غزليات شمس تبريزي

غزليات شمس تبريزي

 

مختارات من غزليات شمس تبريزي 

لمولانا جلال الدين الرومي 

ترجمة: عائشة موماد 

 

سمائي أنت، وأنا أرضك الهائمة
لماذا تسيل هكذا من القلب دون انقطاع؟
أنا أرض جافة الشفاه!
فاسكب الماء الرحيم ليُنبِت حديقة من الورد!
كيف للأرض أن تعلم ما زرعتَه فيها؟
هي حامل منك، وأنت عالِم بحِملها.

***

رأيتُ وجهه الجميل القادم من الجنة،
تلك المقلةَ، مصباحَ الصفاء،
تلك القِبلة، مكان سجود الروح،
تلك البهجة وذلك المأوى يملؤهما السلام. 
قال القلب: “هنا، أهدي الحياة،
أهجر وجودي والكبرياء”
دخلَت الروح أيضا في السماع،
وشرعت في التصفيق.
جاء العقل وقال: “ماذا أقول
عن مهابة هذا النعيم وهذا الفرح،
عن عطر الوردة الذي صيَّر مثل السرو
الظهرانَ المقوسة والمنحنية مثل القوس؟”
بالعشق، تتقلب الأشياء،
فيصير الأرمن تركمن
أيتها الروح! لقد بلَغتِ روح الروح
أيها الجسد! لقد هجرتَ طبيعة الأجسام. 
الياقوتة صدقة من أجل الحبيب،
أما الدرويش فينتفع من ذهب الرجل الثرِي.
في المخاض، ستعثر مريم هذه على الرطب الجنية.
وقبل أن يصيب العمى عين الغير، 
لا تظهر للناس عطيتك.
إن كان إيمانك من أجل الأمان،
ابحث عن الأمان في وحدة الخلوة.
وما الخلوة؟ إنها مسكن القلب.
اجعل بيتك في سكون القلب 
فإلى هذا المسكن 
تُجلب تلك الكأس الأبدية العذبة.
اصمت! تعلم فن الصمت.
وتوقف عن التفاخر بمآثرك،
فالقلب هو مقر الإيمان.
احفظ في قلبك صفة المؤمن.

***

هذا البيت الذي تصدح فيه الصنوج على الدوام،
اسأل ربه أي بيت هو؟
ما وجه المعبود هذا، إن كان هذا بيت الكعبة؟
ماهذا النور الإلهي، إن كان هذا دير المجوس؟
في هذا البيت كنز لا يحتويه كون، 
هذا البيت ورب البيت لواحق وأعذار.
لا تلمس هذا البيت، البيت مسحور،
ولا تكلم رب البيت، ربه ثمل طوال الليل.
تراب هذا البيت وغباره عطر ومسك،
والصوت القادم من هذا البيت شدو وألحان.
من يستطيع دخول هذا المسكن،
هو باختصار سلطان الكون وسليمان الزمان.
أيها السيد، أمِل رأسك خارج هذه الشرفة،
فوجهك المشرق رمز السعادة.
أقسم بحياتك، فما عدا رؤية وجهك
كل شيء سحر وأساطير، حتى مملكة العالم.
يسأل البستان عن الزهور والأوراق،
والطيور في ذعرها لا تميز الحَب من الفخ.
هذا سيد السماء، الذي يشبه الزُّهرة والقمر،
وهذا بيت العشق، بلا حدود وبلا نهاية.
استقبلت الروح صورتك داخل القلب، مثل المرآة،
والقلب ضاع مثل المشط في جدائل شعرك.
قطعت النساء الأيادي في حضرة يوسف،
فتعال إلي أيها الروح، فالمعشوق بيننا.
الجميع ثملون في البيت، ولا أحد يعرف
هوية من يدخل، أو يعلم من هو.
من السيء أن تجلس على الأعتاب، فادخل سريعا إلى البيت!
فمن يجلس على الأعتاب يصاب بالحزن.
الثمالى بالله شخص واحد، وإن كانوا بالآلاف.
والثمالى بالشهوة خارج الوحدة، بل هم في التعدد.
اذهب إلى غاب السباع ولا تخف من الأذى،
فأفكار الجبن من خيال النساء.
هنا لا أذى، كل شيء رحمة وعشق،
لكن خيالك مزلاج يغلق الباب.
لا تشعل النار في الغاب، واصمت أيها القلب.
اصمت، فكلماتك لهيب من نار.

***

يوم وفاتي، عندما يكون تابوتي في الطريق،
إياك أن تظن أني نادم على هذا العالم
لا تبك من أجلي ولا تقل: ألم، ألم!
الألم أن تقع في فخ الشيطان
عندما تبصر جنازتي، لا تقل: فراق، فراق!
سيكون آنذاك وقت الوصل واللقاء
وعندما تودعني القبر، لا تقل: الوداع، الوداع!
فالقبر حجاب أمام الجمع الأسمى
عندما ترى الغروب فانظر إلى الشروق
فما سوف يخشاه من الغروب الشمس والقمر؟
تظن أنه الغروب لكنه إشراقة الفجر
والقبر يشبه السجن لكنه للروح نجاة
أي بذرة طمرت في الأرض ولم تصعد مزهرة؟
فلماذا تشك إذن في بذرة الإنسان؟
أية دلو نزلت إلى البئر ولم تصعد مملوءة؟
فلماذا تخشى على يوسف الروح من الجب؟
عندما تقفل فمك في هذه الناحية، افتحه في تلك الناحية 
لأن أنينك من عالم دون إسم ولا مكان.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!