اتجاهات معاصرة فى الاستشراق : بين جينالوجية فوكو ورؤية رشدى
د . محمد صفــار*
1- ميشيل فوكو ( الاستشراق الإيجابى):
إن ميشيل فوكو هو أحد أبرز الفلاسفة الفرنسيين، وقد اشتهرت كتاباته النقدية عقب أحداث 1968 بفرنسا. وقد استفاد فوكو من أفكار نيتشه التى تنتقد التنوير وكذلك أفكار هايدجر. ويعد مشروع فوكو أو خطابه على حد وصفه محاولة لنقد المشروع الحداثى وأفكار عصر التنوير، وقد كان لخطابه سياق ثقافى وشيمات وبنية مفاهيمية ووحدات للدراسة وكذلك استراتيجيات للدراسة. ولقد كانت الشيمات الثلاثة الرئيسية وهى تكنيكات القوة وتكنيكات المعرفة وتكنيكات الذات طرقاً متباينة ومتقاطعة لشيمة رئيسية عليا وهى جينالوجية (1) الذات / الفاعل الحداثى.
وإن موقف فوكو من الحداثة قد قاد إلى مشروع صحافى لدراسة الحدث الثورى الإيرانى والذى كان وحدة تحليل فوكو التى قادته إلى الاستشراق الايجابى. إن فوكو رغم نقده للعقل كان إحدى الروايات (Nawatives) ولكنه يدعونا لإعادة التفكير فى العلاقة بين العقلانية والهمجية من خلال فتح عيوننا على حاجة المنظور العقلانى للعنصر الجمالى (Aesthetic Element) (Bennett,1996: 667). إن اللغة ذات الطابع الإنسانى للتنوير ربطت بين تنمية الطاقات والمهارات وتكثيف علاقات القوة ومن ثم فالعنصر الجمالى الذى يدفع المرء لإنتاج ذاته كعمل فنى يفصم الرباط السابق. إن فوكو هنا تلميذ لنيتشه ومتمرد عليه فى آن واحد ؛ فلقد التقط من نيتشه التزام ذلك الأخير بـ(نشاط التغلب على الذات)(Self Over Coming ) غير أنه قام بتسييس ذلك النشاط الذى كان ميدان معركته مقصوراً على العالم الداخلى عند نيتشه ليغدو انتهاكاً للممارسات الاجتماعية والعقليات السائدة (Owen, 1995:497). وعلى هذا المستوى الجمالى استقبل فوكو الإسلام كخبرة سياسية – أخلاقية من خلال كتاباته عن الحدث الثورى الايرانى . لقد شرع فوكو من هذا المنطلق فى محاولة يمكن تسميتها بالاستشراق الايجابى والذى حدد هو مبادئه فى رد على رسالة من سيدة مسلمة تقيم بباريس. يرفض فوكو ذلك الموقف الغربى ذا الألف سنة الذى يضع كل فضائل الإسلام فى قالب واحد لابد من رفضه باسم الهوس الدينى . أكثر من ذلك فهو يدرك أن “مشكلة الإسلام كقوة سياسية هى مشكلة حيوية لعصرنا والسنوات القادمة. والشرط الأول للتعامل معها هو عدم البدء بمواجهتها بالكراهية الباطنة أو المعلنة (RULI:708). إن دراسة فوكو للحدث الثورى الايرانى مرتبطة أشد الارتباط بالسؤال القديم الذى طرحه طانط (ما هو التنوير) (Was is t Aufklarung?) ذلك أن الثورة هى أعلى نقطة فى الذاتية السياسية الحداثية .
وقد أضاف فوكو، الإسلام لمعادلة الحداثة ذلك العامل غير المحسوب ؛ فى سياق الحداثة ومشكلاتها الفلسفية والسياسية، وقد استطاع فوكو أن يقتفى فى الإسلام وميض ” حل لمعضلة الحداثة الرئيسية” وهى غياب الروحانية السياسية. فالإسلام بروحانيته السياسية الديناميكية يقدم بديلاً للشكل المهيمن للذاتية الغربية من خلال تأسيس ذات روحية بفضل ممارساته الدينية. ففى الحدث الثورى الايرانى استطاع الإسلام السياسة اللاروحية واستطاع تقديم كل من السياسي والروحى للآخر من أجل إعطاء الفرصة لحياة سياسية لا تشكل عقبة أمام العامل الروحى ولكنه تؤمِّن وجوده وازدهاره (Stauth, 1997:269). ليس هذا فحسب، بل إن تجربة فوكو فى إيران جعلته يندفع نحو نظرة Baudelaire للحداثة هو كموقف أو اتجاه يعرف بالـ dandysme حيث يتعانق العاملان الجمالى والأخلاقى ويتآزران. لقد كان الحدث الثورى الايرانى أو الروحانية السياسية للإسلام تأثيره من حيث إعادة تعريف فوكو للحدث كـEthos (2)(Salvatore , 1997: 152).
إن دراسة فوكو للإسلام من خلال الحدث الثورى الإيرانى كان لها مدخلان (3):
أ- الإسلام كنظام للحقيقة (Regime of Truth) : لقد كان الإسلام هو “المعجم والاحتفال والدراما اللازمنية” التى احتضنت دراما الإيرانيين الذين ضربوا وجودهم ضد وجود صاحب السيادة. فنظام الحقيقة الخاص بالإسلام يعد فريداً من نوعه، إذ أن له “شكل خارجى وجوهر داخلى” (4) فكل ما يقال صراحة ويأخذ صورة قانون أو قاعدة له معنى آخر . ولا يعد ذلك غموضاً مذموماً وإنما هو فى حقيقة الأمر مستوى أساسى وقيم للغاية من مستويات المعنى العميق الذى لا تدركه الملاحظة أو محاولات التدقيق. ويؤكد فوكو على الطاقات الثورية الكامنة فى نظام الحقيقة الإسلامى، إذ أن المفردات البسيطة له تعد مخرجاً للتطلعات والأحسيس التى لا تجد كلمات أخرى حتى تحمل معانيها. فالإسلام الآن مثلما كان فى الماضى هو الشكل الذى تتخذه الصراعات السياسية التى تعبئ الجماهير. إن نظام الحقيقة الإسلامى لقادر على أن يخرج الأحزان والمآسى والاحباطات ويخلق منها قوة لأنه ببساطة شكل للتعبير ونمط للعلاقات الاجتماعية وسلوك للمعاش يسمح للإنسان أن يسمع للآخرين وأن يتواجد معهم فى الزمان الخاص بهم. لذا فليس من المستغرب أن يكون الإسلام على مر العصور قادراً على مد كل معارض للدولة بقوة ضاربة.
ب- الإسلام كتقنيات للذات(5): إن الممارسات والعبادات الإسلامية بمقدار ما هى تقنيات للذات سوف تصبح محركات الثورة وفى قاع مختلف ميكانيزماتها. فصلاة الجماعة ومجالس العزاء وخطب المساجد وأشرطة الكاسيت التى تتضمن أحاديث الخومينى وغيره من العلماء كانت من أدوات الثورة بمقدار ما كانت تقنيات للذات. ولقد كانت صلاة الجماعة من أبرز ميكانيزمات الثورة وأكثرها فاعلية.
حينما كانت الصلوات (أثناء المظاهرات) لنظامها وقدسيتها واحتفاليتها كان كل شئ يسكن. حتى الوقت كان يتلاشى ولا يكون هناك أى تعلم للزمان سوى تتابع حركات المصلين. لقد كانت الصلاة تجسد ولاءً أعلى ومعتقدات أسمى وقد أدرك ضباط الجيش (المكلفون بقمع التظاهرات) أنهم يواجهون سلاماً أمضى يفوق ما فى ترسانتهم من أسلحة حديثة متقدمة .
إن نظام الحقيقة وتقنيات الذات فى الإسلام قد أنتجا تياراً غامضاً أحاط بالجميع وألهم الرجال والنساء كى ينزلوا إلى الشارع ويتظاهروا ضد البنادق والدبابات. ذلك التيار الرومانى الغامض ربط بين رجل عجوز كان منفياً منذ 15 عاماً آنذاك وشعب بأسره يتطلع لذلك الرجل. لقد كانت الإدارة الجماعية هى التى تطل برأسها ، لكن الكلمة التى لوقت طويل كنا نظن أنها أسطورة سياسية أو أداة تحليلية ولا يمكن أن نراها ، أضحى من الممكن رؤيتها فى كل شوارع إيران. إن الإرادة الجماعية التى برزت كحدث تاريخى عبرت رفض راديكالى من قبل شعب بأسره لكل ما شكل مصيره السياسي لقرون طوال. لا يستطيع أحد أن يزعم أن ذلك الرفض لامجتمعى رغم نطاقه الواسع مضطرب أو غير واع بنفسه، على العكس فهو يتقدم بثبات وكفاية نادرة. ومع أنه لا توجد مؤسسة أو فرد أو أيديولوجية سياسية تستطيع التفاخر بأنها تمثل تلك الارادة إلا أنها ظلت مع ذلك موحدة إلى درجة غير متصورة ولقد كانت الكلمة المعبرة عن تلك الارداة هى “الحكومة الإسلامية” (AQRI:689-90).
يتساءل فوكو بعض التساؤلات التى تعتبر مداخل مرفوضة من وجهة نظره لدراسة الحدث الايرانى، ومنها:
أ- هل ما حدث فى إيران يعد ثورة؟ إن التعريف الكلاسيكى للثورة يعتمد على ميكانيزمية الصراع الطبقى والمصادمات الاجتماعية من جهة والطليعة أو الطبقة أو الحزب أو الايديولوجية التى تعد بمثابة رأس الحرية من جهة أخرى. وفى إيران ، فإن هذين الميكانيزمين اللذين يعدان علامة مميزة وواضحة للثورة غابا تماماً. ومن ثم فلم يكن ما حدث من وجهة نظر غربية طبقت فى إيران بثورة. ويرد فوكو على ذلك بأن المعنى الواسع لكلمة ثورة يجعل الحدث الايرانى ثورة من نوع غريب وخاص . فلقد كان ما حدث هو تمرد الرجال العزل الذين أرادوا أن يزيحوا عن كاهلهم ذلك الثقل الهائل الذى ينوء به كل واحد منا ولكن على وجه الخصوص ينوء به كاهلهم جميعاً ألا وهو النظام العالمى. لقد كان ما حدث أول عصيان واسع ضد نظام كونى من خلال حركة تحركها رياح ذلك الدين الذى يتحدث عن العالم الآخر أقل مما يتحدث عن تغيير هذا العالم (CMRI:716) . لم تكن الدراما الايرانية عن مجرد تغيير النظام أو الادارة الفاسدة أو التنظيم السياسي أو السياسة الخارجية ولكن أهم من ذلك كان الحدث الايرانى عن “تغيير أنفسنا وطريقتنا فى الوجود وعلاقتنا بالآخرين وبالأشياء وبالأبدية وبالله إلخ.. سوف تكون هناك ثورة حقيقية إذا حدث ذلك التغيير الراديكالى ” (PPC:217).
ب- هل ما حدث فى إيران يعد صراعاً طبقياً ؟ إذا كانت محاولات التحديث والفساد والاستبداد قد كونت النظام الايرانى وما أفرزه ذلك من بؤس وفقر شديدين، وإذا لم يكن هناك سوى الاخفاقات الاقتصادية والتباينات الطبقية من شمال وجنوب طهران، البازار والعمال، ساكنى الحضر وساكنى الريف، فلماذا لا يمكننا أن نقول أن ما حدث فى إيران من اضطرابات ثورية قد نتج عن المصاعب الاقتصادية وأن الشفرات الدينية الغامضة ليست سوى واجهة لصراع طبقى طاحن يقود لهيبه قطعان الجماهير إلى حظيرة الدين؟
يرى فوكو أن هذا التفسير الماركسى للحدث الايرانى والذى سمعه من العديد من الاكاديميين الايرانيين بجامعة طهران هو ما يمكن أن يثير غيظ ماركسى ويجعله يحتج ويصرخ. “إن الجميع عادة ما يستشهدون بماركس الذى أعلن أن الدين هو أفيون الشعوب. إن الجملة التى سبقت تلك المقولة مباشرة والتى لا يستشهد بها أحد تقول أن الدين روح لعالم بلا أرواح . دعونا أذن نقول أن الاسلام … لم يكن أفيون الشعب على وجه التحديد لأنه روح عالم بلا روح” (PPC:278).
2- سلمان رشدى (الاستشراق الاستيطانى):
شيوع الأشكال الأدبية لرؤى تتعلق بالفكر السياسي الاسلامى وصناعة الصورة.
يعد سلمان رشدى أحد أبرز الأدباء المعاصرين فى الغرب وقد آثار كتابه “آيات شيطانية” ضجة عارمة خاصة بعد صدور فتوى الخومينى بإهدار دمه . ورشدى ذاته إشكالية لا مثيل لها سواء على المستوى الشخصى أو العقيدى أو السياسي . فلقد هاجرت أسرته المسلمة غير المتدينة من بومباى بالهند إلى بريطانيا أثناء طفولته وكثيراً ما روى سخرية زملائه فى الدراسة بانجلترا منه لعدم قدرته على تناول السالمون فى الإفطار دون أن يبتلع الأشواك. لقد اكتشف رشدى فى بريطانيا أنه هندى وتشكلت هويته كرد فعل لرؤية الأخر له وفى مرآته أو نظامه الثقافى الملئ بالتناقضات والاختلافات. لقد شكل ذلك التكوين المركب للهوية فى عالم الهجرة وما بعد الحداثة، المحرك الرئيسى للآيات الشيطانية ، فهى تعكس صورة عالم يذوب فيه موروث التقاليد فى الهجرة من قارة لأخرى والاتصال الالكترونى وإرسال الأقمار الصناعية . وسوف يتمخض عن ذلك الخليط من المؤثرات الثقافية المتضاربة فرد جديد أو هجين جديد. إن الشخصيات المهاجرة شبه القيطة فى الآيات الشيطانية هى تجسيد واضح ومتعمد لذلك الجنس الجديد (Kepel 1997:128). ويؤكد رشدى فى وصفه لنفسه على أنه لم تكن له علاقة ثابتة بالدين سوى الطقوس التى لم يكن يفهمها فى الأعياد والكلمات التى ينطقها بالعربية التى لا يعرفها مثلما يفعل الأطفال الكاثوليك مع اللاتينية. ويؤكد أنه هندى بمعنى الايمان الصارم بالهند العلمانية. فالعلمانية، فى الهند، ليست مجرد وجهة نظر وإنما ضرورة حياة وبقاء . يذكر رشدى ولعه بمدينته بومباى ثم لندن بعد ذلك فهو عاشق للمدينة المتروبولانية التى هى فى قلب كل أعماله كحقيقة أو كخيال.
ويشدد رشدى على أنه ليس مسلماً فرغم أهمية الثقافة الاسلامية بالنسبة له إلا أنها لم تكن المؤثر الوحيد المكون لشخصيته وإنه ليبدو له أمراً تهريجياً أو سافراً عندما يوصف بالهرطقة أو الردة “فحينما لا يوجد الايمان لا يمكن أن يكون هناك كفر”. إن رشدى يعلن انتمائه للحداثه (6) وتقبله للشك واختفاء اليقين أو الحقيقة كالثابت الوحيد ورضاءه بالتغير كالمسلمة الوحيدة. ورغم أنه يشعر باحتياجات روحانية إلا أنه قانع بمحاولته إشباع تلك الاحتياجات دون اللجوء إلى فكرة الخالق (المحرك الأول) أو الحكم المطلق (Rushdie , 1997:404-5).
إن رشدى بحكم نشأته وأفكاره هو تجسيد لاستيطان الآخر ليس فقط صياغة العلاقة مع الذات فى مرآة الآخر وإنما الذوبان فى الآخر وضياع الذات تماماً والاحتفال بذلك الدمار والضياع الذاتى. إن مازوكية رشدى تتجسد فى تلذذه بالتماهى مع الآخر والفناء فيه وتشوية أى مفهوم أو صورة للذات أياً كانت. إن الآيات الشيطانية كانت بمثابة الاحتفال المصاحب لطقوس الاعتراف عندما يدفن “المعترف” ذاته الخاطئة ويحتفل بميلاد ذات جديدة طهرها الألم. وهذا الاستيطان للآخر والفناء فيه هو ما أثار الحفيظة ضد الكتاب وهو نفسه سبب احتفال العالم الغربى بذلك التائب المولود من جديد.
إن رشدى يمثل المرحلة العليا فى عملية التحديث التى قامت بها البلدان الإسلامية والتى كان دافعها الأساسى تقوية الذات بالأخذ بأسباب قوة الآخر فإذا هى تنقلب لغته على الذات وتنتج ذاتيتها الخاصة المتماهية مع الآخر الذى سوف يصبح ذاتاً مكتسبة بعد تشوية الذات الأصلية. فى هذا الاطار فإن رشدى يقدم نموذجاً لاستيطان الاستشراق أو الاستشراق الاستيطانى وهو يعلن أن ما يفعله ليس شيئاً غريباً وإنما هو ما يتم فى كل المجتمعات الإسلامية من تمرد على قواعد عقيدة الإسلام والتلاعب بنصوصه غير أن رشدى قد امتلك الشجاعة أو الاستهتار ليدفع الأمور إلى مداها وينهى حالة الازدواجية المرضية التى يعيشها العقل المسلم بأن يختار ألا يكون مسلماً مرة واحدة وللأبد.
إن رشدى يقدم لنا منظورة الكونى الخاص (World View) الذى صنعه رشدى وبمقدار ما صنعه ذلك المنظور ما بعد الاسلامى(7). يرى رشدى أن الحلم هو جزء لا يتجزأ من جوهر الإنسان بحيث أنه إذا أخذنا فى الاعتبار ملكة الوعى بالذات فإننا نستطيع أن نحلم مختلف الأحلام التى تشكل صوراً مختلفة لذواتنا (الذوات الجديدة فى مقابل القديمة). إن استجابتنا للعالم هى استجابة خيالية بمعنى خلق الصور، فنحن نعيش فى صورنا وأفكارنا بحرفية الكلمة ؛ إذ اننا فى البداية نخلق صوراً شتى على العالم ثم نخطو داخل تلك الأطر. وما الإله سوى حجرة مليئة بالأحلام علينا أن نعيد ملئها بعد أن أفرغت من محتواها المقدس. وإذا كان الحلم ملكة وهبه للإنسان فهو أيضاً خطؤة الفادح لأننا غالباً ما نمزج الصورة بالواقع ونساوى بين الاثنين. إن الدين والسياسة لم يكونا سوى نسختين متباينتين من ذواتنا الحالمة. ففى الفكر السياسي نسعى للتعبير عن أحلام الاصلاح والتطوير والتقدم ليس هذا فحسب بل أننا نحاول منح الحياة لهذه الرؤى مفترضين أننا قادرون على ذلك أى قادرون على صنع التاريخ . إن الخطاب السياسي الذى يضع الروح الإنسانية فى موقف قوة فوق الأحداث هو حلم القدرة . أما الأديان العالمية فهى تطلب منا أن نتقبل دونيتنا وخضوعنا لكائن أعلى قادر غير مادى هو الخالق والحكم، فكلمة إسلام تعنى الاستسلام والخضوع وكذلك المسيحية أ, اليهودية تطلبان من المؤمنين الخضوع لإرادة الإله. ويضع الدين الإنسان فى مكانه أو فى الأحداث والتاريخ لذا فهو حلم العجز (Rushdie 1991:377-8). إن الإسلام والمسيحية ليسا سوى ذلك النوع من المجتمعات المتخيلة أو التجمعات الفوق قومية التى توجد أسباب وحدتها فى أذهان المؤمنين فحسب. وما ساعد على استمرار تلك الوحدة المتخيلة هو وجود لغات مقدسة يستطيع من خلال الدين أن يتواصل مع الشعوب ذات الأللسنة المختلفة، غير أن اندثار قوة تلك اللغات المقدسة وبزوغ نجم الفكرة القومية قد غَّير من نظرة العالم للمعتقد الدينى بصورة جذرية. إن الانسلاخ عن المجتمعات المتخيلة للدين والدخول فى المجتمعات المتخيلة للقومية يرجع إلى تغير ادراكنا لمفهوم الزمن. فالزمان المسيحانى (Messianic time) كما ظهر فى المجتمع التخيلى المسيحى كان يشير إلى اقتراب النهاية والتزامن بمعنى أن عين الإله ترى جميع اللحظات (الحاضر / الماضى / لامستقبل) بحيث أن (هنا والآن) جزء من الأبدى أما الزمان الحديث (Modern Time) فتجسده دقات الساعة التى تتحرك عقاربها إلى الأمام بصورة متجانسة خالية من أى مؤثرات للسياق الاجتماعى . إن التحول نحو الفكرة القومية كان نتيجة التحول للفهم الحديث للزمن إذ أن فكرة الكيان الاجتماعى الذى يسير وفق الجدول الزمنى (Calender) هى مشابهة لفكرة الأمة. وحينما يعود الدين إلى الحياة السياسية مثلما نرى فى العالم الاسلامى فهو لا ينقلنا عن الفهم الحديث إلى الفهم المسيحانى وإنما ظهور الدين مرة أخرى هو مجرد حدث أو نقطة على ذلك الزمان الخطى فالدين هنا مكون من مكونات العالم القوى وليس رفضاً للفكرة القومية . فالثورة الإيرانية هى قومية بالأساس وبزوغ نجم الخومينى فى إيران واستقرار نظامه ليس فقط نتيجة الشعور بقداسته أو الرهبة منه وإنما لأنه تجسيد لفكرة الأمة الإيرانية (381-83) . ورغم أن شعارات الإسلام فى إيران كتلك الجملة لعلى شريعاتى بأن ما يحدث هو “ثورة ضد التاريخ” ترغب فى العودة إلى الاحساس المسيحانى بالوقت بدلاً من دقات الساعة والزمن الخطى ، إلا أن ذلك سيظل على مستوى الشعارات . فالفكرة الاسلامية الآن مثلما كانت فى عصر مؤسس ذلك الدين تتحرك مثل صعود نجم القومية فى أوروبا على طريقة (Janus). (8) أو التقدم بالتقهقر بمعنى التحرك الدائم للأمام مع إدعاء السير نحو الخلف . ففى الجزيرة العربية فى القرن السابع الميلادى ، كانت أخلاقيات البدو وفضائلهم بمكة قد بدأ يتم استبدالها بأخلاقيات التجارة والتمدن . وقد كان مؤسس الدين وهو يتيم فى وضع يسمح له بأن يشعر كيف أن الثقافة المكية فشلت فى رعاية الضعيف مثلما كانت تقضى أخلاقيات البدو. ولقد كان الوحى الذى تلقاه فى جزء منه يفهم على انه نداء للعودة إلى أخلاقيات البدو وفضائلهم، لذا فإنه يمكن القول أن القرآن، بهذا المعنى، كان ينظر للخلف فى حنين. وعندما يكرر الخومينى ذلك ويتحدث عن الثورة ضد التاريخ يمكننا القول أنه ردد كصدى الصوت تعاليم الرسول نفسه الذى كان وحيه تمرداً ضد الزمان. غير أنه فى كلا الحالتين تحرك التاريخ للأمام وليس للخلف ” فأخلاق البدو الرعاة لم تبعث من جديد ولا كان ذلك هدف محمد (صلى الله عليه وسلم) الحقيقى”. ” لقد ولد الاسم وعلى رأسه إلهان : الله ، وجانوس أيضاً “. (The birth of Islam was presided over by two gods : Allah, and also Janus) (384-5).
ويجدر الآن التعرض لمنهاجية رشدى وأدواته فى التعامل مع الإسلام حسبما يبين من كتابه “الآيات الشيطانية” وما ذكره هو فى كتاب “الأوطان المتخيلة”. يتعرض رشدى للإسلام ومشكلات المسلمين من خلال مجال الأدب وعلى وجه الخصوص الرواية الخيالية. وهو بحكم علمانية الراديكالية ، على حد قوله، يكتب حتى يملأ بالأحلام تلك الحجرة الفارغة المسماة بالإله ففكرة إله ما هى إلا خير للحلم فيه.
فالروايات ليست مجرد أمور ثانوية بل إنها أعمال تحاول أن تقوم بما توحى به وتصر عليه كلمة Novel (تعنى رواية والأمر الجديد) وهم تقديم رؤية جديدة للعالم . وقد آمن رشدى بعملية التجديد الأدبى فحاول من خلال كتابه “الآيات الشيطانية” أن يخلق لغة أدبية وأشكالاً أدبية تستطيع خبرات الشعوب التى كانت مستعمرة وما زالت مقهورة أن تجد أقوى تعبير فيها. لقد كتبت تلك الرواية من واقع الاقتلاع من الجذور(Disjunctme) والتحور فى الشكل (Metamorphosis) سواء كان ذلك سريعاً او بطيئاً ، مؤلماً أو ممتعاً ، أنه واقع المهاجر الذى يرى رشدى أنه يستطيع أن يستقى منه خيالاً واستعارات للانسانية جمعاء (393-4).
إن مهمة الرواية أن تقوم بنقد الدين والتساؤل عما إذا القواعد الراسية له سوف تظل جامدة إلى البد، عما إذا كانت قوانين موارثية وشهادة المرأة وحجابها وخروجها للعمل وحدوده (الزنا والسرقة) هى أبدية لا تشكيك فى صحتها ، خاصة أن ذلك الجدال يدور فى الحياة اليومية للمجتمعات الإسلامية . فلماذا يحرم العمل الأدبى من القيام بذلك؟! (400).
إن المهمة التى شرع العمل الأدبى الخيال لرشدى فى تحقيقها هى اكتشاف طبيعة العرض والتنزيل وقوة المعتقد الدينى. فتجربة التنزيل الغامضة تثير اشكاليات ضخمة بالنسبة للعقل المساعد. فلو كان الرسول (أى رسول) يمر بالفعل بخبرة ترانسندنتالية / متجاوزة من نوع ما ولا يستطيع المساعد أن يؤنم بالعالم الروحانى ، فماذا يحدث؟ وقد قام رشدى باستخدام الخيال/ الخرافة، على حد قوله، حتى يوضح لقارئه أنه لا يزور التاريخ وإنما يحاول أن يجعل الخيال ينطلق ويحلق من التاريخ كنقطة بداية ثم ينأى عنه ويشرع فى استكشاف همومه الحقيقية التى هى حماسية بالنسبة للتاريخ. فلقد كان الغرض الأساسى من العمل الأدبى هنا هو اختبار حدث الوحى الانسانى وكيف تتفاعل الشخصية ذات الشعور الروحانى مع ذلك الحدث الروحانى (408-9). وسوف يؤثر ذلك الاقتراب من نسيج الرواية فالسمة الرئيسية هى الاحتفال بالخلط والهجين أو ما يسميه الـ hotchpotch والإعلان بصوت عال أنه ليست هناك نقطة بداية أو أصل يحاكى مثلما تقضى به أصول الدراما عند أرسطو. فالشخصيتان الرئيسيتان للرواية هما ممثلان لا يقومان بالمحاكاه فحسب وإنما يصنعان ذاتيتهما من خلال تلك المحاكاه؛ فليس هناك وجه أصلى وإنما عدد لا نهائى من الأقنعة. إن الزمان يتكسر فى الرواية عندما يطارد الماضى الشخصيات فى حاضرها وعندما يُطارد الحاضر فى الماضى. ومن الناحية الدرامية فالصراع لا يدور بين بطلى القصة وانما داخل كل منهما بحيث أنهما لا يمثلان الأنا الأعلى والهو لذات واحدة هى نقطة البداية كما جاء أرسطو. بل إن هذين النصفين ممزقان إلى عدة شراذم تطارد بعضها البعض وتتصارع مع بعضها البعض ومن خلال ذلك الصراع للجميع ضد الجميع تتكشف الأحدا وتنشأ وتموت الشخصيات أو شبه الشخصيات.
وسوف يكون النظام الدلالى والعلاقات بين الدوال والمدلولات هى خير أداة فى يد رشدى أو فى متناول ذلك النسيج الروائى حتى ينفذ الكلمة الرئيسية ويحقق الغرض الرئيسى للرواية . إن رشدى يستخدم ما يسمى فى علم الألسنية بالـ trope (9) استخداماً عشوائياً مدمراً فيدخل على المدلولات ما ليس فيها ويربط الدوال بألفاظ ومعانى شوهاء ويصل بصورة عرجاء بين أمور يضعها على طرفى نقيض ثم يكشف تماثلها فى الجوهر أو فى حقيقة الأمر انعدام الجوهر. وسوف أعطى ثلاثة أمثلة على ذلك لأنها مفتاحية فى وراية “الآيات الشيطانية” حيث توضح ما يراه رشدى من الإسلام، أو ما يمكن أن يطلق عليه (التلاعب الدلالى ، فى إطار ما يشير إليه ليوتار).
1) Mahound: استخدم رشدى هذا الاسم لدلالة على شخصية الرسول فى روايته بدلاً من (محمد). وهو يعلم أن ذلك هو الاسم المستعار الذى كان القساوسة والمستشرقون فى العصور الوسطى الغربية يلقبون به الرسول الكريم، وقد أصر على استخدام ذلك الدال للدلالة على شخصية الرسول الكريم فى روايته مبرراً ذلك أنه يرغب فى قلب المعنى المرتبط بذلك الاسم فى الذهن الأوروبى ، مثلما فعل الزنوج عندما استخدموا كلمة Black لوصف أنفسهم فحولوا الكلمة من دال على القبح إلى دال على الجمال فى مفهومهم. والمثال الذى يعطيه رشدى هو كيفية أن تروتسكى ليس الاسم الحقيقية لـ (ليف دافيدوفيتش) وإنما هو اسم السجان الخاص به ولكن عندما قام ليف دافيدونيتش بالاستيلاء على هذا الاسم وجعله ملكاً له فقد استطاع أن يدمر، من الناحية الرمزية ، ذلك السجان وأن يطلق سراح نفسه. وما لا يعلمه رشدى أنه وفقاً لخصائص النظام الدلالى فى الاسلام حيث الكلمة أبدية لا تنفذ وهى تركب الدال على المدلول فإن ما يفعله يجعله أسيراً إلى الأبد لذلك الدال عن طريق سلب حريته فى تحطيم ذلك الدال والقضاء عليه.
2) Satamic Verses: استخدم رشدى الآيات الشيطانية كعنوان لروايته وهو يرى أن ذلك لا يحمل دلالة أن القرآن كتاب كتبه الشيطان وإنما هو يفعل تماماً مثل الأطفال الآسيويين عندما يرتدون قبعات من القرون فى الاحتفالات للتأكيد على هويتهم . ومن ثم فهو يريد لكتابه أن يرتدى القرون الشيطانية . وهو يزعم أنه يرد على الغربيين الذين رأوا فى المسلمين شياطين فهو يقدم لهم ما يعتبرونه رؤية الشيطان للعالم (عالمهم هم) من خبرة هؤلاء الذين جعلتموهم شياطين بمجرد أنهم يمثلون (الآخر).
3) Brothel Hariem: إن بعض ما جاء فى رواية رشدى عن تسميه العاهرات لأنفسهن بأسماء أمهات المؤمنين . ينفى أن يكون مرماه التعرض لآل البيت . فقد ذكر حتى فى روايته أن زوجات الرسول كن يسكن الحريم فى غاية الحشمة والاحترام وإنما جاءت التسمية من قبل العاهرات لاستثاره زبائنهن. وهو هنا يحاول أن يجرى مماثلة بين الماخور والحريم حتى يدمجهما فيصيران نقيضين مطلقين لكنهما فى الحقيقة وجهان لعملة واحدة . إذ أن كلاً منهما هو مكان تحتجز فيها النساء؛ فى الحريم حتى لا يراهن سوى الزوج والقارب ، أما فى الماخور فلا يراهن سوى طالبى الفجور. وإمعاناً فى المماثلة فقد خلق شخصية شاعر جاهلى يقيم فى ذلك الماخور اتخذته العاهرات زوجاً لهن وأسماه (بعل). والحقيقة أن رشدى يتلاعب بالدال والمدلول بصورة عنيفه ظاناً أن ذلك ابداع وهو فى هذا يأخذ ليس المعنى الظاهر وإنما السطحى للفظ. ولا يدرك ما أدركه فوكو الذى لم يمض فى بلد إسلامى سوى أسبوعين أن نظام الحقيقة فى الاسلام له ظاهر وباطن. ولقد اكتفى رشدى بالتعامل مع سطحى المعانى لأنه لا يرى سوى من الآخر بل لقد اصبح هو الآخر واستبطنه وفنىَّ فيه فناءً. ومن ثم فقد كانت فتوى الخومينى بقدر ما هى ما بعد حداثية لأنها تعلن مبدأ وفاة المؤلف المستقى من وفاة الإنسان ذلك المبدأ الذى أعلنه رشدى على لسانه كل شخصياته المشوهة والممزقة والتى ذبحها هو، بقدر ما كانت شهادة وفاة حقيقية لعقل مسلم أبى أن يكون مسلماً وفنى أو أفنى نفسه فى الآخر.
الهوامش
1.جينالوجية (Genealogy) هو مصطلح استقاه فوكو من كتاب نيتشه (Genealogy of Morals) وهو عبارة عن محاولة كشف زيف أيه نقطة بدايةً من خلال دراسة تأثير علاقات القوة وميكانيزماتها على ميلاد أى أصل أو مرجع . ولقد ترجم المصطلح فى العربية إلى (النسابية)، غير أننى أرى عدم صلاحية الترجمة؛ لأن الفكرة الجينالوجية تهدف إلى كشف عدم وجود أصل أو سبب أوحد (نسب) من خلال تتبع الظاهرة فى مسالكها ومساراتها المتعرجة . وقد فضلت عدم ترجمة المصطلح إلى لفظ عربى حتى لا يتم تشوية دلالة اللفظ العربى وحتى لا يتم تجذير المصطلح بحيث يتوهم البعض أن له أصلاً عربياً كما حدث لمفهوم العلمانية.
- الحداثة كـ(Ethos) أى موقف أو اتجاه تختلف عن اعتبار الحداثة مرحلة تاريخية معينة يهيمن فيها العقل ويسيطر على كافة المجالات ويبسط نوره من خلال الكشف عن القوانين المنظمة لها. فالحداثة كموقف تعنى الوسيلة التى يرتبط من خلالها الإنسان بذاته وبالزمان الذى يعيش فيه بحيث يغدو قادراً على ثبر غورهما من أجل إعادة تشكيلهما كأنه عمل إبداعى جمالى وهذا هو ما أسماه فوكو Aestheticization of Existence وهو تعريفه للحداثة متأثراً بالـ Dandysme للشاعر Baudelaine.
- كون فوكو مجموعة أكاديمية – صحفية تحت رعاية إحدى الصحف الايطالية لدراسة الحدث الثورى الايرانى وقد ذهبت تلك المجموعة بالفعل لإيران فى يناير 1978. وبعد ذلك كتب فوكو مجموعة من المقالات باللغة الإيطالية عن إيران . تمت ترجمة تلك المقالات إلى الفرنسية ، وقد استعنت بالترجمة الفرنسية لهذه المقالات لدراسة تعرض فوكو للثورة الايرانية فى اطروحتى للماجستير.
- تجدر الاشارة إن فوكو صك تعبير (نظام الحقيقة ) من دراسته للخطاب حتى يوضح أن لغة الخطاب ذات مستوى ظاهرى وليس لها جوهر وأن ظاهر النص هو الذى يوجد باطنه. فليس هناك أرضية أصلية أو ثابتة وإنما هناك علاقات قوة تحكم مقولات الخطاب من الداخل لذا سمى النظام المكون من تلك العلاقات بنظام الحقيقة وهناك علاقات القوة المرتبطة بالممارسات الخطابية والتى تشكل ما يسميه فوكو الـ (Dispositif) بمعنى جهاز أو تنظيم . ومن الواضح أن وصف فوكو لنظام الحقيقة فى الاسلام من حيث وجود ظاهر وباطن يدل على أن فوكو أدرك اختلاف السياق الاجتماعى والاقتصادى والثقافى وأن الإسلام كدين متميز وله خصوصيته التى لا ينبغى تجاهلها.
- تقنيات الذات (Self-Techniques) هى نوع من التقنيات التى تمكن الفرد من القيام ، بوسائله الخاصة ، بمجموعة من العمليات على روحه وبدنه وأفكاره وسلوكه ومن ثم يغدو قادراً على تغيير ذاته والوصول إلى مستوى معين من الكمال أو السعادة أو التطهير أو القوة غير الطبيعية . إن هذا النوع من التقنيات هو ما يمكن تسميته بتكنولوجيا الذات (Technology of The Self).
6.يقصر اللفظ العربى حداثى عن ترجمة لفظى modernists modern الانجليزيين فالأول يعكس مضمون الحقبة المسماه بالحداثة فى الفكر والفلسفة والعلم الحديث، أما الثانى فهو يعكس الشكل أو الاسلوب كما فى الفن أو الأدب وهناك فارق كبير بين الاثنين فبينما الأول يؤكد على محورية العقل فى فهم قوانين الكون والسيطرة عليه فالثانى يحاول أن يصوغ وينظم مما هو خارج العقل، وفقاً لقوانين العقل، مما يجعلها عملاً ابداعياً يستسيغه العقل ويستلذ به. ويؤكد رشدى على أنه حداثى بكلا المعنيين.
- يرى رشدى أن الدين لم يعد بمقدوره أن يشكل أو يمثل محور التمفصل لأى مجتمع فى العصر الحديث، والدليل على ذلك باكستان وما تزخر به من صراعات قومية. فالدولة التى أُسست على الدين لم تستطع أن تحفظ وحدتها – وتأكد ذلك بانفصال بنجلاديش عنها – أمام الرياح القومية . وإذا كان هناك هدف يستطيع أن يحفظ لباكستان وحدتها ويحقق لشعبها التماسك القومى فهو أن تكون باكستان ما بعد الاسلامية Post – Islamic Pakistan.
- Janus كما تذهب الأساطير الرومانية هو إله البداية والنهاية ويتم تمثيله بوجهين أحدهما ينظر للأمام والآخر ينظر إلى الخلف وحينما ينعت شخص بأنه Janus-faced فإن ذلك يعنى أنه مخادع أو ينظر إلى اتجاهين الماضى والمستقبل.
9.Trope هو عبارة عن تحرك دال ما بين أكثر من مدلول بينهما علاقة ما تسوغ وتعطى شرعية لتلك الحركة الدائمة والقلقة للدال بين أكثر من مدلول . مثال على ذلك عندما تشبه رجلاً بأنه أسد ، فنحن هنا قد اقتلعنا الدال (أسد) عن المدلول (حيوان ذو أربعة أرجل ورأس يعيش فى الغابة وهو ملكها ) وقمنا بوصله بمدلول آخر (الشجاعة). والعلاقة بين المدلول الأول والثانى تسوغ ذلك الاقتلاع والوصل الدائمين فى صيرورة أو متاهه المدلول.
المراجــع
(1) Bennett, Jane 1996, “How is it , then , that we still remain barbarians?”: Foucault, Schiller, and the Aestheticijation of ethics, Political theory, 24 (4), pp.653-72.
(2) Foucault, Michel 1988, Iran: the spirit of a world without spirits , in kritjman, Lawrence (ed.) Michel Foucault: Politics, culture , philosophy, N.Y: Routledge, 1st ed., pp.211-24.
(3) _______________ 1994, Àquoi rêvent les Iranianiens!, in Foucault, M., Dit et ècrits (1954-1988), vol. III, Paris: Gallimard, pp.688-84.
(4) _______________ 1994, Réponse de Michel Foucault à une lectrice Iranienne, in Foucault, M., Dit et ècrits (1954-1988), vol. III, Paris: Gallimard, p.708.
(5) _______________ 1994, Le chef mythiqune dela rèvolte del’ Iran, in Foucault, M., Dit et ècrits (1954-1988), vol. III, Paris: Gallimard, pp773-6.
(6) Kepel, Gilles 1997, Allah in the West , Translated by Susan Miluer, Chambridge: Policy Press, 1st ed.
(7) Owen, David 1995, Genealogy as exemplary of antique: reflections on Foucault and the imagination of the Political, Economy & Society, 24 (4), pp. 489-506.
(8) Rushdie , Salman 1988, The Satanic verses, London: Viking, 1st ed.
(9) ______________ 1991, Imaginary homelands , London : Penguin.
(10) Salvatore , Armando, 1997, Islam and the Political discourse of modernity , international Politics of the middle east series : vol. 4, UK: Itacha Press, 1st ed.
(11) Stauth, Georg 1997, Revolution on Spiritless times : an essay on Michel Foucault’s enquiries into the Iranian revolution , International Sociology, 6(3), pp. 259-80.
*أستاذ بقسم العلوم السياسية ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة، مصر.