حافظ الشيرازي
(726-791هـ/1325-1388م)
بقلم: خالد محمد عبده
نقشتُ في حديقة عيْني صورةً لخيالك
فما رأيتُ ولا سمعت بمن يعدلك في صورتك وجمالك..حافظ.
عشت أياماً جميلة مع “حافظ الشيرازي” أتاحها لي ولقراء العربية الدكتور إبراهيم أمين الشواربي. لست أدري كيف أشكره، فهذه الساعات الحلوة التي أتاحها لي لا تقدَّر بثمن تكافئ من ينقلك من الأيام الثقيلة الصاخبة الكئيبة، إلى جو طليق هادئ رفاف تشيع فيه الأنداء والاضواء، وترف فيه الأنسام والأصداء، ويستقبلك بالطلاقة والبشر والايناس!
لقد أخلدت – مع حافظ – إلى الغناء العذب بروح صادقة، لاتكدرها شوائب الحياة، ولا هموم العيش، ولا أحقاد الناس، ولا تفسدها كذلك غواشي القلق، ولا هموم الفكر، ولا الجدل الذهني العقيم.
كأس من الخمر، ووجه جميل، ورفاق مسعدون، وطبيعة باسمة. وعلى الدنيا السلام…. !
“أي شيء أجمل من رفقة الأحباب، والتمتع باللهو والرياض والربيع الجميل؟
“فأين الساقي؟ قل له: ما هذا الانتظار الطويل؟
“واعتبر ما يتهيأ لك من طيب الوقت فرصة عزيزة وغنيمة كبيرة.
“فلا علم لأحد بما تكون عليه نهاية الأمور”[سيد قطب: كتب وشخصيات].
من هو حافظ؟
هو شمسُ الدين محمد بن بهاء الدين، أديب وحكيم فارسي يُعرفُ بالشيرازي وشيراز تُعرف به هو وسعدي الشاعر الكبير، يفصل حافظ الشيرازي عن مولانا جلال الدين الرومي 50 عامًا تقريبًا وكما نشأ مولانا جلال الدين الرومي على تمثّل القرآن الكريم حياة وشعرًا وحكمًا كذلك كان حافظ حافظًا للكلمات ترجمانًا لأسرار الغيوب، وإذا كانت الهجرة من أرض إلى أرض ومن بلاد إلى بلاد هي ما عاناه مولانا جلال الدين على صعيد المعاناة المادية، فإن حافظًا لم ينتقل من شيراز على الرغم من دعوة الكثيرين له أن يزور بلدانهم، لكنه رضي بالمقام في بلاد فارس حتى بعدما انتشر صيته في جميع البلدان من حوله.
حافظُ ما دُمتَ بالفقر وليلٍ مُظلمِ
في دعاء الله أو قُرآنه لا تحزنن
حافظ تعلّم ككثير من أهل النبوغ والمواهب دروس الحياة في مدرسة الفقر، وذاق مرارة التجاريب التي كتبها القدر على كثيرين، لكنه عِوضًا عن الحسرة والشكاية من نوائب الدهر كان عاملاً منذ الصغر. إن النار التي كانت تنضج الخبز الذي يصنعه نهارًا كانت تساعده ليلاً في العبادة والتلاوات. وكما ألقى حافظ صنوف الشعر من غزليات ورباعيات وملمعات ومثنويات، ألقى كذلك دروسه في تفسير القرآن في مدينة شيراز التي وُصفت بأنها (بُرجُ الأولياء).
عاصر حافظ الإمام عضد الدين الإيجي ، والشريف الجرجاني، وكانت بلاد العرب تزخر بالكثير من المشاهير في ذلك الوقت ،من أمثال: الشيخ ابن تيمية، والمؤرخ أبي الفداء، وابن فضل الله العمري، وشمس الدين الذهبي، والشاعر عمر بن الوردي، وصلاح الدين الصفدي، وابن كثير، ولسان الدين الخطيب،ومسعود بن عمر التفتازاني.
وكما انتقد القشيري والسراج الطوسي صوفية اللباس ومن يدّعون التصوف وهم منه براء، انتقد حافظ كذلك اهل التصوف الشكلي، ونشر من دفء قلبه آيات من الجمال والجلال الأبدي لا يمسها فناء ولا تغيبها سفسطات أهل الرسوم!
تُرجمت أعمال حافظ وكتاباته الشعرية إلى 30 لغة ومن أوائل الترجمات العربية كانت ترجمة أحمد زكي أبو شادي للرباعيات التي نقلها عن الإنجليزية لا الفارسية، عبر الأديب الهندي سيد عبد المجيد ونشرها في ديوانه (أنين ورنين) ثم نشرها على استقلال مع قراءة لها ونقد وتحليل، ومن ترجمة ابي شادي لحافظ :
حدّثتني إنّي لك العُمر طوعٌ
فتشجّع وصُن هواك بحلم
آهٍ ما القلبُ؟قال صوتُ حكيم:
كُتلةٌ من دمٍ حوت ألف همِّ
ثم ترجم العلاّمة إبراهيم أمين الشواربي غزليات حافظ في مجلدين تحت عنوان: (أغاني شيراز) وقد أهداها إلى عميد الأدب العربي طه حُسين، وقدّمها له وطُبع الكتاب في مصر ثم طبع في إيران ولا يزال اسم حافظ مرتبطًا في اللغة العربية بالشواربي كما لا يزال مرتبطًا بغوته في ألمانيا، فقد اعتبره غوته أحد الأعمدة التي قام عليها صرحُ الآداب العالمية، ومن ترجمة الشواربي لحافظ:
ولقد علمتُ أنه بسبب ذلك الحُسن الوضّاح الذي كان ليوسف
ان العشق ربما أخرج زليخا عن حجاب العصمة
فإذا وبختني أو عنّفتني فإنني أدعو الله قائلاً:
أيليق الكلامُ المريرُ بالشفاه الحلوة الحمراء؟!
فيا حبيبي استمع لنصيحتي فإن الشبان السعداء
يحبون أكثر من أنفسهم نصيحة الشيخ العارف
وتحدث عن المطرب والخمر وأقل البحث في أسرار الدهر
فإن أحدًا لم يحل بالحكمة هذا اللغز المعمى ولن يكشف عنه أحد
وأما أنت يا حافظ فقد قلت غزلاً فنظمت دررًا
فتعال وغنّها في صوت عذب كيما ينثر الفلكُ على نظمك عقد الثريا.
ثم ترجم لحافظ الدكتور محمد غنيمي هلال في مختاراته من الشعر الفارسي التي نشرها عام 1965م، ومنها تلك القطعة التي عنونها بحاناتُ المجوسِ، ورآها أقرب في طابعها إلى الغزل الصوفي، يقول حافظ:
في حانات المجوس أرى نور الله
فتأمّل دهِشًا من أين رأيتُه، وأيُّ نورٍ ذاك؟
فيا أمير الحجّ لا تدلَّ أنت عليَّ
إذ ترى أنت البيت وأرى أنا ربَّ البيتِ
أريدُ أن أنثُر أريج المسكِ من ذوائب الغيد كالدُّمى
ولكن الفكر ينأى بي حقًّا أن أرى فيه الإثم
القلبُ المشبوبُ والدّمعُ الفيّاضُ وآهاتُ السّحرِ ونحيبُ الليل
إنما أشقى برؤيتها جميعًا من لُطفِ نظرتك
في كلِّ لحظةٍ ترتسم لي من طريق الخيالِ صورةُ محياك
إلى من أفضي بما أرى في تلك الرسوم؟!
ومنه أيضًا:
لا تُحدّثني بكلام الآخرين.. أنا عابدُ الحبيبة .. وبسواها وكأسي وخمري، لا أبالي بشيء
وما أطيب هذا الحديثَ الذي تغنّى به .. مسيحيٌ على باب حانة بالدُّف والناي وقتَ السَّحر
إذا كان الإسلامُ على هذه الشاكلة هو ما لدى حافظ، فويلاه إذا أعقب عيشَ اليوم غدُ القيامة.