سماعُ المولوية ودلالاته الروحية

سماعُ المولوية ودلالاته الروحية

 

السماع ودلالاته الروحية 

(Sezai Küçük)

[1]

ترجمة: عائشة موماد

 

أُطلق اسم السماع أو الدوران على الإحتفال الصوفي المولوي الذي حمل اسم مولانا وأسس بعد وفاته. السماع اسم عربي يشير بشكل حرفي إلى مجموعة متنوعة من المعاني كالإستماع والإنتباه والإصغاء والإعتراف والسمعة الحسنة والاستحضار الإلهي. أما اصطلاحيا، فهو الإسم الذي خص الإستماع إلى الألحان الموسيقية والطرب بها، وغياب القلب عن إدراك ما حوله وتحرك الصوفية بطريقة اعتباطية مع النغم والذكر وقد حملتهم زوبعة النشوة والاتقاد.

يسمى ذكر السماع le Sema Dhikrـ طقس الدوران الذي يقوم به الدراويش المولوية في تواريخ معينةـ ب “المقابلة”، بينما يسمى التاريخ الذي يقام فيه السماع ب “يوم المقابلة”.

تمت مأسسة السماع في عهد سلطان ولد وأولو عارف جلبي، بعد أن كانت ممارسة السماع في عهد الرومي ناشئة عن تدفق شعوري روحي وديني، دون خضوعها لأي توجيهات، واستمر بعدها حتى عهد المرشد بير عادل جلبي، مع ممارسة هذه الطقوس التي تعد تتويجا للتعليم والتعلم. أما قصائد “النعت الشريف” التي كانت تتلى خلال حفلات السماع بالقرن السابع عشر، فقد فتحت المجال لقصائد أخرى حديثة، ألفها مصطفى إتري، حيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من حفلات السماع.

يسمى المكان الذي يتم فيه السماع ب “السمعخانة”. في الطريقة الصوفية المولوية، فالشكل الدائري للسمعخانة وملابس الدراويش ولون الفراء المخصص للجلوس، وكذلك الحركات أثناء السماع، كلها تحمل معان رمزية.

بعد أن كان السماع في عهد الرومي ناتجا عن النشوة الروحية أيا كان الوقت، فقد أصبح بعد وفاة مولانا، يقام بعد صلوات الظهر والجمعة. بعد إقامة الصلاة يوم السماع، يبقى الدراويش جالسين منتظرين بكل طمأنينة، كأن يومهم ذاك هو أول ولوج لهم إلى عالم التعددية، كالعناصر التي تجسد الكون نفسه. تبدأ الاحتفالية بالنعت الشريف، مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد ألف على مقام الرست من طرف بوهوريزاد مصطفى إتري.

كان مصطفى إتري موسيقيا مشهورا في القرن السابع عشر، وكان النعت الشريف من قصائد الرومي التي تعظم الرسول عليه الصلاة والسلام، أسمى الخلق والذي خلق الكون من أجله. يتم الإنشاد دون موسيقى ويكون المنشد واقفا، بينما ينصت الحاضرون بانتباه أملا في الظفر بالمعني العميق، فبذلك، وبمعية العناية الإلهية، يكتسبون قلبا متذكرا “Qalb-i Hafez”، للوصول إلى الحقيقة المحتجبة داخل جوهر المادة التي تحتضن الكون المرئي.

يُتبع النعت بصوت “القدوم”، وهو آلة تشبه الدُّف، رامزا بذلك إلى مشيئة الله في “كن”، أصل خلق الكون، يُفتح الستار بذلك لتقسيم الناي، وهو ارتجال موسيقي بواسطة آلة الناي، التي ترمز إلى النفَس الإلهي الذي نفخ الروح في الكون. تعبر النغمات المنبعثة أثناء التقسيم، وبطريقة التشبيه، عن إشارة للتجليات الإلهية. بعد ذلك التقسيم الموجز وتزامنا مه أول قرع للقدوم من طرف “القدومباشي”، يرتقي الشيخ والدراويش إلى الاتحاد مرددين كلمة “الله” من أعماق القلب، ضاربين الأرض بأيديهم، وهي حركة تدل في الأصل على خلق الله للجسد دون حياة، ثم إحياء ذلك بفضل النفخة الإلهية، والانتهاء بعد ذلك بإحداث الكون وبث الحياة فيه. وبسبب تلك المقارنة مع إحياء الجسد، فذلك يشير أيضا إلى الحشر والنشر.

مع بداية الافتتاح الذي يلي ذلك، يبدأ الشيخ والدراويش سيرا دائريا في تناغم تام مع إيقاع الموسيقى، عكس اتجاه عقارب الساعة. يسمى هذا المشي الدائري الذي يشمل ثلاث دورات ب “دور ولد”.

يرمز نصف دائرة المقابلة في جزئه الأيمن إلى العالم الخارجي “عالم المُلك” بينما يرمز الجزء الأيسر منها إلى العالم الداخلي “عالم الملكوت”. يسمى الخط الخيالي الفاصل بين نصفي الدائرة والمحاذي لسجادة الشيخ ولباب السمعخانة، ب”خط الإستواء”. عند المرور قرب ذلك الخط يقدم الدراويش التحية ثم يعبرونه دون أن تلامسه أقدامهم. هذا الجزء الأول من السماع المولوي والمسمى ب “دور ولد” تم إنشاءه من طرف سلطان ولد.

ينتهي “دور ولد” عند رجوع الشيخ إلى مكان السجادة في نهاية الدورة الثالثة. حيث يرمز هذا السير إلى معرفة الحقيقة المطلقة عبر “علم اليقين”، والرؤية ب”عين اليقين” والتحقق المطلق عبر “حق اليقين”. يؤدي بعد ذلك عازف الناي الرئيسي تقسيما قصيرا، يتجرد أثناءها الدراويش من معاطفهم السوداء التي تعبر عن وجودهم الخارجي. مرة أخرى وبشكل رمزي دائما، فالولادة في رحم الحقيقة يتم تجسيدها من طرف الدرويش عبر ضم الدرويش يديه نحو صدره مكونا بذلك شكل رقم “واحد” ومشيرا إلى وحدانية الله. وبعد رؤية الشيخ وتقبيل يديه من قبل الدراويش، الواحد تلو الآخر، وفي نفس الترتيب، يتلقى الدراويش إشارة الانطلاق لبداية الدوران.

ترمز قبعة الدراويش إلى نقائص الإنسان أو إلى شاهد قبر الأنا، بينما يمثل الرداء الأبيض أو التنورة إلى كفن الأنا، أما الرداء الأسود فيشير إلى الأنا نفسه. أثناء الدوران، يمد الدراويش أذرعهم من اليمين نحو اليسار متجهين بكف اليد اليمنى نحو السماء وبكف اليد اليسرى نحو الارض. وهذه الحركة ترمز إلى المقولة الآتية: “نأخذ من الحقيقة لنمنحها للملإ، وقد امتنعنا عن أي استيلاء لصالحنا”. يدور الدراويش حول هذه الرقعة كدوران الكواكب نفسها وحول الشمس. فكرة السماع في حد ذاتها تعبير عن تركيب الكون وعن انبعاث الإنسان داخله، بعد تحريك الحب الإلهي لذلك، والنزوع نحو الإنسان الكامل باسم تحقيق العبودية.

يتكون السماع من أربعة أجزاء، يسمى كل واحد منها سلما. يحافظ مدير السماع على النظام عبر مراقبة انتقال الدراويش. يشير السلم الأول إلى تحقيق الإنسان للعبودية. يشير السلم الثاني إلى الخشية العظيمة أمام عظمة وقدرة الله. يشير الثالث إلى تحول تلك الخشية إلى عشق، تمهيدا للسلم الرابع حيث الفهم والإدراك الكاملان للغرض من وراء خلق الكون.

عند بداية السلم الرابع، يخطو الشيخ ببطء نحو مركز السمعخانة فوق خط الاستواء، دون فتح ذراعيه أو إزالة ردائه الأسود. رجوع الشيخ إلى سجاده ينبئ بنهاية هذا التقسيم الذي تتبعه تلاوات قرآنية. ثم ينتهي حفل السماع بالأدعية والترنم باسم الله “هو” وبالتحية الختامية.

 

[1] Rûmi et le chemin soufi de l’amour ; édition du Nil, 2011.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!