تأملات في التصوف والحوار الديني
من أجل ثورة روحية متجددة
جوزيبي سكاتولين
استنهض العالم فجأة على مصطلح “العالم قرية صغيرة ” دون إنذار، فلم يرى الإنسان من هذا المصطلح، ومن فكرة العولمة سوى العولمة التسويقية،والتي صارت تفرض قانونها على العالم غير مكترثة بالتكلفة البشرية نتيجة لهيمنة الرأسمالية التسويقية العالمية، فبات من الضروري الوصول إلى نقاط تقارب بينية في أمور مشتركة بين البشر ألا وهي روحانية الدين، هكذا رأى الأستاذ الدكتور الأب جوزيبي سكاتولين المستشرق والأستاذ في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما Pisai، في مؤلفه (تأملات في التصوف والحوار الديني من أجل ثورة روحية متجددة) ،الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب لعام 2013. وبحثه في مضمون العولمة الإنسانية وتقريب الكيان البشري من بعضه البعض، لخلق حالة من الحوار-البين- ديني والتقارب بين البشر ، من خلال إحداث ثورة روحية ،داخل أنفسنا البشرية، موجهًا رؤيته نحو نقاط روحانية وجدت داخل كل دين أو فلسفة وجودية، شملت قارات العالم ما بين (الإسلام،المسيحية، البوذية،الهندوسية…وغيرها من المعتقدات).
الكتاب في أصله حوى مجموعة من المقالات نُشرت في أوقات مختلفة، وإن كانت متوافقة الرؤية ، نشرها الأب جوزيبي سكاتولين بالإيطالية، تناول خلالها فكرتين رئيسيتين وعلى شأن كبير من الأهمية ،وهما الحوار الديني ،وعالم الحياة الروحانية ،وهي الجزء الأسمى داخل الكيان البشري، ففيه تتلاقى الأرواح والقلوب دونما تفرقة طبقية ،فقط “ما في الجعبة إلا الله”… فالكاتب يتناول مبدأ (الإنسانية الكونية) ،فالإنسانية ليست حكرًا محصورًا على فئة معينة من البشر،إن هذا المصطلح يخالف كل أنواع العصبية القبلية الضيقة،فجوهر الإنسانية حقيقة مشتركة بين كل البشر.
قسم الأب جوزيبي سكاتولين كتابه (تأملات في التصوف والحوار الديني) إلى مقالتين تناول في الأولى فكرة الحوار الديني،أسسه وتاريخه عبر العصور وصولًا للمرحلة الحالية في عصر العولمة،مبينًا عدة مقترحات من أجل حوار بين الأديان ، خاصة مع الدين الإسلامي.كما تطرق إلى عالم الروحانيات وكذلك الحوار فيما بينهم، متناولًا التعددية الدينية ،بارزًا لفضاءات التلاقي بين روحانيات الإسلام المتمثلة في التصوف والروحانيات الدينية الأخرى بعوالمها السامية ، فجميعهم يتلاقون حول الله والإنسان.
أما المقالة الثانية فدارت حول شخصيتين رئيسيتين في كتابه، هما المفكر المسيحي أوريجانوس والذي يعتبر مؤسس الفكر الروحي الصوفي في المسيحية،والشاعر الصوفي المصري عمر بن الفارض أحد أعلام الصوفية في الإسلام والملقب بسلطان العاشقين،وتناولهما كي يثبت أن الحياة الروحية تعد بمثابة أرضية تتسع لجميع العقائد ،موضحًا ماهية التصوف ورحلتيهما أي (أوريجانوس وابن الفارض) داخل هذا العالم الروحاني…
تلخصت فكرة كتاب (تأملات في التصوف والحوار الديني) في هذه الفقرة:-
“إن الغاية المرجوة من هذه الرحلة في عالم الروحانيات هي الإثبات بكل وضوح أن الخبرة الروحية الحقيقية تقدم أرضية رحبة للتقارب بل للتفاهم والتعاون بين أصحاب الأديان المختلفة.فقد صرحنا أكثر من مرة أن هناك حاجة ماسة،في عصرنا المعولم هذا أو قل في ظروف قريتنا العالمية الراهنة،إلى بناء إنسانية جديدة متجددة يكون بإمكانها التصدي لتحديات عصرنا هذا إلي تهيمن عليه عملية عولمة تسويقية محضة من ناحية،ويشهد عودة روح القبليات المتعصبة المتطرفة التي تخاطر بالتعايش السلمي بين البشر من ناحية أخرى.”
لعل هذه الفقرة المقتبسة من كتاب (تأملات في التصوف والحوار الديني من أجل ثورة روحية متجددة) قد حددت رؤية الكاتب في خلق ثورة روحية متجددة داخلنا كي نخلع عن كاهلنا أثقال الصراعات واللهث وراء معايير كل ما تفعله هو إهدار ما تبقى من إنسانيتنا، وتحويل طاقتها إلى رؤية وتقارب بين بني البشر طالما كان الأصل واحد.
جاء الكتاب في هيئة سبع مقالات على جزءين،الأول مقالتان في الحوار الديني والروحانيات، والثاني خمس مقالات حول التصوف ورحلة كل من المفكرين أوريجانوس وابن الفارض .
- جدير بالذكر أن المستشرق الإيطالي ،الأستاذ الدكتور الأب جوزيبي سكاتولين، من رهبنة الكومبنيان ،وأستاذ التصوف الإسلامي بالمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما PISAI. من مواليد عام 1942،حاصل على الماجستير في اللاهوت من جامعة ميلانو بإيطاليا عام 1968، ودبلوم الدراسات العربية عام 1971 من لبنان،وليسانس اللغة العربية وآدابها من جامعة القاهرة عام 1978، وحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية في التصوف الإسلامي عن رسالة حول التجربة الصوفية عند الشاعر عمر بن الفارض عام 1987م.
ومن مؤلفاته:-
- التجربة الصوفية في الإسلام.
- الإسلام والعولمة.
- الله والإنسان في الإسلام.
- ديوان ابن الفارض.
- التجليات الروحية في الإسلام.
منى الأقطش
