اهدنا: العدو الذي أصبح وليًّا حميمًا

اهدنا: العدو الذي أصبح وليًّا حميمًا

اهدنا: العدو الذي أصبح وليًّا حميمًا

بقلم: د. أمنية النجار 

كان أرنود فان دورن Arnoud van Doorn الهولندي من أكثر الناس معاداة للإسلام، وكان يرفض وجوده ووجود المساجد في بلده ليس فقط في قناعته الشخصية ولكن على المستوى العملي بسبب انتمائه لحزب “من أجل الحرية”، وهو من أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً وكراهية للإسلام في أوروبا. تعاون مع أصدقاء له في الحزب لإنتاج فيلم قصير عن الإسلام، قال عنه إنه “كان يهدف لتنبيه الأوروبيين لخطورة الإسلام والمسلمين”، فظهر فيلم “فتنة” عام 2008 الذي أثار موجات من الغضب العارم بين مسلمي العالم.

وكان هذا الغضب هو مدخل فان دورن إلى الإسلام.

يقول أرنود الذي ساهم في توزيع الفيلم: “شعرت بذهول من رد فعل المسلمين. وتساءلت: لماذا هذا الغضب؟ ولماذا شعروا بالأذى؟”

ويضيف: “هذا التساؤل جعلني أشعر أن ثمة خطأ ما قد وقع إذ لا يُعقًل أن يكون أكثر من 1.2 بليار مسلم على خطأ، ونكون نحن علي صواب”.

وهنا بدأت مرحلة الشك في حياته إلى أن قرر التوجه إلى المسجد للتعرف على الإسلام، وحصل على نسخة مترجمة من القرأن وكتاب عن السيرة النبوية.

استمرت رحلة الإطلاع أكثر من سنتين أدرك من خلالها أن معرفته المسبقة عن الإسلام كانت كلها مغلوطة بسبب الدور الذي يلعبه الإعلام والسياسيون.

كما تغيرت رؤيته لسيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام الذي وصفه بأنه أصبح قدوته ومرشده إذ يرى فيه الإنسان الكامل الذي تعرض لمحن وابتلاءات عظيمة ومتعددة لم تجعله يفقد الرحمة ومباديء الإنسانية.

ورأى في القرآن رسالة جامعة للبشرية وليس فقط للعرب، كما وجد فيه الراحة والسكينة والحكمة، وكانت الآية التي توقف عندها كثيراً هي الآية 36 من سورة النساء: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا). ومنها استنبط مبدأين هامين وهما التوحيد والإحسان الذي أمر الله به المسلمين ليس فقط لنفسهم، بل للآخرين أيضاً.

وهدته قراءاته أيضاً إلى فهم معنى التوحيد، أي تنزيه الله عن كل نقص والتسليم بوحدانيته، فهو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)، وهنا يقول إن هذا الفهم أنهى الإشكالية التي كان يشعر بها كمسيحي كاثوليكي فيما يخص عقيدة التثليث.

وعندما توجه أرنود فان دورن للمسجد ليعتنق الإسلام، عرف أنه كان يشعر منذ فترة طويلة قبلها بأنه كان مسلماً في قلبه، ولكن لحظة نطق الشهادة كانت لحظة هامة في حياته لمس فيها معية الله وتبدل الحال كأن هناك من يأخذ بيده.

منذ إسلامه، عمل على خدمة الإسلام في هولندا، وأنشأ مع آخرين حزب يقوم على مباديء إسلامية ويهتم بحقوق المسلمين من المواطنين والمهاجرين على حدٍ سواء، فكان الأول من نوعه في هولندا، وألقى العديد من المحاضرات للتعريف بالمعني الحقيقي للإسلام كما يفهمه.

 

من قبضة طالبان للدفاع عن الإسلام

اكتشفت الكاتبة الصحفية البريطانية إيفون ريدلي Yvonne Ridley أنها لم تكن تعرف الكثير عن الإسلام رغم عملها في تغطية أخبار الشرق الأوسط. اللحظة الفارقة للمعرفة جاءت عندما وقعت في قبضة حركة طالبان الأفغانية عام 2001 أثناء عودتها من تغطية إخبارية للكتابة عن حياة الأفغان قبيل الغزو الأمريكي لها. اعتقدت إيفون، التي تسللت بشكل غير شرعي لأفغانستان، أنها في مهمة في هذا البلد الذي صدقت ما وصفه به كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأنه “معقل الشر”، فلما تم اعتقالها، اكتشفت أنها كانت أسيرة لمعرفة سطحية عن الإسلام وعن المسلمين ساهم في نشرها الإعلام وزعماء العالم الأول.

وجدت إيفون نفسها مع جماعة أحسنت معاملتها على أنها “ضيفة”، ولم تصدق أن هذه المعامة حقيقية وإنما خدعة حتى يتم قتلها بشكل بشع. كما أنها ظلت تراقب تصرفاتهم على مدى 11 يوماً، فرأت أناساً متدينين، يقيمون الصلاة في وقتها ويستمرون في معاملتها بلين رغم عدوانيتها الشديدة. وفي أثناء احتجازها، عرض عليها خلالها أحد أعضاء الحركة أن تعتنق الإسلام، ولكنها ردت بشجاعتها المعهودة أن هذا قرار مصيري ولكنها مستعدة لعقد اتفاق أن تبدأ في قراءة القرآن وتعلم مباديء الإسلام إذا أطلقوا سراحها. وبالفعل فعلوا على عكس كل توقعاتها.

وعندما عادت إلى لندن قررت أن تفي بوعدها، وقررت أن تبدأ بالتعرف على نظرة القرآن للمرأة لاعتقادها أن هذا الدين هو الدين الذي يقهر النساء ويستعبدهن.

وكانت هذه هي المرة الثانية التي اكتشفت سوء فهمها للإسلام، وتقول: “لقد دهشت تماماً على العديد من المستويات لأن القرآن “يوضح جلياً أن النساء متساويات مع الرجال”، مشيرة إلى الآيات التي تنظم لها حقوقها.

وتصف إيفون هذا الانفتاح على معرفة حقيقية للإسلام بأنه جعلها تريد الاقتراب أكثر من القرآن على المستوى الروحي بدلاً من تناوله كباحثة، فوجدت ذلك ميسراً لها تماماً بفضل كونها مسيحية متدينة نوعاً ما.

وبدأت إيفون تدريجيا ترى أن الإسلام منهج حياة، وأن رسوله هو أكمل إنسان على وجه الأرض، وقدوة، معلقة أنها، منذ بدأت تقرأ في السيرة النبوية، أدركت لماذا يجله المسلمون ولماذا تأذت مشاعرهم بسبب الرسوم المسيئة.

ومثل أرنود فان دورن، تقول إن عقيدة التوحيد في الإسلام هي التي أعطتها الشعور بالارتياح بسبب تساؤلات سابقة كانت لديها فيما يخص التثليث، وهو الأمر الذي جعلها تعتنق الإسلام أخيراً عام 2013 بعد سنتين من القراءات والبحث.

وتصف إيفون تبدل حالها، قائلة: “كنت امرأة تكره صحبة نفسها قبل أن أعتنق الإسلام وإذا بي أجد سلاماً داخلياً لم أعهده من قبل”.

منذ عام 2013، عملت للدفاع عن الإسلام وتم ترشيحها لجائزة المرأة المسلمة لعام 2014، ولجائزة نوبل للسلام عام 2019 لعملها مع الجمعيات غير الحكومية لحماية أقلية الروهينغا المسلمة التي تعرضت لقمع وحشي من جيش ميانمار.

كما اشتهرت بمناصرتها للقضية الفلسطينية وكسرها للحصار الإسرائيلي لغزة حيث كانت على متن أول سفينة كسرت الحصار رغم محاولات إسرائيلية لإيقافها.

وعن وجود الله، تقول إيفون: “أقول للعلمانيين والملحدين والمشككين، اذهبوا إلى إدلب السورية ستجدون الله في كل مكان، فهو وحده الذي يستمسك به أهلها من أجل البقاء رغم الحرب والدمار”.

 

هوامش

-أرنود فان دورن في حوار مع فهد الكندري:

https://www.youtube.com/watch?v=skaCLhTs8_4

-فان دورن يتحدث عن سبب إسلامه في المالديف:

https://www.youtube.com/watch?v=IgmkMAPpkhA

-موقع إيفون ريدلي:

http://yvonneridley.org/about-yvonne/

-إيفون ريداي في حوار مع قناة الحوار:

https://www.youtube.com/watch?v=WnL4PPeflY8

-إيفون ريدلي عن كسر حصار غزة:

https://www.youtube.com/watch?v=uLOI__6568U

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!