على خطى الرومي: سفر في أحضان المولوية
بقلم عائشة موماد
اختارت الكاتبة “نهال تجدد” الإيرانية الأصل والفرنسية النشأة، أن تلبس كلام مولانا جلال الدين الرومي حلة جديدة عبر مؤلفها “على خطى الرومي.” Sur les pas de Rûmi –
تنطلق نهال تجدد من مقولة مولانا المشهورة: “كنت نيئا، فنضجت، ثم احترقت” لتأسس لكتابها عبرست وثلاثين حكاية* تدور في فلك هذه المحاور الثلاثة، معتمدة على بعض فصول المثنوي من طبعة نيكولسون بتقديم بديع الزمان فروزنفر – طهران 1991.
لكي تقدم لنا مختاراتها من “مثنوي” مولانا، اختارت شخصية خيالية، مجلد كتب من نيسابور أهم مدن خراسان بشمال شرق إيران، وتابعت هذا الشخص في ترحاله ومغامراته منذ سن الثامنة عشرة (1209/606) إلى سن الرابعة والثمانين (1275/672)، وقد عاش شعر وتعاليم مولانا بجلده وروحه قبل ملاقاته في أواخر أيام حياته وحضور مراسيم تشييع جثمانه بقونية.
يسرد هذا الراوي حكاياته كأنوار نصف مظلمة في الحياة، بواسطتها حولت “نهال تجدد” هذه الحكاوي الصوفية إلى حقائق معيشية مألوفة. وبدون أن تلحقها بتفسيرات أو توضيحات، نثرتها في طريقنا كألغاز ضرورية للحياة.
يمكننا تقبل هذا اللغز أو رفض ذاك، لكننا سوف نجد في آخر المطاف الحكاية التي تكون بمثابة مرآة لنا ولن تغادرنا.
بل لن نغادرها أبدا…..
من خلال الكتاب الثالث من مثنوي مولانا جلال الدين الرومي، تستقي “نهال تجدد” معاني حكايتها: “جفاف الشفتين رسالة من الماء، وتحكي قصة عاشق عثر على رسالة كان قد ارسلها منذ سنة لحبيبته يحكي فيها لوعة الاشتياق فاخذ يعيد قراءتها على مسمع من حبيبته وقد تغيرت كل معانيها وتلاشت كل الأحاسيس الصادقة مما أثار غضب حبيبته فأخذت تعاتبه.
الحبيبة: ماهذا التصرف الغريب؟ تتحدث عن الفرقة وقت اللقاء، تتحدث عن الغياب أثناء الحضور؟ تتحدث عن أجسادنا المتباعدة وأنا بجانبك، أهذا رمز المحبين؟
الراوي: ما كنت أراه فيك منذ عام مضى، لا أجده الآن. أنت نافورة كانت تسقيني، الآن أرى النافورة ولا أرى الماء.
الحبيبة: في هذه الحال، حبيبتك بعيدة رغم وجودي بقربك. لست تلك التي تحب، لست تلك التي تتمنى تماما، لست سوى جزء من سعيك. تحبني وتحب ذلك الحال، ذلك المزاج الصعب المنال، الذي لا يمكن الوصول اليه.
أنا بيت الحب ولست الحب، الشخص الذي تحبه، عليه أن يكون بدايتك ونهايتك. عندما تجده لا تنتظر شيئا بعده. إنه مثل المال، لا تتركه داخل الخزانة، إنه ظاهر ومستتر، لا يتعلق بالحال.هذه الحالة الروحية التي تسيطر عليك.
الشهر والسنة تخضعان له، يحول الجسد إلى روح، عندما يلمس النحاس يحوله إلى ذهب. الموت نفسه، إن أراد ذلك، يتحول إلى سكر. الأشواك ولحم الخنزير إن أراد، يتحولون إلى نرجس وورد بري.
إنك ككل الرجال، متعلق بالحال. يعظمك أحيانا ويحقرك أخرى. يرضي رغباتك ويصغرك. من خلاله أنت هذا وذاك. أنت منتش وحزين. أنت الماء والنار.
.
آه ياصديقي، ياصديقي البائس، تحت تأثير الحال لا يمكن أن تكون سوى منزل القمر، لا القمر، لن تكون سوى صورة المعشوق، لا روحه. ككل الأشخاص، أنت عبد للوقت والحال .
.
على رفيقي أن يكون متحررا من الوقت والحال. اذهب، وإن شعرت بأنك مازلت حيا، ابحث عن هذا الحب المغمور في أنوار الحق. لا تنظر إلا صورتك إن كانت جميلة أو قبيحة، انظر داخل الحب وذاته. لاتنظر إلى عجزك مهما كنت صغيرا أو ضعيفا، انظر إلى طموحك وأكمل البحث
.
لقد جفت شفتاك فابحث عن الماء. نعم تابع البحث عنه، فجفافهما يعلن عن ملامستك له. جفافهما رسالة من الماء، توصلك إليه.
آه ياصديقي، هذه الرغبة شعور مبارك، محطم للعقبات، إنها مفتاح، جيش، انتصار لراياتك. إنها تعلن عن قدوم الشمس أثتاء الفجر.ابحث عن هذا الحب حتى وإن لم تكن لديك الأدوات المناسبة. على طريق الله، لاحاجة للأدوات
.
آه ياأخي، إذا صادفت باحثا عن هذا الحب، كن صديقه واستسلم له وطأطئ رأسك أمامه. لأنه في القرب من الباحثين تصبح باحثا، في ظل المنتصرين تصبح منتصرا .وإن أرادت نملة أن تصير كسليمان، لا تنظر إلى ضعفها، انظر إلى طريقها.