أنّا ماري شيمل ديانة المؤلف

أنّا ماري شيمل ديانة المؤلف

أنا ماري شيمل[1] (ديانة المؤلف)

بقلم: خالد محمد عبده

أكدت شيمل باستمرار على أنها  نصرانية الدين، بروتستانتية المذهب، إلا أن تناولها للثقافة الإسلامية بشكل عام، ومواضيع اختصاصها انطوى على الحرارة والقوة اللتين لا يتوقعهما المرء عادة إلا من مسلمة قوية الإيمان، وفيما اعتبر البعض أن أمر تديّنها بينها وبين ربّها، جزم البعض بإسلامها، والبعض ترك الأمر لحدس القارئ وذكائه، كان ذلك من خلال تركيزهم على ما كتبته أنا ماري شيمل عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم مما اعتُبر (دفاعًا عنه ضد تشويه الصورة الغربية) أو ما كتبته عن الإسلام مظهرة عظمته، ومدافعة عما نُسب إليه من أفكار خاطئة في الغرب.

فكرة تديّن الباحث فكرة هامة عند العرب، ويعوّل عليها كثيرًا ربّما أكثر من بحثه وما ناقشه من أفكار، وما ساهم به في مجال الدّرس العلمي، وإن كان بعض قرّاء اليوم قد تجاوزوا ما عُلّمناه في المدارس والجامعات، فأصبح المتدين يقرأ لـ(العلماني) ولمن هو على غير دينه، ويفاد مما كتب في درس الإسلاميات، ويترجم بعض هذه الكتابات إلى اللغة العربية لأنها تساعد في تثقيف الآخرين وإفادتهم في بحوثهم، مع تنبيهه بالطبع على أن هذا الكتاب أو ذاك مفارق للمعتقد أو يبحث من خارج الفكر الديني ولا ينتسب إليه، ومن المعتاد أن نسمع في مناقشات المهتمين بالعلم في الندوات والمؤتمرات عن تناول لباحث (هو علماني) لكنه قارئ جيد للتراث وأمهر من غيره في الإلمام به وتحليله!

شاغلٌ كبيرٌ للقارئ المسلم، لماذا يكتب فلان عن الإسلام أو تكتب بشكل جيّد ولمّا يدخل الإسلام بعد؟! وأوّل سؤال يواجه القارئ العربي به الكتّاب الغربيين المنشغلون بالروحانيات والتصوف: هل أسلمت؟ لماذا لم تسلم بعد؟ وكأن جهود الباحث في مسألة معينة  إن وصل في نهاية الأمر إلى ما يوافق فيها جمهور المسلمين تقتضي منه الإذعان والتّسليم للدّين! هذا الشاغل يصرف الكثيرين عن بقية جهود المؤلّف، التي ربّما كانت أهم وأوسع من اقتصارها على ما ركز عليه المسلم.

في إطار اهتمام الباحثين بما كتبت أنّا ماري شيمل نعثر في الكتابات العربية على تصنيفها في دائرة المستشرقين المنصفين للإسلام، وحينما تُحاور شيمل فإن حوارها يتحول من إجابات على بعض الأسئلة إلى (محاكمة الغرب) كما فعل ثابت عيد[2] في عنوانه للفصل الخاص الذي اشتمل على إجابات شيمل على أسئلته ، وشيمل لم يُعرف عنها يومًا أنها حاكمت الغرب، بل إن إدانة الغرب لها لموقفها من سلمان رشدي[3]، جعلها تلتمس الأعذار كما هو دأبها مع كل مخالفيها، والمستشرقون من الألمان وغيرهم، هم محل تقدير شيمل، صرف النظر عن آرائهم في الإسلام أو الأديان، وإن كنا عربيًا ننظر إلى بعضهم أنهم أصحاب شبهات وأغراض ليست حسنة في درس الإسلام وعلومه!

هل بالفعل تُلخص شيمل في كونها (مؤمنة آل فرعون) كما هو عنوان إحدى المقالات العربية التي كُتبت عنها؟ هل من يعمل على تاريخ المماليك من الباحثين يوصف بهذا الوصف؟ أو من يكتبون عن التصوف ينالون صفة الإيمان؟ وهل هم محل رضا من الجمهور المتدين؟ هل مولانا جلال الدين الرومي له حضور ومبجّل في الكتابات العربية؟ وهل تصنّف البكتاشية على أنها طيف من أطياف الإسلام المقبولة  والمرضي عنها؟ وهل الحُروفيون الذين رفضوا في المجتمعات الإسلامية وأُعدم رؤساؤهم يمكن أن نصفهم بالمؤمنين الصالحين؟!

هذه أمور اهتمت بها شيمل ولا يمكن تلخيص سيدة ألّفت أكثر من مئة كتاب وبحث ونشرت مئات المقالات وحاضرت شرقا وغربًا في موضوع بعينه، أو النظر إليها باعتبارها جزءًا من مواطني البلاد الإسلامية كونها عاشت جزءًا من تراث الإسلام.

لا تختلف البحوث العلمية كثيرًا عن المقالات الصحفية، فإذا صُنّفت شيمل في جملة المؤمنين في المقالات، فهي في البحوث حاضرة كمنصفة للإسلام، تتم المقارنة بينها وبين صاحبة شمس العرب تسطع على الغرب، وتسجّل ورقة علمية عنها في مصر تبحث في إنصافها للإسلام هي وزيجريد هونكه، وهي من الأوراق العربية القليلة عن شيمل، كذلك يتكرر الأمر في المغرب، فأحد الباحثين يشارك في مؤتمر بورقة عن دفاع شيمل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الطريف أن المقال العلمي يخلو من أي إحالة أو قراءة لكتاب شيمل (وأنّ محمدًا رسول الله) ويذكر اسمه في المراجع بالإلمانية فحسب، والمقالة هي بمثابة تعريف مختصر لأعمالها على عكس ما يقوله العنوان.

وتقدّم باحثة تونسية عرضًا لكتاب شيمل تعدّ مقالاً مترجمًا (يتحدث عن شيمل وإنتاجها) مؤلفًا من مؤلفاتها، ولأنها لم تتطلع على أعمالها، فتكرر أسماء فصول في كتاب على أنها كتب أخرى لشيمل، وإحدى الدور العربية تطبع كتابًا لشيمل بعنوان: (الجميل والمقدّس) وتصنع ما ليس جميلاً، بادعاء ناشر الكتاب وهو باحث من الكويت أنه حقق وترجم هذه المقالات، والمقالات قد نُشرت منذ عشرات السنين من قبل في نسخة عربية في مجلة فكر وفن التي أسستها شيمل صحبة ألبرت تايلا، وظلت طيلة أعوام ولا تزال مصدر معرفة راقية فيما يخص الأدب الإسلامي والثقافة عربية كانت أو فارسية أو أوروبية.

وحتى لا يظن أننا نسعى في هذه المقالة لتأثيم كل تعريف بشيمل، فسنذكر جملة من الأسماء العربية ممن عرّفت بشيمل وقدّمتها بشكل جيد حتى يفاد القارئ الكريم:

– مصطفى ماهر – مصر (ترجمة وتعريف)

-محمد عوني عبد الرؤوف – مصر (تعريف)

-عبد السلام حيدر – مصر (ترجمة لرحلتها شرقًا وغربًا) وهو من أمتع الكتب وأنفعها للتعرف على رحلتها.

-محمد أبو الفضل بدران – استفاد منها كثيرا في كتابه عن الكرامة وتكلم عن جهودها وكتب مقالا عنها.

-لميس يحيى- مصر  ترجمت لشيمل: (روحي أنثى ، ويسوع ومريم في التصوف الإسلامي).

-سامح مصطفى – مصر ( يعدّ ترجمة لاحد الأعمال شيمل لم تنشر بعد).

-محمد التهامي الحراق – المغرب (تقديم لكتاب (وأن محمد رسول الله)..) تقديم محبّ وعاشق، وهو قارئ للكتاب ليس كغيره ممن قدّموا ورقات عمل في مؤتمرين سابقين في المغرب تحدثوا عن شيمل وكتابها ولم يقرأوا الكتاب ولم يحل عليه أحدهما ولو مرّة.

-حفيظ هروس – المغرب ..خصص فصلاً في أطروحته الماتعة عن التصوف والاستشراق عن شيمل وله جزيل الشكر أن أهداني كغيره ما لم ينشر بعد، وقد تركّز فصله على كتاب شيمل الذي يعتبر ثمرة حقيقية لاهتمامها بالرومي (الشمس المنتصرة) ..والشكر مجددا له بأن خصّني بجملة من نتائج بحثه ننشر بعضًا منها في حوار قريبًا أجريته معه.

-عبد الملك هيباوي – المغرب .. يعدّ كتابًا عن شيمل قيد النشر ومن ثمار معرفته بكتاباتها أتى بحثه عن صورة النبي مختلفًا عن بقية المقالات المكتوبة في هذا السياق. وهو من الأساتذة الذين يستحقون الاهتمام بما يقدّمه في هدوء بعيدًا عن صخب الإعلام .

-أحمد زكي يماني – السعودية – من أصدقاء شيمل وهو صاحب مؤسسة ثقافية شهيرة هي (الفرقان-لندن) كانت ابنته صديقة للمغفور لها شيمل وهو كذلك يقدّر شيمل تقديرًا كبيرًا وذكرته شيمل في سيرتها وأثنت عليه، بفضله حصلنا على كتيبين بالعربية والإنجليزية كانا في الأصل محاضرات لها في المؤسسة أولهما عن إقبال وثانيهما عن جغرافية الشعراء .

– خالد المعالي -دار الجمل – العراق – ألمانيا – بيروت : وفّر ترجمتين لكتابين من كتب شيمل أبرزهما بالنسبة لي أبعاد صوفية في الإسلام، وهو الكتاب الذي ترجمه من بعد الأستاذ الخلوق عيسى علي العاكوب.

-عيسى علي العاكوب – سوريه حفظ الله أهلها وحرسهم وأعاد من اغترب إليها- وفّر العالم الجليل ثلاثة من الأعمال لشيمل :

-كتاب عن الرومي

-كتاب عن تبجيل النبي صلى الله عليه وسلّم في الأدب الصوفي

-كتاب عن التصوف في الإسلام.

[1] : أنا ماري شيمل مستشرقة ألمانية، تخصصت في الثقافة الهندية الإسلامية، والتصوف الإسلامي، وهبت حياتها للدرس واكتشاف تراث الإسلام، فأعادت الحياة إلى شخصيات كانت ولا تزال مجهولة في الثقافة العربية، انتقلت من ألمانيا إلى أمريكا، وظلت فترة تلقي محاضراتها وتعلّم الطلاّب في هارفرد، كما قضت شطرًا من حياتها في تدريس الطلاب في تركيا وألقت عشرات المحاضرات عن التصوف والإسلاميات في باكستان والهند وبخارى وسمرقند وأوروبا وإيران، وزرات البلدان العربية، لمزيد من التفصيل عنها: يمكن الرجوع إلى كتاب سيرتها الذاتية الذي ترجمه عبد السلام حيدر ونشر في القاهرة، كما يرجى الرجوع إلى ما كتبه عيسى علي العاكوب في كتابه (مرآة الروح) عنها، فهو وعبد السلام حيدر من أهم من قدّموا هذه الشخصية العظيمة بالشكل اللائق بها علميًا.

[2] : راجع: ثابت عيد، نّا ماري شيمل نموذج مشرق للاستشراق، نشرة دار الرشاد، القاهرة، ص 49-73.

[3] : راجع: أنا ماري شيمل، الشرق والغرب (حياتي الغرب-شرقية)، ترجمة عبد السلام حيدر، نشرة المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2004م، ص 434.

(مجلة الفلق)

مقالات ذات صله

1 تعليقات

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!