جوهرية، وهي الانتصار للتصوف بوصفه (عنده) الطريق إلى الحقيقة (مع رفض أصناف الطلب الأخرى كعلم الكلام والفلسفة)، ومجال الحقيقة اعتبار الغزالي أن الدنيا مزرعة للآخرة وأن الحديث (؟) “من عمل بما علم أورثه الله علم ما يعلم” مُوَاصِلٌ للمعرفة، فيصبح الذوق والانكشاف المطية للنجاة، ولعل هذه السُنة هي التي سادت، وهي التي نحتت جانبا كبيرا من المخيال الإسلامي أدى إلى منعرجات وعرة منها استشراء الطرقية – فتآزر التقليد مع الطرقية وانسدت الأفق.
ومَثَّلَ ابن رشد سنة ثقافية أخرى ملخصها في رسالة معناها فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال؛ فهي سنة استعادت موقفا توفيقيا بين الوحي والعقل، بين الشريعة والفلسفة – ولم تثمر هذه السنة إلا قليلا .. وأسباب الفشل راجعة إلى الطريقة في السياسة وفي الثقافة وفي التعليم، وليس غريبا في ضوء هذه المعطيات أن يتقرب امراء الأندلس إلى العامة بقتل الفلاسفة حسب الخبر الذي أورده المقري في نفح الطيب.
ومثل ابن خلدون سنة ثقافية أخرى قوامها على التمييز المرجعي بين العلوم الشرعية والعلوم العقلية. فالوحي يقتضي التسليم (وهو عنده منظومة لا تخلد إلى إبطال العقل، بل تنطق عن درجات متفاوتة ليس للعقل طاقة على استكمالها أو امتلاك زمامها)، والعقل يستوجب الخبر والسؤال والتقصي. وكأن ابن خلدون قد فتح بابًا وأغلقه .. لأن الثقافة زمن ابن خلدون (توفي 808 هـ) قد أترعت تقليدا نحن بحاجة إلى دراسة هذا الاختلاف على أنه تاريخ أفكار لا سلطة مفروضة على المخيال الإسلامي بصفة مطلقة. ونحن – المنتمون إلى الثقافة الإسلامية الراهنة – بحاجة إلى صون الموروث إضافة إليه، وإلى المحافظة على الهوية باكتساب آليات التفكير الحداثي، وإلى الإخلاص للأجداد بالتأسيس للطرق الكفيلة برسوخ الأقدام في الحاضر .. وبالإعداد العقلاني للمستقبل.
الخلاصة، أن تتحمل الثقافة الإسلامية مسؤولية إنتاج المعنى والمعرفة والعلم، ولا أن تحتمي بالشعارات كالتوهّم أن القرآن الكريم ينطوي على الحقائق العلمية .. وقد سبق لطنطاوي جوهري أن زينت له النفس ذلك، فأصبح تفسيره عاريا من المصداقية العلمية.
الراضي بالسكون يتحول إلى طعم من جنس غثاء السيل
- العقل الحداثي والعقل السلفي يعيشان أزمة عامة .. ولكن أسبابها مختلفة، فأزمة الأول سببها حيويته الدائمة، وسعيه المتجدد إلى تفكيك كل البُنَى التقليدية، وإلى الشكّ في كل يقينياته .. مانعا عنها التصلب والدوغمائية. وأزمة الثاني ناجمة عن جموده وتحجّره وانغلاقه على معانيه في هالة من القداسة والتهويل. هل تعدون هذه المفارقة سببا مُحَدَّدًا لنمط التواصل الفكري والسياسي الحاصل الآن بين الشرق والغرب؟
- الأزمة – على الأغلب – نوعان: نوع هيكلي بنيوي .. ونوع إشكالي منهجي. أما العقل الحداثي، فالأزمة فيه – إن جاز الكلام على الأزمة – منهجية؛ لأن من أعوان الحداثة (Les agents de la modernite) العقلانيةَ وهي لا تقبل المسلمات .. فالحركة والصيرورة من الشّيم الملازمة لها. فالعقل الحداثي فاعلٌ بداهةً. وأما العقل السلفي (وإذ كانت المفاهيم تحتاج إلى التدقيق)، فهو مناط أزمة هيكلية تنفذ إلى أعمال بنيته. ومن علامات الأزمة الإقرار بأن الحقيقة واحدة ثابتة مطلقة. ومن علامات الزمة التسليم بسلطة الرجال (العلماء بأصنافهم) .. لتمثل الثقافة، وكأن فهم القرآن الكريم والسنة توقف عند أفهام القدامى .. وتلك من الطريق إلى الانغلاق. لقد سبق لباحث فرنسي الأب لويس قاردي (lous Gardet) أن بين في كتاب له عنوانه رجالات الإسلام “Les Hommes de l’islam” أن تاريخ المسلمين وتاريخ الأوروبيين معكوس، بدأ الأوروبيون بالتوحش ثم بالقرون الوسيطة ثم النهضة .. وصولا إلى الحضارة الغربية المتطورة، وكان المسلمون قد عرفوا النهضة ثم السكون فالتخلف. فمسألة المقارنة بين الشرق والغرب معقدة.. وهي أحوج إلى التأني. وليس الوجه في نظرنا الاكتفاء بعنصر واحد لإقامة الدليل على الفروقات بين الشرق والغرب، إن المنهج العلمي يقتضي استحضار كل العناصر اللازمة للمقارنة، ومنها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والمعرفي والفني. وهي تستدعي الأعمال المخبرية للوصول إلى النتائج العلمية. وقد تشعبت الأحوال بشكل فظيع في السنوات الأخيرة، لأن الثورة المعلوماتية فرضت منظومة اتصالية متطورة، والظاهرة السيبرنيتية (Cybemitique) جعلت من الافتراضي (Virtuel) سبيلا إلى اختراق الحواجز دون المعرفة المتطورة. وليس من سبيل إلى استثناء الثقافة الإسلامية إلا إذا رامت القبوع في حضيض الجهالة. ولعل المفارقة تطرح بشكل مختلف، جانب فيها أول هو سهولة الوصول إلى الإجراء المعلوماتي؛ لأن التكنولوجيا متوافرة ضمن ما يعبر عنه اقتصاد العالم، وجانب ثان هو أن الراضي بالسكون سيتحول إلى طعم من جنس غثاء السيل الذي أشار إليه الحديث النبوي. تتمثل الخلاصة في تجنب الحلول الجزئية والطرق المحدودة والالتزام بروح التأليف والنظر الشامل والمنهج النقدي.
الخطوة الصعبة أن يمثل العرب كيانا متكاملا يمكن له أن يكون مخاطبا كفئًا للغرب
- ثمة حرب أيديولوجية قائمة خلال العقود الأخيرة، بين العرب بوصفهم أصحاب دين يمثل فزاعةً مُخيفةً، والغرب بوصفه الشيطانَ الأكبر بآلاته العسكرية وبسياساته التوسعية، هل تعتقدون أنه ما يزال بالإمكان إيجاد مجال للتفاهم بين الغرب والعرب، وما هي الآليات التي ترونها تمثل قناة صالحة للتحاور في هذا المناخ العدائي؟
- الرأي أن المعضلة الكبرى راجعة إلى الإشكال الثقافي. ونفهم الثقافة على مرجعيتين، المرجعية الانثروبولوجية والمرجعية البيولوجية. الثقافة انثروبولجيا هي كل النشاط المادي والذهني لدى الفرد والجماعات. السؤال هنا هل إن السلوك الثقافي العربي (إجمالا ولا تعميما) فاعل، وما هي نسبة الإنتاجية ونسبة الأمية على سبيل المثال بين العرب والغرب. فإذا قارنَّا وجب اعتبار الممكن والملموس لا النظري والايديولوجي، لأن هذين المظهرين يولدان في بيئة .. فإذا أسرعنا إلى الفوق وتركنا التحت ستكون الاستنتاجات مغلوطة. أما بيولوجيا فأكتفى بالإشارة إلى أن الهندسة الوراثية بيّنت أنه لا صون للنواة في الخلية إلا بفاعلية المحيط أو السيتوبلازم، والتوازي بين السنن البيولوجي والسنن الثقافي فرضية جارية في البحوث والتطبيقات في المؤسسات العلمية في البلدان المتقدمة. والسؤال: هل النواة وهي الموروث في الثقافة العربية محفوفة بمحيط (ثقافة الأجيال المتلاحقة) فاعل أو ساكن؟ نرى الغرب يعمل ويكد وينتج بنسق متسارع .. فهو قبلة المكتشفات المذهلة، وموطن التقدم المبين، وهو يحافظ على موروثه بأن وضع له إطارا قطع عنه التأثير في الراهن وفي المستقبل على أنه احترامه احتراما عظيما.
أما العرب، فالسؤال مطروح بحدة عن علاقتهم بالموروث وبالدين بصفة خاصة. فهل يحيطون به على قاعدة الفاعلية .. ومعناها أن صون حقيقة الدين لا تكون إلا بالثقافة المنتجة (الاجتهاد – العقلانية – الإبداع).
وإذا نظرنا في النتائج، فطبيعي أن يغزو الغرب العالم، لأن المصلحة تابعة لمصادر القوة، وقد فعلت نظرية التطور اللامتكافئ (انظر سمير أمين في هذا الصدد) في وقت غير بعيد، وتفعل العولمة ما تريد اليوم، والغرب جادٌ في جلب المصالح إليه. ومنطق التاريخ يدل على التلازم بين القوة والمصلحة. فالسياسات التوسعية نتيجة حتمية لكسب الأسباب المؤدية إليها .. وهذا لا يعني الرضى بما نرى؛ بل يقصد إلى معالجة الإشكال من زوايا أخرى .. وهي طرح السؤال: لماذا يتدرج الوضع العربي إلى الوهن والاستلاب (عموما دون النظر في الاستثناءات وهي قليلة)؟ هل الدين هو السبب؟ أو صفة التدين هي الداء؟ هل النص هو العلة أم المحتوى الثقافي هو الدافع إلى الوضع الراهن؟ وليس كل الغرب “الشيطان الأكبير” بل إن القيم ملازمة عنده للحضارة، وإن هي ذات مرجعية مختلفة، فلا وجه لتوهّم العداء، بل الأجدر التعامل مع الغرب بمنطق النجاعة والمصلحة المشتركة، وربط التواصل مع العقلاء الغربيين ذوي القيم الأصلية، وقد بين لنا التاريخ المعاصر أن اليهود كانوا شتاتا وقد اضطهدوا في الغرب أبشع اضطهاد؛ واليوم أصبحت العلاقة بينهم وبين الغرب على أكمل صورة والبحث عن الأسباب مزدوج الفائدة، إنه يوفر المسالك لنحت العلاقات المتدهورة استصلاحا لها نحو الأفضل، ويؤكد أن التكافؤ في التعامل ممكن على شرط توفير المقومات، ومنها الارتقاء إلى مستوى الحضارة لا في المظاهر بل في عمق الكيان. وهل يتسنى هذا للعرب وهم متفرقون؟ أليست الخطوة (الصعبة) أن يمثل العرب كيانا متكاملا (لا نذهب إلى الكلام على الوحدة وقد أصبحت كالحلم العصي) يمكن له متى تحقق أن يكون العرب مخاطبا كفئًا إزاء الغرب؟
الحرية اليوم أقنوم من الأقانيم اللازمة للإنسان بموجب حقوق أممية.
- هل الإصلاحات التي تدعو إليها أمريكا وتنافخ من أجل فرضها على سكان مشرقنا العربي في شتى مجالات حياتهم .. ستدفعهم إلى عبادة الحرية، أو هي ستزيد من إصرارهم على الالتزام بالشريعة؟
- هل التضاد كامن بين الحرية والشريعة؟ ألم يأت الإسلام لتحرير الإنسان من أشكال الاستعباد فسمي القرآن المسلمين الحقيقيين عباد الرحمان، أي البشر المنوط بهم نشر الرحمة فوق الأرض، ومن أبسط مظاهرها الحرية؟ وليس الكلام تمجيدا، إنه الإحالة إلى النص بالضرورة. لقد تأثر تاريخ المسلمين بأحداث جسيمة غيرت مجرى النسق الأصيل إلى انحرافات فظيعة، ويمكن أن نصطفى مظهرين يفسران ذلك ولهما علاقة بالسياسة؛ المظهر الأول توهّم منصب الخلافة منصبا دينيًا .. ولابن خلدون موقف جليل في هذا السياق، ملخصه أن خلافة الراشدين استثناء، وأن الخلافة الإسلامية بدأت مع الأمويين عندما انقلبت الخلافة إلى مُلك. فالتسمية خلافة والمسمى ملك عضوض .. وقد أسس فقهاء السياسة الأحكام السلطانية الملائمة لذلك؛ فوجب الاعتبار بالتاريخ بمنهج نقدي دقيق. المظهر الثاني، هو تبنيّي فكرة ساسانية انتشرت مع دولة البرامكة وملخصها في “حق الملوك الإلهي”، فتغيرت الخلافة من خلافة رسول الله إلى خلافة الله وأصبح الحاكم صورة عن إرادة الله، ومن يرجع إلى كتب التاريخ يفهم هذا التغير. والمظهران تكريس للجور والاستبداد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. ولعل صرخة أبي العلاء المعري في اللزوميات تعبير عن وعي حاد أن العقل قد غار وأُهمِل يقول: وإذا الرئاسة لم تُعَنْ بسياسة
عقلية خَطِئَ الصَّوابَ السائسُ
لا نرى وجها في المقابلة بين الحرية والشريعة .. بل الأجدى المقارنة بين الحرية والاستبداد الذي وصل به الجور إلى سد الأبواب دون العقل المنتج تحت إطار الشريعة. ومن الملفات المهمة التي يجب فتحها ملف الشريعة .. لأن الاصطلاح قد يبدو واضحا، أما المفهوم فهو أحوج إلى المراجعة، والمنهج النقدي كفيل بذلك؛ إذ في الشريعة جانبان: الجانب الإلهي وجانب التلقي البشري .. وإذا لم يتحرك التلقي فإن الجانب الأول قد تطمس حقائقه .. وقد يؤدي إلى سوء الفهم، وسوء التطبيق. ولشيخ تونسي من نهاية القرن السابع عشر الميلادي رسالة في هذا الشأن، وهو محمد بيرم الأول موسومة بالسياسة الشرعية، والناظر فيها يتمكن من فهم مجالات الاجتهاد الكبيرة. الموضوع يحتاج إلى الأناة والأريحية، وإلى عقلية نقدية، وإلى حال نفسية متوازنة حتى تصغي إلى المواقف ما توافق عليه وما ترده على حد السواء. لقد أصبحت الحرية اليوم أقنوما من الأقانيم اللازمة للإنسان بموجب حقوق أممية. ومهما كانت الممارسات قريبة من التجسيم أو بعيدة .. فإن الشعوب تجنح إلى الحرية وإلى حقوق الإنسان. ولا محيص عن تحقق هذه المعاني في كل العالم مهما نأت المدة الزمنية وتعقد الوصول إليها. ولا نرى سبيلا إلى أن يتصدى الفكر الديني الإسلامي للحقوق الإنسانية إلا في إطار الذهنية الماضوية أو التعصب المريض .. وكل ذلك في نظرنا ممارسة غالطة وخيارات سخيفة. وإنّ من أبرز العوامل المغذّية للحرية الظاهرة الدينية عندما تؤخذ مأخذا عقليا؛ لأن للإنسان الحرية من اختيار عقيدته .. على أنه لا مجال لعقائد تؤدي إلى القتل والإجرام والإرهاب، إذ هي حالات مرضية .. وأبرز مقاومة لها هي السبيل المعرفية، ولن تستطيع الأطروحات المتعصبة أن تقف أمام العلم والمعرفة، ونقصد بالعلم المنهجية العلمية في الدرجة الأولى وقوامها على العقلانية. وإنّ من أبرز ثمار تحمّل الإنسان مسؤولية وجوده أن يختار بعقله، وأن يريد بعقله .. والثقافة الإسلامية في جوهرها استصلاح لهذه المسؤولية .. فكان الإسلام هاديا إلى هذه المعاني؛ ولعل هذا ما يفسر أن أعظم معجزة للنبي (صلى الله عليه وسلم) هي القرآن الكريم، ولم نجد مثيلاً لها من خوارق من كان قبله. فالنصوص القديمة بحاجة إلى الاستثمار الواعي. |
ولأمريكا أن تقترح وأن تفرض الإصلاحات .. لأن المناخ ملائم، والفراغ الثقافي يستدعي مثل هذه الإجراءات، ونقصد بالثقافة ما أشرنا إليه آنفا .. فالسياسة ثقافة، وكذلك الاجتماع والاقتصاد . طرح السؤال يمكن أن يتخذ مسلكا آخر مختلفا وهو الذي أراه من صلب النهج النقدي. الواقع اليوم يبوئ أمريكا درجة السلطان على الأرض، فهل وجدت أمريكا في المشرق العربي من قوة الأفكار، وقوة المناهج، وقوة المقاربات، وقوة المعارف، وقوة العلوم؛ ما يجعلها تتساءل هل يُمْلَى الإصلاح على واقع حضاري متميز بالرقيّ؟ الوجه في نظري أن نبصر في حال المشرق قبل أن نصوّب النظر أو التهم إلى الآخرين. غير المتمكن يمتلك أسباب فرض الذات والهيمنة بها وهذا لا يحتاج إلى دليل. أما الأنا / النحن في المشرق العربي فما هي المنجزات المؤدية إلى إثراء الحضارة الإنسانية. هل تكفي المواد الخام والخيرات المادية لتكتسب المجتمعات المنزلة الرفيعة؟
الرأي عندي، أن تكون اليقظة ذاتية، وأن يكون الإصلاح من الداخل، ولا ينقص العرب والمسلمين الأدمغة المفكرة القادرة على الإبداع. ألم تبرهن الأدمغة العربية على كفاءات عالية عندما هاجرت إلى الغرب وأسهمت في الارتقاء بعلومه ومعارفه ومناهجه؟ إن أمريكا والغرب يستوجبان المخاطب الكفءَ، القادر في دياره على أن يحقق التقدم، وعلى أن يزرع الثقافة المتحركة وأدناها استرجاع قيمة الوقت وقيمة العمل.
الجواب عن السؤال في الخلاصة كامن في تحريك السواكن والإبانة عن النضج، وقد يقال إن الغرب يعرقل التكامل بين العرب والمسلمين، والسؤال وجيه على أنه يحط الرحل في سؤال آخر: أليست للعرقلة أسباب، أهمها المناخ الملائم وقبول الهيمنة؟ وليس الأمر كالحلقة المفرغة .. إنه ينتظر الإدارة القوية، ولنا في التاريخ المعاصر مجتمعات كانت مقهورة أو مستضعفة، ثم حظيت بالتمكن بإنجاز من الذات لا بالمنة من الآخر.