تعريف الحركة البهگتية وعلاقتها بالطرق الصوفية الهندية
في العصور الإسلامية
بقلم : صاحب عالم الأعظمي الندوي
كلمة “بهگتي” السنسكريتية مشتقة من أصل كلمة “بهاج” تعني المشاركة أو الانتماء والولاء، وتعني مصطلح “البهگتي” طريق الخلاص والسلام، والتفاني، والولاء، والإيمان، والحب، والعبادة، والتقوى إلخ للمبدأ الديني والروحي أو وسيلة للخلاص، والاتصال الكامل بالفكر التعبدي والإيماني. ظهرت الحركة البهگتية في العصور الهندوسية القديمة، وانتشرت مع الوقت في جميع أنحاء الهند. تاريخيًا نشأت في القرن السابع الميلادي في منطقة تمل ناد الواقعة في جنوب الهند، ومنذ بداية القرن السابع الهجري/القرن الرابع عشر الميلادي فصاعدًا بدأت تنتشر أفكارها ودعوتها في شمال الهند، وبلغت أوجها بين القرون التاسع والعاشر والحادي عشر هجرية/القرن الخامس والسادس والعاشر ميلاديا لاسيما في عصر الدولة المغولية (932- 1273هـ/1526-1857م).
قد تمكنت الحركة البهگتية من بسط ذراعيها على المجتمع الهندي الجنوبي والمعتقدات الدينية الهندوسية لاسيما بعد أن فقدت الديانة البوذية رونقها، وضعفت نشاطاتها الدينية والاجتماعية، وخارت قواها الدينية والعقلية والفكرية؛ ذلك بعد ما دخلت مع الهندوسية في الحروب الدينية والفكرية لعدة عقود تاريخية. وعلى الرغم من أن الديانة الجينية ظلت باقية في بعض أجزاء من الهند إبان تلك الفترة، إلا أنها أيضًا فقدت هيمنتها وسطوتها في الساحة الدينية والفكرية في الهند.
لقد تبنت بعض الإمارات الهندوسية في القرن السابع الميلادي إلى القرن الحادي عشر الميلادي أفكار الحركة البهگتية، ومنها إمارة فالوا في القرن السابع الميلادي، وملوك راشتراكوتا وشاكوكيا الشرقية في القرن التاسع الميلادي، وملوك چولا في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، والتي قامت في رعاية هذه الإمارات وإشرافها بعض الطرق الصوفية الهندوسية مثل نساك إله شيوا، ونساك إله وشنا وغيرهم. فقد ترعرعت هذه الحركة في هذه العصور وانتعشت مرات عديدة. أما الانتعاش القوي والمهم لهذه الحركة وعقيدتها وفكرها اكتسحت المناطق الجنوبية والشمالية، فقد حدث بين القرنين السابع والثاني عشر الهجريين/الثالث عشر والقرن الثامن عشر الميلاديين، وغطت معظم المناطق الهندية الحضارية المهمة. وأحدثت ثورة دينية وفكرية في جميع الأديان والمذاهب من أبرزها الديانة السيخية في القرن التاسع الهجري/القرن الخامس عشر الميلادي.
وتطورت الحركة البهگتية في تاريخها الطويل تطويرًا إقليميًا، مقتبسة أفكارها ومعتقداتها الدينية من الأفكار الدينية المرتبطة بالآلهة المختلفة، مثل إله وشنو، وإله شيوا، وإله شكتي أي القوة، وإله سمارتية إلخ. واستلهمت أفكارها وأساليبها ونشاطاتها الدينية والفكرية من الشعراء القدسيين العديدين الذين كانوا يدافعون عن مجموعة واسعة من الآراء الفلسفية المكنونة في اللاثنائية التوحيدية المنبثقة من أدفايتا ويدانت (अद्वैत वेदान्त)، وكلمة أدفايتا تعني حرفيًا لا ثنائي منفصلاً من الروح الداخلية أي آتما، وهو فرع من المذهب الويدانتا الهندوسية القديمة. وكانت أفكار هذه الحركة تكمن في الدعوة إلى التحرر والخلاص من خلال اكتساب العلم والمعرفة من جميع المعتقدات والأفكار الدينية والمذهبية.
وتعد هذه الحركة تقليدية باعتبارها حركة إصلاحية للديانة الهندوسية والمجتمع الهندي، وذلك بواسطة تقديم المسار الخاص البديل المعتمد على القيم الروحية، وتشجيع المساواة بغض النظر عن الجنس أو العرق، والأصل الإثني والديني، والمذهبي إلخ. وطرح العديد من العلماء المحدثين المتخصصين هذه النظريات التقليدية متسائلين ما إذا كانت الحركة البهگتية حركة إصلاحية أم حركة تمردية ثورية؟ وقرروا بواسطة الدراسات المعمقة في هذه الحركة، بأنها كانت حركة إصلاحية دينية، وحاولت إحياء التقاليد الويدية القديمة، وإعادة وضعها في سياقها التاريخي الغابر.
وقد دعا دعاة الحركة البهگتية إلى أن حب الله الحقيقي لا يكمن في القيام بالدوغمات وممارسة الطقوس الدينية المعينة، إنما في تزكية القلوب، معتبرًا إياها الطريق السليم للوصول إلى الإيمان الصحيح والكامل لله والذل والخضوع له، وإلى القضاء على النظام الطبقي، والمساواة، وحب الإنسانية والتسامح، وإلى جمع جميع الفلسفات الدينية الهندوسية والإسلامية في بوتقة واحدة من خلال تقريب الديانة الهندوسية والإسلام مع بعضهما البعض عبر توطيد العلاقات بين دعاة الحركة البهگتية، ورموز الطرق الصوفية الإسلامية التي بدأت تنتشر في أرجاء الهند منذ قيام سلطنة دهلي (602-932هـ/1206-1526م) فصاعدًا.
وكذلك أسهم دعاة الحركة البهگتية في القضاء على النظام الطبقي والتقسيم الاجتماعي الوراثي الذي أوجد انقسامًا حادًا في المجتمع الهندوسي في عصور ما قبل الإسلام وبعده، حتى تأثرت بها العناصر الإسلامية التي استقرت في الهند في العصور الإسلامية، وصارت جزءًا لا يتجزأ منها، وعليه فقد تم سد الطريق أمام الكفاءات والقدرات، وفقدت المساواة، والعدالة الاجتماعية، والتكافل الاجتماعي، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يساعد على تكوين المجتمع الصالح الذي سيكون بإمكانه أن يبقي خاليًا وبعيدًا عن الصراع الديني والطائفي وعن الحسد والضغينة والكره بين بعضهم البعض. وكتب المؤرخون المسلمون والهندوس والرحالة وأعمال دعاة الحركة البهگتية، وملفوظات الصوفية المسلمين مليئة بأخبار التقسيمات الاجتماعية الوراثية الهندوسية والإسلامية.
وبما أن الطبقة البراهمة أسسوا نظام الطبقات الجائر لضمان سيطرتهم الكاملة ونفوذهم على الحياة الدينية والاجتماعية، ومن هنا، فكانوا يكرسون جهودهم على بقاء هذا النظام واستمراريته؛ لأنهم وحدهم كانوا يتمتعون بامتيازات لا حق لهم فيها. وكان لهذا النظام الطبقي والوراثي أضرار بالغة، لا سيما للطبقة المنبوذة والوضيعة والتي لم يكن يسمح لها أن يسكن أفراد هذه الطبقة في المدينة، أو يبنوا منازلهم بجوار أفراد الطبقة العليا منهم، وكان غير مسموح لهم أن يدفنوا موتاهم في مقابر الطوائف الاجتماعية الأخرى، ووفقًا لتعاليم البراهمة الدينية ما كان يجوز لأحد من الطوائف الاجتماعية الأخرى أن يلمسهم أو يتناول أي شيء من أيديهم، ولو حدث ذلك لكان عارًا وخزيًا له ولجميع أهله وأسرته والتي كانت تصبح منبوذة هي الأخرى، وكان يتم التعامل معها كطائفة منبوذة دون وجود أي أمل فيما بعد لعودتها إلى منظومتها الاجتماعية الأصلية.
ولو لمس أحد من الطوائف الاجتماعية المنبوذة أفراد الطوائف الاجتماعية العليا كان يتم إعدامه، ومن هنا كان هناك قانون لإجبارهم على السكن خارج المدن والمناطق السكنية. وكذلك ما كان يجوز لأفراد الطبقة المنبوذة أن يدخلوا المعابد الهندوسية أو يستمعوا التراتيل الدينية الويدية وأناشيد الكتب الدينية الهندوسية المقدسة الأخرى. وما كان يجوز لهم أن يأخذوا المياه من الآبار الخاصة بالطبقة العليا من الطوائف الاجتماعية الوراثية؛ ذلك لأنهم يعتبرون حثالة المجتمع وقذرين إلى حد النجاسة، ومن هنا فكان يحرم عليهم ما يتمتع به الآخرون.
وعند النظر في تراجم دعاة الحركة البهگتية، نجد أن معظمهم كانوا ينتمون إلى الطبقة المنبوذة والدنيا، والذين صاروا القادة الروحيين لهذه الطبقات، وتحدوا النظام الديني للديانة الهندوسية، وكذلك أخذوا زمام القيادة الدينية في أيديهم لكسر الاحتكار الديني للبراهمة. وحاولوا إنقاذ الجماهير من استغلال الطبقة الكاهنة، والقضاء على نظام الطبقات الاجتماعية الوراثية، ونشر المعارف الدينية بين جميع الطبقات عن طريق رسالة الحب والأنغام والأناشيد المصوغة في أساليب دينية.
ويمكن ذكر أهم مميزات دعوة الحركة البهگتية مجملًا في الآتي:
أولًا: الدعوة إلى وحدانية الله، والإيمان بإله واحد ولو بأسماء مختلفة.
ثانيًا: الدعوة إلى نشر الحب والسلام والتسامح والإخلاص، معتبرين إياها الطريقة الوحيدة للخلاص (مكتي).
ثالثًا: الدعوة إلى تقارب جميع الأديان والمذاهب بواسطة نشر فكر وحدة الوجود والشهود، وتوحيد الأديان.
رابعًا: الدعوة إلى الاستسلام وتسليم النفس معتبرين إياها الطريق الوحيد لانبعاث الطمأنينة والراحة النفسية.
خامسًا: الدعوة إلى إدانة الطقوس والدوغمات والممارسات الدينية المعينة والقضاء على الإيمان والاعتقاد الأعمى.
سادسًا: الدعوة من بعض دعاة الحركة البهگتية إلى رفض عبادة الأصنام.
سابعًا: الدعوة إلى توسيع الأفق الديني وقبول الآخرين والتسامح في المسائل الدينية والشرعية.
ثامنًا: الدعوة إلى تحقيق مبدأ المساواة والعدالة في داخل المجتمع وبين جميع الطبقات الاجتماعية الوراثية على أساس أنه لا يوجد فرق بين أعلى أو أدنى، فكلهم سواسية داخل المجتمع الهندي، معتبرين المساواة الطريق الوحيد لضمان حقوق جميع أفراد المجتمع وإن اختلفوا عرقيا أو دينيًا إلخ. وخوض الحروب السلمية ضد الاضطهاد، والكفاح في سبيل إزالة النظام القائم على الجور والعدوان والاستغلال إلخ.
تاسعًا: الدعوة إلى اتخاذ المرشد الروحي الذي يتمتع بالقوة السماوية (سادهنا)، ولا توجد مثل هذه القوى إلا لدى الأناس الواعين والذين يساعدون مريديهم على غلبة الشهوة، والغضب، والطمع، والجشع، والوهم، والكبر والفخر، والحسد والضغينة والكراهية، والمرشد هو نور وعقل ومعرفة وحب وجمال إلخ.
عاشرًا: الدعوة إلى القيام بالوعظ والتلقين والتبليغ بواسطة اللغات المحلية أو الإقليمية، والسفر من مكان إلى مكان لنشر رسالة الحب والتسامح وأفكار الحركة البهگتية.
وعند الدراسة المقارنة بين هذه الأفكار المذكورة أعلاه وأناشيدهم وتراتيلهم الدينية والاجتماعية، وبين النصوص الموجودة الخاصة بمثل هذه الأفكار والمعتقدات الدينية والاجتماعية في الكتب الهندوسية المقدسة مثل بهگوت گيتا، وويدا، نجد أنها مقتبسة منهما لاسيما فيما يتعلق بوحدانية الله والإيمان به وعبادته بمنتهى الخشوع والخضوع، ونكران الذات ونشر الحب والسلام والتسامح مع جميع المذاهب والطوائف الدينية إلخ. ولكن يرى بعض المفكرين الهندوس بأن بعض الدعاة للحركة البهگتية تأثروا بالمسلمين وعقائدهم فيما ذهبوا إلى التوحيد الخالص ورفض عبادة الله بواسطة الأصنام والتماثيل.
وعلى أية حال عندما قامت سلطنة دهلي في بداية القرن السابع الهجري/القرن الثالث عشر الميلادي في دهلي وأطرافها، هاجر الصوفية الچشتية والسهروردية من مناطق آسيا الوسطى، واستقروا في دهلي وراجستهان وكشمير والسند والملتان وغيرها من المناطق الهندية لتوسيع نطاق السيادة الفكرية الچشتية والسهروردية، وسرعان ما انتشرت أفكار هذه الطرق الصوفية في ربوع الهند، وفشا أمرها بين أهلها من المسلمين والهندوس على السواء، وتمكن الصوفية الچشتية والسهروردية من تنظيم نشاطاتها الدينية والفكرية والاجتماعية، وقاموا بإنشاء دوائرهما، وخلال عصر سلطنة دهلي انتشرت لهما الخانقاوات وجماعت خانات في معظم المناطق الهندية. وذكر بعض الرحالة المسلمين الذين زاروا الهند في القرن الثامن الهجري/القرن الرابع عشر الميلادي وجود أكثر من ألفين من الخانقاوات وجماعات خانات والربط في دهلي وأطرافها.
وبما أن كلاً من الصوفية الچشتية والسهروردية ودعاة الحركة البهگتية، والتي رسخت أقدامها في المناطق الشمالية منذ بداية القرن الثامن الهجري/القرن الرابع عشر الميلادي بواسطة جهود الصوفي الهندوسي رامانندا المتوفى 874هـ/1470م الذي أسس الخانقاوات الهندوسية في بنارس، وإله آباد، وبنگال وغيرها من المناطق الشمالية والشرقية، يؤمنون بنشر الحب والسلام والتسامح والإخلاص وقبول الآخرين وبالمساواة للجميع بغض النظر عن عقائدهم ومذاهبهم وطبقاتهم الاجتماعية، وبالقضاء على النظام الطبقي القائم على الظلم والعدوان، وبتأصيل قيم الحوار والتعايش السلمي وبالتنوع الفكري والمذهبي، وبقبول جميع الأطياف، وجد أفراد لكلا الطرفين ضالتهم المنشودة في إيجاد الصداقة والتقرب إلى بعضهم البعض، وقاموا بجهودهم لخلق الانسجام والوئام بين العناصر المتغايرة للتقاليد الكبيرة والصغيرة للهندوسية والإسلام كليهما.
وحاولوا من خلال نشاطاتهم الاجتماعية والفكرية خلق روح المحبة والصداقة في صفوف كلا الطرفين. وإن حياتهم وأنماط معيشتهم قد أثرت تأثيرًا بالغًا في الفقراء والمساكين والمظلومين من الطبقة المتوسطة والمنبوذة والعامة التي كان يمثل فيها الفلاحون، والحرفيون، والبناؤون، والتجار، ومعلمو القرى والأرياف، والموظفون من المراتب الصغيرة في المؤسسات الحكومية. وكانت لمبادئهم السلوكية أثر بالغ في المتصلين بهم وفي الزائرين لهم ولخانقاواتهم، وفي الحاضرين لمجالسهم العامة والخاصة. وإن تعاليمهم البسيطة المباشرة المنطوقة بلهجات وتعابير شعبية محلية كانت تتمثل في أن الأخوة الإنسانية واحدة وغير قابلة للتقسيم، ومن هنا يجب لجميع الأطياف أن يتعايشوا معًا في السلام والتفاهم والتسامح والعطف، بالرغم من الانقسامات البادية والتصورات المختلفة عن العقائد الدينية والثقافية. إذن كان المسرح معدًا لنشاطاتهم الفكرية، وكان العوام مهيأين لتلقي تعاليمهم، وكانت التربة صالحة لاستنبات آرائهم وأفكارهم.
وقد تغلغلت مثل هذه التعليمات الاجتماعية والأخلاقيات المنطوقة بلسان الصوفية الهندوسية والإسلامية إلى قلوب عامة الناس، وبهذا أصبح الدعاة البهگتيون والصوفية ناقلي قيم الثقافة المركبة (الهندوسية-الإسلامية)، وقاموا بدور تاريخي، في عصر كان يسود فيه الدين كمبدأ محوري للحياة الاجتماعية، في لفت الأنظار عن اللاهوت النظري، الذي كان يتسبب في بعض الأحيان إلى نشوب معارك فعلية، وإيجاد الخلافات بين المجموعات الدينية المختلفة، إلى التقدير والاحترام المتبادل للتقاليد والطقوس الدينية السائدة بين النحل والطبقات والمذاهب المختلفة.
وإن رفع الصوت ضد العقائد الهندوسية المحضة السائدة واحتكار البراهمة للمعرفة، والنظام الطبقي الجائر، والانقسام الاجتماعي بوجه خاص، كان هذا الأمر بالذات عملًا ثوري الطابع، وتقدمًا كبيرًا، وقد مهد الطريق على المستوى النظري نماذج الثقافة المركبة في الهند إبان تلك الفترة التاريخية. وقد فتحت لهذا التقارب الديني والاجتماعي المراكز الصوفية الإسلامية والمراكز الهندوسية معًا في ولايات البنگال، وكشمير، والپنجاب، وإله آباد، وبنارس والگجرات إلخ، وهكذا بدأت تظهر سمات التأثير والتأثر في العادات والتقاليد والعبادات من خلال التبني لكثير من الطقوس الدينية الهندوسية والإسلامية وانصهارها في بوتقة واحدة مثل الرياضات والمجاهدات الهندوسية وفلسفة الإشراق وطرق صفاء الباطن والتجارب الدينية والروحية لمعرفة الله تعالى والوصول إليه، بالإضافة إلى تبني العقائد والنظريات المتلبسة بالوحدة والاتحاد إلخ.
ومن هنا نجد أن الداعي رامانند، وگرونانك، مؤسس الديانة السيخية، والداعي البهگتي المسلم كبير أكدوا في تعاليمهم على حقيقة بأن الهندوسية والإسلام هما مساران مختلفان للوصول إلى الحقيقة الواحدة المتمثلة في الله سبحانه وتعالى الذي يتم عبادته عند الطرفين بأسماء مختلفة مثل رام ورحيم، وكرشنا وكريم، والله وإيشور، فهي أسماء مختلفة لله وحده الأسمى. وكان هدفهم الرئيس من هذه المحاولات التأكيد على وجود إمكانية التوفيق بين الديانات والتقارب الديني من أجل إزالة الكراهية والشك من عقول أفراد الهندوس والمسلمين على السواء. وكانوا يريدون من خلالها النتائج الملموسة المكنونة في تقريب هاتين الثقافتين العظيمتين باتصال وثيق مع بعضهما البعض والمساهمة معًا في عملية الأخذ والعطاء في الحياة الدينية والاجتماعية.
ولما كانت الفكرة الدينية لدى كل من دعاة الحركة البهگتية والصوفية الإسلامية تكمن في السعي وبصورة أساسية إلى إيجاد الوئام بين الهندوس والمسلمين، نرى أن الصوفي بابا فريد گنج شكر المتوفى 664هـ/1265م جعل، وذلك مع السير على السياسة التي رسمها معين الدين الچشتي المتوفى 633هـ/1236م، وخواجه قطب الدين بختيار الكعكي المتوفى 632هـ/1234م، ونظام الدين الأولياء المتوفى 725هـ/1325م، ونصير الدين محمد چراغ الدهلوي المتوفى 653هـ/1256م وخلفاؤه، جماعت خانة چشتية ملاذًا لجميع الهندوس النساك والجوگيين الهنادكة، وكان له تأثير عميق في الزهاد والدعاة البهگتية لا سيما الداعية المسلم “كبير” المتوفى 923هـ/1518م، والداعية گرونانك المتوفى 945هـ/1539م الذي قام بتأسيس الديانة السيخية في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري. وقد كان تأثير الصوفي فريد گنج شكر عميقًا لدرجة أن أشعاره الدينية الفارسية والپنجانية تم إدراجها في كتاب “گرو گرانت صاحب” المقدس من قبل مؤسسه گرو نانك، ومنذ ذلك الوقت تنشد أشعاره في جميع معابد السيخ، علمًا بأن البابا فريد گنج شكر يعد أول شاعر پنجابي للتصوف، مع أنه قد قرض أشعاره باللغة الفارسية والعربية واللهجات المحلية الأخرى.
ولم تقتصر علاقات الديانة السيخية على الطريقة الچشتية فحسب، بل تعدت إلى إيجاد العلاقات القوية بالطرق الصوفية الإسلامية الأخرى مثل الطريقة القادرية التي يعد أحد روادها وهو الشيخ ميان مير المتوفى 1045هـ/1635م من كبار الصوفية القادرية، وكان يطلق عليه صاحب المقامات العلمية والكرامات الجليلة، سكن في لاهور وفرغ نفسه أربعين عامًا لممارسة الرياضات الشاقة والعبادات وحياة التقشف والتجرد. وعندما قام السيخ بإنشاء المعبد الذهبي في أمرتسر، طلبوا منه وضع حجر الأساس للمعبد المذكور في حفل كبير شارك فيه الهندوس والمسلمون والسيخ على السواء.
وبالمقابل نرى تأثيرات الحركة البهگتية في الشخصيات والرموز الصوفية لجميع الطرق الصوفية والذين لم يتأثروا بدعاة الحركة البهگتية للخوض في النضال ضد النظام الطبقي الجائر، ونشر رسالة الحب والتسامح، وإيجاد العلاقات الودية بين جميع الأطراف فحسب، بل تأثروا أيضًا بالعقائد والفلسفات الهندوسية المتمثلة في وحدة الوجود والأديان، وممارسة بعض الطقوس الهندوسية في السماع، وأعمال الرياضات الشاقة، والتجرد والتفرغ للزهد والنسك، والاعتماد على أكل النبات وترك أكل اللحوم، ومنع ذبح الحيوانات، وقضاء أيام كثيرة في جوع وحرمان أو أكل أوراق الشجر والعشب، وارتداء أسمال بالية مصنوعة من أوراق الشجر إلخ، وقضاء السنوات الطويلة في معية النساك الهندوس في المغارات والجبال والغابات في سبيل البحث عن المعرفة والخلاص وللوصول إلى الحقيقة إلخ. وكانت البيئة والطبيعة ساعدتهم كثيرًا على حياة الزهد والنسك، وهذا ما يؤخذ عليهم بأنهم تطرفوا في حرمان النفس بل تعذيب الجسد في سبيل البحث عن المعرفة والثواب في الآخرة.
وعند القراءة المتعمقة في ملفوظات الشيوخ الصوفية ومكتوباتهم لجميع الطرق الچشتية، والسهروردية، والفردوسية، والنقشبندية، والقادرية، والشطارية إلخ نجد أن معظم الشيوخ لهذه الطرق يؤمنون بالفلسفات الهندوسية الخاصة بوحدة الوجود والشهود، وأظهروا اتجاهًا قويًا نحو التقارب الديني والفكري مع الممارسة لكثير من الطقوس الدينية المقتبسة من الحركة البهگتية إلى حد قبول الديانة الهندوسية وتبجيل بعض آلهة الهندوس.
ولولا هذا التأثير القوي للحركة البهگتية في الرموز الصوفية، لما نادى الصوفي الكبير من الطريقة الچشتية وهو الشيخ عبد القدوس الگنگوهي المتوفى 945هـ/1538م بقوله:” ما هذه الضوضاء والغوغاء المنتشرة حول قضية المؤمن والكافر، والمطيع والمذنب، والصحيح والغلط، والمسلم والهندوسي، والملحد والمتدين وغير المتدين؟ يجب علينا أن نعلم جيدًا أنه لا فرق بينهم فكلهم سواسية ومنتظمون في سلك واحد”. ولم تكن تأثيرات الحركة البهگتية محدودة في الرموز الصوفية الإسلامية، بل تعدته في الشعراء والأدباء المسلمين أيضًا، ولدينا نماذج عديدة لمثل هذا التأثير والتأثر، نكتفي هنا بمثالين أحدهما يمثل الشخصية الأدبية الشاعر والأديب الصوفي الملك محمد جائسي المتوفى عام 948هـ/1542م الذي كان معاصرًا وصديقًا للداعية البهگتي كبير، وكانا يعدان من أهم الشعراء الصوفية والبهگتية لهذا العصر، ووفقًا لرؤيتهما المتحررة، كان يرى كل منهما من أسماء الله تعالى بالذات، واتخذا الفلسفة الهندوسية المتمثلة في نيروجونا بهگتي التي ترفض النظام الطبقي، والدوغمات، والعادات والطقوس الدينية في الإسلام والهندوسية، وجمعت بين الرؤى الفلسفية الدينية للهندوس المسلمين والتي تدعو إليها الفلسفة الويدانتا والتصوف الإسلامي الهندي أي الحب في الله والإنسانية والأخلاقيات.
والشخصية الثانية تمثل في الشعر والأدب الأردي في القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي، بحيث إن للشاعر الأردي الشهير مير تقي مير المتوفى 1235هـ/1820م بيتًا شعريًا لخص فيه فلسفة الإيمان والعقيدة، فيقول: اس کے فروغ حسن سے چمکے ہے سب میں نور-شمع حرم وہ یا کہ دیا سومناتھ کا أي إن كل شيء يتلألأ بانتشار نور الله، سواء كان قنديل الحرم المكي أو مصباح معبد سومناته.” وقال الكلام نفسه الشيخ نظام الدين الأولياء عندما رأى مسيرة هندوسية جوگية كانت متوجهة نحو نهر جمنا في دهلي مصحوبة بالموسيقى والترتيلات والأناشيد الدينية الهندوسية، فتمثل الشيخ مع فرح واضح وشعور فطري للتسامح وتقدير الطقوس الدينية الأخرى، معتبرًا إياها الشعائر الدينية الصحيحة، بمصرع شعري قال فيه:” ہر قوم راست را ہے دینے وقبلہ گا ہے” أي لكل قوم شريعة ومنهاج، وكلها على حق.
وخلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين/السادس عشر والسابع عشر الميلاديين ظهر على مسرح الأحداث الدينية والاجتماعية العديد من الشخصيات من الصوفية والبهگتية والذين كانوا يرون بأنه ليس ثمة فرق بين الإسلام والهندوسية والأديان الأخرى، فكلها سواء وهي طرق عديدة للوصول إلى الحقيقة الواحدة. وهؤلاء الدعاة وأولئك الصوفية حاولوا ترويج أفكار البهگتية ونشرها في المجتمع الهندي بواسطة القنوات العديدة، وتتلمذ على أيديهم عدد كبير من الشخصيات المصلحين الهندوس والمسلمين الذين أثروا بأعمالهم ونشاطاتهم في الأمراء والوزراء وحتى السلاطين المسلمين من الدولة المغولية لا سيما السلطان أكبر المتوفى 1605هـ/1014م، وحفيده دارا شكوه المتوفى 1069هـ/1659م واللذين طلبا من العلماء والأدباء بنقل أمهات الكتب الهندوسية مثل مهابهارت وراماينا أي الملاحم الهندوسية الكبرى ذات الموضوعات السياسية والعسكرية والدينية والاجتماعية والأدبية إلخ، ومضامين “پوران” أي شروحات ويدا الخمسة، وبهگوت گيتا وغيرها من الكتب الهندوسية المقدسة، وكتاب أوپنيشد الذي ترجمه الأمير دارا شكوه نفسه إلى اللغة الفارسية باسم “سر أكبر” بمساعدة براهمة مدينة بنارس، وكذلك قام بترجمة كتاب “بهگوت گيتا” إلى الفارسية.
وكان الهدف الرئيس لنقل هذه الكتب محاولة فهم الديانة الهندوسية وثقافتها القديمة من أجل دمج المفاهيم الخاصة بوحدة الوجود والأديان مع التراث الإسلامي والثقافة الإسلامية تحت ذريعة الدعوة إلى التعايش السلمي بين المسلمين والهندوس، إنما كان الهدف الرئيس يكمن في نبذ مقاومة الإسلام والتصالح معه، والقضاء على الفكر الإسلامي السليم وتقديم السبل الأخرى للجميع لعبادة الله ونشر الحب والسلام بعيدًا عن ممارسة الطقوس الدينية الخاصة لجميع الأديان. وفيما يلي أسماء أشهر الدعاة والنساك البهگتيين والشعراء من المسلمين والهندوس الذين يزداد عددهم أكثر من المائة، ومعظمهم ظهروا في دهلي وأطرافها، وبنارس وإله آباد وأطرافهما، وفي مهاراشتر، وفي الگجرات، والبنگال، وراجستهان، والسند، وآسام وغيرها:
راما نندا المتوفى 874هـ/1470م؛ بهگت پيپا المتوفى 853هـ/1450م؛ كبير المتوفى 923هـ/1518م؛ تلسي داس المتوفى 1032هـ/1623م؛ سورداس المتوفى 930هـ/1524م؛ عبد الرحيم خان خانان المتوفى 1036هـ/1627م؛ گسائين جي؛ راسكهن المتوفى 980هـ/1573م؛ نذير أكبر آبادي المتوفى 1261هـ/1846م؛ نام ديو المتوفى 750هـ/1350م؛ ايكناته المتوفى 1008هـ/1600م؛ توكا رام المتوفى 1058هـ/1649م؛ رام داس المتوفى 1026هـ/1618م؛ نرسنها ميهتا المتوفى 885هـ/1481م؛ أكهو المتوفى 1085هـ/1675م؛ چيتانيا المتوفى 939هـ/1533م؛ دادو ديال المتوفى 1011هـ/1603م؛ ميرا بائي المتوفاة 1022هـ/1614م؛ گرونانك المتوفى 945هـ/1539م؛ گروأرجن المتوفى 1014هـ/1606م؛ گروگووند المتوفى 1119هـ/1708م؛ بلهي شاه المتوفى 1171هـ/1758م؛ شاه عبد اللطيف المتوفى 1165هـ/1752م؛ شنكر ديوا المتوفى 965هـ/1558م.
وفي نهاية المطاف نستطيع القول بأن الحركة البهگتية وإن نشأت ضد الظلم والاستبداد ومن أجل القضاء على التقسيمات الاجتماعية، وتطبيق مبادئ المساواة والعدالة والتكافل الاجتماعي، ولأجل الدعوة إلى خلق جو من الحب والسلام والتسامح والحوار المتبادل للوئام بين الأديان والمذاهب المختلفة، إلا أنها كانت دعوة تبشيرية هندوسية للحفاظ على الثقافة الهندوسية القديمة، وتقديمها للمجتمع الهندي المكون من شتى المذاهب والأديان والأفكار في نسق معينة وبشكل غير مباشر من خلال صبغ فلسفات الديانة الهندوسية بصبغة الطرق الصوفية الإسلامية. وتفيد المصادر المعاصرة بأن الصوفية المسلمين والهندوس مزجوا الكثير من الطقوس والممارسات الهندوسية بالتعاليم الإسلامية، ونجحوا في تلقين التعاليم الهندوسية لمريديهم وسالكيهم في إطار التقارب والوئام بين الهندوسية والإسلام تحت ذريعة التعايش السلمي.
وقد تركت الحركة البهگتية تأثيرًا بالغًا في الثقافة الهندوسية والإسلامية على السواء وعلى جميع الأصعدة الاجتماعية والدينية والثقافية إلخ، ودفعت المجتمع الهندي في العصور الإسلامية إلى البحث عن أرضية مشتركة للتعايش السلمي مقابل التنازل عن الأسس الدينية، وهذا ما نطق به لسان بعض المفكرين الهندوس، فكتب المفكر الهندوسي تارا چند في كتابه تأثير الإسلام في الثقافة الهندية، قائلًا: “بعد ما تلاشت الصدمة الأولى للفتح الإسلامي للهند، أعد المسلمون والهندوس أنفسهم للبحث عن طريق وسط للتعايش معًا، وقد هداهم بحثهم عن نمط جديد للحياة إلى تطوير ثقافة جديدة، ليست هندوسية خالصة، ولا إسلامية خالصة، لقد كانت حقًا ثقافة هندوسية إسلامية، ولم يتمكن الدين الهندوسي وأفكاره المتمثلة في الفن والأدب والعادات والتقاليد من تشرب عناصر إسلامية فحسب، بل الروح الثقافية الهندية ذاتها، بل ونسيج العقل الهندي نفسه قد تغير، ولقد أجابهم المسلمون، فقبلوا التغيير في كل جوانب الحياة، ولقد ترك القادة والدعاة الهندوس أيضًا طقوسًا دينية معينة لدمج الهندوسية مع الإسلام، وقد كانت تلك محاولة جادة من جانب المفكرين الهندوس والدعاة البهكتية والصوفية للتقريب بين الهندوسية والإسلام.”
وكل هذه الأفكار المذكورة أعلاه ومحاولة تطبيقها على أرض الواقع من الأعمال المحمودة والمشكورة، والإنسانية دائمًا بحاجة إليها إلى يوم القيامة، ولكن السؤال المطروح هو هل كان من المطلوب أن يتم ذلك على حساب هدم أركان الدين الإسلامي وأسسه، والقضاء على ممارسة الطقوس الدينية مثل الصلاة والصيام إلخ ؟ لأن الدراسة المتعمقة في أفكار البهگتية تؤكد جليًا أنهم كانوا يدعون إلى دمج الفكر الإسلامي مع الفكر الهندوسي، وخلق سبل متبادلة للعبادة والسلوك غير المألوف معتبرين الطقوس الدينية في الهندوسية والإسلام وفي المذاهب الأخرى لاغية لا معنى لها، ووفقًا لهم هي ليست سوى مجموعة من المبادئ العقائدية الصلبة والصارمة والتي ترتبط بشدة بعقائدها وطقوسها وقبول المؤمنين بها، ولكن في الوقت نفسه ترفض بكل صرامة مجموعات أخرى من العقائد الحرة الموجودة في المذاهب والأديان الأخرى والمؤمنين بها..
ومن أهم الإشكاليات التي يطرحها الإنسان لفهم نشاطات الصوفية المسلمين، تتعلق بالتبليغ والدعوة والنشاطات الإسلامية الخاصة بدعوة الناس بالحسنى إلى اعتناق الإسلام. وفي الواقع عند النظر في النشاطات الدعوية في العصور الإسلامية، نستطيع الحكم على أنه لم يكن هناك آليات وبرامج معينة لا عند الصوفية ولا عند العلماء ولا عند السلاطين والدولة لتنشيط الدعوة والتبليغ، وهذا لا يعني إنكار المجهودات الفردية في نشر الثقافة الإسلامية والتبليغ والدعوة في بعض المناطق الهندية.
وفيما يتعلق بالصوفية لجميع الطرق، فلا شك أنهم أسهموا إسهامًا بالغًا في نشر الحب والسلام والوئام والإنسانية والأخلاقيات إلخ، والدعوة إلى القضاء على النظام الطبقي والعدالة الاجتماعية إلخ، وهذا هو الأمر الذي أدى دورًا مهمًا لخلق الجو الملائم لإيجاد العلاقات بين الصوفية ودعاة الحركة البهگتية، ولكن تلاشت جهودهم الدعوية إن كانت موجودة، في عملية تقريب المذاهب والأديان والأفكار والفلسفات إلخ، وذهبوا بعيدًا لتحقيق الغايات المرجوة الخاصة بالإنسانية، وصاروا من أهم الأدوات لدمج الفلسفات الهندوسية مع الفكر الإسلامي. ولاشك أنهم نجحوا إلى حد بعيد في غرس المبادئ الخلقية في أذهان المريدين، ونشاطاتهم الفكرية كانت سلمية، وقائمة على تقديم القدوة، والتعليم الأخلاقي، وتعميم التربية الروحية لجميع الأطياف، ولكنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على التوحيد الإسلامي الخالص، ومن سد الأبواب أمام تهديدات الثقافة الهندوسية التي استوعبت جميع المذاهب والأديان والأفكار بواسطة الحركة البهگتية والحركات الأخرى التي نشأت من رحم الهندوسية في العصور المتأخرة.
ثم كيف كان لهم أن يدعوا الهندوس وغيرهم من غير المسلمين إلى اعتناق الدين الإسلامي، وهم يؤمنون في نفس الوقت بفكر وحدة الوجود والأديان على أنها واحدة وكلها على حق؟ وما نرى في الكتب التاريخية الحديثة باللغات الإنجليزية والهندية عن إسهامات الصوفية في نشر الإسلام في الهند، فهي من الشائعات والأساطير أكثر من الحقيقة التي أدرجها المستشرقون في أعمالهم مثل أرنولد، ولويس ماسينيون، وخلفاء الشيوخ الصوفية ومريديهم وخدام أضرحتهم وأتباعهم ومريديهم، الذين لم يكتفوا بترويج بركات شيوخهم الصوفية وكراماتهم ومكانتهم العالية فحسب، بل اختلقوا مثل هذه الأحداث والأفعال ونسبوها إليهم وجنوا هم ثمارهم، وبسبب الجهل والضعف في المستوى الثقافي للهند إبان تلك الفترة، انتشرت مثل هذه المعتقدات بين الناس بسهولة ويسرة، وبالتالي تحول احترام الشيوخ الصوفية إلى تقديس، ومع الوقت تحول ذلك التقديس إلى تأليه، وانتشرت القصص الخرافية عن معجزاتهم وكراماتهم، والذين قاموا بترويج مثل هذه الأساطير وتلك الخرافات جمعوا ولا يزال يجمعون الثروات الضخمة، مما يقدم لأضرحتهم من هدايا ونذور أو مما يصرف في موالدهم من أموال وهبات.
وفي الواقع لم يبذل الشيوخ الصوفية أي مجهودات في تحويل الهندوس إلى الإسلام؛ لأن الأسباب كانت واضحة، ونستطيع أن نستنتج بسهولة أن عملية التبليغ والدعوة إلى الإسلام لم تكن من مقاصدهم الأساسية بأي حال من الأحوال، وإن كان قد اعتنق بعض الناس الإسلام لسبب أو لآخر؛ لأن المقاصد الأولى والرئيسة عند جميع الطرق الصوفية كانت تكمن في توسيع نطاق أفكارها الصوفية الخاصة ولو على حساب الطرق الصوفية الأخرى، مما كان يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق جو من الصراع الفكري بين الطرق الصوفية إبان تلك الفترة التاريخية. وهذا الموضوع خارج نطاق هذا المقال؛ لأنه يحتاج إلى بحث مطول مستقل لتوضيح حقيقة دور الصوفية في نشر الإسلام وترويجه في الهند في العصور الإسلامية.
للاستزادة عن تاريخ الحركة البهگتية ونشاطاتها الدينية والفكرية، يمكن الرجوع إلى الكتب التالية:
- David N. Lorenzen, Bhakti Religion in India: Community Identity and Political Action, State University of New York Press 1994.
- Jayant Lele, Tradition and Modernity in Bhakti Movement, Leiden, Brill 1981.
- John Hawley, A Storm of Songs: India and the Idea of the Bhakti Movement, Harvard University Press 2015.
- Karen Pechelis, The Embodiment of Bhakti, Oxford University Press 2014.
- Krishna Sharma, Bhakti and the Bhakti Movement: A New Perspective, New Delhi: Munshiram Manoharlal, 1987.
- Maheswar Neog, Early History of the Vaiṣṇava Faith and Movement in Assam: Śaṅkaradeva and his times, Motilal Banarsidass 1995.
- Nirmal Dass, Songs of the Saints from the Adi Granth, State University of New York Press 2000.
- Richard Burghard, The Founding of the Ramanandi Sect, London: London School of Economics and Political Science 1978.
- Schomer, Karine; McLeod, W. H., eds., The Sants: Studies in a Devotional Tradition of India, Motilal Banarsidass 1987.
- Winnand Callewaert, The Hagiographies of Anantadas: The Bhakti Poets of North India, Routledge 2000