معتنقو الصوفية في إسبانيا

معتنقو الصوفية في إسبانيا

معتنقو الصوفية في إسبانيا

بقلم: فيرناندو سانشيس ألونسو

ترجمة عن اللغة الإسبانية: بوطالب كلثوم

 

Fernando Sánchez Alonso ,Conversos sufíes, los místicos del islam

        يعيش في إسبانيا قرابة 1.200 صوفي نقشبندي. تعد النقشبندية النهج الروحي الصوفي للدين الإسلامي، وتوجد هناك مجموعة منهم في منطقة ألبوخارا الغرناطية «Alpujarra Granadina» ومجموعة أخرى بالقرب من كاسيرس. « Cáceres » “إنهم ينظرون إلينا بنظرات قاسية، وبديهي أن الإسلام هو السلام وهذا ما لا يعمل به الأوصولييين” يوضح محمد إسكندر.

        تتوفر منطقة أورخيفا «Órgiva»، بالكاد على 6000 نسمة وتضم 68 جنسية مختلفة. وتمتد منطقة أورخيفا، الملقبة بمنهاتن الأندلس الصغيرة، عاصمة ألبوخارا الغرناطية «Alpujarra Granadina» ومكان سقوط آخر ملوك الأندلس المسلمين الملقب بأبي عبد الله محمد الثاني عشر، وأرض المغاربة ومهد الأرثودوكس، بروعة ثقافتها المتعددة حتى وقتنا الحاضر.  

         ولعل أجمل تجسيد لهذا التمازج من الأجناس المختلفة يكمن في مقهى البركة التي يديرها قاسم ذو الواحد والأربعين سنة الذي اعتنق الإسلام. في هذا المكان الدافئ، الذي يعد رمزا لهدوء بابل أورخيفا، حيث يتعايش الفضاء مع المتقاعدين، والفيلسوف التائه، والنبي العلماني، والهبي الذي يكتشف في شاي النعناع حنينا مفقودا. »لا يمنع أحد من الدخول هنا « يضيف قاسم، وتعتبر مقهى البركة قدس الأقداس حيث يمنع تقديم الكحول الى المسلمين في إسبانيا. يتعلق الأمر بالإسبان الذين لم يكتفوا فقط باعتناق الإسلام فقط بل توغلوا في النهج الروحي الصوفي وفي حياة التأمل والسلام.

Fernando Sánchez Alonso ,Conversos sufíes, los místicos del islam.0

         عندما أخبرت عائلتي أنني سأعتنق الإسلام وافقت على ذلك، لكن أبي تضايق كثيرا. وكما هو معروف فإن الخنزير والكحول محرمان في الإسلام. وقد كان لدينا مطعم عائلي في بلباو، وكنت أنا من يتذوق النبيذ، فكيف يمكن لي أن أكون مسلما وأنا أتذوق النبيذ وأقطع لحم الخنزير؟ لذلك تركت العمل في مطعم العائلة وأنشأت مشروعي الخاص، أتبع الطريقة الصوفية منذ إحدى عشر سنة وإنها لمن أجمل الأشياء التي حدثت في حياتي.

       يؤكد معتنقوا الإسلام أن هذا الدين جلب لهم الطمأنينة والأمل، لكن لم يكن ذلك سهلا، مع استثناءات قليلة. إن جل هؤلاء واجهوا عدم الرضا والقبول من طرف عائلاتهم وكان عليهم أن يشرحوا لهم أن الإسلام لا يمت بصلة بالسلفيين والجهاديين، المتعلقين بالعنف والتفسير الحرفي لمعاني القرآن الكريم، ولهذا، وحتى وقت قريب كان المتصوفون المتبعون للطريقة الصوفية تحت المراقبة السرية لاستخبارات الأجهزة الأمنية. “يتم استدعاؤنا إلى مكان لا يمكنني ذكر اسمه، ثم يسألوننا من نحن؟ وماذا نفعل؟ وما علاقتنا بالجماعات الإسلامية؟ ” يحكي عمر إبراهيم) رافاييل مارتن سابقا (وبعد مدة أدركوا أننا فقط نصلي ونردد التراتيل والأناشيد الدينية، ومع ذلك فما زال البعض لم يقتنع بعد.

Fernando Sánchez Alonso ,Conversos sufíes, los místicos del islam. kk

ألبوخارا هي البلدة التي تضم أكبر تجمع للنقشبندية الصوفية الإسبانية، وتضم ثمانية وستين جنسية، وهناك عدد كبير من الإسبان الذين يتبعون الطريقة النقشبندية الصوفية، التي يعود تاريخها إلى زمن أبو بكر الصديق، خليفة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، يقول عمر) فيلبي ماركاراتي سابقا( ذو الثلاثة والستين من عمره -الذي عينه الشيخ ناظم أميرا- إن الطريقة الصوفية شبيهة بمركز أو مستشفى روحي، ويعتبر ناظم شيخ الصوفيين -المعلم الكبير- نفسه صفرا، يقول أنه لن تكون له قيمة إلا إذا وضعه الله في يمينه، ويؤكد ذلك أخوه وخليفته في قيادة النقشبندية.

       تضم إسبانيا قرابة 1.200 صوفي نقشبندي، تعتبر هذه هي المجموعة الأوسع في إسبانيا، إذ تضم خمسة وثلاثين عائلة، وفي أورخيفا تحديدا، وعاش عمر هناك قبل أن يهتدي إلى الإسلام، عندما عين أميرا من طرف الشيخ ناظم، تمكن جميع المسلمين الإسبان من التجمع حول القائد الكتالاني. تعيش المجموعة الأكثر أهمية في مدينة فيلا نويبا دي لا فيرا «Villanueva de la vera» في كاسيرس. وتعتبر بلدة أبوخارا المكان الأكثر ملاءمة للتنمية الروحية والتأمل في الله.

تحت ضوء شتوي، يجتمع مجموعة من الصوفيين حول أشجار الزيتون في الجبال الأورخيفية. يفضل هؤلاء المقربون من الله أداء وظائف مرموقة: مثل الفلاحة، وتربية الماشية والتجارة والحرف اليدوية. وهذا لا يعني أنهم يشكلون جماعة ضيقة توجد على هامش المجتمع. إنهم لا يستخفون بالأنترنت ولا بالتلفاز ولا حتى بالصحف، ويدرس أطفالهم بمدارس محلية ولكنهم يتفقون جميعا على حياة البساطة، ويبررون موقفهم انطلاقا من أصل كلمة “الصوفية” المشتقة من كلمة “صوف” حيث كان الزهاد المسلمون يرتدون الملابس المتواضعة دليلا على زهدهم في الدنيا.

Fernando Sánchez Alonso ,Conversos sufíes, los místicos del islam. --

لماذا يعيش الصوفي في العالم دون أن يكون تماما من هذا العالم ” أدعو الله دائما وأنا على سجاد الصلاة ” يقول منصور  )خوسي كارلس سانتشيس سابقا( من مواليد مدينة مالقا ذو الواحد والأربعين سنة، مجاز في علم النفس يقول “رغم أن ثقافة الأندلس لم تعد موضة، إلا أنه مازال هناك رفض قاطع للمسلم” ، تقول زوجته بهية )ماريا خوسي بيا سابقا( من مواليد إشبيلية وعمرها خمسة و ثلاثون سنة، ومجازة في القانون: ” نحن المعتنقون الإسلام ينظرون إلينا بنظرة قاسية والإسلام ليس كما يظن الكثيرون، الإسلام هو السلام، هو طلب حب الله، فإذا كانت نيتك في الحياة هي أن تذوب في الحب الطاهر الذي يتجسد في الله فإن إسلامك ليس له معنى”، وهذا ما لا تتسامح معه بعض الأوساط الأصولية الإسلامية، الذين يريدون إلغاء آية الرحمة وتعويضها بالسيف، يقول محمد إسكندر الذي يفضل إخفاء نسبه والذي عمل في دوريات المراقبة الجمركية، وعمل في التجارة البحرية: “غير أن العمل الذي كنت أقوم به طوال حياتي هو التقرب من الله”

          تحتفل جماعة الصوفيين ليلة الخميس بمجالس الذكر المعروفة باسم الحضرة حيث يتم خلالها ترديد مجموعة من الأناشيد في مديح الله تعالى مع إيقاعات يصاحبها تحريك الكتف والجسد تحت ضوء الشموع الخافت. وهذه شعيرة يتقاسموها والمسلمين،”. أما يوم الجمعة فهو يوم مقدس في الإسلام، نقيم فيه صلاة الجمعة وبعدها نجتمع لتناول وجبة الغذاء جماعة. ونقيم كل الصلوات باللغة العربية، حيث يظهر مستوانا في اللغة العربية مع استثناءات قليلة. أما معرفتنا الإسلامية فقد تكونت انطلاقا من قراءاتنا وحواراتنا مع االآخرين ومن خطبة الشيخ، ونعتبر نحن النقشبنديين الأقل ثقافة في صفوف الصوفيين فنحن نهتم بالقلب أكثر”

      يعتبر الصوفيون ضحايا المذاهب الراديكالية للإسلام بدءا من السلفيين في مصر وصولا إلى طالبان في باكستان.

يقول أمين من مدينة ليون، ذو الخامسة والأربعين سنة، ” عانيت من أزمة نفسية صعبة جراء وفاة والدي وأصبحت بفعل ذلك شيوعيا، لا أرغب في معرفة أي شيء عن الله” ظل صامتا لبعض الوقت واسترسل قائلا: “عندما اعتنقت الإسلام أحسست بأنني عدت إلى الطريق المستقيم، علمني شيخي فن الفشل، بمعنى علمني الانغماس في الحياة والتفكير بالقلب” يضيف أمين:” الإنسان الذي يعمل بكد للوصول إلى هدف في الحياة قد يكون ربح نفسه، إذ يصبح الذهب والطين سيان بالنسبة إليه، هكذا هي الصوفية”.

“مرحبا” كلمة مكتوبة على لافتة خشبية مثبتة على عمود وسط حقول التبغ والبساتين وبعض المنازل المتفرقة في ضيعة “تودال” «Tudal»، تضم قرية “بيانويبا دي لا بيرا”  ثاني أكبر مجموعة من الصوفية النقشبندية في إسبانيا بقيادة الشيخ النحات المعروف على الصعيد العالمي عبد الواحد كريستبال مارتن سابق .

        يستقبل عمر إبراهيم، يوم الخميس، الإخوان في بيته من أجل الإحتفال بالذكر، يقول إبراهيم:” اعتنقت الإسلام منذ ثلاثين سنة، ومنذ ذلك الحين أحس أنني حقا مسيحي. ليس هذا تناقضا، لأن يسوع المسيح هو نبي محبوب كثيرا في الإسلام، ونحن نؤمن بالقديسين ونبجل قبورهم وآثارهم، وهذا ما يميزنا عن بقية المسلمين. يشرح لنا سبب الألقاب في الصوفية فيقول: “يختار لنا المعلم الاسم العربي، وهذا الاسم الجديد يكون عاكسا لجوهرك ومن تكون، ويجب على التلميذ أن يعمل ما بوسعه لتحقيق معنى الاسم الجديد الذي يحمله، فاسم “عمر” على سبيل المثال يعني القوة والدعم.

      جل الصوفين في إسبانيا هم إسبان، كما هو الحال في “بيادي نويبا دي لا فيرا”.  ” وضمنهم أخ مغربي واحد فقط” يقول جمال الدين  )خوان أندريس مولينا (من مدينة مدريد، الذي يعد صورة حقيقية لصفاء ونقاء جمال النقشبندية بخاتمه ولحيته المهيبة وسترته وسرواله الواسع ذو أصل عثماني – حيث يسهل حركات الصلاة بتصميمه الواسع- بالإضافة إلى عكازه وعمامته الخضراء وكفنه الذي يغطي الجسد الصوفي العاري.

     تلبس النساء كذلك ملابس فضفاضة وكذا الحجاب لتغطي رأسها، هذا ما تعشقه حواء،) أنا روسا سوتا ( من سرقسطة، وأم لتسعة أطفال تقول:” يجب على المرأة أن ترتدي ملابس محتشمة وأن تحرص على تغطية الرأس والرقبة. فقد استعدت أنوثتي مع الإسلام” وتؤكد أنها لم تتعرض لأية مضايقات بسبب لباسها المحتشم”، أما بالنسبة لمريم سكينة سكوت، مسلمة بالفطرة في أووخيفا، واعتنق والداها الإسلام منذ اثنين وعشرين سنة، فقد تعرضت لمضايقات بسبب الحجاب في المدرسة. تقول: ” الكل يعرف هناك، أني مسلمة، ولكني لا أتباهى بذلك فالفكرة السائدة في مجتمعنا هي أن الإسلام دين المتعصبين، والأسوأ من ذلك الفهم السيء للصوفية، هناك من يسألني ما إذا كنت أنتمي إلى طائفة ما، كيف يمكنني أن أقول لهم إن الصوفية هي احترام وحب جميع المخلوقات؟

       عرفت الصوفية في أوروبا برقصة الدراويش، التي تحيل على السؤال التالي “من نكون في الحقيقة” يقول الشيخ عمر ماركاريت. “يمكننا الإجابة عن هذا السؤال ونحن نبحث عن الله في قلوبنا. فقد استوفت الصوفية كل التعاليم الإسلامية ولكنها لم تتوقف عندها بل تجاوزتها “

        يعد الصوفيون ضحية المذاهب الراديكالية للإسلام كالسلفيين في مصر وليبيا وطالبان في باكستان ولكن الصوفية قديمة جدا. وتوجد دراسات تؤكد أن مذهبا صوفيا كان موجودا قبل الاسلام، وحددوا موقعه جغرافيا في خرسان الكبرى والشمال الشرقي لإيران. ومازالت الخلافات العميقة حول أصولها مستمرة، كما تؤكد إحدى النظريات الأكثر انتشارا أن الصوفية تأثرت بالرهبنة المسيحية والفلسفة الأفلاطونية والهندوسية والبوذية.

ويعترف الصوفي أن عقيدته الروحية هي جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي الذي لا يختلف عن الديانات الأخرى في شئ، إنه دين المحبة: ربط الصلة بالله، والسبيل إلى ذلك الحب اللامشروط. يقول ابن عربي أشهر المتصوفين “يمكن لقلبي أن يكون مرتعا للغزلان وديرا للرهبان ومعبدا للأصنام، والكعبة المشرفة والكتاب المقدس القرآن الكريم، لأنني أتبع دين المحبة”.

 الهوامش 

[يُنشر هذا المقال بالتعاون مع مجلة أقطاب المعنية بالتصوف والفكر الإسلامي، والصادرة في الرباط]

*Fernando Sánchez Alonso ,Conversos sufíes, los místicos del islam.

المصدر: صحيفة البايس (El País Semanal) بتاريخ 22 يناير2015

* الكاتب فريناندو ألوبسو سانتشيس:ولد في مدريد سنة 1970، وهو عالم لسانيات ومصور محترف، متخصص في التصوير الوثائقي، والتصوير الصحفي. نشر في سنة 2015 كتاب “ألبوخارا الخفية” «La Alpujarra invisible»، ويضم الكتاب قصائد رافاييل كيون «Rafael Guillén» حول هذه المنطقة الغرناطية. له مقالات في صحيفة البايس الأسبوعية «El País Semanal»، وفي عدة مجلات وصحف أخرى. حاز في سنة 2013 على الجائزة الوطنية للصحافة «Tiflos» والجائزة العالمية «Gabriel Miro»  للقصة القصيرة.

 

 

 

 

 

الصورة المرفقة في المقال:

تتعايش 68 جنسية في أورخيفا، حيث تضم أكبر مجموعة من الصوفيين النقشبنديين في إسبانيا./ اللوحة لفيرناندو سانتشيس ألونسو

صورة أخرى:

فن الخط هو فن إسلامي بامتياز، في الصورة علي يكتب بقلمه تحت أعين ابنه الساهرتين/ فيرناندو سانتشيس ألونسو

صورة أخرى:

مجموعة من الصوفيين يتبادلون أطراف الحديث و هم يعرضون الخضر والفواكه للبيع/ فيرناندو سانتشيس ألونسو

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!