مكانة عبد الرحمن الجامي بين آثار الدارسين العرب المعاصرين
بهروزقربان زاده
حجت الرسولي
المقدمة
نور لدين عبد الرحمن بن نظام الدين أحمد دشتي (دشت أصفهان)[(*)]، وتخلص بالجامي نظراً لمهاجرة أبيه إلى ولاية جام في خراسان. يعد الجامي أكبر شعراء الفرس في القرن التاسع الهجري، وهو آخر شعراء الصوفية الكبار، ولم يكن الجامي شاعراً فقط بل كان عالماً بعلوم عصره الدينية والأدبية واللغوية كالنحو والصرف وكان موصوفاً بقريحته السيالة وكثرة التصانيف. من آثاره النثرية المنظومة: نفحات الأنس، اللوائح، أشعة اللمعات، بهارستان، هفت أورنك “العروش السبعة أو السبعة عروش”، ديوان قصائد، ترجيعات، غزليات، مرثيات، تركيب بند وأنشودة وقطعات وقسمه الجامي إلى ثلاثة أقسام وسماها: فاتحة الشباب وواسطة العقد وخاتمة الحياة.
ولم يكن الأدباء العرب في مجال دراسة الشعر الفارسي وترجمته أقل اهتماماً من أدباء الأمم الأخرى، إلا أن جهودهم العلمية هذه وإن جاءت متأخرة –بدأت مع نهاية القرن التاسع عشر-فقد كانت كبيرة وذات قيمة، وفي هذا الشأن يأتي الجامي أقل شهرة بالنسبة إلى الشعراء الفرس الكبار الآخرين كـ عمر الخيام النيسابوري، والحافظ الشيرازي، والسعدي الشيرازي في العالم العربي، ولكن ذاع صيت الجامي في العالم عامة وفي العالم العربي خاصة عبر ترجمة آثاره المنظومة والمنثورة.
ترجمت آثار عبد الرحمن الجامي الفارسية كلها أكثر من 17 مرة إلى اللغة العربية نثراً ونظماً(1)، وفي هذا المجال حصة “العروش السبعة أو السبعة عروش” أكثر من غيرها؛ يحتل الأدباء والمترجمون المصريون المرتبة الأولى من حيث الاهتمام بالجامي وترجمة آثاره، كما كان للمصريين فضل السبق، وما زال لهم الدور الأكبر في الجهود العربية التي بذلت في خدمة جميع شعراء فارس.
لم يبذل أي جهد في كشف معرفة العالم العربي بالجامي إلا قليلاً ولم نشاهد جهداً مهماً، يتناول مستوى اهتمام الأدباء العرب بالجامي لذلك نعتبر الدراسة والبحث في هذا المجال ضرورية، لذا نسعى في هذا المقال أن نكتشف مكانة الجامي بين آثار الدارسين العرب، ونبين جهود العرب في معرفة الجامي، ضمن الإجابة عن عدد من الأسئلة منها: من هم الباحثين العرب الذين اهتموا بدراسة الجامي وآثاره؟ من هم الذين ترجموا آثار هذا الشاعر الكبير الفارسي بالعربية؟ ومتى بدأوا بالترجمة، وأي منهج وأسلوب كانوا يتبعونه في ترجمتهم وكيف؟
منهج البحث والدراسات السابقة
للإجابة على هذه الأسئلة ارتأينا أن نبحث في المكتبات العربية عن الكتب المترجمة لمؤلفات الجامي وندرس هذه الأعمال الأدبية مستندين على المنهج الوصفي والتاريخي. وأثناء بحثنا لم نجد مقالاً أو كتاباً مستقلاً يتناول موضوع بحثنا هذا (مكانة عبد الرحمن الجامي بين آثار الدارسين العرب المعاصرين)، إلا كتاباً واحداً تحت عنوان: “عمر الخيام بين آثار الدارسين العرب”، الذي تناول فيه مؤلفه، جهود العرب في خدمة الفرس، وأشار فيه إلى جميع الترجمات العربية من آثار الشعراء والأدباء الفرس في العصر القديم والجديد، ومنها الترجمات العربية للجامي دون خوض للتفاصيل.
الترجمات العربية لآثار عبد الرحمن الجامي
يعد محمد غنيمي هلال أول مترجم آثار عبد الرحمن الجامي. فقد ترجم منظومة ليلى والمجنون نثراً عام 1962 للميلاد، وكذلك يحتل محمود إبراهيم النجار المرتبة الأخيرة بين المترجمين العرب للجامي، فقد ترجم منظومة خردنامه إسكندري نثراً دون إثبات الأصل الفارسي طبع ذلك سنة 2010 للميلاد في القاهرة. ومن أبرز الباحثين والمترجمين لآثار الجامي بحسب الترتيب الزمني: انتخب المترجمون العرب كتاب واحد من مؤلفات الجامي أو مقتطفات منها، بداية بدأوا بتعريف الأبناء العرب بهذا الشاعر الفارسي الكبير وذكروا آثاره بعد ذلك قاموا بترجمة القسم المنتخب بأساليب مختلفة نثراً ونظماً بحسب علمهم باللغة الفارسية.
1) محمد غنيمي هلال
ولد الباحث والأديب المصري محمد غنيمي هلال في قرية “سلمنت” في القاهرة سنة 1916م، وبعد أن أنهى المرحلة الابتدائية، دخل الأزهر وتخرج منها سنة 1937م، وبعد ذلك ذهب يستكمل دراسته في دار العلوم في القاهرة وتخرج منها سنة 1941م ثم بعثته وزارة المعارف المصرية إلى باريس لإكمال مرحلة الدكتوراه، ولكنه حصل على شهادة ليسانس في فقه اللغات، الفارسية والإسبانية والإنجليزية، سنة 1947م، وبعد ذلك حصل على شهادة الدكتوراه في فرع الأدب المقارن سنة 1952م. وله آثار قيمة في الأدب الفارسي منها: مختارات من الشعر الفارسي، ليلى والمجنون في الأدبين العربي والفارسي، تأثير النثر العربي في النثر الفارسي، الوقوف في الأطلال بين العبري والفارسي، ترجمة منطق الطير للعطار ومقارنته مع الكوميديا الإلهية لـدانتي(2).
لـمحمد غنيمي هلال كتاب بعنوان “ليلى والمجنون أو الحب الصوفي” وهو قبل أن يقوم بالترجمة المنثورة لمنظومة ليلى والمجنون للجامي يعرف الجامي في المقدمة كشاعر له الصدارة في أكثر الأجناس الأدبية، ثم يسلط الضوء على حياته ومؤلفاته(3). أيضاً له كتاب آخر بعنوان “ليلى والمجنون في الأدبين العربي والفارسي”، بحث غنيمي هلال في هذا الكتاب عدداً من الملفات، منها “عبد الرحمن الجامي وليلى والمجنون، التأثير العربي في قصص ليلى والمجنون الفارسية وخصائص ليلى والمجنون في القصص الفارسية”، ويشير فيها أيضاً إلى ترجمة هذه القصة(4).
كما ترجم هلال 112 بيتاً من منظومة “يوسف وزليخا” نثراً، دون ذكر الأصل الفارسي، وذلك من كتابه بعنوان “مختارات من الشعر الفارسي”(5).
نموذج من الأبيات المترجمة من يوسف وزليخا
راز هستي/ سر الوجود
در آن خلوت هستي بي نشان بودبه كنج نيستي عالم نهان بود
في تلك الخلوة التي لم تكن بها على الوجود أمارة، حيث كان العالم خبيئاً في كنز غيبة الذات.
وجودي بود از نقش دويي دورزكفت وكوى مايي وتويي دور
كان الوجود المنزه عن صورة الثنائية، المتعالى عن قوله أنا وأنت
جمال مطلق از قيد مظاهربه نور خويش هم بر خويش ظاهر
جمال مطلق من قيد المظاهر لا تتجلى ذاته إلا لذاته.
دلارا شاهدي در حجله غيبمبراء دامنش از تهمت عيب
عروس رائعة الحسن في حجلة الغيب قد برئت ذاتها من شيمة العيب
نه با آيينه رويش در ميانهنه زلفش را كشيده دست شانه
ليس من مرآة ينعكس فيها وجهها ولا مشط تنسحب أسنانه على ذوائبها.
صبا از طره اش نكسسته تارينديده جشمشش از سرمه غباري
لم تفصل الصبا من ذوائبها شعرة، ولم تر عينها غباراً من كحل
نكشته با كلش همسايه سنبلنبسته سبزه اش بيرايه بر كل(6)
لم يقم السنبل جاراً لوردتها، ولم ينعقد العشب النضر حلية لزهرتها(7).
على سبيل المثال: ترجم غنيمي هلال في البيت الثاني “وجود” إلى “الوجود”، من النكرة إلى المعرفة كذلك الأمر عمل عكسياً في ترجمة “الجمال المطلق” إلى “جمال مطلق” من المعرفة إلى النكرة وهذا تحريف أسلوبي، أيضاً في البيت الثالث ترجم “ذيبلها” إلى “ذاتها” هذا تحريف دلالي، وترجم “زلف” إلى “ذوائب” بصيغة الجمع هذا تحريف أسلوبي.
2) إسعاد عبد الهادي قنديل
حصلت إسعاد قنديل على شهادة الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس، وعنوان رسالتها للماجستير “بحث عن أبي سعيد أبي الخير مع ترجمة كتاب أسرار التوحيد في مقامات الشيخ أبي سعيد لمحمد بن المنور”، وعنوان رسالتها في الدكتوراه: “الهجويري ومذهبه في التصوف كما يبدو في كتاب كشف المحجوب”. بعد ذلك قام بتدريس اللغة الفارسية في الجامعات المصرية(8).
ترجمت قنديل 70 بيتاً من ديوان عبد الرحمن الجامي نثراً مع إثبات الأصل الفارسي وذلك في كتابه: “فنون الشعر الفارسي” الذي طبع في القاهرة سنة 1975م(9).
نموذج من الأبيات المترجمة من غزليات الجامي:
اي روى تو ماه عالم آرايجون ماه ز برده روي بنماي
يا من وجهك البدر المزين للعالم، أسفر عن وجهك مثل البدر
جون طره تو شكسته حاليمبر حال شكستكان ببخشاي
أنا منكسر الحال مثل طرتك المتكسرة، فترجم على حال المتكسرين
كفتي سخني ولب كزيديطوطي نبود جنين شكر خامي
نطقت كلمة وعضضت على شفتيك، ولا تمضغ الببغاء السكر هكذا
خال تو بلاي جان بسندستبر لب خط عنبرين ميفزاي
خالك بلاء يستطيب الروح، فلا تزد على شفتك خطا عنبريا
از كريه تلخ سوخت جانمشيرين لب خود بخنده بكشاي
لقد احترقت روحي من البكلاء المر، فافتح شفتك الحلوة بابتسامة.
تو جاي درون جان كرفتهمن ميجويم ترا بهر جاي
قد اتخذت مكانك داخل روحي، وأنا أبحث عنك في كل مكان
تا باي بودره تو بويموردر ره تو در آيم از باي
وطالما يكون لي قدمان فإنني أسير في طريقك، ولو هلكت فيه.
بنشينم وباغم تو سازمبنهان زتو با تو عشق بازم(10)
فلأجلس ولأرض بغمك، وأغازلك في خفية منك(11).
وترجمت قنديل غزليات الجامي نثراً من شأنه نقصت قيمة الشعر وروعته وبلاغته. ولكن ترجمتها صحيحة، دون أي تكلف أو غموض فيها.
وكذلك ترجمت قنديل 87 بيتاً من ديوان الجامي نثراً مع ذكر الأصل الفارسي وذلك في كتابه: “لمحات من الغزل الصوفي في الشعر الفارسي” طبع في القاهرة سنة 2007م(12).
نموذج من الأبيات المترجمة من ديوان الجامي:
برون آي از نقاب غنجه أي كلكه از شوق جمالت سو خت بلبل
اخرجي من نقاب البرعمة أيتها الوردة فقد احترق البلبل شوقاً إلى جمالك!
جو كردد موعد ديدار نزديكنيايد ديكراز عاشق تحمل
وعندما يقترب موعد اللقاء، فإنه لا يتأتى من العاشق احتمال!
بكشت باغ رفتم تا بر آرمدمي جون لاله خوش با ساغر مل
قد ذهبت للتجول في البستان لأقضى لحظة طيبة مع كأس الخمر مثل الشقائق،
مرا عشق تو كريانيد جندانكه شد بر خون ز اشكم دا من كل
فأبكاني عشقك كثيراً، حتى امتلأت أذيال الورد بالدم من دموعي!
ز بس ناليدم از فرياد مرغانبرا اطراف جمن افتاد غلغل(13)
ولكثرة ما بكيت، عمت الضجة أرجاء المرج من صيحات الطيور!(14)
واتبعت قنديل نفس الطريقة في ترجمتها المنثورة من شأنه قلص جمال الشعر وقيمته، ولم تسلم من التحريف الأسلوبي، منها: ترجمت “الدمع والذيل” إلى “الدموع والأذيال” في بيت ما قبل الأخير بصيغة الجمع.
3) أمين عبد المجيد بدوي
ولد الأستاذ والباحث والمترجم المصري أمين عبد المجيد بدوي في مصر سنة 1926م، وذهب إلى إيران سنة 1935م وتخرج من جامعة طهران سنة 1956م وحصل على شهادة الدكتوراه باللغة الفارسية، عن أطروحة بعنوان: “بحث حول قابوسنامه”، وطبع بهذا الاسم في طهران. ثم عاد إلى مصر وقام بتدريس اللغة الفارسية في جامعات القاهرة.
حصل دوي على الجائزة الأدبية لموقوفات محمود أفشار سنة 1369هـ. ش وذلك قدمه جعفر الشهيدي في القاهرة. له مؤلفات وترجمات كثيرة في اللغة الفارسية منها: جولة في شاهنامه الفردوسي (القاهرة 1971م)، القصة في الأدب الفارسي (بيروت 1981م)، الفرس والعرب على صعيد الشاهنامه (القاهرة 1963م). ترجمة قابوس نامه، الجلستان والبوستان لـسعدي الشيرازي، سندباد نامه، كشف المحجوب….(15)
أوضح بدوي في كتابه “القصة في الأدب الفارسي” منظومة يوسف وزليخا إيضاحاً مفصلاً وقام بترجمة 4 أبيات من تلك المنظومة نثراً. كما اهتم بقصة “سلامان وأبسال” في هذا الكتاب وترجمة 9 أبيات منها نثراً مع إثبات الأصل الفارسي واهتم بدوي بشرح بهارستان للجامي وترجم 4 أبيات منه نثراً مع ذكر الأصل الفارسي وفي نهاية المطاف تناول حياته وآثاره، طبع هذا الكتاب في بيروت سنة 1981م(16).
نموذج من ترجمة قصة يوسف وزليخا:
ز عالم روي آور در غم عشقكه باشد عالم خوش عالم عشق
حول وجهك عن العالم إلى غم العشق، فإن عالم العشق عالم جميل.
غم عشق از دل كس كم بادادلي بي عشق در عالم مبادا
لا أنقص الله غم العشق من قلب إنسان ولا كان في العالم قلب بغير عشق
فلك سر كشته از سوداي عشق استجهان برفته از غوغاي عشق است
الفلك حائر من وله العشق والدنيا ملأى بالفتنه من جلبة العشق
اسير عشق شو كازاد باشيغمش در سينه نه تاشاد باشي(17)
فكن أسير العشق لتكون طليقاً، وضع غمه في صدرك لتكون مسروراً(18).
ترجم بدوي أبياتاً من منظومة يوسف وزليخا نثراً، وهذا يعتبر ضعفاً كبيراً في ترجمته ولم تسلم ترجمته من التقيد لحرفية النص.
4) أحمد كمال الدين حلمي
ولد كمال الدين حلمي بمصر عام 1940م. درس اللغة الفارسية في جامعة عين شمس، وقدم رسالة بعنوان “ترجمة بهارستان لعبد الرحمن الجامي مع ترجمة المؤلف وإنتاجه”، وتخرج منها سنة 1966م. ثم قدم أطروحة بعنوان “أوحد الدين الأنوري-عصره وبيئته وشعره” من نفس الجامعة، وحصل على شهادة الدكتوراه في اللغة الفارسية وآدابها. له مؤلفات وتراجم عدة منها: الضياء في أساسيات قواعد اللغة الفارسية (قاهرة 1994م) وترجمة المجلد الأول من كتاب تاريخ الأدب في إيران (الكويت 1996م)(19).
ترجم كمال الدين حلمي “بهارستان” أو “الربيع” أحد مؤلفات الجامي النثرية. انتخب حلمي عدة نسخ من بين النسخ العديدة، الخطية والمطبوعة كانت التي موجودة بالمكتبات لترجمة بهارستان، ثم شرحه شرحاً مفصلاً واصفاً إياه بأنه تقليد لجلستان السعدي الشيرازي الذي ألفه عام 1258م.
كما بين حلمي في مقدمة كتابه مكانة روضات بهارستان شارحاً محور الحديث فيها ويقول: “ابتعد الجامي عن الإطناب الممل والإقلال المخل والتشبيهات الخيالية والمقارنات الشاذة والنعوت والألقاب الوصفية […] وكان أسلوبه في الجملة سهلاً بسيطاً غير معقد”(20).
قام حلمي بترجمة روضات بهارستان إلى العربية نثراً، وترجمة الأشعار الفارسية، التي أنشدها الجامي في كل روضة من الرياض الثمانية إلى العربية نثراً، ووضع العلامة (*) للتفرقة بين الشعر والنثر أما الشعر العربي فكتبه على طريقة كتابة الأشعار العربية دون وضع أي علامة مميزة.
نموذج من ترجمة الروضة الأولى:
در نشر رياحين جيده از بساتين دوربينانراه هدايت وصدر نشينان باركاه ولايت
في نشر الرياحين، المقطوفة من البساتين، بساتين الواقفين على طريق الهداية، والجالسين في مكان الصدارة من مقام الولاية.
سيد الطائفة جنيد –قدس سره-مي كويد: حكايات المشايخ جند من جنود الله –تعالى-يعني سخنان مشايخ در علم ومعرفت راسخ لشكري است از لشكر هاي خداي تعالى به كشور هر دل كه عنان عزيمت تابد، مخالفان نفس وهوا هزيمتي يابد.
يقول سيد الطائفة “جنيد البغدادي” قدس سره: “حكايت المشايخ جند من جنود الله تعالى”، وهو يعني بذلك أن كلمات المشايخ في العلم والمعرفة جند من جنود الله سبحانه […] راسخة أقدامها، تقبض في ولاية كل قلب على عنان العزيمة، ويلقي من يتبعون النفس والهوى منها الهزيمة.
هجوم نفس وهوا كز سباه شيطانندجو زور بر دل مرد خدابرست آرند
هجمات النفس ونزعات الهوى وإن تكن من جنود الشيطان، فإنها حين تغير على قلب المؤمن وتشدد ضغطها.
بجز جنود حكايات رهنمايان راجه تاب آنكه بر آن رهزنان شكست آرند
لا تتحقق هزيمتها إلا على يد الجنود التي تجردها نصائح المرشدين.
جو صورتي به دلت سازي از ارادت راستز نفخ صور دم عارفان حياتش ده
إذا ما خلقت في قلبك صورة من صور العزيمة الصادقة، فغذها وأحيها من نفخ صور النفس العارفين.
وكر شود متزلزل دلت ز جنبش طبعبه شرح قصه صاحبدلان ثباتش ده
وإذا تصدع فؤادك وعلق به الشك بسبب تحرك طبعك وهوى نفسك، فثبت فؤادك وأزل شكه بأن تشرح له قصص المتصوفين…
آني تو كه از نام تو مي بارد عشقوزنامه وبيغام تو مي بارد عشق
أنت الذي ينساب من اسمك العشق، وينساب من رسالتك وكتابك.
عاشق شود آنكس كه به كويت كذردآري زدر وبام تو مي بارد عشق(21)
ويهيم بك من يمر بحيك، كيف لا، والعشق ينساب من سقفك وبابك؟(22)
حذى حلمي حذو الآخرين في الترجمة المنثورة، وهو مقبول إلى حد ما ولكنه لجأ في الترجمة المنثورة للأبيات إلى تعريب حرفي.
5) عارف الزغول
ولد الزغول بعنجرة التابعة لمحافظة عجلون بالأردن عام 1948م، أنهى دراساته في المرحلتين الابتدائية والثانوية في مسقط رأسه. ثم توجه إلى إيران لاستكمالها، فدرس اللغة الفارسية في جامعة تبريز، ثم تابعها في جامعة مشهد وقدم رسالته بعنوان: “رزم وبزم في الشاهنامة” وتخرج منها عام 1980م. وبعد توقف طويل عن الدراسة، درس الدكتوراه في إيران وقدم أطروحته بعنوان: “تحسين وتقبيح أبو منصور ثعالبي”، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 2007م. ثم رجع إلى الأردن وأنشأ مقعد اللغة الفارسية بجامعة اليرموك وقام بالتدريس فيها. له مؤلفات كثيرة منها: مختارات من شعر سعدي الشيرازي، (2000م)، مختارات من قصائد 33 شاعراً (2000م)(23).
ترجم عارف الزغول في كتابه، “مختارات من الشعر الفارسي” 33 شاعراً من مختلف عصور الشعر الفارسي نثراً، ومنها قصيدة الجامي، وذلك بإشراف ومشاركة الدكتور فيكتور الكك. ترجمة الزغول في هذا الكتاب 55 بيتاً من قصائد الجامي نثراً، مع إثبات الأصل الفارسي وصاغها عبد الناصر الحمد شعراً. نموذج من ترجمته:
القانع عين الرضا
خاركش بيري با دلق درشتبشته خار همي برد بيشت
وحطاب مسن ذو دأب، يقوس ظهره حمل الحطب
لنك لنكان قدمي برمي داشتهر قدم دانه شكري مي كاشت
وكان بخطوة عرجاء يسعى، ويزرع شكره في الخطو زرعاً
كاي فرازنده اين جرخ بلندوي نوازنده دلهاي نزند
ويدعو الله ربي يا إلهي، أيا رب المكارم أنت جاهي
كنم از جيب نظر تا دامنجه عزيزي كه نكردي با من؟
رأيت جمال ما اهديت ليا، ومن كرم زرعت العز فيا
در دولت برخم بكشاديتاج عزت بسرم بنهادي(24)
فمنك تعظماً أدبت نفسي، بتاج العز قد توجت رأسي(25)
تعد هذه الترجمة المنظومة لديوان الجامي تعريباً تفسيرياً، وحفلت بالحذف والزيادات، ويمكن القول أن السبب الرئيسي للتحريفات والتصرفات في عمليات الترجمة يرجع إلى الضرورة الشعرية فيها. على سبيل المثال: حذف في البيت الأول “دلق درشت” من الترجمة، ومال إلى ترجمة تفسيرية في البيت الثالث.
6) عبد العزيز بقوش
ترجم عبد العزيز بقوش منظومة “يونسف وزليخا” (3730 بيتاً) نثراً، دون إثبات الأصل الفارسي وذلك في كتابه بالعنوان نفسه.
نموذج من ترجمته:
قدوم زليخا بصحبة عزيز مصر
سحر كاهان كه زد جرخ مكوكبزرين كوس كوس رحلت شب
وفي وقت السحر، حينما دق الفلك ذو الكواكب طبول رحلة المساء على الطبلة الذهبية،
كواكب نيز محفل برشكستندبه همراهي شب محمل ببستند
وتركت الكواكب محفلها أيضاً، وشدت رحالها في صحبة الليل،
شد ازر خشاني آن زرفشان كوشبه رنك بر طوطي دم طاووس
ومن وهج تناثر الذهب من تلك الكرة، أضحى ذيل الطاووس بلون ريش الببغاء،
عزيز آمد به فر شهريارينشاند از خيمه مه را در عماري
أقبل العزيز بأبهة الملك، وأخرج القمر من خيمته وأجلسه في الهودج،
سبه رااز بس وييش وجب وراستبه آييني كه مي بايست آراست
ونظم الجيش من ورائها ومن خلفها، وعن شمالها وعن يمينها، بما يليق بمقامها.
زجتر زريه فرق نيكبختانبه با شد سايه ور زرين درختان(26)
وكأن المظلات الذهبية على مفارق الحسان ظلال لأشجار ذهبية منتصبة(27).
ويجب الإشارة أن الترجمة المنثورة غير دقيق أو موفق، لأنها تفقد الكثير من جمالياتها الموسيقية والشعرية، ولكنها تفيد معاني ومفاهيم الأبيات ولا تتجزأ ترجمة بقوش من هذا القول.
7) محمود إبراهيم النجار
لسنا نعلم معلومات كثيرة عن محمود إبراهيم النجار، ما يبلغ مبلغ علمي إنه حصل على دكتوراه في اللغة الفارسية، كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وأسهم في مجال الترجمة: ترجم القصائد المائة الأولى من ديوان الشاعر الفارسي (ناصر خسرو)، وقد بلغ (عدد أبيات هذه القصائد (4445) بيتاً؛ ترجمها من الفارسية إلى العربية عام 2005م. هكذا دواليك ترجم منظومة خردنامه إسكندري للشاعر الفارسي نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي(28).
مناجاة في إظهار خضوع العجز
كرم كسترا عاجز ومضطرمبكستر سحاب كرم برسوم
يا باسط الكرم، إني عاجز ومسكين؛ فأبسط على رأسي قلة حيلتي
بعجز وضعيفي ويبرم بينز أسباب توت فقيرم بين
وانظر إلى عجزي وضعفي وشيخوختي، وانظر افتقاري إلى وسائل القوة
نه دستي كه كاري برآيد ازونه بابي كه راهي كشايد ازو
فلا ترتفع بسببه يد لعمل، ولا تنطلق منه قدم إلى طريق
ببخشايش ولطف دستي كشايببخشا برين بير بي دست وباي
فأبسط يدك بالعطاء واللطف، وامنن على هذا الشيخ العاجز
جواني كه با دل سياهي كذشتسبوي سيه در تباهي كذشت
فالشباب الذي ولى مع سواد القلب؛ مضى بالشعر الأسود إلى الزوال
سيه مويي از من جو برتافت رويتو نيز از دل من سياهي بشوي
وكما أعرض الشعر الأسود عني صفحاً؛ فاغسل أنت عن قلبي السواد أيضاً.
جو شد مريم از نور بيري سفيدمكردان زنور خودم نا اميد
ولأن شعري قد أبيض بسبب نور الكبر؛ فلا تجعلني يائساً. من نورك
دلم را كه آمد سياهي سبندزنور علي نور كن بهره مند
فأقد قلبي الذي استحسن السواد، من نور على نور.
سياهي دل شد مرا تو بتويبدل رفت كوئي سياهي نور(29)
تجدد عندي سواد القلب حيناً بعد حين، كأن السواد انتقل من الشعر إلى القلب(30).
لا يوجد الشيء الجديد في ترجمة النجار، إذ سلك مسلك المترجمين الآخرين في ترجمتهم المنثورة، من شأنه لم يستطع أن ينقل جمال الشعر الفارسي إلى العربية.
8) رمضان رمضان متولي
اهتم متولي في الفصل الثالث من كتابه، “قصة يوسف وزليخا في الأدب الفارسي ومصادرها في التوراة والقرآن الكريم” بمنظومة يوسف وزليخا للجامي اهتماماً دون أن يترجم أياً من أبياتها، ويذكر الدكتور متولي في هذا الفصل أبياتاً من منظومة يوسف وزليخا من ترجمة الأستاذ عبد العزيز بقوش والدكتور عبد العزيز مصطفى مع إثبات الأصل الفارسي ويقول: “لقد تطرق الشاعر إلى الحديث عن خلق العالم بأسلوب مبنى على فكرة وحدة الوجود الحق، هو الوجود المطلق لا يوصف سواه بوجود حقيقي…، وينطلق الجامي إلى الحديث عن خلق العالم المادي والخلق في نظر الشاعر أساسه التجلي. فالمنطلق الأساسي لمنظومة الجامي هو الحب الصوفي.. على أن الروايات المختلفة لقصة يوسف لم تخل من بعض الصور التي تصلح مطلقاً ومجالاً للشعر الصوفي..”(31).
يذكر متولي في كتابه، كيف بدأ الجامي بنظم منظومة يوسف وزليخا واصفاً من خلاله جمال يوسف في هذه المنظومة وما جرى بينه وبين زليخا. ويستنتج متولي أن الجامي تناول القصة تناولاً فنياً مغايراً للقصة الأخرى بحيث جعل يوسف وزليخا يتقاسمان بطولة القصة، فلم تعد زليخا مجرد شخصية من الشخصيات التي مرت بحياة يوسف بل يصفها بطلة حقيقية.
كما يبين متولي في الفصل الرابع من كتابه أوجه الشبه والاختلاف بين منظومة الجامي والأخرى المنسوبة للفردوسي(32).
ويمكن الإشارة إلى مجموعة أخرى من المترجمين البارزين للجامي من أمثال: عبد العزيز (أو نور الدين) مصطفى، محمد الفراتي، عائشة عفة زكريا، وأحمد عبد الرحيم السايح ومحمد علاء الدين منصور.
خلاصة
يعتبر الأدباء العرب أن الجامي شاعر كبير وترك ديواناً كبيراً وعدداً من المؤلفات كما ترك ديواناً ضخماً من الشعر المثنوي الذي يتضمن عناوين كسلسلة الذهب، سلامان وأبسال، تحفة الأحرار، ليلى والمجنون، وغيرها مما دفع المترجمين العرب إلى الإقبال على ترجمتها يوماً بعد آخر، وعلى الرغم من وجود ترجمات متنوعة، نلاحظ تعريبات جديدة كل سنة من آثاره.
ترجمة آثار عبد الرحمن الجامي أكثر من 17 مرة نثراً ونظماً. ويحتل الأدباء والمترجمون المصريون المرتبة الأولى من حيث اهتمامهم بالجامي وترجمة آثاره، كما كان للمصريين فضل السبق وما زال لهم الدور الأكبر في الجهود العربية، التي بذلت وتبذل في خدمة جميع الشعراء الفرس.
توجد أخطاء كثيرة منها، التحريف الدلالي (الأخطاء في إفادة معاني المفردات) والأسلوبي (الأخطاء في مراعات قواعد الصرف والنحو) في ترجمات ديوان عبد الرحمن الجامي والأخطاء في الترجمات أمر خطير من شأنها أن تضر قيمة أشعار الجامي ويجب أن يأخذ بعين الاعتبار.
يعتبر سهم الجامي بين اهتمام الأدباء العرب بالأدب الإيراني ضئيلاً جداً ولم تترجم بعض آثار الجامي حتى الآن بينما تندرج أكثر الترجمات على شكل مختارات من الشعر الفارسي وليس بشكل مستقل، على أمل أن يدرك الأدباء العرب هذا الشاعر العظيم في العالم الإسلامي أكثر وأكثر، ويسعوا للتعريف به إلى العالم العربي على وجه الخصوص، وفي العالم بشكل عام.
نظراً أن جميع مترجمي آثار عبد الرحمن الجامي يعرفون اللغة الفارسية، ترجموا آثار الجامي من اللغة الأم بشكل مباشر، إلا أنها لم تخل من الأخطاء والانحرافات الكثيرة في ترجمة آثاره إلى اللغة العربية، ومع الوصف يصعب علينا أن نحدد أفضل الترجمات، بين سبع عشرة ترجمة بالضبط، ويمكن القول أن أفضل الترجمات هو الترجمة المنثورة لإسعاد عبد الهادي قنديل من مصر.
نظراً بأنا لم نتبع أسلوباً خاصاً في انتخاب المقتطفات من الترجمات العربية للجامي، ولكن توجد الأخطاء في جميع الترجمات وهذا الأمر يوجب على المترجمين أن يبذلوا جهوداً أكثر في تدقيق النص الفارسي ونقله إلى اللغة العربية.
بهروزقربان زاده
جامعة مازندران. إيران
حجت الرسولي
جامعة الشهيد بهشتي. إيران
الهوامش
(1) بهروز، قربان زاده، عمر الخيام بين آثار الدارسين العرب، ص41.
(2) حسن انوشه، دانشنامه زبان فارسي در جهان عرب، ص836.
(3) محمد، غنيمي هلال، ليلى والمجنون أو الحب الصوفي للشاعر الفارسي الجامي. مقدمة.
(4) محمد غنيمي هلال، ليلى والمجنون في الأدبين العربي والفارسي، ص129.
(5) محمد غنيمي هلال، مختارات من الشعر الفارسي، ص289.
(6) عبد الرحمن جامي، مثنوي هفت اورنك، ص34- 35.
(7) محمد غنيمي هلال، مختارات من الشعر الفارسي، ص293.
(8) حسن انوشه، دانشانه زبان فارسي در جهان عرب، ص713.
(9) عبد الهادي قنديل، فنون الشعر الفارسي، ص223.
(10) إسعاد عبد الهادي، قنديل، فنون الشعر الفارسي، ص262.
(11) المصدر نفسه، ص264.
(12) إسعاد عبد الهادي، قنديل، لمحات من الغزل الصوفي في الشعر الفارسي، ص86.
(13) عبد الهادي، قنديل، فنون الشعر الفارسي، ص227.
(14) المصدر نفسه ص227.
(15) حسن، انوشه، دانشنانه زبان فارسي در جهان عرب، ص160.
(16) عبد المجيد، بدوي، القصة في الأدب الفارسي، ص291.
(17) المصدر نفسه ص252.
(18) المصدر نفسه ص252.
(19) حسن، انوشه دانشنانه زبان فارس در جهان عرب،، ص16/186.
(20) أحمد كمال الدين حلمي، الربيع، (بهارستان)، ص19.
(21) أحمد، كمال الدين حلمي، الربيع لعبد الرحمن الجامي، ص61.
(22) إسماعيل، الحاكمي، بهارستان جامي، ص30.
(23) حسن أنوشه، دانشنامه زبان فارسي در جهان عرب، ص422.
(24) عارف، الزغول، مختارات من الشعر الفارسي، ص415.
(25) المصدر نفسه، ص112.
(26) عبد الرحمن، جامي، مثنوي هفت اورنك، ص74.
(27) عبد العزيز، بقوش، يوسف وزليخا، ص143.
(28) محمود إبراهيم النجار، منظومة خردنامه إسكندري، للجامي، ص236.
(29) أقا مرتضى، مدرس كيلاني، مثنوي هفت اورنك جامي ص913.
(30) محمود إبراهيم النجار، منظومة خرنامه إسكندري، للجامي ص21.
(31) رمضان، رمضان متولي، قصة يوسف وزليخا في الأدب الفارسي ومصادرها في التوراة والقرآن الكريم، ص204.
(32) المصدر نفسه ص، 203-225.
[(*)]يحتل الأدباء والمترجمون المصريون المرتبة الأولى من حيث الاهتمام بالجامي وترجمة آثاره، كما كان للمصريين فضل السبق، وما زال لهم الدور الأكبر في الجهود العربية التي بذلت في خدمة جميع شعراء فارس. ظراً أن جميع مترجمي آثار عبد الرحمن الجامي يعرفون اللغة الفارسية، ترجموا آثار الجامي من اللغة الأم بشكل مباشر، إلا أنها لم تخل من الأخطاء والانحرافات الكثيرة في ترجمة آثاره إلى اللغة العربية، ومع الوصف يصعب علينا أن نحدد أفضل الترجمات، بين سبع عشرة ترجمة بالضبط، ويمكن القول أن أفضل الترجمات هو الترجمة المنثورة لـ إسعاد عبد الهادي قنديل من مصر.