فاطمة المرنيسي تتحدث عن نفسها
بقلم: خالد محمد عبده
(ذوات- ديسمبر)
إن احتقار الأنوثة لذاتها جريمة، أو بقيّة جاهلية.. وعندي أن امرأة كأنديرا غاندي تتولى الحكم وتُجري انتخابات نزيهة تسقط هي فيها، أشرف من رجل له هامة وقامة يتولّى الحكم ويزوّر الانتخابات، ويطلع على الناس بوجه وقاح كأنه لم يصنع شيئًا وقد أهلك الحرث والنسل. [محمد الغزالي، مستقبل الإسلام خارج أرضه].
قد يبدو غريبًا أن نبدأ حديثًا عن المرنيسي بكلمة لداعية مسلم كالغزالي، أليس الرجل معروفًا بمعاركه ضدّ التنويرين؟! غير أن الغرابة تزول لمن تابع كتابات الشيخ الغزّالي عن المرأة بين تقاليد الراكد والوافد والأمس واليوم، وكتابات المرنيسي، فكما جاهدت هي من أجل تحرير المرأة جاهد الداعية الشهير من أجلها أيضًا، وثار -غير ملتفت لما يُقال عنه- على ما أنتجته قرائح الفهوم قديمًا وحديثًا، وانتقدها في غير هوادة أو انقطاع، ولأن الغرض من هذا المقال ليس بحث الصلة بين مدرستين مختلفتين أو إنتاج نبع من همّ ديني وإنتاج نبع من تناول علمي وأكاديمي، سنكتفي هنا بالإشارة فحسب، ونعرّف بالسيدة التي كتبت وكتبت عنها بحوث طوال.
استطاعت فاطمة المرنيسي من خلال كتاباتها أن تقرأ الواقع عبر السياقين التاريخي والراهن، مزحزحة كل الأفكار الرديكالية التي أدانت الفترات التاريخية وجعلت منها مقبرة للمرأة، وقد رأت في هذه الفترات تفتحًا ومرونة لم تجدها في عصرها الراهن، مثلما لم تجدها جدّتها ياسمين في عصرها، وهو ما أرادت لها أمُّها أن تشبّ عنه برفضها أن تضع نفسها في إطار الحريم الذي قاومت الأم أخبيته، وعملت جاهدة على أن تتجاوزه ابنتها.
الشرق والغرب سواء في نظرته إلى المرأة في عصرنا الراهن، لذا رحلت شهرزاد إلى الشرق مرّة أخرى مع المرنيسي، لتجد المرأة القوية الذكية مطلب الخلفاء والوزراء، ليس لجمال جسدها فقط، بل لرجاحة عقلها، فكثيرا ما جسّدت الليالي هذه الصورة للمرأة، وتنافس الولاة والوزراء على اقتناء مثل تلك الجواري، يُلاحظ هنا حكاية الجارية تودّد مع الخليفة هارون الرشيد، وكيف أنها استطاعت برجاحة عقلها وعلمها الفيّاض أن تحصل على ما تريد من الخليفة، فهي تعرف النّحو والشعر والفقه والتفسير والقرآن الكريم بقراءاته وعلومه، بهذه الصورة تستطيع شهرزاد التاريخ أن تستخدم قدرتها للحدّ من غواية وأد المرأة فيُعلن الانتصار ليس لها ولكن لبني جلدتها من النساء قاطبة.
وقفت المرنيسي مع شخصية المطربة أسمهان، كتجسيد لحالة الحُلم الذي تتخيله المرأة وتريده، فتجربة قصيرة وإن كانت فضائحية في مجتمعها لأفضل من حياة مديدة محترمة مكرّسة لتقاليد بالية! فالأميرة أسمهان تمرّدت على كل شيء، وعانت من كلّ شيء على حدٍّ سواء، بخلاف أم كلثوم التي حازت لقب كوكب الشرق، التي كانت تمثّل النموذج النسائي الذي يهواه الرجل، نموذج يحافظ على التقاليد، فأول ظهور لأم كلثوم، وهي تغنّي كانت ترتدي ملابس كملابس الرجال، ثم بعد ذلك لم تكن لترتدي إلا الملابس الفضفاضة التي تخفي جسدها، في حين أن أسمهان اعترضت على كافة التقاليد، سواء في غنائها (أهوى أنا أهوى) أو في سلوكها الحياتي، على عكس أم كلثوم التي غنت الأناشيد الدينية والقصائد الطوال.
****
-إنني امرأة خطفت حقّ الكلام من الرجل، ولأننا لم نتعود سماع صوت امرأة تتكلم يُنظر إليّ بدهشة واستغراب، ولو كنت امرأة تتكلم بصوت خافت، وتعيد ما قاله الرجل من قبل، وتكرّس ما هو سائد لقيل عني بأنني امرأة عظيمة.
-أنا (مباركةٌ ومسعودة) كما يصف المغاربة الناس المحظوظين، فلقد وُلدتُ في زمن مهم ومدينة مهمة، فالمدينة فاس، والزمن سنوات الأربعينيات.
-أنا فاطمة المرنيسي أنتمي إلى المجتمع العربي ضمن العالم الأوسع، وهذه الكرة الأرضية ليست ملكًا للغرب، ولي الحق في ثقافة هذا العصر، لأنني أمتلك حضارة يمكنني أن أساهم بها على الصعيد العالمي. لقد مللت من النقاش حول الشرق والغرب، إذ كيف يمكنني أن أقول: أنا في مواجهة مع الغرب، في حين أنني أستعمل السيارة والتلفاز والحاسوب، فالقضية ليست هي أن نكون ضد العرب أو معه، لكن القضية في سؤال: كيف يمكننا أن نجد مكانًا لنا في هذا العالم اليوم؟ وكيف يمكننا المساهمة في حضارة التلفزة!
-غريبٌ أن يصبح الجمال رقابة بوليسية تمارسها المرأة على نفسها كي تكون محبوبة، وأيُّ نوعٍ من الرجال ذلك الذي يحبّ امرأة تمارس على نفسها مثل هذه الرقابة. لقد قالت لي ثقافتي بأنني إذا أردت أن أكون جميلة فيجب أن أصمت، لكنني عرفتُ رجالاً أحبوني لأنني أتكلم! وهذا معناه: أن الرجل أحيانًا يفلت من قبضة العقلية السائدة، وهي عقلية تحاول تبرير مواقفها بالعودة إلى مرجع هو التراث، لكن هل تراثنا الحقيقي كذلك حقًّا؟!
إنني متشبعة بالمثال النبوي، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يُحبُّ عائشة، وأحبّ خديجة وأم سلمة، ولقد انزعج النبي مرة أيمّا انزعاج لأن عائشة وصفت خديجة بعد موتها بالعجوز، انزعج، لأنه رفض أن تمس خديجة التي كان يحبّها حتى بعد موتها. ولك أن تتصور أي احترام وأية علاقة جميلة كانت تربط النبي بنسائه، فكيف يُقال لي اليوم إنه ليس من صميم حضارة الرجل العربي أن يحب المرأة إلا إذا كانت صامتة؟ هذا أحد أمثلة القمع!
-رصدتُ سيرة الرسول طيلة خمس سنوات بين غزوة أحد وفتح مكّة، بدأت أحس بأنني فعلاً أفهم التراث، واكتشفتُ ظاهرة خطيرة: وهي أننا نعيش تدهورًا فظيعًا خلال المرحلة الراهنة قياسًا إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الأمويين ومن بعدهم… إنني أقرأ الطبري وأقرأ بعده أحد فقهائنا المعاصرين وألمسُ الفرق الكبير بينهما. وحين أقرأ طبقات ابن سعد أتساءل: كيف يتحدث هذا الرجل عن المرأة؟ يا له من احترام! ويا لها من قيمة! لقد أفرد جزءًا من كتابه الطبقات للمرأة (الكتاب الثامن)، وكذلك الأمر بالنسبة لابن عساكر في (تاريخ دمشق) وهناك كتب كثيرة تتحدث عن النساء.
إن تحقير المرأة لم يكن متواجدًا في تراثنا أو على الأقل خلال القرون الأولى، ولا نجد له أثرًا في كتابات المثقفين وحلقاتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للفقهاء، ولا أقول السياسيين. لقد تحدث ابن هشام وغيره باحترام كبير عن النساء الصحابيات، ولو كان ذلك يعود إلى عصرنا لدخلنا في عداد النسيان، ولما اعتبرنا صحابيات ولما ذكرنا أحد.
-لقد كنتُ دائمًا معجبة بنفسي… لا يمكن للإنسان أن يكتب إذا لم يكن معجبًا بنفسه. لِمَ أقول ذلك؟ ليس بدافع الزهو والخيلاء ولكنه بدافع الثقة في النفس.. أحسّ نفسي محظوظة. إذا سألتني عن حياتي سأجيبك بأنها حظّ مستمر. إني أستعمل اللفظة التقليدية (الزّهر) إن كلّ ما أقوم به يصادف النجاح.. إنني منفتحة على العالم والعالم بدوره يتقبلني.
– من مؤلفات فاطمة المرنيسي:
1-الحريم السياسي، النبيّ والنساء : ترجمة عبد الهادي عباس. دمشق.
2-شهرزاد ترحل إلى الغرب، ترجمة فاطمة أزوريل، بيروت.
3-نساء على أجنحة الحلم، ترجمة فاطمة أزوريل، بيروت.
وترجمة أخرى لنفس الكتاب بعنوان: أحلام النساء الحريم: حكايات طفولة في الحريم. ميساء سري.
4-الحريم الداخلي: the harem within سيرة ذاتية .
5-المغرب كما ترويه نساؤه.
6-حسناوات العرب.
7-نساء الغرب. ترجمة فاطمة أزوريل.
8-كيد النساء-كيد الرّجال.