Knowledge And The Sacred

Knowledge And The Sacred

المعرفة والقدّوس

سيد حسين نصر

ترجمة: سلطان عدّاس 

أولاً

تمهيد

Knowledge And The Sacred

(١)

منذ أن بدأ إلقاء محاضرات “غيفّورد” في جامعه إدنبره في ١٨٨٩ ، ارتبطت بأسماء بعض أشهر علماء العقيده ، و الفلاسفه ، و علماء الطبيعه في أوروبا و أمريكا ، و نتج عنها كتب أثّرت بشدّه في العالم الحداثي . بالإضافه لذلك ، ارتبطت معظم هذه الأعمال بأفكار حداثيه الطباع و التي شكّلت صوره العالم الغربي منذ عصر النهضه “ الرينايسنس “ و التي تنتشر أيضا في الشرق منذ القرن المنصرم. بالتالي ، لمّا دٌعينا إلى إلقاء هذه المحاضرات القيّمه قبل نحو أربع سنوات ، فإنها لم تٌعتبر عندنا مجرّد تشريف و لكن أيضا مناسبه لعرض الرؤيه السنّيه للحضارات الألفيه للشرق حيث تلقّينا لأول مرّه و قبلنا الدعوه لإلقاءها .

كوني أول مسلم بل في الواقع أول شرقي يملك الفرصه لإلقاء محاضرات “غيفّورد” منذ إنشاءها في جامعه إدنبره قبل نحو قرن ، فقد شعرنا بأنه من واجبنا أن نُقدّم للجمهور الغربي ليس نسخّه متدّنيه من بعض الأفكار الحداثيه أو مذاهب في ثوب شرقي مزوّر كما يحدث كثيرا في هذه الأيام ، بل بما يتوافق مع الرؤيه العالميه التي تخصّنا ، لشرح جانب من هذه الحقيقه التي تكمن في قلب التقاليد الشرقيه و في الواقع في كل ما هو تقليد سنّي من حيث هو كذلك سواء كان من الشرق أو من الغرب .

(٢)

لطالما ارتبط العلم في الشرق بالمقدس و بالكمال الروحاني . أن تعلم كان يعني جوهريا أن تتحوّل بعين عمليه التعلّم ، كما قرر ذلك التقليد الغربي أيضا عبر العصور قبل أن ينكسف بواسطه المذهب العلماني و البشري اللاحق للقرون الوسطى و الذي فرض فصل التعلّم من الوجود و الإدراك من المقدس . الحكيم الشرقي دائما يُجسّد الكمال الروحاني : كان الإدراك يُرى جوهريا كتقديس ، و العلم كان مرتبطا ارتباطا لا رجعه و لا تغيير فيه بالمقدّس و تفعيله في وجود العالم . و هذه العلاقه لا تزال مستمرّه في كل مكان و كل زمان تحيا فيه السنّه بالرغم من كل تقلّبات العالم الحداثي .

 

(٣)

خلال القرنين الماضيين ، أعداد لا حصر لها من طلاب الغرب المستشرقين ، سوآء كان بقصد أو بغير قصد ، كانوا عناصر مهمّه في عمليه علمنه الشرق عن طريق تدمير تقاليده بواسطه تفسير تعاليمه المقدّسه من خلال المذهب التاريخي و التطوري و العلمي ، و وسائل أخرى كثيره تجتمع على اختزال المقدّس في المدنّس . دراسه الشرق من قبل معظم هؤلاء المستشرقين المزعومين و الذين هم بدورهم تأثروا بالموجات المختلفه للعلمانيه في الغرب ، هي مع بعدها الشديد من أن تكون مجرّد عمليه علميه غير مؤذيه و موضوعيه إلا أنهم لعبوا دورا ليس صغيرا في تحويل موضوع دراستهم . بالإضافه لذلك ، هذه الجهود العلميه لم تصدر غالبا عن محبّه للموضوع أو الإحسان ، بالرغم من استثناءات كثيره مشرّفه و شريفه كانت أعمال صادره عن الحب و التي أنتجت دراسات ثمينه مختلفه في جوانب شتى من الحضاره الشرقيه .

معظم الأعمال العلميه الحديثه المهتمّه بالشرق هي في الواقع ثمره ذهن علماني يحلل و يدرس تقاليد ذات صبغه مقدّسه .

(٤)

في الدراسه الحاليه كان هدفنا بنحو ما هو عكس هذه العمليه المذكوره سابقا . كانت إعانه لإعاده الكيفيه المقدّسه للعلم  و إحياء التقليد العقلي الراقي للغرب بمعونه التقاليد التي لا تزال حيّه في الشرق حيث العلم لم يفترق أبدا عن المقدّس . كان هدفنا هو أن نتعامل أولا مع جانب من الحقيقه بما هي كذلك و التي تكمن في عين طبيعه العقل و ثانيا مع إحياء الرؤيه المعرفيه في الغرب ، و التي بدونها لا يمكن لأي حضاره تستحق هذا الاسم أن تبقى . إذا قمنا خلال هذه العمليه بنقد شديد لأمور غربيه كثيره ، فإن رؤيتنا غير قائمه على الاحتقار أو الكره أو نوع من “ الاستغراب “ الذي سيعكس بكل بساطه دور صنف من الاستشراق الذي درس الشرق على أمل أن يقوم بتحويل الأنماط المقدّسه لحياته ، إن لم يكن لتدمير كل ما يشكّل شخصيه الشرق على مر العصور . عند نقد ما يعتبر من الرؤيه التقليديه بكل بساطه و وضوح باطلا ، فإننا حاولنا أيضا الدفاع عن التقليد الألفي للغرب نفسه و لتسليط الضوء مرّه أخرى على الحكمه الخالده ، أو “فيلوسوفيا بيرينيس “ ، و التي هي خالده و عالميه في آن واحد و التي هي لا شرقيه و لا غربيه حصرا .

 

 

(٥)

عندما وصلتنا لأول مرّه دعوه محاضرات “غيفّورد” ، كنا نعيش في ظلال المنحدرات الجنوبيه الجليله لجبال البورز . لم نتخّيل حينها أن نص المحاضرات نفسها لن يُكتب بالقرب من هذه القمم العاليه و لكن أمام الغابات الخضراء و البحار الزرقاء للساحل الشرقي للولايات المتحده . و لكن الإنسان يحيا في الروح و ليس في الزمان و المكان فبالرغم من كل الانتقالات الغير معقوله و المحن في حياتنا الشخصيه خلال هذه الفتره ، و من ضمنها خساره مكتبتنا و المسودّه الأوليه لهذا العمل ، ما يظهر في الصفحات التاليه نبت من البذره التي حملناها في البدء حين قبلنا إلقاء المحاضرات و يُمثّل استمراريه للفكر مع التسلسل العقلي لهذا العمل حتى لو كانت الحاله المادّيه و الإنسانيه تغيّرت تغيّرا ملحوظا خلال الفتره التي تحققت فيها فكرته الأصليه .

(٦)

بما أن هذا العمل يسعى لأن يكون عرفانيا “ ميتافيزيقيا “ و قائم على الأسس العلميه الأكاديميه ، فإنه يتكوّن من نص بُنيت عليه المحاضرات التي تم إلقاؤها فعلا بالإضافه إلى هوامش مفصّله و التي تُكمل النص و كذلك تُشكّل دليلا هاديا لمزيد من البحث بالنسبه لمن جذبته الحجج و الأطروحات المقدّمه في النص . بعد إلقاء المحاضرات في العاصمه الكبيره لسكوتلندا خلال فصل الربيع الذي تزدهر فيه مدينه إدنبره بأزهار ذات جمال عظيم ، اقتنعنا أكثر من قبل بمدى ضروره هذه الهوامش المفصّله الطويله . التفاعل الحيوي للجمهور و اجتماعات كثيره مع أعضاءه بعد المحاضرات سلّطت الضوء على الاهتمام العميق الذي أظهره كثير منهم في السعي لمزيد تحقيق للحجج المقدّمه في هذا العمل بالرغم من واقع كون زاويه نظره هي تلك التي للسنّه التقليديه و مغايره لمعظم ما كان يدخل تحت اهتمام معظم محاضرات “غيفّورد” على مر السنين .

(٧)

في إعدادنا لهذا العلم نحن مدينون أشد ما يكون لكل شيوخنا التقليديين في الشرق و الغرب و الذين أرشدونا على مر السنين إلى المنبع الأصلي للعلم المقدّس . و نودّ أن نظهر امتناننا خصوصا لفريثجوف شوَن و الذي تنعكس شروحه الفريده للتعاليم التقليديه ، و إن كان انعكاسا قاصرا ، في كثير من الصفحات القادمه . و نودّ أيضا شكر السيده كاثرين أوبراين التي أعانتنا بطرق كثيره في تحضير المخطوطه للنشر .

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!