حاء الحجّ وجيمه: رؤى صوفيّة

حاء الحجّ وجيمه: رؤى صوفيّة

حاء (الحج) وجيمه: رؤى صوفية

 

د. وفاء أحمد السوافطة*                                  

“العالم حروف لا تنتهي”

يقول سيدي الشيخ محيي الدين بن عربي في مقدمة كتابه الفتوحات المكية: “فالعالم حروف مخطوطة مرقومة في رقّ الوجود المنشور، ولا تزال الكتابة فيه دائماً أبدًا لا تنتهي”[1]. ولطالما استشف الصوفي معاني الوجود الخفية، ونهل خمر الأسرار الشفيفة من كؤوس (الحروف) التي تبدو أحياناً قطوفاً دانية، وأحياناً سراباً بقيعة. لكنها تبقى في وجدانه أنهار الجنان التي لا تنضب، ولا حدود نهائية لها.

ولا أخفي أنني، كمتذوق للشعر والأدب، أجد أحياناً في الخزانة اللفظية أو الحروفية، لشاعر أو كاتب ما، ما يشد سمعي، ويطرب قلبي، ويوحي لي بكثير من الانسجام والتناغم، بعيداً عن التصنع والكلفة. كما أنني أجد نفسي مشدوداً لبعض التصاقبات اللغوية والدلالات الحروفية التي تجتمع في بعض النصوص والموضوعات. وأذكر، على سبيل المثال، أن القرآن الكريم فيه كثير من تلك المؤثرات الحروفية والصوتية؛ ففي السور المكية، التي تخاطب المعاندين والكفار والمشركين نجد سورا ذات مقاطع قصيرة، وكلمات مرعدة مدوية، وصاخبة الصوت. ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿يوم ترجف الراجفة *تتبعها الرادفة *قلوب يومئذٍ واجفة﴾[2]. “فحرف المد (الألف) مع الفاءات تنفث في قلوب المشركين الفزع وتبثّ في دواخلهم الهزات والإرجاف”[3].

وكذلك، في الشواهد الأدبية، نجد مثالا آخر في قول البحتري، عند وصفه الذئب عندما يكون جائعاً، فتتحرك أمعاؤه طلباً للأكل والتهام فريسته، وتحدث هذه الأمعاء صوتاً أوجد الشاعر له كلمات تحاكيه:

يُقضقِض[4] عَصَلاً [5] في أسِرَّتها [6] الرَدى

                                                         كقَضقَضةِ المقـرورِ [7] أرعَدَهُ البَرْدُ

فتكرار حرفي (القاف والراء) في بيت الشعر يوحي بضراوة الذئب وارتجافه وتحرك أعضائه للافتراس[8].

وقد عقد عبقري اللغة العربية ابن جنّي فصلاً في كتابه الخصائص، أبان فيه ما سمَّاه: “تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني”، أي تجاور أو تقابل صفة الصوت (الحرف) مع صفة الحدث (المعنى). فالحرف إن لم يدل دلالة واضحة على المعنى، فهو يدل دلالة اتجاه، ويثير في النفس جواً يهيئ لقبول هذا المعنى، ويوجه إليه ويوحي به. ويورد زكي الأرسوزي تعليقاً قيّماً في هذا الشأن، فيقول: “إن الكلمات العربية ذات أصول في الطبيعة، وإن مبدأ الصحة فيها قد تعين من قبل الفطرة، لا من قبل العرف والعادة (الوضع البشري)، وإن العلاقة بين اللفظ والمعنى ليست هي بالعلاقة الاصطلاحية فقط، بمعنى أن اللفظة تشير إلى معناها فقط. بيد أن اللسان العربي ذو بنيان عضوي تنمّ فيه الكلمة عن المعنى، وتوحي به إيحاءً، حتى أن اتجاه المعنى هو الاتجاه المتغلب على اللفظة، مما يجعل صاحبه أكثر استعداداً من غيره لفهم الأخلاق والديانة”[9]. كما ابتدع بعض الأدباء والشعراء علم الجمّل الذي يدرج في الأحرف أرقاماً وتواريخ ذات دلالات قصدية.

وقد تجاوز كثير من مفكري التصوف الإيقاع اللفظي والموسيقي، والتصاقب اللغوي للحرف، فشدّ علم الحروف كثيراً من المفسرين والمتأولين، فغاص كثير منهم في بحار عالم الحروف، وبخاصة أنهم وجدوا في مفاتيح السور القرآنية ما يغريهم بالتفكّر والتدبّر في دلالات تلك الحروف، وفك رموز تلك الطلاسم. فبحث بعضهم في رمزية (ألم)، وانشغل غيرهم بـ (كهيعص)…ألخ. وقد خصص ابن عربي فصلا كاملا من كتابه الفتوحات المكية لتحليل دلالات الحروف ومعانيها الباطنية، كما أن أبا العباس البوني وضع كتاباً سماه الكشف في علم الحروف. بل ذهب بعض الحروفية إلى القول بأن العبادة هي اللفظ، وبه يمكن للإنسان الاتصال بالله، والمعرفة هي أيضا معرفة الألفاظ لأنها مظهر الموجودات.

لقد قادني إلى مثل هذه المقدمات، أنني في لحظة تأمل ذاتية لاحظت أن بعض الأحرف تشكل قاسماً مشتركاً بين كثير من الدلالات المعنوية (الداخلية) وما يمكن أن تنعكس عنه تلك الدلالات في أرض الواقع (الخارجية). فعلماء فقه اللغة والصوتيات درسوا مخارج الألفاظ ودلالات موسيقى ورسم كل حرف، على حدة. فتوصل بعضهم إلى أن “موسيقى العربية بُنية داخلية … قبل أن تكون واجهة خارجية، أو قل إنها موسيقى عقلية أكثر منها موسيقى حسية”[10]. لكن ذلك لم يمنع بعضهم الآخر من توظيف أحاسيسه وشعوره ” للاهتداء إلى أصوات حروفه واستخلاص معانيها، استيحاء من العالم الخارجي بروح فنية خالصة، وليس بملكة (عقلية-هندسية)”، فأخذ ينتقي الحروف التي تتلاءم إيحاءاتها الصوتية مع تلك الخصائص، ولكن وفق ترتيب معين يماثل تراكيب الأشياء[11].

(حاء) الحج

ومن تلك الدلالات التي استوقفتني، بشكل خاص، دلالة كلمة (الحج) التي تشكل ركناً هاماً من أركان العبادات الحركية، وهي تحمل الكثير من المعاني، التي تلخص حياة الإنسان وفعالياته، ومنها:

  • السفر والاكتشاف.
  • الطواف حول المركز.
  • التطهر والتزهّد والتنسّك
  • التضحية والفداء
  • المعرفة والتعارف والتواصل
  • تقدير سمو التجربة الإنسانية، والسير على نهج الصالحين.

ومن أول حرف في كلمة “حج”، تبدأ رحلة حياة الإنسان، كما هي رحلة الحضارة الإنسانية، فـ(الحاء) تشكل حرفاً ابتدائيًا مشتركاً بين كثير من أدوات الإنسان للوصول إلى محطات حضارية أو مراحل وجودية (حائية) كثيرة، هي قواعد أساسية للوجود، منها، على سبيل المثال:

  • الحياة، وهي المرحلة الأولى من مراحل وجود المخلوق البشري، بعامة، فحرف (الحاء) هو رمز المرحلة الأولية لانبعاث الحياة الجديدة في مجتمع أسرة سيدنا إبراهيم، الذي أقام البيت مثابة للناس، وانبعاث الحياة على الأرض المجدبة حول البيت الحرام، بخاصة.
  • الحب، وهو المحرك الأول والأخير لكل مسارات وجود المخلوق، فبالحب (حب الأنا) تخرج الحياة عن مسارها الجامد، نحو القوى الغضبية؛ ثم بـ (حب الآخر) يتعلق الكائن البشري بمجتمعه الصغير (الأسرة)، ثم تتوسع دائرة محبته، فيكوّن المجتمعات، صغيرها وكبيرها؛ لكن، بذات الحب (حب التملّك) ندمّر المجتمعات، وندمّر أنفسنا ووجودنا وكل ما بنيناه من حضارات.
  • الحضارة، وهي المرحلة الثانية الناجمة عن تعلقنا بالحياة، وحبنا للآخر. لكنها المرحلة التي ينتقل فيها الكائن البشري إلى المكوّن الإنساني، فيتوازن بين ما يريد (حب الأنا) وبين ما يعطي (حب الآخر)، أو بلغة علم النفس، ينتقل من الأنا الأدنى إلى الأنا الأعلى، حيث يضع القوانين والمبادئ ويخضع للقيم.
  • الحرب، أي صراع البقاء، وهي أداة أكثر منها مرحلة؛ فهي أداة لبناء النفس، على أسس جديدة، (قهر النفس) وإخضاعها لقوانين الأنا الأعلى، وأداة بناء حضارة إذا قامت على قيم حب الآخر، وإعلاء القيم الجماعية؛ وهي، في المقابل، أداة دمار للحضارة إذا لم تستطع أن تتغلب على الهوى وحب النفس والتملّك. إذ تعيد الحضارة الإنسانية إلى حضيض الحيوانية والشهوانية.

(جيم) الحج

في تجربة الحج، الحياتية والدينية، إذا استكمل الإنسان رحلته الحروفية، وانتقل من )حاء): الحياة والحب والحضارة، إلى (الجيم)، فإننا سنسمع صدى صوت (الجيم) في أنفسنا، فلو استبطناه، لأوحى لنا بالضخامة كإحساس بصري، وبشيء من الطراوة والحرارة كإحساس لمسي. وهذا ينسجم مع ما يوحيه منظر الجمل أو الجدي، وملمسهما، لا بل ورائحتهما الدسمة أيضاً، ناهيك عن أسماء كثير من الحيوانات والأشياء التي تبدأ بحرف الجيم.

يضاف إلى ذلك أن الجيم هو الحرف الذي يوصلنا إلى مآل الإنسان ومستقرّه في أحوال (جيمية) ثلاثة، تكون فيها (الحاء) فاعلاً، و(الجيم) مفعولا، وهي:

  • الجمادية، وهي حال البشر الدنيوي (المخلوق)، من حيث هو مادة أولية جامدة (خام)، فيكون، آنذاك، منفعلًا غير مؤهل للفعل. أي قبل أن تدبّ فيه دماء الحياة.
  • الجسمانية، وهي المرحلة الثانية من مراحل الانفعال، بإضافة آليات الحب والشعور والعقل والنفس إلى الجماد، فيخرج من دائرة الانفعال إلى حيز الفعل.
  • الجوهرية، وهي المرحلة التي تتجوهر فيها الأنا بين مطرقتي الحب (حب الذات وحب الآخر) والحرب (حرب النفس وحرب الآخر)، فتنطلق فيها الروح لتعطي للإنسان لمسات الإبداع، ويقترب الإنسان من صفة الكمال.
  • الجثمانية، هي مرحلة اكتمال دورة الحياة، إذ ينتهي المخلوق حيث بدأ، بعودة الجسد إلى مرحلة سلب الفاعلية، بوصوله إلى منطقة العدم، (الموت، للبشر العادي)، التي تهيء لعودته إلى الحالة الجمادية الأولية.

وهذه المراحل الأربع، يلخصها قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ}، أي المرحلة الجمادية الأولى، {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}، والقوة هنا، تشير إلى القوتين: الجسمانية والجوهرية، {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (الروم: 54)، وهي المرحلة الجثمانية الأخيرة. فهي دائرة مغلقة، تتفاعل فيها حسّيات الإنسان وغرائزه ومشاعره وأفكاره، ومواجده وروحه. إذ تنغرس بذرة الحياة الجامدة في التربة الجافة، ثم تبرعم بعد انتعاشها بالماء. وتنتشي بخمرة الحب، فتنبعث الحيوية والثقة في الجذور المختبئة في ظلمة الطين، فتشرئب ببراعمها وأغصانها بحثاً عن النور والهواء، فتتراقص مع حبات المطر، وتصعد بروحها للأعلى. ثم تنعقد أوراقها وأغصانها لتشكيل أفياء الحضارة التي تندفع بالانتشار في حيز الفضاء الممتد، فتثمر براعمها حَباً وقضبا وأبّا، إلى أن تعود بعد نضجها واستهلاكها بذرة تبحث عن موقعٍ لها في التربة الجافة.

هذا على صعيد الحياة.

أما على صعيد الوجود الإنساني فإن نطفة الإنسان تسري دماً في أوردة بشريته الجافة، فتتثنى شرايينه منتعشة مبهورة، وتنبض عضلات قلبه حبا وسرورا، وتندفع كل طاقاته الحركية والنفسية والعقلية لتحقيق مكتسباتها، والاستزادة منها. فتتشعب إرادته بين حب الأنا وحب التملك وحب العطاء. وهنا تدخل امبراطوريات (عوالم) الإنسان في حرب طاحنة، تبدأ بإشعال نار الحياة في الطين اللازب، فتشكل من تلك المادة الخام الجسم البشري، وتبثّ فيه (الحب والشعور والعقل والروح). ثم تتابع الحرب زحفها على كل ما زرعته البشرية، فهي إما أن تتغلب فيها الروح، فتحرث الأرض الجامدة، وتحرق قطوف الأنا، وتطحن بذور الغيرية. أو تتغلب الأنانية فتحرق الحرث والنسل، حتى تعيد البشرية إلى المرحلة الطينية، وتعود دورة الحياة إلى نقطة الصفر.

مسار مادي وآخر روحاني

هنا، يلتقي المسار البيولوجي (المادي) مع المسار الروحاني (الصوفي) في محطات معينة؛ فكما آمن العالم البيولوجي، حسب نظرية التطور، بانتقال الإنسان من المادة الجامدة (الطين اللازب) إلى وجود الحياة البدائية (الأولية) على شكل مخلوقات أميبية أو ديدان أو خلايا أولية، أو أيًا كان شكل المخلوق الأول، فإن هذه المخلوقات تواجه تحديات (حروباً) بيئية وكونية، فيترتب على ملايينها الانسحاب من الوجود (الفناء)، حتى تختار الطبيعة للحياة من بين تلك الملايين، بضعة عناصر منها تتأقلم مع قسوة الحياة، أو تواجه صعوبات وتحديات الحياة. فتفنى وتنقرض المخلوقات الضعيفة وحتى الكبيرة، وتحيا المخلوقات الصغيرة والذكية أو القوية كالإنسان، طبقًا لقاعدة ” البقاء للأصلح”.

كذلك، في المسار الصوفي، بدأ النور من الظلمة، والوجود من (العدم) حيث “كان الله ولا شيء معه”، فانبثقت من ذاته الرغبة في أن يعرف، ومن هذه الرغبة تخلّقت المحبة، نارا ونورا؛ نارا تخلق الكثافة وتحرقها، وأنواراً تتكثف لطافة، فالحب أول ما برز من كنز الذات الإلهية، محبة الذات للصفات، ومحبة الصفات للأفعال، ومحبة الأفعال للمفعولات. وبهذا، يتناغم مع هذه المحبة الوجود المخلوق، فيوجد النور من رحم الظلمة، وتنبثق لطافة النور إلى جانب كثافة الجسد، في كينونة (الإنسان)، فيكون هناك إنسان كامل (عارف – مستنير)، تغلبت نورانيته على كثافته، وإنسان عادي (خام- محجوب) بقي أسيراً لبرودة جسمانيته وكثافته.

ومثلما تنتهي رحلة المخلوق (الإنسان) في العالم البيولوجي بالموت، يكون الموت في رحلة الإنسان الصوفي موتان:

  • موت اضطراري (طبيعي) هو مصير الإنسان الدنيوي (العادي). إذ تغادره الروح، وتتحول المادة فيه من شكل كثافي إلى آخر، هو فناء ظلمة في ظلمة (جسد، دود، تراب)
  • موت اختياري (روحاني)، أو فناء صوفي، “موتوا قبل أن تموتوا”، هو فناء نور في نور، أو الكثافة في اللطافة، وهو يقع للعارف (للإنسان العلوي). كما جاء في قوله تعالى: {إنا لله وإنا إليه راجعون} (البقرة: 156)، وشتان ما بين الموتين.

رحلة الحج تلخيص لرحلة الوجود

اجتماع الحاء بالجيم، فيه كثير من الدلالات، مع اختلاف التشكيل والشكل؛ فهو بالفتح يعني: القصد والزيارة وامتحان عمق الشيء، وبعد (الفتح) صار يدل على زيارة البيت الحرام. وقد يذهب المعنى إلى المغالبة بالحُجة، وهي الدليل على صدق القول والفعل. والمعاني بالمجمل، تدور حول التوجه والسفر والرحلة والاختبار وتقديم الدليل.

وهاهنا، ترتبط رحلة الحج بمسار الإنسان في الوجود؟

إذ أستشفّ في الحج، رحلتي التجارة القرشية،: رحلة شتاء ورحلة صيف. فحج الشتاء هو رحلة عبر برودة الجسد وكثافة الشهوة؛ فحين أؤذن في الناس بالحج أنا مطالب بأن أهيء جسدي لسفر الحج المضني؛ وأبدأ رحلة (التخلّي)، بالتحلل من كل متعلقاتي الدنيوية، ووداع الأهل والصحبة، وسداد ديوني وثغرات ديني، ولبس ثياب الزهد البيضاء، التي ستكون لباس “الوداع” الأخير.

أما حج الصيف، فهو رحلة الروح، المستنيرة بشمس المعارف الكبرى؛ هي رحلة النور والنار، وحينها، تبدأ رحلة (التحلّي)، فأبدأ حجي (فعلاً) بالطواف حول هيكل الحجارة، التي ترمز إلى وداع الكثافة والبرودة والصنمية، وهو طواف يقصد منه أن أقترب أكثر من مركزية المطاف، وكلما ابتعدت وتخليت، أكثر وأكثر، عن عالم الفرق والتعدد والتلون والأشكال… وكلما اقتربت من نورانية التوحيد، وتحلّيت بصفات الإيمان والتقوى. عندها، ترتقي ذاتي إلى مرحلة الحج الروحي، فيتحقق لديّ (التجلي) الإلهي؛ فأطوف مقدساً، وأسعى مكبراً، وأصلي مستقبلا ومودعا، وأرمي جمرات الشهوة والغضب، فتحترق عوالم النفس والشهوة والسلطة، وأصعد علوًا وعرفانا، حتى أصل إلى المعرفة التي تكتمل بـ (ح+ج) التي تلخصها عبارة: “الحج عرفة”.

فهل تتوج الرحلة من الحاء إلى الجيم بحج مكتمل؟

إن الحج، في بعده المكاني، يبدأ من الحرم (ح) (قدوما)، كما بدأ من الإحرام (فعلاً)… وبعد أن ترتقي قمة الجبل(ج)، وتقيم فيه، وتندكّ عندك جبال النفس والأنا، تعود إلى الحرم (إفاضة). قبل أن تنهي رحلتك لتعود “كما ولدتك أمك”. لتبدأ حرفاً جديداً من حروف وجودك… فالخلق حروف لا تنتهي. ينتهي حرف ليبدأ آخر. وكل حرف يبدأ كينونته حجرًا صلدا، ثم تعمل فيه نار المحبة حرقا ونحتا وصياغة حتى يتجوهر ويصفو ويشفّ، فيصبح حجرا كريماً أو مقدساً، يحمل في باطنه أسرار النطفة الأولى. ثم تكتمل فيه دائرة الخلق، فيعود جذاذا قبل أن تستقبل طينيتيه فكرة الخلق من جديد.

 

 

 

 

* دكتوراه الفلسفة من الجامعة اللبنانية- بيروت.

[1]   ابن عربي، الفتوحات المكية، ط. بيروت: دار إحياء التراث، ج 1، ص 149.

[2]  سورة النازعات: 6، 7، 8.

[3]  عبد الرحمن ود الكبيدة، إعجاز القرآن العزيز للغة الإنجليز، عن موقع: http://wadelkebeida.net/index.php/ar/art/250-mseqakalemat.

[4]  يقضقض: يصطك ويجعل له صوتاً كصوت تكسر الشيء الجاف القوى.

[5]  العَصَل هي المعى.

[6]  أسرتها: حبالها وقبضتها أي مصارينها.

[7]  المقرور: المصاب بالقرّ أو البرد القارس.

[8]  عبد الرحمن ود الكبيدة، إعجاز القرآن العزيز للغة الإنجليز، عن موقع: http://wadelkebeida.net/index.php/ar/art/250-mseqakalemat.

[9] انظر: دك الباب (جعفر)، نحو نظرة جديدة إلى فقه اللغة، ص 74؛ نقلا، عن موقع: http://wadelkebeida.net/index.php/ar/art/250-mseqakalemat.

[10] جورج طرابيشي، نقد نقد العقل العربي، إشكاليات العقل العربي، دار الساقي.

[11]  د. حسن عباس، من كتاب خصائص الحروف العربية ومعانيها، عن موقع منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية، http://www.m-a-arabia.com/vb/showthread.php?s=9e98bf1d60fcbc64f8e5a0164f1784d3&t=30384.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!