ابن عربي في الدراسات الاستشراقية

ابن عربي في الدراسات الاستشراقية

ابـن عربـي فـي الدراسات الاستشراقية*
بقلم محمد بن الطيّب‎

تمهيد:

في الوقت الّذي أصبح فيه عالمنا المعاصر قرية كونيّة بفضل ما شهده من ثورة معلوماتيّة وتقنيّة وطغت فيه القيم المادّية والنّفعية وتسارع النّاس إلى طلب اللّذة والسلطة والمال، تبرز ظاهرة لافتة للانتباه تتمثّل في انتعاش التصوّف وتزايد الإقبال عليه وانتشاره في أقطار الأرض وامتداد الاهتمام به إلى غير مريديه من المسلمين وغير المسلمين، يشهد لذلك الكمّ الهائل من الدّراسات بشتّى اللّغات وقد اتّخذت من التصوّف موضوعا أثيرا عندها، ممّا يؤذن بتعاظم الاهتمام بهذا الميدان.

ولعلّ ابن عربي (تـ 638هـ/1240م) الملقّب في الأوساط الصوفية بـ “الشيخ الأكبر” هو أوفر المتصوّفة حظّا من هذه الدّراسات. فحسبنا الإشارة إلى أنّ عكوف المستشرقين على ترجمة آثاره ودراسة تصوّفه يضارع اهتمام الدّارسين المسلمين به أو يزيد، ممّا حمل بعضهم على الحديث عن “نهضة أكبرية” وما هو في ذلك بمبالغ[1].

وإنّ كثرة الدّراسات الاستشراقية الّتي تناولت ابن عربي وتصوّفه تستدعي جهدا جبّارا للإحاطة بها وتصنيفها من جهة، وتقييمها وتقويمها من جهة ثانية. وذلك للوقوف على طرائقها البحثيّة وآلياتها الفكريّة ومرجعياتها الثقافيّة، والفحص عن دواعيها وأسبابها وإمعان النظر في مقاصدها وغاياتها ابتغاء الاستفادة من ثمراتها ومنجزاتها وتجنّب ثغراتها ومنزلقاتها. وما هذا البحث إلاّ مجرّد مساهمة متواضعة في تصنيفها وتقويمها.

1- الدراسات الاستشراقية الأكبرية صنفان:

أ- الصنف الوصفي

إنّ هاتيك الدّراسات على كثرتها وتنوّعها متفاوتة دقّة ووضوحا متفاضلة عمقا وإحكاما، لم تخرج في الجملة عن صنفين: أحدهما وصفيّ استكشافيّ هو الطّاغي من حيث الكمّ، يشتمل على دراسات وصفيّة هدفها التعريف بابن عربي وإطلاع القارئ غير المختصّ على أهمّ ملامح تصوّفه وأبرز معالمه وتقديم نماذج مترجمة من نصوصه والتوطئة لها بمقدّمات ذات قيمة توضيحيّة تساعد قارئها على حسن فهمها.

والحقّ أنّ هذا النّوع من الدّراسات لا يغنم منه القارئ العربيّ كبير إفادة، ولا يزيده علما وفمها وتدبّرا، إذ يكفيه الاطّلاع على النّصوص الأصليّة للتصوّف الأكبريّ حتّى يجد ضالّته ويستغني عن العودة إليها، وقلّما يعثر فيها القارئ المختصّ على استنتاج طريف أو تخريج لطيف أو فكرة جديدة. فمن ذلك كتابات جان شوفالييه Jean Chevalier وروجيه دولادريار Roger Deladrière وآن ماري شيمل Annemarie Schimmel وكمّ هائل من المقالات المنشورة في الدوريات الأعجميّة قلّما تتجاوز الوصف والتعريف إلى التحليل والنّقد والتأليف، على أنّ كثيرا منها لا يسلم من سوء الفهم ولا يخلو في معظم الأحيان من آراء مخلوطة وكم فيها من أغلوطة.

في مقابل ذلك نجد دراسات أخرى استشراقية غلب عليها الطابع الوصفي ولكنّها تمكّنت من تقديم عرض للتعاليم الصّوفية الأكبرية في غاية الصحّة والوثاقة مثل كتابات رينيه غينون René Guénon ومارتن لينغس Martin Lings وليو شايا Léo Schaya وتيتوس بوركارت Titus Burckhardt.

ب- الصنف التحليلي

أمّا الصّنف الثاني من الدّراسات الاستشراقيّة فهو نوع من الدّراسات العلميّة المتخصّصة تدلّ على سعة في الاطّلاع وعمق في التّفكير وتفطّن إلى لطائف المعارف وغوامض المعاني، وهي قليلة في الحقيقة. إنّها ثمرة جهود جبّارة لبعض المستشرقين الكبار ممّن أفنوا العمر في دراسة التصوّف، هذا المجال الخصب من مجالات الثقافة الإسلاميّة عموما، والتصوّف الأكبري خصوصا. ولهذه الدّراسات قيمة كبرى في مساعدة الباحث العربيّ المسلم على كشف كثير من المشكلات، وتبصيره بضروب من المعضلات وتفتح أمامه أبوابا من العلم ووجوها من التدبّر نخصّ بالذكر منها كتابات ميشال شودكوفيتش Michel Chodkiewcz وكلود عدّاس Claude Addas وستيفان رسبولي Stéphane Ruspoli ودينيس غريل Denis Gril وإيريك جيوفروي Eric Jeoffroy من فرنسا وويليام شيتيك William Chittick وألكسندر كنيش Alexander Knysh من الولايات المتّحدة الأمريكيّة وتوشيهيكو إيزوتسو Toshihiko Izutsu وماساتاكا تاكيشيتا Masataka Takeshita.

وما كان لمثل هذه الدّراسات أن تنجز لولا التراكم المعرفي الذي ساهم فيه جيل من الروّاد في هذا الميدان من أمثال نيكولسون Nicholson وماسينيون Massignon وكوربان Corbin. وإن من هؤلاء إلاّ مستفاد منه أو مردود عليه.

وللتمثيل على ما ذكرنا سنقتصر على الإشارة إلى بعض مواطن الإصابة والإضافة في قراءة المستشرقين لابن عربي وتصوّفه، وإلى بعض مواطن القصور والخلل فيها. وسيكون مدار بحثنا على وحدة الوجود لأنّها جوهر التصوّف الأكبري.

2- ملامح الإضافة وعناصر الطرافة في الدراسات الاستشراقية الأكبرية

من المفيد أن نشير سريعا إلى بعض ما أنجزه الاستشراق بخصوص البحث في حياة ابن عربي. فمن أجود ما كتب في هذا الباب أطروحة كلود عدّاس Claude Addas “ابن عربي أو البحث عن الكبريت الأحمر”[2]. بل لقد اهتمّ بعض المستشرقين بمزيد التدقيق والتحقيق بخصوص حياة ابن عربي قبل دخوله طريق التصوّف وذلك في مقال مهمّ في هذا المجال لجيرالد ألمور Gerald Elmore[3].

وفي مجال قراءة هذا الفكر وتقييمه تجاوز بعضهم نطاق الوصف إلى التحليل، وانتهى إلى آراء صائبة وأفكار ثاقبة منها مثلا ما أشار إليه جون دورينك Jean During وكلود عدّاس من أنّ ابن عربي كان واسع الاطّلاع على التراث الصوفي الّذي سبقه وأنّه استطاع أن يؤلّف من الأفكار ما كان شتيتا، ويجلّي ما كان غامضا، فالإشارات المتواترة في المدوّنة الأكبريّة إلى أفكار صوفيّة طوّرها سابقوه تدلّ على أنّه لم يكتف بقراءة تراث أسلافه قراءة المتدبّر فحسب، بل تجاوز ذلك إلى استعارة بعض مفاهيمهم واقتباس بعض تعابيرهم[4]. ولكنّه لم يكن أسير مدرسة فقهيّة أو كلاميّة أو صوفيّة معيّنة، بل كان مفكّرا إسلاميّا مستقلاّ بأتمّ معنى الكلمة، لقد مثّل بحقّ الخلاصة التأليفيّة للفكر الصوفيّ برمّته[5]. وانتبه بعضهم إلى أنّ الغزالي (ت: 505هـ/1111م) هو الأنموذج الكبير الّذي تأثّر به ابن عربي مباشرة[6].

وقد اهتدى أحد كبار المستشرقين وهو ميشال شودكوفيتش إلى نظام التأليف وأسرار التبويب في “الفتوحات المكّية” و”فصوص الحكم”. وبيّن أنّ آثار ابن عربي لا يمكن أن تفهم حقّ الفهم في محتواها وفي ترتيب أجزائها إلاّ بالعودة إلى القرآن[7].

ويعدّ ذلك من مكتشفاته إذ قاده فحص النصوص الأكبرية إلى أنّ بنية نصوص ابن عربي محدّدة بالقرآن نفسه، بحيث لا يبدو المذهب الأكبريّ مجرّد تفكير حول القرآن، بل هو موصول به وصلا عضويّا لا يمكن أن ينفصل عنه[8].

وقد اهتمّ كثير من المستشرقين اهتماما متعاظما بوحدة الوجود عند ابن عربي، فحقّقوا في العبارة واستقرؤوا مؤلّفاته فأكّدوا أنّها لم ترد فيها أصلا، ولاسيما في أعظمها وأضخمها “الفتوحات المكّية” الّذي يعدّ بحقّ أعظم مؤلّف صوفيّ في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، رغم أنّه قد ضمّنه محتوى عقيدة وحدة الوجود وأصّل وصولها وفصّل فصولها وشرح معانيها وقرّب مراميها وانبرى لها مدافعا ومؤيّدا ومنافحا ومسدّدا معتبرا إيّاها عقيدة خلاصة خاصّة الخاصّة[9]. وممّن نبّه على ذلك كريستيان بونو Christian Bonaud وإن لم يعلّل ذلك[10]. وأكّد روجيه دولادريار Roger Deladrière أنّ ابن عربي لم يستعمل هذه العبارة وإنّما نسبت إليه من قبل من يسمّيهم علماء الظاهر وعلماء الرسوم وخاصّة بعد تشنيع ابن تيميّة عليه بسبب بعض الجمل التي وردت في فصوص الحكم[11].

ولعلّ أبرز من حقّق في هذه المسألة ويليام شتيك William Chittick إذ نبّه على أنّ إسناد هذه العبارة إلى ابن عربي خاطئ تاريخيّا[12] واهتمّ في أبحاثه بهذا المفهوم[13].

وإذا كان من الشائع في دراسات المستشرقين سوء فهم وحدة الوجود عند ابن عربي والتخليط بينها وبين بعض المفاهيم الصوفية كالحلول والاتّحاد والفناء ووحدة الشهود، والمطابقة بين المفهوم الصوفي الأكبري لوحدة الوجود ومفهومها الغربي Panthéisme الذي يعني أنّ الله هو العالم وأنّ العالم هو الله، أو أنّ الله باطن في العالم ماثل في الطبيعة، فإنّ النصوص الأكبرية ذات الصلة بوحدة الوجود لا تستجيب لمثل هذا الفهم المادّي الاندماجي، ممّا يجعلنا نقطع بأنّ قراءة وحدة الوجود الصوفية الأكبريّة في ضوء المفاهيم الغربيّة لوحدة الوجود موطئ زلوق تضلّ فيه الأفهام. ومن ثمّ وجب الانتباه إلى خصوصيّات الفكر الصوفي الإسلامي وتباعد تصوّرات ابن عربي لوحدة الوجود عن سائر التصوّرات التي صيغت في الفلسفة الغربية الحديثة وفي الثقافات القديمة كما نجدها في الديانات الشرقيّة أو في الفلسفة اليونانيّة. فمثل هذه الدّراسات لا تقنع القارئ العربيّ ولا يرضاها ويراها غير بالغة من غاية البحث منتهاها، فضلا عمّن وقعت فيه من مهاوي التعصّب ومزالق التعسّف.

في مقـابل ذلك نجد بعض المستشرقيـن ينفـون عن وحـدة الوجـود الأكبـريّـة المعنى المـادّي الاندمـاجي، فقد علّل سارج دي لوجييه دي بوركوي Serge De Laugier De Beaurceuil ذلك بأنّ الله في تصوّر ابن عربي هو الوجود المطلق الّذي عنه تكوّنت الموجودات، فليست الموجودات مماثلة لله متطابقة معه مماهية له، وإنّما هي مجرّد انعكاسات لأسمائه وصفاته[14].

وممّن أصابوا في فهم وحدة الوجود عند ابن عربي ليو شايا Léo Schaya، حيث بيّن أنّ الله هو الحقّ الوحيد أمّا العالم فلا وجود له من ذاته، وإنّما وجوده موقوف على إيجاد الله إياه وحفظه الوجود عليه. فليس هناك مجال للحديث عن وحدة وجود مادّية محايثة ترجع الله إلى العالم وتجعله ماثلا فيه، ولا عن وحدة وجود فيضيّة تعتبر العالم سيلانا واندفاقا من الذّات، وإنّما هي وحدة عمادها الإيمان بالله الواحد الفرد الصمد الذي لا يتبدّل، فهو نفسه في حقيقته المتعالية وهو نفسه في المظاهر المتعلّقة بالكون المخلوق[15].

وقد بيّن ويليام ستودار William Stoddar أن لا مبرّر للوصل بين وحدة الوجود الأكبريّة ووحدة الوجود المادّية الاندماجيّة، لأنّ هذه الوحدة تنطبق على المفاهيم الفلسفيّة الأوروبيّة في القرون الأخيرة ولا علاقة لها بالمذاهب الصوفية أصلا[16].

ونبّه ويليام شيتيك William Chittick أنّنا إذا رمنا محاولة فهم وحدة الوجود عند ابن عربي – وهو مرام صعب ومحاولة معقّدة – فعلينا أن نضرب صفحا عن كلّ تصوّر مسبق لوحدة الوجود[17].

وممّن ساهموا في شرح وحدة الوجود الأكبريّة وتبسيطها وإخراجها في عبارة أقرب مأخذا وأدقّ مسلكا وأوضح مقصدا المستشرق الياباني توشيهيكو إيزوتسو Toshihiko Izutsu وإن كان منزعه فلسفيّا، فقد اعتمد على مثال بسيط هو قولنا “الزّهرة موجودة”، فأهل وحدة الوجود وعلى رأسهم ابن عربي يرون أنّ الموصوف الحقيقي هو الوجود، بينما الزهرة وكلّ الأشياء الأخرى ليست سوى صفات للوجود. الزهرة من جهة شكلها النحوي اسم ولكنّها من الناحية الميتافيزيقيّة نعت للحقيقة الواحدة المسمّاة وجودا. فالحقيقة الموجودة في الخارج والمعبّر عنها بقولنا “الزهرة موجودة” تبدو مختلفة تمام الاختلاف عن الشكل النحوي الذي عبّر به عنها. فما يوجد حقّا بأتمّ معنى الكلمة هو الوجود باعتباره مطلقا غير محدّد. فما الزهرة إلاّ صورة ظاهريّة مخصوصة يتجلّى فيها الوجود كما يتجلّى في جميع الأشياء. فالزهرة بعبارة أخرى هي عَرَضٌ يصف الوجود ويقيّده في شكل ظاهريّ، أمّا الوجود المحض في صفائه فلا صفة له ولا نعت، هو وحدة بسيطة مطلقة غير محدّدة[18].

وممّن انتبه إلى جوهر وحدة الوجود كما طوّرها ابن عربي أرنالداز Arnaldez حيث بيّن أنّ الوجود ليس لنا، وإنّما هو لله. ونحن وإن كنّا موجودين فإنّما كان وجودنا به، ومن كان وجوده بغيره فهو في حكم العدم، ومن ثمّ فإنّ الوجود لا ينتمي إلينا إنّه هبة من الله لنا، إنّه فعل الخلق نفسه، والخلق لا يعود إلاّ إلى الله مطلقا[19]. إنّ الخلق مظهر لله ومجلى له بمعنى أنّ وجود الموجودات الذي هو جوهر ماهيتها ليس لها وإنّما هو لله فهو الذي يوجدها ويحفظ عليها وجودها، فلا يجب أن ينظر إلى ذلك على أنّه وحدة وجود مادّية اندماجيّة أو تأليه للعالم بمعنى أنّ العالم هو الله، لأنّ المخلوقات في هذا العالم ليست مماثلة لله، وإنّما هي مجرّد انعكاس لصفاته وأسمائه فضلا عن أنّ وحدة الوجود المادّية هي نظريّة فلسفيّة غير ميتافيزيقيّة، بل قل إنّها نقيض للميتافيزيقا أصلا كما أشار إلى ذلك عن صواب رينيه قينون René Guinon مبيّنا أنّ وحدة الوجود الأكبريّة متوغّلة في الميتافيزيقا[20].

3- مظاهر الخل ومواطن القصور في الدراسات الاستشراقية الأكبرية

وإذا كان ما سبق ذكره يعدّ من مزايا الاستشراق المهتمّ بالتصوّف الأكبري، فإنّ بعض أساطينه لم تخل دراساتهم من تخليط وسوء فهم. فمن ذلك أنّ غارديه Gardet قد ميّز تمييزا حادّا بين وحدة الوجود ووحدة الشهود وبيّن أنّهما مختلفان اختلافا جذريّا باعتبار وحدة الشهود تطلب الاتّحاد بالله وتصل إلى ضرب من التماهي معه ولكن مع الاحتفاظ الدّائم بثنائية الخالق والخلق بينما تقوم الوحدة الأخرى على تماهي النّفس مع الذّات الإلهيّة[21].

ومن الدليل على خطل هذا الرّأي أنّ ابن عربي ينفي أيّ فناء أواتّحاد أو تماه مع الذّات الإلهيّة. فإن كان فناء ففي الألوهيّة الّتي هي جمعيّة الأسماء الإلهيّة، ولا يكون الفناء في الذّات الّتي هي غيب مطلق أو ما يسمّيه ابن عربي “غيب الغيب”. فالوحدتان: وحدة الشهود ووحدة الوجود مستويان في تجربة روحيّة واحدة ووحدة الوجود امتداد لوحدة الشهود ووحدة الشهود شرط لها ولا سبيل إلى بلوغ وحدة الوجود من دون مرور لوحدة الشهود. فإذا كانت وحدة الوجود هي نهاية الوصول في المعراج الرّوحي، فإنّ وحدة الشهود هي بداية الوصول. تدعم ذلك عبارة وردت في رسالة “الاتّحاد الكوني” الّتي حقّقها دينيس قريل Denis Gril يقول فيها ابن عربي “فامتدّ وجودي بشهودي”[22]. وقد علّق قريل على ذلك بأنّه دليل على أنّ وحدة الشهود ووحدة الوجود ليستا سوى وجهين لمذهب واحد من حقيقة واحدة[23].

فالوحدتان مستويتان في تجربة روحيّة واحدة، أمّا تحليلهما والتّنظير لهما والاستدلال عليهما فَطَوْرٌ يتلوهما. ذلك أنّ تحليل التجربة ووصفها وتفسيرها ومحاولة إثباتها والإقناع بصدقها لا ينفيها. فكون الوجود واحدا معنى يمكن أن يستشعره الصوفي في حال الفناء وجدانا، ثمّ يتبعه بعد ذلك بعقله وثقافته بيانا وبرهانا. وقد يكون الفرق بين الشعور به وجدانا والتّعبير عنه بيانا وبرهانا هو فرقُ ما بين حرارة العاطفة ودَفق الوجدان وبرودة الفكرة وجفاف البرهان. ورغم ذلك يبقى الذوق والكشف مقدّمين على النظر والتأمّل لأنّه ما كلّ ذوق وكشف يمكن أن ينقال ويقبل العبارة، فمن المعاني “ما لا يعرف إلاّ من طريق الكشف والشهود”[24]. والشهود يعطي رتبة “تذاق ولا تنقال ولا تنحكي”[25].

وإذا أردنا استعمال اصطلاح ابن عربي أمكن أن نطابق بين وحدة الشهود وما يسمّيه ابن عربي “سرّ الحال” ووحدة الوجود وما يسمّيه “سرّ الحقيقة” “فسرّ الحقيقة يعطي أنّ العين واحدة والحكم مختلف وسرّ الحال يلبّس فيقول القائل بسرّ الحال: “أنا الله” و”سبحاني” و”أنا من أهوى ومن أهوى أنا” (…) وللحقيقة عين تشهد بها ما لا يشهد بعين الحال”[26].

وربّما وجدنا ابن عربي يجمع بين وحدة الشهود ووحدة الوجود في مصطلح المشاهدة فإذا الأولى هي “مشاهدة الحقّ في الخلق وهي رؤية الحقّ في الأشياء”[27]، وإذا الثانية “مشاهدة الحقّ بلا خلق وهي حقيقة اليقين بلا شكّ”[28]. ومن ثمّ يكون الفناء والمفهوم الجامع لاشتماله على أضرب متعدّدة تتضمّن درجات متصاعدة من أعلاها وحدة الشهود ولكنّ الدرجة العليا هي “الاتّحاد” وهي الّتي تتطابق مع وحدة الوجود فالفناء والاتّحاد ليسا غاية في حدّ ذاتيهما إلاّ بقدر ما يحقّقان وحدة الوجود.

ومن الشواهد الدالّة على أنّ وحدة الوجود هي في الأصل تجربة صوفية وحالة روحيّة أنّ ابن عربي قد أورد الحديث عنها في نطاق عبور المقامات والأحوال في الطريق إلى الحقّ وأنّها من خصائص المحمّديّين ولا تكون إلاّ لأهل الأدب جلساء الحقّ الّذين لهم “الثبات على الشهود” وحالة الوجود ورؤيته بالعين الّتي يشهدونه بها في “ليس كمثله شيء”[29].

إنّ وحدة الوجود عنده وعند غيره من المتصوّفة القائلين بها لا تعني أنّ الله والعالم شيء واحد فهذا ما حذّر منه ابن عربي بصريح لفظه في قوله: “ومن هنا زلّت أقدام طائفة عن مجرى التحقيق فقالت ما ثمّ إلاّ ما ترى، فجعلت العالم هو الله والله نفس العالم ليس أمرا آخر، وسببه هذا المشهد لأنّهم ما تحقّقوا به تحقّق أهله فلو تحقّقوا به ما قالوا بذلك وأثبتوا كلّ حقّ في موطنه علما وكشفا”[30]. ولا تعني وحدة الوجود عن ابن عربي وأتباعه أنّ الله هو عين كلّ موجود بشيئيّته وإنّما معناها عندهم أنّ الله هو الوجود الحقّ بمعنى حقيقة كلّ موجود. فما ثمّ إلاّ وجود واحد هو الوجود الحقّ وكلّ ما في العالم من موجودات ليست إلاّ مجالي لوجوده. فحينما يقول: “سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها” فهو لا يعني أنّ الله هو عين الأشياء بشيئيّتها من حيث مجموعها، وإنّما يعني أنّ الحقّ من حيث وجوده عين حقيقة كلّ موجود، وأنّ كلّ موجود سواه مفتقر إلى وجوده لكي يوجد. ومن كان وجوده بغيره فهو في حكم العدم.

وقد ذهب ليو شايا في مجال تمييز وحدة الوجود الصوفيّة الإسلاميّة عن الوحدة المادّية الاندماجيّة إلى حدّ القول إنّه إذا أمكن الحديث عن وحدة وجود صوفيّة، فإنّها لا تتعلّق إلاّ بحقيقة الله الأزليّة السرمديّة اللاّنهائيّة، ولا شأن لها بالمخلوق العدمي. فالواحد الحقّ ليس الخلق والخلق ليس الحقّ، وليس ثمّة حلول للحقّ في الخلق ولا امتزاج بين الطبيعتين الحقّ والخلق عند المتصوّفة. فالخلق عدم والله هو الحقّ السرمديّ للخلق العدميّ، والوهن الوجودي مردّه إلى خلط الحقّ مع غير الحقّ ومردّ هذا الخلط إلى الجهل[31].

إنّ وحدة الوجود وإن اصطبغت بطابع فلسفيّ لا ينكر، فإنّها تبقى قائمة على دعائم الذّوق الصوفي. وقد انتبه إلى هذا الجانب روبار أفانس Robert Avens إذ لاحظ أنّ فلسفة ابن عربي في وحدة الوجود لا يمكن أن تنفصل عن التجربة الصوفية[32].

وقد أبدى غارديه Gardet في المعنى نفسه ملاحظة رشيقة عميقة تتعلّق بتصوّف ابن عربي عموما فاعتبره حكمة غنّوصية تقودها تجربة روحيّة، هذه الحكمة لا تكون قريبة المنال يسيرة الفهم إلاّ بالاستعانة بالتجربة[33]، لأنّ العبد في حال فنائه في الله يتحقّق بوحدته مع الحقّ، فيكون حقّا في صورة خلق، أو يكون هو الحقّ بصفاته لا بذاته، ولكنّه يعود من الفناء إلى البقاء، أو من الوصل إلى الفصل ليثبت الفارق بينه وبين ربّه. فوحدته شعوريّة روحيّة تتمّ في حال الفناء، حتّى إذا عاد إلى صحوه وبقائه أدرك مقامه من الله وأنّه عبد الله في كلّ حال وأن لا نسبة بين العبد والربّ إلاّ ربوبيّة الربّ ومربوبيّة العبد، ذلك أنّ “الموحّد المحقّق إذا عرج في معارج الحقائق وحصّل ضربا من مكاشفات اتّحاد الرقائق والدقائق، وصحا بعدما سكر ونُشِر بعدما قُبِر، لا بدّ من ملازمة الأدب وتباين الرتب ومعرفة النسب والوقوف عند العلّة والسبب”[34]. أنّ الأصل في وحدة الوجود عند ابن عربي هو تجربة الفناء أمّا ما زاد عليه ممّا نجده في الفصوص وفي الفتوحات وغيرهما فهو عكوفه على تجربته يحلّلها ويحاول إثباتها بالعقل بعد الذوق.

خاتمة:

وبعد، فما قدّمناه ليس إلاّ مجرّد أمثلة مقرّبة ركّزنا فيها على بعض ما قدّمه الاستشراق من عناصر الإضافة في مجال الدّراسات الصوفيّة دونما إغفال لبعض جوانب القصور وإن كان ما قدّمناه مقتصرا على وحدة الوجود عند ابن عربي خصوصا.

إنّ دراساتهم الجيّدة في هذا الباب تتميّز بطول نفس وصبر على البحث وجَلَد في التعامل مع نصوص ليست سهلة المأخذ، وصرامة في المنهج، فلا يدلي الواحد منهم برأيه إلاّ بعد فحص النصوص وتقليبها، ولا يجازف بالحكم إلاّ مع الدليل، قد يسيء الفهم ويخطئ التأويل، ولكنّه في الغالب يلتزم المنهج العلميّ.

فلماذا كان هذا الإقبال المتزايد على التصوّف الإسلامي وعلى أحد أكبر رموزه؟ هل كان مردّه إلى مجرّد الفضول المعرفيّ استطرافا للمختلف وخروجا عن السائد؟ فما من شكّ في أنّ النصّ الصوفي يستجيب لهذه الحاجة لأنّ له سحرا يأخذ بالألباب وجماليّة تستهوي النفوس وتغري بالبحث عن درّه المكنون، أم إنّه يستجيب لحاجة في قرارة النّفس الإنسانيّة تجد إشباعها في روحانيّته العميقة الّتي بفضلها اكتسب صبغة كونيّة؟ فلا عجب أن يقبل كثير من النّاس عليه يتدبّرون قيمه الرّوحية ويبحثون فيه عن رؤية للكون والحياة والإنسان مغايرة للسائد قوامها الرجوع إلى الأغوار البعيدة والينابيع العميقة للوجدان الّذي يجتذبه الحبّ الإلهي، إذ يعلن الصوفي بكلّ وثوق إمكان إقامة صلة بالله شخصيّة، وأنّ تلك الصلة تسمو على ما سواها من علائق الدّنيا ومباهجها.

فهل وجد المستشرقون في التصوّف الإسلامي بسموّه وتعاليه وقيمه الأخلاقيّة الرّوحيّة ممثّلا في ابن عربي علاجا لأدواء الحياة المعاصرة؟ فلذلك يمّموا وجوههم شطر هذا التراث يدرسونه بكلّ شغف. فإذا كان ذلك كذلك فمن باب أولى وأحرى أن يشتغل به أهله قبل غيرهم لأنّه من مقوّمات هويّتهم الحضاريّة، فهو ضارب بجذوره في أعمق تاريخهم، موصول بمشاغل عصرهم في آن. وهو في ظنّنا قادر على فتح نوافذ لحوار الثقافات وإقامة جسور للتواصل بين الحضارات بمخزونه العظيم من الثروة الأخلاقيّة والتجربة الرّوحية وبما يتضمّنه من مطلقات القيم الإنسانيّة قيم الحقّ والخير والحبّ والجمال.

الهوامش

* نشر هذا المقال في مجلة “ألباب”، العدد 8، شتاء 2016، منشورات مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث

[1] Michel Chodkiewcz, Quelques remarques sur la diffusion de l’enseignement d’Ibn Arabī, in: Mode de transmission de la culture religieuse en Islam, le Caire, I.F.A.O, 1993, p. 222-223

ونشير في هذا السياق إلى أنّ زمرة من المستشرقين الإنكليز والأمريكان أنشؤوا مجلّة تمحّضت لفكر ابن عربي وهي تصدر ببريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 1977، عنوانها: The mohyiddin Ibn Arabi Society والمتصفح للشبكة العالمية للمعلومات الأنترنت تذهله كثرة المواقع المختصة في تراث الشيخ الأكبر والمهتمة بفكره.

[2] Ibn Arabī ou la quête du soufre rouge, Paris, Gallimard, 1989.

[3] New evidence on the conversion of Ibn al-Arabī to Sufism, in: Arabica, Tome XLV, 1998, p. 50-72.

[4] Claude Addas, Ibn Arabī et le voyage sans retour, Paris, éd. du Seuil, 1996, p. 57.

[5] Jean During, Islam: Le combat mystique, Paris, éd. Robert Lafont, 1975, p. 307.

[6] Franz Rosenthal, Ibn Arabī Between «philosophy», and «mysticism», in: Oriens (Leiden-Brill), vol. 31, 1988, p. 35.

[7] Michel Chodkiewicz, Un océan sans rivage: Ibn Arabī le livre et la loi, Paris, éd. du Seuil, 1992.

[8] Ibid, L’héritage Akbarien, Entretien réalisé par Jaafer Kansoussi et Véronique Barre, in: Horizons Maghrébins, n° 30, Hiver, 1995, p. 13.

[9] الفتوحات المكّية، تحقيق: عثمان يحيى، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1985، ج1، ص 173

[10] Le soufisme et la spiritualité islamique, Paris, maisonneuve et larose, 1991, p. 22.

[11] Ibn Arabī et la profession de la foi, Paris, éd. Sindbad, 1985, p. 43.

[12] Time, Space and the objectivity of ethical norms: The teaching of Ibn Arabī, in: Islamic Studies, vol. 39, n° 4, 2000, p. 581.

[13] انظر:

– The sufi path of knowlege, Ibn Arabi’s metaphysics of imagination, New York, Albany

Suny Press, 1989.

– Imaginal worlds: Ibn Arabī and the problem of religious diversity, New York, Albany Suny Press,

[14] La mystique musulmane, in: Aspect de la foi de l’Islam, Bruxelle, Publication des Facultés Universitaires Saint-Louis, 1985, p. 141.

[15] La doctrine soufique de l’unité, Paris, Librairie d’Amérique et d’orient, Adrien-Maisonneuve, 1962, p. 192.

[16] Le soufisme: Doctrine métaphysique et mystique dans l’Islam, Traduit de l’anglais par: Roger De Pasquier, Lausanne, éd. des trois continents, 1979, p. 38.

[17] «Time, Space and the objectivity of ethical norms», Op. cit., p. 581.

[18] Unicité de l’existence et création perpétuel en mystique islamique, Traduit de l’anglais par: Marie-Charlotte Grandry, Paris, Les deux océans, 1980, p. 54.

[19] «La mystique musulmane», in: La mystique et les mystiques, sous la direction de: A. Ravier, Paris, Descelée de Brower, 1965, p. 626.

[20] Aperçus sur l’ésotérisme islamique et le Taoïsme, Paris, Gallimard, 1973, p. 91.

[21] Louis Gardet, Regard chrétien sur l’Islam, Paris, Descelée de Brower, 1986, p. 182-183.

[22] ابن عربي، رسالة: “الاتّحاد الكوني”، تحقيق: دينيس غريل Denis Gril، في: Annales islamologiques، Tome XVII, 1981, p. 7-86 والشاهد من مقدّمة المحقّق، ص 82

[23] نفسه، ص 62

[24] ابن عربي، الفتوحات المكّية، بيروت، دار الفكر، 1994، ج5، ص 508

[25] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[26] المصدر نفسه، ج4، ص 195

[27] المصدر نفسه، ج4، ص 225

[28] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[29] المصدر نفسه، ج4، ص 27، والآية من الشورى 42/11

[30] ابن عربي، “كتاب المسائل”، ضمن: رسائل ابن عربي، بيروت، دار صادر، 1997، ص 402

[31] Léo Schaya, La doctrine soufique de l’unité, p. 27.

[32] Prophetic philosophy of Ibn Arabī, in: Hamdard Islamicus, vol. IX, n° 4, winter 1986, p. 9.

[33] Louis Gardet, Expérience et gnose chez Ibn Arabī, in: Memorial Mohyiddin Ibn Arabī, Le Caire, 1969, p. 271.

[34] ابن عربي، الرسالة المشهدية، ضمن: تاج الرسائل ومنهاج الوسائل، نشر: محيي الدين الكردي، مصر، مطبعة كردستان العلميّة، 1328هـ، ص ص 604-605

المصـادر والمراجــع

 

1- العربية

ابن عربي، الفتوحات المكّية، بيروت، دار الفكر، 1994

ابن عربي، رسالة: “الاتّحاد الكوني”، تحقيق: دينيس قريل Denis Gril، في: Annales islamologiques، Tome XVII, 1981, p. 7-86
– ابن عربي، “كتاب المسائل”، ضمن: رسائل ابن عربي، بيروت، دار صادر، 1997
– ابن عربي، الرسالة المشهدية، ضمن: تاج الرسائل ومنهاج الوسائل، نشر: محيي الدين الكردي، مصر، مطبعة كردستان العلميّة، 1328هـ

2- الأعجمية

Addas (Claude), Ibn Arabī ou la quête du soufre rouge, Paris, Gallimard, 1989. Idem, Ibn Arabī et le voyage sans retour, Paris, éd. du Seuil,1996.
Arnaldez, «La mystique musulmane» , in: La mystique et les mystiques, sous la direction de: A. Ravier, Paris, Descelée de Brower, 1965.
Avens (Robert), Prophetic philosophy of Ibn Arabī, in: Hamdard Islamicus, vol. IX, n° 4, winter, 1986.
Bonaud (Christian), Le soufisme et la spiritualité islamique, Paris, maisonneuve et larose, 1991.
Chittick (William), Time, Space and the objectivity of ethical norms: The teaching of Ibn Arabī, in: Islamic Studies, vol. 39, n° 4, 2000.
The sufi path of knowlege, Ibn Arabi’s metaphysics of imagination, New York, Albany Suny Press,1989.
Imaginal worlds: Ibn Arabī and the problem of religious diversity, New York, Albany Suny Press,1994.
Chodkiewicz (Michel), Un océan sans rivage: Ibn Arabī le livre et la loi, Paris, éd. du Seuil, 1992.
Idem, L’héritage Akbarien, Entretien réalisé par Jaafer Kansoussi et Véronique Barre, in: Horizons Maghrébins, n° 30, Hiver, 1995.
De Beaurceuil (Serge De Laugier) La mystique musulmane, in: Aspect de la foi de l’Islam, Bruxelle, Publication des Facultés Universitaires Saint-Louis, 1985.
Deladrière (Roger), Ibn Arabī et la profession de la foi, Paris, éd. Sindbad, 1985.
During (Jean), Islam: Le combat mystique, Paris, éd. Robert Lafont, 1975.
Elmore (Girald), New evidence ou the conversion of Ibn al-Arabī to Sufism, in: Arabica, Tome XLV, 1998, p. 50-72.
Gardet (Louis), Regard chrétien sur l’Islam, Paris, Descelée de Brower, 1986.
Idem, Expérience et gnose chez Ibn Arabī, in: Memorial Mohyiddin Ibn Arabī, Le Caire, Memorial Mohyiddin Ibn Arabī, Le Caire, 1969.
Guénon (René), Aperçus sur l’ésotérisme islamique et le Taoïsme, Paris, Gallimard, 1973.
Izutsu (Toshihiko) Unicité de l’existence et création perpétuel en mystique islamique, Traduit de l’anglais par: Marie-Charlotte Grandry, Paris, Les deux océans, 1980.
Rosenthal (Franz), Ibn Arabī Between «philosophy», and «mysticism», in: Oriens (Leiden-Brill), vol. 31, 1988.
Schaya (Léo), La doctrine soufique de l’unité, Paris, Librairie d’Amérique et d’orient, Adrien-Maisonneuve, 1962.
Stoddar (William), Le soufisme: Doctrine métaphysique et mystique dans l’Islam, Traduit de l’anglais par: Roger De Pasquier, Lausanne, éd. des trois continents, 1979.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!