العجميّ الكورانيّ من مشايخ التصوّف في مصر

العجميّ الكورانيّ من مشايخ التصوّف في مصر

يوسف العجميّ الكورانيّ من مشايخ التصوّف في مصر

 أحيا طريقة الجنيد بمصر بعد اندراسها، وكان ذا طريقة عجيبة في الانقطاع، والتسليك، وله تلامذة ومريدون كثيرون، وعدة زوايا. توفي في زاويته بالقرافة الصغرى في يوم الأحد جمادى الأولى سنة ثمان وستين وسبعمائة وصلّى عليه خلق لا يحصون، وأخذ العهد، ولبس الخرقة عن الشيخ نجم الدين محمود الأصفهانيّ، وعن الشيخ بحر الدين حسن الشمشيريّ، وتلقّن ذكر “لا إله إلّا الله” عليهما رضي الله تعالى عنهما، وهذان الشيخان من سلسلة الجنيد، ولما ورد عليه وارد الحقّ بالسفر من أرض العجم إلى مصر، لم يلتفت إليه فورد ثانيًا فلم يلتفت إليه فورد ثالثًا، فقال: اللهمّ إن كان هذا وارد صدق فاقلب لي عين هذا النهر لبنًا حتى أشرب منه بقصعتي هذه، فانقلب النهر لبنًا وشرب منه ثمّ ذهب إلى مصر. (يمكنك أن تتجاوز عن هذه الكرامة العجيبة وتتابع قراءة سيرته)!

وكان حسن التستريّ أقدم منه هجرة عند الشيخ، وكان يقاربه في الرتبة، وقيل: إنّه كان أرقي منه درجة فلحقه بأرض مصر فقال له يوسف الكورانيّ: يا أخي! الطريق لا تكون إلّا لواحد، فإما أن تبرز أنت للخلق، وأكون أنا خادمك، وإما أن أبرز أنا وتكون أنت خادمي قياما لناموس الطريق، فقال له حسن التستري: بل أبرز أنت وأكون أنا خادمك فبرز يوسف الكورانيّ، وأبرز بمصر الكرامات، والخوارق. (لاحظ هنا تكرار لا يجتمع أسدان في مكان واحد وهي فكرة مكررة عند الصوفيّة).

 وكانت طريقته التجريد، وأن يخرج كل يوم فقيرًا من الزاوية يسأل الناس إلى آخر النهار، فمهما أتى به هو يكون قوت الفقراء ذلك النهار كائنًا ما كان، وكان يوم الفقراء يأتي أحدهم بالحمار محمّلا خبزًا وبصلا وخيارا وفجلا ولحمًا، ويوم سيدي يوسف يأتي ببعض كسيرات يابسة يأكلها فقير واحد فسألوه عن ذلك فقال:

 أنتم بشريتكم باقية وبينكم وبين الناس ارتباط، فيعطونكم، وأنا بشريتي فنيت حتّى لا تكاد ترى فليس بيني وبين التجار والسوقة وأبناء الدنيا كبير مجانسة. (لاحظ أنه سيركّز في دروسه بعد ذلك على الخلوة وعدم صحبة أبناء الدنيا).

وأنشد فيه الشيخ يحيى الصنافيريّ حين وقع بينه وبينه ما وقع في معارضة الشيخ يوسف في دخول مصر:

ألم تعلم بأنّي صيرفيّ … أحك الأولياء على محكّي

فمنهم بهرج لا خير فيه … ومنهم من أجوزه بسبكي

وأنت الخالص الذهب المصفى … بتزكيتي ومثلي من يزكّي.

يقول الكورانيّ عن ضرورة تلقين ذكر لا إله إلّا الله:

تلقين ذكر لا إله إلّا الله، لأنّ عيسى عليه السلام قال: لن يلج ملكوت السماء من لم يولد مرّتين. والولادة لا تكون إلّا بين اثنين، وفي معناه قول النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم: موتوا قبل أن تموتوا. والموت الاختياريّ سبب للعروج في ملكوت السماوات. ولهذا لمّا سأل عليّ رضي الله عنه النبيّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله دلّني على أقرب الطرق إلى الله تعالى وأسهلها على عباده وأفضلها عند الله تعالى، فقال: يا عليّ عليك بمداومة ذكر الله تعالى في الخلوات، فقال عليّ: هكذا فضيلة الذكر وكلّ الناس ذاكرون، فقال صلّى الله عليه وسلّم: مه يا عليّ، لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله الله، فقال: عليّ كيف أذكر يا رسول الله؟ قال: غمض عينيك واسمع منّي ثلاث مرّات، ثمّ قل أنت ثلاث مرّات وأنا أسمع، فقال صلّى الله عليه وسلّم: لا إله إلّا الله ثلاث مرّات مغمّضًا عينيه رافعًا صوته وعليّ يسمع، ثمّ قال عليّ: لا إله إلّا الله ثلاث مرّات مغمّضًا عينيه رافعًا صوته والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسمع.

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!