عبد الوهاب عزّام صوفيًّا

عبد الوهاب عزّام صوفيًّا

عبد الوهاب عزّام صوفيًّا

بقلم: د. عبد الباسط هيكل

 

لم يكن عبد الوهاب عزام يكتفى بأن يكون مصريًا عربيًا، وإنما كان يريد – وقد حقق ما كان يريد – أن يكون عربيًا إسلاميًا، فأتقن العلم بأمور المسلمين جميعًا قريبهم وبعيدهم، وسار سيرة المسلم الصادق في إسلامه، والمتصوف المخلص في تصوفه

طه حسين

 

كان لصوفية عزَّام أثر واضح فى اختيارته للترجمة وكتاباته الأدبية.. وليست صوفية فريد الدين العطار – أديب المشرق الإسلامي – هي التي نزعت بعزام إلى الصوفية، بل فطرته ونزوعه الذاتي للتصوف هو الذي وجهه إلى أدب المتصوفة فى الشرق، على حد قول الأستاذ عباس العقاد: “إن السليقة الصوفية فى نفس عزام هى التى حببت إليه إقبالا، ومالت به إلى الإعجاب بشعره، فهذه السليقة هى مصدر الإعجاب بإقبال، وليس الإعجاب بإقبال مصدرها الأول، ومبعثها الأصيل..”([1])

فالنزعة الصوفية في نفس عزّام سابقة على كتاباته، فنشأته الدينية وطبيعته الشاعرة صاحبة البذرة الأولى للتصوف في نفسه، ثم أثقل تلك النزعة، وحوّلها لاتجاه واضح في كتاباته طول مدارسته لكُتب كِبار الصوفية، مثل دراسته التصوف فى أدب “فريد الدين العطار” التى كانت فى مرحلة مبكرة من حياته العلمية والأدبية، كما كان لترجمته عددًا من دواوين المتصوفة من شعراء المشرق الإسلامي أثره كذلك..

وصوفية عزام ليست مذهبية بالمعني الشيخي الطريقيّ، وليست زهدا وانقطاعا عن الحياة، وإنما صوفية روح ونقاء نفس، صوفية العالم، كما وصفها الدكتور المحاسني “صوفية عزام علمية – إن صح هذا التعبير في الصوفية – تقوم على أسس سليمة مستخلصة من الدراسات الفلسفية، فهو قد اطلع على تاريخ الفرس “لبروان” وعلى كتاب التصوف الاسلامي “لنيكلسون” وورد كتباً مصدرها المنابع الصوفية وبخاصة كتب فريد الدين العطار… وقد درس التصوف من منابعة الأولى عند الامم فإذا نحا عزام منحى الدراسات الاسلامية وجد أن التصوف الاسلامي لم يأخذ من الفرس ولا الهند، ولم يورد موارد اليونان وإنما هو نابع من ذات الروح الاسلامية.”

ومن مظاهر تأثر عزام بدواوين المتصوفة شعره الذى جمعه فى ديوان يسمى “المثاني”، فقد نظمه مثانى على غرار الشعر الصوفي الفارسي.

وكذلك النزعة الصوفية التى أثرت فى خواطره، ومقالاته ما انبثقت فى نفسه إلا بعد مدارسته لأدب المتصوفة..

ومن خواطره التى نزع فيها منزعًا صوفيًا عميقًا خاطرته “الكلية فى الإنسان” وقد استلهمها من شيخه فريد الدين العطار الذى تصوّف على يده دون أن يجالسه، مستعيضًا عن ذلك بمجالسة كتبه، فيقول عزام: “أحد الصوفية قال: أحسب أنى مأخوذ بذنوب الأولين والآخرين، وقال المؤلف فريد الدين العطار فى هذا: إنه دليل الكلية، يعنى أنه دليل على أن الإنسان يتسع وجدانه، وتخلص روحه من الحدود، فإذا هو يمثل الإنسانية كلها، وإذا هو مأخوذ بما يقع فيها من سوء، مجزي بما يكسب فيها الناس من خير، كأن عليه أن يصلح الناس جميعًا، بل كأنه الناس فهو ليس لنفسه ولا لخاصته، ولا لعشيرته، ولا لأمته؛ ولكن للبشر جميعًا.»([2])

ويستهل خواطره المجموعة في كتابه الأوابد بمناجاة تتجلى فيها نزعة “وحدة الوجود” لدى العارفين، وتُظهر ثقافة العالم، ورُوح المتصوف المستولية على فكره وقلمه وقلبه، فيقول: “ربِّ! وهل رتـّل البراهمة الا فرقانك، وطلبوا في الكهوف الا عرفانك؟ وهل انفتحت عن “بوذا” زهرة الكنج الا لذكرك؟([3]) وهل هجر العالم الا لوجهك؟ وهل أملى “كونفوشيوس” إلا تعاليمك؟ وهل أراد “زرادشت” إلا ذكرك؟ وهل ضمَّن كتاب الأبستاق([4]) إلا حمدك؟

ربِّ! موسي إذ لاح له ضياؤك في الغلس، وخلع نعليه في الوادي المُقدّس، لمع له بصيص في الطور فاهتدى، ودعا الناس إلى الهدى. بنورك ضرب بحر الظلمات فانفلق، ثمَّ بهره جلالك فصعق. وعيسى أمددته برُوحك وبِرِّك، وأطلعته على ذرة من مكنون سرِّك، ومحمد خاتم أبيائك وصفي أصفيائك، آنسه ذكرك في الغار، فرأى في الظلمات النهار، فأملى دينك وفرقانك، وأوضح مَحجتك وبرهانك، وترك على الدهر أثرك الأغر، ودينك الأبر. ربِّ! ومن وراء ذلك سرك المكنون، وحماك المصون.

أنقِذنا من الحيرة بهديك، واهدنا إلى جنابك برحمتك، اللهم منك وإليك، أنت الأول والآخر، والظاهر والباطن.”([5])

 

([1]) مقدمة عباس محمود العقاد لديوان المثاني لعبد الوهاب عزام. ص8،7 .ط .دار المعارف. القاهرة . د.ت.ط

([2]) الشوارد . ص181

([3]) يزعم البوذيون أن بوذا انفتحت عنه زهرة على نهر الكنج فمنها كان مولده.

([4]) كتاب آوستا “أبستاق”: كتاب زردشت نبي الفرس القدماء.

([5]) الشوارد. ص181.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!