إن الأمر لَغيرُ ما نشتغل به: موتيفات ومقتطفات من حياة بوذا

إن الأمر لَغيرُ ما نشتغل به: موتيفات ومقتطفات من حياة بوذا

إن الأمر لَغيرُ ما نشتغل به: موتيفات ومقتطفات من حياة بوذا

 

بقلم: رولا ماجد

 

 

كتاب إنّ الأمرَ لَغيرُ ما نشتغلُ به هو مقتطفات من كتاب ابن الملك والناسك الذي يخبر أسطورة  بلوهر وبوذاسف، اختار نصوصه الأستاذان بلال الأرفه لي وكيريل دميترييف، وصوّره الفنّان التشكيليّ ورد الخلف، صدر عن المكتبة العربيّة للناشئة في أبو ظبي التي تهتمّ بإعادة إحياء التراث الأدبيّ العربيّ.

تعتبر أسطورة بلوهر وبوذاسف (مجهولة المؤلّف) من أبلغ قصص الحكمة في الأدب الشعبيّ، تلقّفتها المجتمعات الهنديّة خاصّة والعالميّة عامّة، وترجمت إلى أكثر من ستّين لغة ــ بعد مطلع القرن الحادي عشر للميلاد. يصوّر كتاب المختارات أحداثًا محوريّة في حياة غوتاما بوذا (ابن الملك) تجسّد رؤى فلسفيّة تتمازج مع موتيفات أدبيّة. ومن المعلوم أنّ المراهق يبحث عن ضالّته في الحياة، ولأنّ الحكمة ضالّة الباحث، أخذت سيرة البطل المراهق مسارها في السرد والتساؤل لتصل إلى الأمثال “الموتيفيّة” كشواهد داعمة تهدف إلى تأكيد الغاية التنويريّة والقيم.

أهميّة هذا الكتاب أنّه يندرج في الإطار التأويليّ النورانيّ، وفي هذا الصدد، يفتح للناشئ آفاق التفكّر في كلّ ما له علاقة بخياراته، والتبصّر في كلّ ما هو محتجب عن استفهاماته. كما أنّ العنوان المختار إن الأمرَ لَغيرُ ما نشتغل به يطرح إشكاليّة وجوديّة عميقة تتجاذب بين الحياة والموت بإشارة إلى عبثيّة الأولى المحكومة بالزوال، انظر: (أوّل إدراك ابن الملك: إنّ الأمر لغير ما نشتغل به، ص 21-22).

وعلى المستوى المتعلّق بالجماليّات الفنيّة، يزهو الكتاب بالرسومات الكرتونيّة المرفقة مع النصوص بريشة الفنان ورد الخلف التي تركّز على الألوان التعبيريّة بأبعاد شبه واقعيّة، تجذب ذهن الناشئ وتحفّز مخيّلته على الإيغال في مساحات الاستكشاف.

الموتيف في حبكة متماسكة:

تتّخذ المختارات طريقها في تسلسل منطقيّ للأحداث، كبنية سرديّة متماسكة الحبكة، سلسة العرض لكونها تحمل عناوين مستقلة تنتقل بنا ديناميكيًّا من حدث إلى آخر. وعلى الرغم من أنّ كلّ عنوان على حدة يصوغ حكائيّة حدثه، وأنّ الموتيف يصلح أن يشكّل خبرًا سرديًّا مستقلًا قائمًا بذاته، إلّا أنّ البنية السرديّة العامّة تتّخذ نظامًا خطيًّا، وترتبط في البعد السياقيّ بوحدة مركزيّة منسجمة مع نفسها بما يتلاءم مع الموضوع. ونلاحظ أيضا، أنّ الموتيف من الناحية السياقيّة ينظّم زمنيّة الأحداث للفنّ القوليّ.

 

        التشخيص والتجسيد في الموتيفات الأدبيّة:

الموتيفات غنيّة بأبعاد فلسفيّة وتشبيهات تأمّليّة بدت جليّة واضحة، ظهرت بمقارنات تشخيصيّة حينًا وتجسيديّة / تجسيميّة حينًا آخر، تحاكي الواقع باستعارات سرياليّة، لتبيّن ماهيّة الكون الماديّة التي يتصارع فيها الإنسان بين اختيار بداية فانية أو نهاية باقية، فتضعنا في عمليّة تأويل نهجين حياتيين نغوض في تجلّياتهما.

 يبدأ الموتيف أحيانًا بسرد مشبّهات ماديّة تتبيّن من خلالها الحكمة بتداخلات سرديّة فلسفيّة، لتحيلنا بعد ذلك على المشبّه به (الإنسان) بتشبيهات بليغة. وهذا ما يعرف بالتشخيص، على سبيل المثال، انظر: (مثل أربعة صناديق، ص 29-30)، فالباطن الساطع يغلّفه سواد قاتم كما في تابوتي القار، والظاهر البرّاق يخفي باطنًا عفنًا كما في التابوتين المذهّبين: “هذا مثل المتزيّنين بظاهر الحلية، المفتخرين بهذه الأجسام الفانية المستحيلة، وباطنهم مملوء جهلًا وشرًا…”.

وأحيانًا أخرى يتّخذ التجسيد سبيلًا في التعبير، فيعتمد تشبيهات مترابطة، كما في قصة “مثلُ الفيل والرجل” انظر: (ص 35) فعلى سبيل المثال يشبّه الليل والنهار بالفأرين الأسود والأبيض (تجسيد ماديّ)، والموت بالتنّين (تجسيد معنويّ). أو يكتفي بطرح استعارات وكنايات سبق ومهّد لها في السياق السرديّ، مثلًا: في العنوان الأخير من الكتاب ربط الثوب البالي بالنسك: “وأقبل ابن الملك على العبادة بالسرّ، فكان يخلع ثيابه ليلًا ويلبس ذلك الثوب ويصلّي فيه إلى الصباح”، انظر: (خروج بلوهر إلى أصحابه: لسنا نجدّد الثوب حتى يبلى، ص 65-66).

 

وفي الخاتمة، إنّ هذا الكتاب يُعرّف القارئ بجزء مهم من حياة بوذا ومعتقده، ويفيد الناشئ بعمليّة البحث عن ذاته، ويرشده إلى سبل النفاذ من الحزن والحيرة إلى عالم الشفاء والارتقاء. خاصّة وأنّه اعتمد نظم السرد المشوّق، واستخدم المجاز المحفّز على التحليل، وأعاد إحياء موتيفات أدبيّة تندرج بإطار فنّ القول التي كانت وسيلة في تبئير المعنى والمحافظة على جوهر النص ومغزاه، فأنسن الجماد وقارن الأشياء، تاركًا نهاية مفتوحة على التأويل والإبحار.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!