السّماع الصّوفيّ بين الطّريقة والشّريعة

السّماع الصّوفيّ بين الطّريقة والشّريعة

السّماع الصّوفيّ بين الطّريقة والشّريعة

بحث في الخلفيّة الاعتقاديّة

بقلم: د. عبد السّلام الحمدي

يُحوج اكتناه السّماع الصّوفيّ إلى مقاربة شاملة تأتي على كافّة أبعاده المعرفيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة، وتتطلّب مقاربة بهذه الصّفة عدم الذّهول عن الخلفيّة النّظريّة المنتجة لممارسة عمليّة من هذا النّوع، والذّهول عنها غير خفيّ في ما وقفنا عليه من الأبحاث والدّراسات، أين يطغى الكلَف بإثبات كون هذه الظّاهرة ترجع إلى أصل من خارج التّديّن الإسلاميّ[1]، أو الاهتمام بتبيّن صيرورتها التّاريخيّة عبر استنطاق نصوص المتصوّفة مع الحرص على تأييدها بالكتاب والسّنّة[2]، أو غير هذيْن ممّا يتّصل بعناصرها الإجرائيّة.

إذن، تتعلّق همّتنا في هذا العمل بالنّفاذ إلى ما وراء السّماع الصّوفيّ من أصول نظريّة، وربّما يهيّئ لنا تحقيقَ هذه الغاية استقراءُ المتاح من كلام المتصوّفة في الموضوع. ولقد أوقفنا التّمعّن في ما تيسّر منه على كون أبي حامد الغزالي (ت 505 ﻫ) صاحب قصب السّبق إلى تناول الوجه العمليّ للطّريق الصّوفيّ بتمثّل شموليّ ونسقيّ وضعه بين دفّتيْ كتابه «إحياء علوم الدّين» تحت عنوان «علم المعاملة»، مفرّعا المعاملات إلى أربعة أرباع: عبادات وعادات ومهلكات ومنجيات، فكان بذلك جامعا لما يقوم عليه التّصوّف التّطبيقيّ برمّته. وليس يحطّ من شأن السّماع أن أدرجه مؤلّف الإحياء في العادات لا العبادات، لأنّ هذه، في رأي الرّجل، «ممّا لا يستغني عنه متديّن»[3].

قد لا يثير هذا الرّأي أيّ إشكال في ما يتّصل بآداب الأكل والنّكاح والمعاشرة وأشباه ذلك ممّا يسمّيه الغزالي عادات، ولكنّه يحرّك سواكن السّياق الثّقافيّ[4] عندما يتعلّق الأمر بعادة من نوع السّماع، فهذا يفتقد إلى إجماع لدى سدنة السّنّيّة السّائدة حول مشروعيّته، بل يميل الموقف السّنّيّ، في مستواه النّظريّ على أدنى تقدير، إلى تحريمه. ويهمّنا هنا أن نستكشف ما وراء هذا الموقف الفقهيّ وذاك الاحتفاء الصّوفيّ من موجّهات اعتقاديّة، ولا ريب في أنّ استجلاء مقوّمات ما نعبّر عنه بـ”السّياق السّماعيّ” خطوة ضروريّة على سبيل إدراك ما نروم استكشافه.

  1. السّياق السّماعيّ الصّوفيّ

ليس من مطمع في العثور على تعريف جاهز، بين أيدي المتصوّفة، يحدّ ما يسمّونه السّماع حدّا لغويّا واصطلاحيّا، فما تفي بالغرض الوفرة الوفيرة من أقوالهم المأثورة ولا الكثرة الكثيرة من بياناتهم المسطورة، وقد يطول الكلام في علل انعدام تعريف جامع مانع لدنهم، ولعلّ الكفاية في التّنويه بأنّهم ما ولعوا بوضع حدود الألفاظ على منوال غيرهم من أصحاب العلوم. ولكن يسعنا تبيّن ملامح عادتهم تلك عبر مقتطَف من سفر الإحياء نحسب أنّه ألمّ بها في إيجاز بليغ، يقول الغزالي في مفتتح الباب الأوّل من كتاب آداب السّماع والوجد ضمن مصنَّفه ذاك: «اعلم أنّ السّماع هو أوّل الأمر، ويثمر السّماع حالة في القلب تسمّى الوجد، ويثمر الوجد تحريك الأطراف، إمّا بحركة غير موزونة فتسمّى الاضطراب، وإمّا موزونة فتسمّى التّصفيق والرّقص»[5].

يوقفنا هذا الشّاهد على أنّ السّماع يندرج في سياق تواصليّ، مبتدؤه فعل صوتيّ سمعيّ مُفض إلى انفعال وجدانيّ قلبيّ يتراءى للعيان في حركة جسديّة:

صوت مؤثّر (سمع) ¬ تأثّر وجدانيّ (وجد) ¬ أثر جسديّ (اضطراب أو تصفيق + رقص)

إذن، يُطلَق السّماع في الاصطلاح الصّوفيّ على شكل من التّواصل الحسّيّ قوامه صوت قادح لاتّصال روحيّ مسمّى لدن المتصوّفة بالوجد، ولئن يَبْدُ هذا غير مندرج في مفهوم ذاك المصطلح، فإنّه متعلّق به تعلّقا شرطيّا فضلا عن التّرابط السّببيّ، إذ لا يكون السّماع سماعا بالمعنى الصّوفيّ ما لم تتحقّق وظيفته الوجدانيّة المذكورة، على ما يؤكّد محيي الدّين بن عربي (ت 638 ﻫ) ضمن فتوحاته المكّيّة حيث ورد قوله: «نقول في هذا الطّريق: كلّ سماع لا يكون عنه وجد وعن ذلك الوجد وجود، فليس بسماع»[6].

ويفيد استقراء مرويّات المتصوّفة، ضمن الأبواب ذات الصّلة بالمسألة من مدوّناتهم، أنّ السّياقات التّواصليّة الّتي تكتنف السّماع الصّوفيّ ربّما تكون عفويّة لا قصديّة، نعني كونها قد تنشأ مصادفة، بمنأى عمّا يقترن بمجالسهم في هذا الإطار من تصميم قبليّ وإعداد مسبق، وحكاياتهم الدّائرة على العفويّ من تلك السّياقات أكثر من أن تُحصى، ونذكر منها لمجرّد ضرب المثل قصّةَ متصوّف سمع طوّافا ينادي: «يا سعتر برّي»، فسقط مغشيّا عليه، فلمّا أفاق سُئل، فقال: حسبته يقول: «اِسْعَ تَرَ بِرِّي»[7].

يخرج عن دائرة اهتمامنا، هنا، هذا اللّون من السّماع، وإنّما يستحوذ عليها الإراديّ منه، ذلك المنوط بنظام مسلكيّ وظيفيّ راجع إلى جهاز نظريّ نسقيّ يمدّه بمدلولاته، وهو على قدر من التّرتيب والتّنظيم ينعكس في ما شرح القوم خلال مؤلّفاتهم من آدابه ويعكس مدى حرصهم على بعده الغائيّ المرتبط بفلسفة الطّريقة الصّوفيّة، ذلك أنّهم ضبطوا أركان السّياق السّماعيّ بما يحقّق الهدف الأسمى من الانخراط في تجربة التّصوّف، وهو الاتّصال الرّوحيّ بالمعبود، فمن جنس الغاية تكون سائر المقوّمات من الخطاب والمشاركين في عمليّة التّخاطب والقناة والإطار الزّمكانيّ وغير ذلك، ولنا عند كلٍّ من المقوّمين الأوّلين وقفة على درب تجلية خصائص السّماع الصّوفيّ.

1.أ. الخطاب في السّياق السّماعيّ الصّوفيّ

قد يحيلنا التّطرّق إلى هذا العنصر على قضيّة ذات طابع فقهيّ أرّقت أهل التّصوّف الّذين قلّما طرقوا باب السّماع دون الخوض في المباحات والمحظورات، على هذا الصّعيد، من السّمعيّات اللّفظيّة والآلات الإيقاعيّة، لكن ليست نظائر هذه القضيّة من مشاغلنا في هذه المرحلة من عملنا، وإنّما نُعنَى بتصنيف الخطاب، سواء أكان المسموع قرآنا أم شعرا أم رجزا أم لحنا، وسيّان المندرجُ فيه الأوتار والمعازف وأمثالها وغيرُ المندرج فيه تلك الوسائل. والمعوَّل عليه في التّصنيف تمثّلُ المتصوّفة أنفسهم لما يمارسونه، فإن لم نأخذه بعين الاعتبار لم يسعنا الذّهاب إلى أبعد من القول إنّ ما نتحدّث عنه لا يعدو كونه خطابا بشريّا فنّيّا يتكيّف وفق الملفوظ بالتّشكّل في تلاوة أو إنشاد أو غناء، وليس كذلك مجرّدا عند أهل الطّريقة.

يتعذّر علينا إدراك طبيعة الخطاب في السّياق السّماعيّ الصّوفيّ ما لم نلتفت إلى فكرة أساسيّة يتردّد صداها حيثما تناول المتصوّفة مبحث السّماع أدراَج مؤلّفاتهم، ألا وهي فكرة “الصّوت الحسن”، وعليها مدار تأويلات لبعض آي القرآن يحتجّون بها، معزّزة بأحاديث معزوّة إلى النّبيّ يتناقلونها، فمن هذه الأحاديثِ العبارةُ: «ما بعث اللّه نبيّا إلاّ حسن الصّوت»[8]، ومن تلك التّأويلات زعمهم أنّه قيل في تفسير الآية «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ»[9] إنّه «الخلُق الطّيّب والصّوت الحسن» أو«من ذلك الصّوت الحسن» أو«الصّوت الحسن»[10].

تكمن أهمّيّة هذه الفكرة في كون “الصّوت الحسن”، عند أهل التّصوّف، بمثابة خطاب مباشر بين اللّه والسّامع، حتّى إذا لم يكن المسموع قرآنا، فلا غرو أن أجاب ذو النّون المصريّ (ت 245 ﻫ) سائله عن هذا النّوع من الأصوات تحديدا بالقول: «مخاطبات وإشارات أودعها اللّه تعالى كلّ طيّب وطيّبة» على ما روى القشيريّ[11] . ولعبد القادر الجيلانيّ (ت 561 ﻫ) كلام في السّماع يكشف أنّ هذا الخطاب لا يتّخذ وجهة واحدة، وإنّما هو حالة تفاعليّة يكون فيها السّامع مخاطَبا ومخاطِبا بنحو يوضّحه صاحب الغنية موصولا بتلاوة القرآن، قائلا: «إذا قرع سمعه شيء يرى القارئَ للقرآن كأنّه مستنطَق من قِبَل الحقّ عزّ وجلّ فيما يرد عليه من تعريفات الغيب إيّاه، ممّا يوجب ترغيبا أو ترهيبا أو إيناسا أو عتابا أو زيادة في القيام بعبادته عزّ وجلّ أو غيره، فعند ذلك بادر إلى ما يرد عليه، وقابل الإشارة عليه بالبدار، وإن كأنّ السّماع بحيث يصير كأنّ لسان القارئ لسانه، وصار كأنّه يخاطب هو الحقّ بما يقرأ القارئ»[12].

ينسحب ما بيّنه الجيلانيّ على كافّة أوجه الخطاب في السّياق السّماعيّ الصّوفيّ، ولو كان على شكل غزليّات شعريّة[13]، وليس يشينه من منظار المتصوّفين أن يتلبّس بهذا الشّكل، لأنّه في رأيهم إشاريّ، يحتمل وراء وجهه الجليّ الغزليّ إشارات خفيّة ربّانيّة يلتقطها الرّاسخون في الطّريقة من المتلقّين الّذين لا اعتبار عندهم لمقاصد الشّاعر على ما يوضّح السّرّاج الطّوسيّ قائلا: «المعوّل والمقصود في ذلك على مقاصد المستمعين فيما يسمعون، وعلى حسب مصادفات أسرارهم من ذلك، ومن حيث أوقاتهم وما يكون الغالب على قلوبهم، فإذا سمعوا شيئا يوافق ما هم به في الوقت تقوى بذلك مُكْمَنَات سرائرهم وما انضمّت عليه ضمائرهم، فينطقون من حيث وجدهم، ويشيرون من حيث قصدهم وصدقهم وإلى ما يليق بحالهم، ولا يخطر ببالهم قصد الشّاعر في شعره ومراد القائل بقوله، وكذلك لا تصطلمهم غفلة القارئ عند قراءته إذا كانوا منتبهين، ولا يوحشهم تشتّت الذّاكر عند ذكره إذا كانوا مستجمعين»[14].

1.ب. المشاركون في السّياق السّماعيّ الصّوفيّ

يفيد كلام السّرّاج أنّ السّياق السّماعيّ الصّوفيّ سياقان في واقع الحال متباينان على تقاطعهما، أحدهما سياق التّلفّظ، وقوامه ما يتّصل بــ “القارئ” أو “القوّال” من حيثيّات مادّيّة وذهنيّة ونفسيّة، وثانيهما سياق التّلقّي، وهو جماع أحوال المستمع الوجدانيّة والرّوحيّة، وفي خضمّ هذه الأحوال تتحدّد دلالات الخطاب بمعزل عن تلك الحيثيّات، لكنّ هذا لا يكون إلاّ بالنّسبة إلى صنف مخصوص من المشاركين الّذين يتفاوتون  في مدارج السّلوك على طبقاتٍ تكلَّف مشايخ الطّريق عدَّها وبيانَ مميّزات كلٍّ منها عن سائرها، وبهذا الصّدد نقل عنهم صاحب كتاب “اللّمع” أقوالا متنوّعة، متوسّعا في شرح واحد منها، لعلّ ألطفها إشارة إلى أصناف الخاصّة من أهل السّماع، لكن لا يختلف عنها اختلافا جوهريّا من حيث المحتوى، بل يمكن تناوله على ضوئها، ألا وهو تصريح بندار بن الحسين (ت 353 ﻫ) بأنّ «السّماع على ثلاثة أوجه: فمنهم من يسمع بالطّبع، ومنهم من يسمع بالحال، ومنهم من يسمع بالحقّ»[15].

المراد بالطّبقة الأولى في تصنيف بندار – على ما فهمه السّرّاج – كلّ ذي روح، إذ يستطيب أيّ مخلوق من هذا الجنس الصّوتَ الطّيّب، وعلى هذا يدخل في السّامعين من هذا النّوع العامّ والخاصّ، لا فرق في هذا المستوى بين السّالك وسائر النّاس، وكثُر ما ساق مؤلّفو كتب التّصوّف من الأمثلة الدّالّة على أنّ سماع الصّوت الجميل طبع جبلّيّ أودعه الخالق مخلوقاته، ومن أشهرها مثَل الطّفل في المهد يبكي حتّى إذا سمع صوتا طيّبا سكت ونام[16]، ومثَل الجِمال ينهكها السّير، فما إن تسمع الحادي تسترجع نشاطها[17]. وكذا أمر طالبي الأحوال الشّريفة من المريدين والمبتدئين في الطّريق الصّوفيّ، قد يُطربهم مجرّد الصّوت عند السّماع، بسبب غلبة الطّبع عليهم، ولأنّ ذلك أعلق بالنّفس تُخشى عليهم الفتنة والمراءاة.

أمّا المقصود بالصّنف الثّاني فمَن إذا طرق سمعَه صوتُ تلاوةٍ أو إنشادٍ أو غناءٍ لم يذهل عن محمولاته من المعاني المثيرة لوجدانه، فيحصل أن يرد على مسمعه حال من أحوال المحبّين[18] يوافق حاله في وقت السّماع، وينقدح سرّه على قدر صفائه وقتئذ بما ينعكس على جوارحه حركة واضطرابا وتهيّجا. فهذا من الصّدّيقين الّذين يطلبون الزّيادة في أحوالهم، وفي شأنهم يقول السّرّاج إنّهم يضبطون حركتهم على قدر طاقتهم ويعجزون عن ضبطها بمقدار ما يرد عليهم، فما يحول بينهم وبين طيران عقولهم وتلف نفوسهم وذهاب أرواحهم، من شدّة وطأة مواجيدهم أثناء السّماع، إلاّ حفظ اللّه إيّاهم بفضله ورحمته ورفقه.

يشترك الصّنفان المذكوران في كون سماعهما طلبيّا، بمعنى أنّه يقترن بطلب الأحوال السَّنيّة أو طلب الزّيادة فيها، ولذلك لا يُؤمَن عليهما في أحوالهما الزّلل، إذ هي ممزوجة بحظوظ البشريّة رغم أنّها أحوال شريفة، والتّجرّد منها هو أحد الفوارق النّوعيّة الّتي تميّز الصّنف الثّالث من أهل السّماع الصّوفيّ، فرجال هذا الصّنف «خمدت بشريّتهم» على حدّ عبارة السّرّاج، وأضحى سماعهم «باللّه وللّه ومن اللّه وإلى اللّه»، ما أوسعهم أن يشهدوا من موارده «على أسرارهم إظهارَ حكمته وآثار قدرته وعجائب لطفه وغرائب علمه». وهؤلاء هم الواصلون إلى الحقائق من العارفين ذوي الاستقامة، «لا يتأبّون على اللّه في ما يرد على قلوبهم في حين السّماع من الحركة والسّكون».

إنّ الحاصل من كلام المتصوّفة في أحوال مختلف هذه الطّبقات عند السّماع أنّ سياق التّلقّي سياقات متنوّعة على قدر تعدّد مراتب السّامعين من أهل الطّريقة، وجليّ أنّ هذا التّعدّد وذاك التّنوّع مقترنان بمقدار تباين قنوات الاتّصال، فشريحة تسمع بالأذن المجرّدة، وفئة تسمع بالوجدان، وأخرى تسمع باللّه، لكنّ جميع هذه القنوات تصبّ في وعاء واحد هو القلب بصفته مستودع الموارد على تفاوتها وضاعة ورفعة، ومن صفته هذه يكتسب محوريّته في الطّريق الصّوفيّ عموما والسّياق السّماعيّ على وجه الخصوص، إذ مدارهما على تدرّجه من وضع المحبّة الصّلاحيّة إلى مقام المحبّة الفعليّة بنحو يعكسه تغيّر القنوات وتبدّل سياقات التّلقّي.

  1. السّماع والمحبّة في الطّريق الصّوفيّ

كشف تور آندريه Tor Andrae النّقاب عن جوهر الطّريق الصّوفيّ بافتراضه البليغ القائل إنّه ما من شكّ في أنّ المتصوّف لو سُئل أن يوجز بكلمة واحدة فحوى علاقته باللّه لما اختار مفردة غير كلمة «المحبّة»[19]. ويمكننا العطف على افتراضه هذا بالقول إنّه ليس ثمّة ريب في أنّ السّالك لو طُلب منه تلخيص ما بينه وبين أخيه الإنسان بكلمة وحيدة لما انتخب سوى تلك المفردة. ولا عجب، فإنّ المحبّة[20] مبتدأ طريق التّصوّف ومنتهاه، وعليها مدار السّير فيه، ذلك أنّ اللّه أحبّ عباده من أوليائه ابتداء، إذ عرّفهم نفسه، ودلّهم على طاعته، وبفعل محبّته السّابقة لهم سلكوا طريق الوصول إليه، وهو ما تفطّن إليه بأخَرة أبو يزيد البسطاميّ (ت 261 ﻫ) الّذي يُنسب إليه هذا الاعتراف: «غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء: توهّمت أنّي أذكره وأعرفه وأحبّه وأطلبه، فلمّا انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري ومعرفته سبقت معرفتي ومحبّته أقدم من محبّتي وطلَبَه لي أوّلا حتّى طلبته»[21].

إذن، يتحبّب اللّه لعباده المصطفين من أهل الطّريق، فيودع في قلوبهم محبّتهم إيّاه، لتكون القوّة المحرّكة لهم عند مكابدة السّير تحت وطأة آلام يعايشونها في تلذّذ وعذاب متّصلين مترابطين ترابطا لا يقبل الانفصام[22]. فما إن يصل الواحد منهم إلى مقام الخُلّة – أي المحبّة التّامّة الّتي لا خلل فيها[23] على معنى الآية «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً»[24] – يدرك أنّ اللّه يحبّه، ويحقّ له حينئذ التّدلّل عليه، إذ تُسقط المحبّة الكُلفة بما تزيل من الأحجبة. بشيء من هذا القبيل أجاب الجنيد (ت 297 ﻫ) لمّا سُئل عن ذاك المقام، إذ قال إنّ فيه: «يعلم العبد أنّ اللّه عزّ وجلّ يحبّه، ويقول العبد: بحقّي عليك وبجاهي عندك. ويقول: بحبّك لي. وهؤلاء هم المدلون على اللّه تبارك وتعالى، والمستأنسون باللّه تعالى، وهم جلساء اللّه تعالى، قد رفع الحشمة بينه وبينهم، وزالت الوحشة بينهم وبينه، فهم يتكلّمون بأشياء هي عند العامّة كفر باللّه، لما قد علموا أنّ اللّه تعالى يحبّهم وأنّ لهم عند اللّه جاها ومنزلة»[25].

على ضوء تصوّر كهذا للمحبّة يمكننا فهم ما يحصل في سياق السّماع الصّوفيّ من عجائب الوجد، ذلك أنّه باستيلاء اللّه على قلب المستمع يصير الصّوت الحسن، من التّلاوة والإنشاد والغناء، حاملا لمخاطبات المستولِي، ترد المستولَى عليه للتّرويح عنه في ما يزعم غير متصوّف، فهذا يحيى بن معاذ الرّازي (ت 258 ﻫ) يخبرنا بأنّ الصّوت الحسن روحة من اللّه لقلب فيه حبّه[26]، كما يعلمنا رجل آخر من أهل التّصوّف بأنّ النّغمة الطّيّبة روح من المعبود يروّح بها قلوبا محترقة بناره[27]. بيد أنّ الموصوف في الشّاهدين هو المثل الأعلى المأمول الّذي لا يقوم على الطّلب، وينحصر في الطّبقة الثّالثة من الطّبقات الّتي فرط بيانها، وهي فئة الواصلين إلى مقام الخلّة، المتحقّقين بالحقائق من العارفين. أمّا الغالب في السّماع فما يسمّيه المتصوّفة التّواجد، يعنون تجشُّم السّعي للوصول إلى حالة الوجد بواسطة التّلاوة أو الإنشاد أو الغناء، وحتّى الرّقص[28]، والقصور عن تلك الحالة لا يعدو كونه صدى لعدم تمام المحبّة.

ليس التّواجد، إذن، إلاّ طلبا عبر الصّوت الحسن والنّغمة الطّيّبة لتمام المحبّة بين العبد ومعبوده، ما يفيد أنّ السّماع يتنزّل ضمن رؤية خاصّة لعلاقة الإنسان باللّه، فمقتضى كوْنه الآليّةَ الّتي يتقرّب بها أهل الطّريقة إلى الخالق أنّ تمثّلهم للذّات الإلهيّة وصفاتها من جنسه، ولمّا كان هو أعلق برقّة الطّبع لرقّته[29]  يمتنع أن تتراءى لهم تلك الذّات في جبروتها وقهرها وانتقامها وغير ذلك من الصّفات الجلاليّة الموجبة للخوف لا المحبّة، بل حريّ بهم ألاّ يلتفتوا إلاّ لرحمته ورأفته وودّه وسوى هذه النِّسَب من متعلَّقاته الجماليّة. وعلى هذا مبنى التّصوّف أصلا، وفيه مكمن العدول الصّوفيّ عن التّديّن السّنّيّ، نعني التّديّن المألوف السّائد بتجلّياته المختلفة  لا فقط التّديّن المعبِّر عن نفسه بلقب “أهل السّنّة”.

إذا سلّمنا بأنّ معجم ابن منظور المسمّى بـ”لسان العرب” مرآة للمتخيَّل العربيّ الإسلاميّ حتّى عصره على أدنى تقدير، تَاحَ لنا التّوسّل بشرح مؤلِّفه لمادّة «دين» في استبيان طبيعة التّديّن السّنّيّ، وعصارة شرحه أنّ الدّينَ القهرُ والحسابُ والجزاء والمكافأة والطّاعة والذّلّ، وأنّ الدّيّانَ القهّارُ والحاكمُ القاضي. ودان النّاس أي قهرهم على الطّاعة، يُقال: دِنْتُهُم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا. ودانه أي أذلّه واستعبده[30]. وحاصل هذه العصارة أنّ القهر هو قطب الرّحى في التّديّن الواسم للسّياق الثّقافيّ العامّ، وأنّ العلاقة بين اللّه والإنسان قوامها الهيبة الإلهيّة والتّهيّب البشريّ، وليس ما شهده التّاريخ الإسلاميّ ويحدث على أيّامنا هذه من وقائع عنفيّة جسيمة باسم الدّين إلاّ مظاهر لهذا المنحى الجلاليّ في فهمه.

إذن، يستمدّ التّصوّف قيمته من كونه انزياحا جماليّا في سياق ثقافيّ جلاليّ، فلا غروى أن تُلازم ظواهرُ من نوع السّماع الطّريقَ الصّوفيّ الّذي يتشوّف سالكه إلى الحلول في صورة اللّه، نعني الحلول الأخلاقيّ لا الميتافيزيقيّ ، أي أن يتقمّص المحبّ سجايا المحبوب على حدّ قول الجنيد حين سُئل عن المحبّة إنّها «دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحبّ»[31]، فمن شأن تلك الظّواهر أن تساعد على التّخلّق بصفات الجمال الإلهيّة الّتي يسعفنا أبو سليمان الدّارانيّ (ت 215 ﻫ) بتعدادها قائلا: «جلساء الرّحمان يوم القيامة من جعل فيهم خصالا باقية: الكرم والحلم والعلم والحكمة والرّحمة والرّأفة والفضل والصّفح والإحسان والعطف والبرّ واللّطف»[32].

وطبيعيّ ألاّ تكون أجرأة التّمثّل الصّوفيّ الجماليّ للذّات الإلهيّة في مأمن إزاء السّياق الثّقافيّ الّذي مابرح يطلّ برأسه كلّما تطرّق المتصوّفة إلى أمر السّماع، فكثُر ما انساقوا إلى تناوله بمنطق الشّريعة والبحث في المباح والمحظور من الآلات الإيقاعيّة، وبوسع المرء أن يلاحظ بيسر فاعليّة التّديّن السّنّيّ في معالجتهم لهذا الموضوع، من خلال عباراتٍ كقول عبد القادر الجيلانيّ: «وفي الجملة لا يكون في الطّريقة ولا في علم الحقيقة شيء يخالف آداب الشّريعة»[33]، وعبر مواقفَ كإبطال الآلات من المعازف والمزامير وكلّ ذي وتر، استنادا إلى المرويّ عن النّبيّ[34].

والحقّ أنّهم ما فتئوا يلاقون عنتا شديدا في تكلّفهم ردم الهوّة بين الطّريقة والشّريعة على هذا الصّعيد، فليُنظر، مثلا، الكتاب الخاصّ بآداب السّماع والوجد ضمن سفر الإحياء[35]، أين قلّب مؤلّفه النّظر في الموضوع على نحو قوامه اعتماد لسان الشّريعة بروح الطّريقة، ذلك أنّه ما أطال الكلام فيه – مستعرضا مختلف ما دار على حكم السّماع من أقاويل الفقهاء والمتصوّفة ثمّ متطرّقا إلى بيان الأدلّة على إباحته ثمّ معرّجا على ذكر آثاره وآدابه – إلاّ لينتهي إلى موقف حُكميّ منطلقه أصناف السّامعين لا طبيعة السّماع ذاته، منزاحا بفعل الرّوح الصّوفيّة عن المنطق الشّرعيّ السّنّيّ الّذي لا يلتفت في أحكامه إلى تفاوت النّاس أخلاقيّا وروحيّا، وإنّما ينصرف إلى استنباطها من النّصوص، استخراجا أو قياسا، بقطع النّظر عن مراتب متلقِّي الخطاب التّشريعيّ: يقول الغزالي في خاتمة الكتاب الّذي أومأنا إليه: «فقد خرج من جملة التّفصيل السّابق أنّ السّماع قد يكون محرّما محضا، وقد يكون مباحا، وقد يكون مكروها، وقد يكون مستحبّا. أمّا الحرام فهو لأكثر النّاس من الشّبّان ومن غلبت عليهم شهوة الدّنيا، فلا يحرّك السّماع منهم إلاّ ما هو الغالب على قلوبهم من الصّفات المذمومة. وأمّا المكروه فهو لمن لا ينزله على صورة المخلوقين، ولكنّه يتّخذه عادة له في أكثر الأوقات على سبيل اللّهو. وأمّا المباح فهو لمن لا حظّ له منه إلاّ التّلذّذ بالصّوت الحسن. وأمّا المستحبّ فهو لمن غلب عليه حبّ اللّه تعالى ولم يحرّك السّماع منه إلاّ الصّفات المحمودة»[36].

ومن تبعات غلبة تلك الرّوح عينها في معالجته لمسألة السّماع، تفضيل أبي حامد غناء القوّالين على تلاوة القارئين، باعتبار أنّ الغناء أشدّ تهييجا للوجد من القرآن[37]، وقد توسّع في بيان أوجه هذا الاعتبار بما يسفر عن كون أحوال المتلقِّي، لا المعطيات النّصّيّة، مرجعَ النّظر في اختيار المتلقَّى، ولا مناص من نقل كلامه في ذلك لقوّة دلالته، لكن يضيق المجال عن إيراد التّفاصيل[38]، فلنَكْتَفِ بإجمالها كما يلي:

  • القرآن لا يصلح لتنزيله على ما هو ملابس للمستمِع من الحزن والشّوق وما جرى مجراهما، فآيات الميراث والطّلاق والحدود، مثلا، ليست إعرابا عن أحوال قلبيّة، لذا ليس من شأنها تحريك القلب
  • يضعف أثر القرآن في القلوب بقدر تكراره على الأسماع، ولاسيّما أنّه محصور، لا يمكن الزّيادة عليه، كلّ مرّة، بلفظ غريب يحرّك السّواكن، بينما يقدر المغنّي، في كلّ وقت، على الإتيان بالأبيات الغريبة والألحان الفريدة
  • يوجد الوزن في الشّعر دون القرآن، وليس الصّوت الطّيّب الموزون كالصّوت الطّيّب غير الموزون، إذ الوزن مؤثّر في القلوب، وانعدامه قد يدخل الاضطراب على قلب المستمع وينفّر طبعه ويبطل وجده
  • يمكن التّصرّف في الشّعر بمدّ المقصور وقصر الممدود والوقف أثناء الكلمات والقطع والوصل وغير ذلك من الألحان الّتي يختلف تأثيرها لدى السّامع ولا تجوز في القرآن، وعدم جوازها فيه يسقط عنه الأثر الّذي تسبّبه
  • لاستثارة الوجد الضّعيف تُعضَد الألحان الموزونة بإيقاعات وأصوات أخرى موزونة من خارج الحلق، كالضّرب بالقضيب والدّفّ وغيره، والقرآن مصون عن تلك القرائن الإيقاعيّة
  • ليس كلّ كلام موافقا لكلّ حال من أحوال المستمع الّذي يستطيع أن ينهى القوّال عمّا يكرهه من الأشعار والألحان ويدعوه إلى ما يناسب حاجته القلبيّة، ولا يجوز له أن يصرف القارئ عن تلاوة ما لا يستجيب لمطلوبه، فتداخله كراهة القرآن من حيث لا يجد سبيلا إلى دفعه
  • القرآن كلام اللّه وصفة من صفاته غير المخلوقة الّتي لا تطيقها البشريّة بصفاتها المخلوقة، خلافا للألحان الطّيّبة الّتي تناسب الطّباع الإنسانيّة

جليّ أنّ هذه المعايير الّتي بَنَى عليها الغزالي موازنته بين غناء الألحان وتلاوة القرآن في سياق السّماع الصّوفيّ نابعة من قواعد الطّريقة لا ضوابط الشّريعة، فإنّه من المتعذّر في ظلّ موجّهات العقل التّشريعيّ السّنّيّ تقديم السّماع الشّعريّ واللّحنيّ على السّماع القرآنيّ، ومن أثر تلك الموجّهات أن قدح عبد القادر الجيلانيّ – شيخ المتصوّفة في عصره والمنتسب إلى الحنبليّة[39] أعتى تعبيرات التّديّن الجلاليّ – في من يميل عن سماع القرآن إلى سماع الأشعار والألحان، إذ قال: «ولا ينبغي للفقير أن يتقاضى القارئ ولا القوّال إن استبدل القول الّذي هو أدنى بالّذي هو خير – يعني الإتيان بالقرآن – على ما هو عادة أهل الزّمان اليوم، فلو صدقوا في قصدهم وتجرّدهم وتصرّفهم لما انزعجوا في قلوبهم وجوارحهم بغير سماع كلام اللّه عزّ وجلّ، إذ هو كلام محبوبهم وصفته، وفيه ذكره وذكر الأولياء الأوّلين والآخرين والماضين والغابرين والمحبّ والمحبوب والمريد والمراد وعتاب المدّعين لمحبّته ولومهم وغير ذلك، فلمّا اختلّ صدقهم وقصدهم وظهرت دعواهم من غير بيّنة (…) وقفوا مع القوّال والأبيات والأشعار الّتي تثير الطّباع وتهيّج ثائرة العشّاق بالطّباع لا بالقلوب والأرواح»[40].

بينما غلب المنطق الفقهيّ السّنّيّ، في التّصدّي لمسألة السّماع، لدى متصوّفة من أشباه الجيلانيّ، أسَرَت النّزعة الصّوفيّة آخرين من أمثال الغزالي، فكان موقفهم من المسألة صدى لاحتكام الطّريقة إلى أولويّة ما يغذّي المحبّة على ما يقوّي الرّهبة، وما هذه الأولويّة إلاّ تجسيدا لخلفيّة معرفيّة قوامها التّسليم بأنّ الحبّ هو جوهر الدّين لا الخوف، وعلى هذا تَجِلُّ المحبّة عن أن تكون مجرّد حال أو مقام في الطّريق الصّوفيّ، إنّها رؤية اعتقاديّة جماليّة للذّات الإلهيّة وصفاتها، إن ألقت بظلالها على علاقة المرء بالخالق والخلق، اتّخذ الدّفَّ، لا السّيف، آلة للجهاد في سبيل اللّه.

الهوامش

[1] . يُنظَر هذا المنحى في: أسين بلاثيوس، ابن عربي حياته ومذهبه، تع. عبد الرّحمان بدوي، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة، 1965، صص172-181.

[2] . يُنظر هذا التّمشّي في: فاطمة فؤاد، السّماع عند صوفيّة الإسلام، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 1997.

[3] . أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدّين، دار صادر، بيروت، 2000، ج1، صص17.

[4] . نستعمل مصطلح “السّياق الثّقافيّ” في الدّلالة على البُنى المعرفيّة والذّهنيّة والنّفسيّة العميقة السّائدة بما تنطوي عليه من أحكام مسبقة وضوابط صارمة.

[5] . أبو حامد الغزالي، م.س، ج2، ص332.

[6] . محيي الدّين بن عربي، الفتوحات المكّيّة، دار الفكر، بيروت، 1994، ج3، ص669.

[7] . السّرّاج الطّوسي، اللّمع، تح. عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة/ مكتبة المثنّى، القاهرة/بغداد، 1960، ص362. عبد الكريم القشيري، الرّسالة القشيريّة، تح. معروف زريق وعليّ عبد الحميد بلطه جي، دار الجيل، بيروت، ط2، (د.ت)، ص346.

[8] . السّرّاج الطّوسي، م.س، ص338. أبو حامد الغزالي، م.س، م2، ص335.

[9] . فاطر: 35/1.

[10] . السّرّاج الطّوسي، م.س، ص338. عبد الكريم القشيري، م.س، ص338. شهاب الدّين السّهروردي، عوارف المعارف، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1999، ص107.

[11] . عبد الكريم القشيري، م.س، ص340. وفي رواية السّرّاج الطّوسيّ (ت 378 ﻫ): «مخاطبات وإشارات إلى الحقّ أودعها كلّ طيّب وطيّبة» (م.س، ص339).

[12] . عبد القادر الجيلاني، الغنية لطالبي طريق الحقّ، المكتبة الثّقافيّة، بيروت، (د.ت)، ج2، ص180.

[13] . يُنظر أمر الشّعر الغزليّ الصّوفيّ ورمزيّته في: Reynold A. Nicholson, Mystics of Islam, G. Bell and Sons LTD, London, 1914, pp102-105.

[14] . السّرّاج الطّوسي، م.س، ص370.

[15] . السّرّاج الطّوسي، م.ن، ص349. ويُنظر ما لا نخصّه بالإحالة من التّفصيلات التّالية والشّواهد اللاّحقة في شأن طبقات أهل السّماع الصّوفيّ: المصدر نفسه، باب في وصف سماع الخاصّة وتفاضلهم في ذلك، صص349-351.

[16] . السّرّاج الطّوسي، م.ن، ص340.

[17] . السّرّاج الطّوسي، م.ن، ص.ن.

[18] . يُنظر ما سرد السّرّاج من تلك الأحوال ليُدرَك أنّها كلّها ممّا يعتري المحبّين: «ومن يسمع بحاله فإنّه يتأمّل إذا سمع حتّى يرد عليه معنى من ذكر عتاب أو خطاب، أو ذكر وصل أو هجر، أو قرب أو بعد، أو تأسّف على فائت أو تعطّش إلى ما هو آت، أو ذكر طمع أو يأس، أو بسط أو استئناس، أو خوف الافتراق، أو وفاء بالعهد، أو تصديق بالوعد، أو نقض للعهد، أو ذكر قلق أو اشتياق، أو فرح الاتّصال، أو ترح الانفصال، أو التّحسّر على ما لم ينل، أو القنوط على الّذي أمل، أو ذكر صفاء المحبّة، أو التّمكّن من المودّة، أو ذكر اعتراض الصّبوة بعد تمكّنه من الحظوة، أو ذكر محافظة الرّقيب عند ملاحظة الحبيب، أو تباريح الشّجون وفنون الفتون، وإهمال الجفون، وسكوب العبرات، وتردّد الزّفرات، وتجدّد الحسرات» (م.ن، صص349-350).

[19] . تور آندريه، التّصوّف الإسلاميّ، تع. عدنان عبّاس عليّ، منشورات الجمل، كولونيا، 2003، ص226.

[20] . للإلمام بشأن المحبّة عند أهمّ أعلام التّصوّف، يُنظر: Binyamin Abrahamov , Divine Love in Islamic Mysticism : The Teachings of Al-Ghazâlî and Al-Dabbâgh, RoutledgeCurzon, London – New York, 2003, pp25-41.

[21] . أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1988، ج10، ص34.

[22] . تور آندريه، م.س، ص233.

[23] . يُنظر: ابن منظور، لسان العرب، مادّة (خلل).

[24] . النّساء: 4/125.

[25] . أبو طالب المكّي، قوت القلوب، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1997، ج2، ص128.

[26] . السّرّاج الطّوسي، م.س، ص339.

[27] . السّرّاج الطّوسي، م.ن، ص.ن.

[28] . آنا ماري شيمل، الأبعاد الصّوفيّة في الإسلام وتاريخ التّصوّف، تع. محمّد إسماعيل السّيّد ورضا حامد قطب، منشورات الجمل، كولونيا، 2006، ص205.

[29] . السّرّاج الطّوسي، م.س، ص342.

[30] . ابن منظور، م.س، مادّة (دين).

[31] . السّرّاج الطّوسي، م.س، ص55. عبد الكريم القشيري، م.س، ص321. شهاب الدّين السّهروردي، م.س، ص297.

[32] . أبو نعيم الأصفهاني، م.س، ج9، ص266.

[33] . عبد القادر الجيلاني، م.س، ج2، ص180.

[34] . الحكيم التّرمذيّ، المنهيّات، تح. محمّد عثمان الخشت، مكتبة القرآن، القاهرة، (د.ت)، صص89-93. السّرّاج الطّوسي، م.س، ص348.

[35] . أبو حامد الغزالي، م.س، ج2، صص332-376.

[36] . أبو حامد الغزالي، م.ن، ج2، ص376.

[37] . أبو حامد الغزالي، م.ن، ج2، ص368.

[38] . للوقوف على التّفاصيل، يُنظر: المصدر نفسه، ج2، صص368-371.

[39] . شمس الدّين الذّهبيّ، سير أعلام النّبلاء، تحقيق جماعيّ بإشراف شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرّسالة – بيروت، ط11، 1996، ج20 ، ص441.

[40] . عبد القادر الجيلاني، م.س، ج2، ص180.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!