يونس إمره هو شاعر تركيٌّ من شعراء التكايا، نظم كثيرًا من الأشعار، ولا تزال أشعاره تتناقلها الأجيال من أبناء الشعب التركي، بكل اعتزاز وتقدير وحفاوة بالغة؛ لأصالته وصدق شاعريته وعمق شعوره الديني ومحبته، وسلامة لغته. ويمكن اعتبار يونس إمره أول شاعر بكتاشي، وله كبيرُ أثر في نشأة الأدب البكتاشي بشكل عام، غير أن جوانب كثيرة من حياته مجهولة، فلا نعرف عنها إلاّ النزر اليسير، وكونه أميًّا يتسق مع ما ترسّخ في الفكر الصوفي من كون الأمية شرفًا، خاصة إذا صاحبها إلهامٌ ووحي يجعل القلب محلًّا لتجليات الحق عليه، وينطق بعده اللسان بأبهى المعاني وأجملها؛ فالصوفيُّ الحقُ مُلهمٌ يقذف الله النور في قلبه، ولأن النبيّ الأمي قدوته ومثاله، فالله يطعمه ويسقيه، ويعلّمه ما لم يكن يعلم. كان يونس إمره شاعرًا مستجيبًا لفطرته منطلقًا على سجيته، فهو لا يلتزم بصورة الشيخ أو المُعلّم، بل يتكلم حسب الحال بما يحسن أن يصدر منه في الحال؛ إذ كان في الحب الإلهي هائمًا، وبأنواره وتجلياته مُرنّمًا، فكلامه ليس حروفًا مرسومة منمّقة، بل خفقات قلب جيّاش بالعاطفة، أُجري على لسانه لعجزه مُحبًّا عن كتمانه.
في دراسة إدوارد روديتي (الثيمات الشرقية والغربية في شعر يونس إمره) المنشورة في مجلة ألف بالجامعة الأمريكية بالقاهرة 1985 عدّه من أوائل من كتبوا شعرًا باللغة التركية في التصوف، ونستشف من قراءة هذا الشعر أن يونس إمره كان على دراية بأشكال الشعر الفارسي الكلاسيكي، كما كان على علم بتقاليد الشعر العربي القديم وقد تناقلت الأجيال قصائده شفاهية قبل أن تُدوّن بما يقرب من قرن من الزمان بعد وفاته ولذا فقد شابت بعض نصوصه تحويرات عدّة.
وكتبت المستشرقة الألمانية أنّا ماري شيمل عاشقة الإسلام والتّصوف كتابًا صغيرًا عن المتصوّف الترکي يونس إمره، بعنوان(رحلات مع یونس إمره) 1989. وکانت شیمل قد وضعت هذا الکتیب في أثناء رحلة استجمامیة قصیرة في سویسرا، ودمجت ما ترجمته، من أشعار یونس إمره فی روایة قصیرة بسیطة، تنقلنا إلی الأناضول في العصور الوسطی، وترافقنا بیونس في رحلاته، وتجعلنا نسترق السمع لأصدقائه وأقربائه.
حينما نبحث عن كتابات عربية عن يونس إمره لا نعثر إلاّ على نتفٍ قصيرة عنه، تأتي على ذكره عرضًا حين تناولها للتصوف التركي، والشخصية الوحيدة التي تناولت أعماله العالم المصري الراحل حسين مجيب المصري الذي ترجم عن الفرنسية والإنجليزية والفارسية والأوردية والتركية، وكان يتقن أكثر من عشر لغات! يُطالع بها، وكل من أشار إلى يونس في مؤلف بالعربية كان على إشارات المصري محيلاً وعليه معتمدًا، حتى حصلتُ على ديوان يونس إمره مترجمًا إلى العربية ومترجمته تلميذة الشيخ المصري، وقد عهدت إليه بترجمتها العربية، وعلى عادته أعاد صياغة الترجمة الشعرية من نثر إلى شعر منظوم!
لا تزيد مقدمة ديوان يونس في نسخته العربية عن 10 صفحات قدّمت فيها الباحثة دراسة عن يونس إمره! وكانت حسبما فهمت في إطار دراسة علمية عنه .. تكررت فقرات بنصّها في العشر ورقات أكثر من ثلاث مرات وبمعناها مرات عدّة ! ولم تقدّم لنا معلومات عن الشخصية تفيدنا في التعرّف على هذا الشاعر الذي لا نعرف نحن العرب عنه إلا اسمه ربما أو ربما لا يعرفه الكثيرون! إلا إذا كان العربيّ مختصًّا في الشأن التركي القديم .
ومن الغريب أنه قبل صدور الديوان مطبوعًا 2008 بستة أعوام صدرت ترجمة عن التركية لكتاب (المتصوفون الأولون في الأدب التركي) في جزئين كبيرين عن المجلس الأعلى للثقافة 2002 جزء كامل من العمل، خصصه الكاتب التركي الكبير محمد فؤاد كوبريلي للحديث عن يونس إمره، ولم تستفد الباحثة منه والكتاب قد أُلف ونشر بالتركية في 1986!
أما الكتاب، رغم كمّ المعارف التي حواها نظرًا لمكانة كوبريلي العلمية، فلم يكن حظّه بأسعد من حظ ديوان يونس في الترجمة.. إذ الترجمة غير متسقة في كثير من الأحيان مع النصوص المقتبسة والفوائد والنتائج المترتبة عليها!
نماذج من شعر يونس إمره
1- حيثُما نظرتُ فما أراه مُفعمٌ بك!
أين أضعُك خارجي؟!
إن عشقَك سلبني من نفسي!
2-مُدّعٍ للعشقِ حرصًا ما ذكر
دار عشقٍ من أراد في سفر
عاشقُ أولى وأُخرى ما ذكر
باعتزاز النّفسِ حتى ما شعر
عشق دنيا عزة في نفسه
غيرُ عشقِ عشقها لم ينسه
إن يكن للعشقِ وصفٌ باللسان
وصفه فانقله عنّي بالجنان
عزة فلينس حتمًا من عشق
وبها للعشق باب ما طرق
ذاك أمرٌ كلنا من يعرف
أنني والله لست أهرِف
فاز حقًّا من إلى العشقِ وصل
لا وصول بجوادٍ أو جمل
يهتدي بالعشقِ كلُّ العاشقون
بشهودِ من خلال (يأمنون)
يُونســـًا يا من تُسمّي من عشق
فحذار عنه يومًا تفترق.
3-إن اختيارك العقل فيه الخير والسعد لك
إن سراجه يبدد وينير الظلمات
يحرق نفسه ويفتح لنا بابا من نور.
4-جئتُ متعجّبًا فمن ذا لا يعلم حالي
إنّي أتحدثُ وأسمعُ وما من أحدٍ يفهمني
إن لُغتي منطق الطيرِ وموطني موطن الحبيب
أنا بُلبلٌ وحبيبي وردتي
أعلمُ أن وردتي لا تذبُلُ
قال لي الحبيبُ: لأقدّم .. وقال أيضًا: قدّمتُ قدحًا فلتأخذه؛
أخذتُ القدح وشربتُ الشّراب إلاّ أن قلبي لا يموت.
ليس لي جبل الطّور وليس لي من قرار في مكان
وليس لي من مكان ظاهر لمناجاة الحقِّ
سلْ عن المكان الذي أقرُّ فيه إذا ما قدمت إليّ لأدلّك عليه..
إن عيني لا تشاهد أدنى ذرة غير الله
تأمّل ماذا صنع التجلّي لموسى في جبل الطور..
يقول يونس لا يبقى كلامي بعيدًا عن الحق..
5-كلّ أنهار الجنّة
تجري بذكر الله
وكلّ بلبل هناك
يُغنّي وينشدُ: الله الله
وأغصان شجرة الغاب الكثيفة
واللسان الذي يتلو القران
وأنوار أزهار الجنّة
لا تفوح إلا بلفظ : الله الله.
6-كلُّ نحلةٍ تدخلُ الخليّة
تُصلّي على محمدٍ ألف مرّة ومرّة.
***
ولمزيد من التفاصيل عن حياة يونس إمره وتصوفه في المراجع العربية
راجع: دراسة الأستاذ حمزة طاهر (التّصوف الشعبي في الأدب التركي) في مجلة كلية الآداب- جامعة القاهرة، مجلد 12، جزء 2 عام 1950، ص 117. ومجلة فكر وفن، عدد 18 يونيو 1971، مقال جميلة قيراطلي، المتصوف الشعبي التركي: يونس إمره، ص 74.