الموسيقى تأتي من القلب

الموسيقى تأتي من القلب

            ليس من الصعب على المرء أن ينشد البردة الشريفة، ولكن أي إنشاد معطر يكون؟ فالتفوه بالحرف لا يعني صدقه، بل نطقه من القلب هو ما يجعله صادقًا خاصة وإن كان اختيارًا بعد خوض تجارب شتى. وهذا ما يميز الشيخ حسن دايك وقافلته “قافلة المحبة”  Sheikh Hassan Dyck and Muhabbat Caravan ذلك الشخص الذي يرى أن الموسيقى منبعها القلب قبل الآلة، وأنها وسيلة من وسائل الوصول إلى الله ونشر المحبة والتواصل…

الشيخ حسن دايك هو شيخ الطريقة النقشبندية الحقانية في ألمانيا، وخلفًا للشيخ ناظم الحقاني شيخ الطريقة النقشبندية. أسس الشيخ حسن “الزاوية العثمانية” ومركز تواجده في قرية ألمانية صغيرة تسمى “كال” أغلب من بها يعتنقون الإسلام وينتمون إلى الطريقة النقشبندية. الموسيقى والمدائح بعد صلاة العشاء طقس يومي من طقوسهم بل ووسيلة للتواصل مع البشر بكافة مشاربهم وجنسياتهم وأديانهم. فالشيخ حسن ومعظم من معه لم يرثوا الإسلام، بل هم من خلفيات دينية مختلفة سلكوا الطريق بحثًا واستقروا على الإسلام بمنهجية صوفية، ويرى في ذلك الشيخ حسن وتابعيه أنهم لا ينكرون دياناتهم السابقة بل هي بداية الطريق نحو الإيمان وما هم عليه الآن إكمال له…

sheikh-hassan-dyck

 

شخص ذو لحية بيضاء ممسكًا بآلة “تشيلو” هو الشيخ حسن دايك الدارس للموسيقى قبل اعتناقه الإسلام، ويجاوره مجموعة، أحدهم يعزف على “الهارمونيوم” الهندي وآخر على “الدف” وكذلك يمسك أحدهم بآلة “ديدجريدو” وهي آلة من آلات النفخ صوتها يشبه الطبيعة، ذاك الصوت الرخيم الشبيه لصوت الهواء في تجاويف الأودية والصحراء. يجتمعون بعد صلاة العشاء بشكل يومي يتلون القرآن مبتدأ، ثم ينشدون في حلقات ذكر على موسيقى هادئة يعزفونها، وأحيانًا بلا أي موسيقى تُذكر، فقط أصواتهم المتداخلة تنشد مما تيسر لهم نطقه، فهم لا يتحدثون العربية إلا إذا كان بينهم أحد متحدثيها، فالمكان قبلة لمن ينشد الهدوء والسلام الروحي، والقرية مقصد عالمي من مختلف الجنسيات. ربما هي الموسيقى والسلام النفسي، ربما التأمل، أو ربما الحالة والحال بأكمله بالقرية التي تشبه تلك الحكايات القادمة من العصور القديمة خاصة في هيئة الملابس.

يبدأ صوت الشيخ حسن بالظهور، وفي الخلفية تنهيدة الناس وهم يقولون حي، وما يلبث أن ينتهي من أول بيت في الصلاة على النبي حتى ينضم إليه الجميع ويرددون وراؤه فنلحظ النطق الأعجمي للحرف العربي، في انسجام وتناغم بديع صادر من القلب، على أي هيئة سمعت أو أنشدت البردة ستجد هنا سماع مختلف…

يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا ** واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

 مولاي صلي وسلم دائمًا أبدًا ** على حبيبك خير الخلق كلهم

أمن تذكر جيران بذي سلم ** مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة ** وأومض البرق في الظلماء من إضم

فما لعينيك إن قلت اكففا همتا ** وما لقلبك إن قلت استفق يهم

أيحسب الصب أن الحب منكتم ** ما بين منسجم منه ومضطرم

لولا الهوى لم ترق دمعًا على طلل ** ولا أرقت لذكر البان والعلم

فكيف تنكر حبًا بعدما شهدت ** به عليك عدول الدمع والسقم

محمد سيد الكونين والثقلين ** والفريقين من عرب ومن عجم

هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ** لكل هول من الأهوال مقتحم

يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا **واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

 مولاي صلي وسلم دائمًا أبدًا ** على حبيبك خير الخلق كلهم

الله حي يا حي حي حي حي يا حي…

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!