نغم صوفي من جزيرة الموت

نغم صوفي من جزيرة الموت

صوت نابض بالحياة يأتي من جزيرة الموت، هو نغم مسترسل في جزيرة صغيرة من أرخبيل دولة جزر القمر تسمى جزيرة “مايوت” المقتبس اسمها من الاسم العربي القديم “الموت” حيث تحيط بها الشعب المرجانية من كل جانب مما كان يجعل الاقتراب منها هو نهاية كل سفينة بطاقمها نظرًا لارتطام السفن بالشعب المرجانية، لكن بداخل الجزيرة للحياة معنى أخر…

deba3

يعتبر الغناء والموسيقى في أفريقيا وسيلة من وسائل الحكي وسرد لتاريخ القبائل، كذلك يُعد تأريخ لبطولات القبيلة وأصلها. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالموسيقى طقس قديم من طقوس التعبد حتى مع تغير الأديان استطاع الأفارقة تطويع موسيقاهم مع معتقداتهم الدينية الجديدة. لا شك أن المديح أصبح صورة من صور الذكر والإنشاد. بعدما كان لونًا شعريًا قاصرًا على مدح الملوك وذوي السلطان. وهو اللون الأدبي الذي لم يقتصر على الرجال وحسب بل شمل النساء أيضًا. وصار ينتمي للون الموسيقي حيث اندمجت الموسيقى والمقامات مع أداء المداح (لشخص الذي يلقي قصائد المديح ويتغنى بها) في الحلقات التي تُعقد لسماع الذكر ومدح النبي (محمد) وآل بيته الكرام… خاصة أن هذا اللون من الإبداع قد أخذ الصبغة الشعبية الصوفية والتي لاقت رواجًا في المناطق التي لها تاريخ في الموسيقى والحكي الشعبي…

في كل بقاع الأرض نجد أصواتً مميزة، لكن نساء أفريقيا صاحبات صوت مميز دومًا، ونلاحظ هذا الصوت لدى هذه الفرقة النسائية والتي يصير المديح لديها عُرس بهيج وابتسامة تكسو الوجه مع لمعة براقة في العين من فرط السرور. هكذا هو صوتهم ينقل لنا صورة حية يترجمها العقل تلقائيًا على هذه الهيئة بمجرد سماع صوتهن. فرقة “مايوت ديبا – Mayotte Debaa” هي فرقة صوفية نسائية من جزيرة مايوت الأفريقية التابعة للحكم الفرنسي لما وراء البحار، يرتدين زيهن التقليدي الشبيه بالزي السائد لدى أغلب نساء أفريقيا وهو “التوب” الملتف حول الجسد وألوانه الزاهية. يقفن في حلقات تذكرنا بحلقات الشعر في الأسواق قديمًا حيث ينفرد كل شاعر بقصيدة أو معلقة يروي فيها سيرة أو يتغزل في المحبوبة، وتبدأ مبارزة الكلام بينه وبين باقي الشعراء. بالضبط هذا ما تفعله هؤلاء النسوة بعدما كان قاصرًا على الرجال منذ القدم التغني والحكي ومبارزة الكلام، تسلمن هن الراية وانفردن بلون مختلف ألا وهو اللون الصوفي والذي بدأن فيه منذ ستينيات القرن الماضي.

لعل التسمية تكون مشتقة من الاسم الفرنسي Le debat أي النقاش والجدال، فحلقة واحدة تتكون من عشرات السيدات تتقدمهن سيدتان واحدة تنشد بالعربية والأخرى ترد عليها أو وراءها باللغة السواحيلية، وبالخلفية حاملات الدفوف والمرددات من ورائهن. متخذات شكلًا من أشكال الرقص والغناء التقليدي الشبيه بأمواج المحيط الهندي الذي يحيط بالجزيرة من كل جانب، في منافسة بين نساء البلدة، وخاصة في المناسبات المتعلقة بالشعائر الدينية كالعودة من الحج أو شهر رمضان، أو المولد النبوي. فغنائهن يذكر فيه المستفاد من القرآن أو ما يشبه القصص الديني، وأشعار في حب الرسول ومولده. وغيرها من المناسبات الدينية المرتبطة بالإسلام حيث يعتنق غالبية أهل الجزيرة الدين الإسلامي.

هنا نستمع إلى صوت فاطمة حمادة المولودة في عام 1972 والتي تعلمت الغناء من والدتها شأنها كشأن أي أنثى أفريقية يتقاسم الغناء حركتها اليومية بين أعمال المنزل والحقل ومداعبة الأبناء. وحينما اكتسبت فاطمة الصوت العذب تلقفتها يد السيد “مريم بكار” والتي تعلمت على يديها الأداء الصوفي وإنشاد الأشعار الدينية كالتي سنسمعها في مدح رسول الله محمد (ص) كأنها تنادي للصلاة في أداء يوازي الأداء الصوتي للآذان. على الرغم من أن اللغة العربية ليست لغة رسمية في الجزيرة وبمعنى أدق لغة غير منطوق بها على الجزيرة لكن الحروف واضحة وطيعة مع الموسيقى الأفريقية، والنغم الصوفي يظهر في تجلى مع أصواتهن …

في حُب سيدنا محمد
في حُب سيدنا محمد
نورٌ لبدر الهُدى مُتَمَمُ
والله قلبي يحن إلى محمد *** ما زال من وجد مُتَيمْ…الله
والله ما لي حبيبٌ سوى محمد *** ما لي حبيب سوى محمد
خير الرُسل النبي المُكرمِ والله *** والله شوق المُحِب إلى محمد
شوق المُحِب إلى محمد *** أفناه ثم به تهيم والله
والله أدعوك أحمد يا محمد *** يا سيد الرسل المقدم
اشفع إلى ربك يا محمد *** يوم القيامة كي نُرحم
أدعوك أحمد يا محمد *** يا سيد الرسل المكرم
أرجو الشفاعة من محمد *** لو كنت أرتكب المحرم
أدعوك أحمد يا محمد *** يا سيد الرسل المقدم
أنت ملجأنا محمد *** يوم الهوان بها تهشم
النور جاء به محمد *** والحق بين وإن تكتم
أعلى السماء سماء محمد *** جبريل قال له تقدم
والحمد لله على ___وصلاة الله على محمد

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!