أنين الناي: مختارات من المثنوي -1-

أنين الناي: مختارات من المثنوي -1-

 

همّ المصطفى بإلقاء نفسه من جبل حراء خوفًا من تأخر نزول جبريل،

وإظهار جبريل نفسه له قائلًا: لا تُلقِ بنفسك، فأمامك ألوان من الإقبال!

عندما امتد الهجر وفراق “جبريل” للمصطفى عليه الصلاة والسلام ، كاد أن يلقي بنفسه من فوق الجبل. حتى قال له جبريل: حذار، لا تفعل، فإنّ لك دولة عظيمة من أمر “كُنْ”.

فكان المصطفى ينصرف عن إلقاء نفسه، ثم كان الفراق يهاجمه مرة ثانية. فكان يهم بإلقاء نفسه مرة أخرى منقلبًا من الجبل، وذلك من شدة الحزن والهمّ.

فكان جبريل يظهر له مرة أخرى قائلًا له: لا تفعل، أيُّها الملك الذي لا بديل له.

وهكذا ظلّ الأمر حتى كشف الحجاب، وحتى وجد جوهره، من داخله هو.

وإذا هَمّ الناس بقتل أنفسهم عند كل محنة، فماذا هم فاعلون في النفس التي هي أصل كل المحن؟

وإنني لفي عجب وحيرة من تضحية الناس، وكلّ منهم يضحي بنفسه من أجل سيرة ما. وما أسعد ذلك الذي ضحى بالجسد، من أجل ذلك الذي يستحق الفداء والتضحية.

ولمّا كان كلّ امرئ فداء من أجل فن ما، فهو صارف فيه العمر، مستعد أن يُقتل من أجله. مستعد للقتل، فللأشياء المنسوبة للشروق أو الغروب موت، فلا مشتاق يبقى بعدها، ولا موضع شوق. اللهم إلا هذا المقبل المضحي من أجل هذا الفن، تكون له مائة حياة في القتل. فهو عاشق ومعشوق وعشقه في دوام، وهو حسن السمعة في الدارين، ذو نصيب.

“يا كرامي، ارحموا أهل الهوى، شأنهم ورد التوى بعد النوى”.

فاعفُ أيُّها الأمير عن حدثه وغلظته، وانظر إلى آلامه وشقائه. حتى يعفو الله بدوره عن ذنوبك، ويجازيك على ذلك بالمغفرة. ولقد حطمت أنت جرارًا كثيرة من الغفلة، ومع ذلك فقد رجوت العفو من أعماق قلبك. فاعفُ حتى تجد العفو عند الجزاء، فإن القدر يدقق كثيرًا عند الجزاء.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!