ملامح نثر المواقف
د. علي موسى الكعبي
المواقف: كتاب في المعرفة الصوفية لمحمد بن عبد الجبار بن الحسن النِّفَّري الصوفي العراقي، (المتوفّى نحو354هـ) ([1]). والنِّفَّري منسوب إلى المدينة البابلية نِفَّر التي يقال لها (نيبر). وتطلق اليوم على موقع أثري يقع على نحو سبعة كيلو مترات غربي مدينة عفك التي تبعد نحو عشرة كيلو مترات عن محافظة القادسية.
وللنفّري أثر ظاهر في القائلين بالشهود من المتصوفة من الناحية النظرية، وبالمقابل له بصمات واضحة في الأدب. فعلى الرغم من الصعوبة التي تعترض قارئ تراثه لكنه يعدّ «ثروة أدبية قيمة من ثروات التراث العربي، ونفحة طيبة من نفحات التصوف على الأدب»([2]). وقد زاد النِّفَّري لغة الصوفية ثروة، واستطاع أن « يجدد الطاقة الإبداعية العربية، ويجدد اللغة الشعرية في آن…ويرفع الكتابة الشعرية إلى مستوى لم تعرفه قبله، في أبهى وأغرب ما تتيحه اللغة »([3]).
وقد تفرّد بأسلوب متميز حظي بإعجاب بعض متصوفة القرن السابع، ولذا يؤكد يوسف سامي اليوسف أنّ ابن عربي (تـ638هـ) قرأ النِّفَّري وأعجب به، وحاول أن يقلّده مرةً على الأقل في كتاب (الشاهد)([4]). وترى د. وضحى يونس أنّ بعض الأفكار والأساليب التي وردت في (الشاهد) لها نظيرها في بعض تفصيلات وحدة الشهود النِّفَّرية([5]).
وتأثر بأدب المواقف، فنسج على منواله، أحد كبار الصوفية في القرن السابع، وهو أبو الحجاج الأقصري، يوسف بن عبد الرحيم، نزيل الأقصر بصعيد مصر (تـ642هـ). قال الذهبي:« ألف مواقف كمواقف النِّفَّري» ([6]).
واليوم إذ تبرز أهمية التصوف في كونه نزعة حدسية كشفية، وثيقة الصلة بالفنّ في مفهومه الحديث، يستطيع إذا ما فهم فهماً عصرياً عميقاً أن يسهم في تطور مفهوم الفن الحديث، لكونه أيضاً كشفاً متوهّجاً لجوهر الحياة وجمالها ([7]). من هنا كان لأدب النِّفَّري بالغ الأثر في موجة الدراسات النقدية والأدبية الحديثة، وتأثّر بأسلوبه وشعريته ولغته الاستثنائية رواد الحداثة المعاصرون، ووصفوا تجربته في (المواقف والمخاطبات) بالقصائد النثرية الرائدة التي لا تتكرر، ولاسيما شعراء قصيدة النثر أمثال: أدونيس، وقاسم حداد، وإبراهيم الحسين، وأنسي الحاج وغيرهم، كما أخضعت الدراسات النقدية نصّ النِّفَّري للنقد في محاولة لاكتشاف القيم الجمالية فيه ([8]).
يقول عبد الحميد جيدة : إنّ « الرافد الصوفي صُبّ في دائرة الشعر العربي المعاصر، ولوّنه بلونه الخاص، إن النفّري والحلاج وذا النون وابن العربي وغيرهم ، أثروا في أدونيس والسياب والبياتي ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور ومحمد عفيفي مطر، لذلك فإن القيم التي يضيفها الشعر الجديد إنما يستمدها من التراث الصوفي» ([9]).
ملامح النثر النفري
إذا كان النثر الصوفي في القرن الثالث الهجري يتسم في غالبه بوضوح القصد وصدق القول وسلاسة اللفظ واستقامة الأسلوب، فقد أضحى في القرن الرابع« يتسم بالطابع الجدلي والأسلوب التعليلي من جهة، وببُعد المعنى وعمق التفكير من جهة أخرى، ولا غرو فان النثر الصوفي قد أصبح في هذا العصر تعبيراً دقيقاً عن ذات الله وصفاته، وتصويراً بديعاً عما يعتور قلب المريد من الوجد والشوق والهيمان…وعمقت معانيه وبعدت مراميه بحيث لم يعد من اليسير فهم تلك المعاني…ومن حيث اللفظ والأسلوب، فانه اتسم بالتحليل والتعليل في كيفية التناول للمعاني، والتعبير عن الأغراض، وذلك في مسحة جدلية مع شيء من الالتواء في الأسلوب والغموض في التعبير»([10]). ونتاج النفّري هو أصدق ما يعبر عن نثر تلك المرحلة من حيث تكوينه اللغوي والأسلوبي، ومن حيث بنيته الفنية([11]). وقيمته الفكرية لأنه «عرض أصيل للصوفية الراقية»([12]).
فصاحة نثر النفّري
على الرغم ممّا يقال: أن لغة المتصوفة تصنع من الأفكار لا من الكلمات، فان هناك نمطين من الكتابة الصوفية؛ الكتابة المذهبية التي تطرح النظرية وخلاصتها الذهنية، والكتابة التجريبية التي تتوهج بروح التجربة الصوفية، روح القلق والتمزق والنزوع والتوتر، الكتابة الأولى ليست شعرية، بل مذهبية. والكتابة الثانية شعرية، ونتاج النفّري ينتمي إليها([13]). فهو يفجّر طاقات اللغة، ويراعي النغم والتناسق الصوتي والجمالي في تجربته النثرية التي تكاد تقترب من الشعر، بل قد تكون شعراً موزوناً، نحو قوله:« أنت معنى الكون كلّهْ»([14]). (فاعلاتن- فاعلاتن).
ويمكن القول: إن النفّري استطاع أن يراعي مقتضيات الصناعة الفنية، وأن يبدع في عمق المضمون الفلسفي والأخلاقي، فجمع في كل ما كتب بين روعة الفن وبلاغة الأسلوب وعمق المعنى.
وقد أشاد شارحه ببلاغته وفصاحته في عدّة مواضع من شرحه للمواقف، منها قوله: «وهذا الكلام فصيح، فلذلك تكثر فيه الاستعارات والمجازات الرائعة على عادة الفصيح من الكلام»([15]). وبلغت حيرته ودهشته من بلاغة النفّري أن يصفه بالإعجاز في البلاغة والإشارة، وأنها فوق قدرة البشر، فهو يقسم بالله الموصوف بالأسماء الحسنى والصفات العُلى ثم يقول:« ما رأيت في مكتوب ولا سمعت في مسموع منذ أكرمني الله تعالى بالانتماء إلى هذه الطائفة، أفصح عبارة عن التجليات الجزئية من لفظ هذا التنزّل،.. وإني اعتقد أنّ قدرة البشر تعجز عن هذه العبارة، وأنّ هذه لقوة إلهية، فسبحان الوهاب!» ([16]). وصرّح بهذا المضمون في موضع آخر، فقال: إنه « فصيح العبارة، معجز الإشارة»([17]). ومن وجوه الإعجاز التي ذكرها أنّه« ليس في هذا الكتاب تناقض أصلاً » ثم قال:« ومن اعتبر ذلك حقق ما قلت»([18]).
نوع النثر في المواقف
يمكن تحديد الأنواع الفنية للنثر في عصر النفّري بالخطابة، والترسل، والاحتجاج، والحديث([19]). أمّا الأشكال النثرية التي يتأطّر فيها النثر الصوفي الذي تهيمن فيه القيمة الأدبية، فهي: العبارات، والأحاديث، والأجوبة، والمحاورات، والوصايا والنصائح، والأدعية والمناجيات، والأوراد والأحزاب، والرؤى والمنامات، والحكايات، ونصوص الحكمة والإرشاد، والرسائل والمكاتبات، والقصص، والكتب، والرثاء، والحكمة، وأدب الزهد، وأدب النفس([20]). وهذا التنوع هو أحد ملامح الأدب الصوفي البارزة لأنّ « سعة التجربة الصوفية وشمولية وعيها الديني، وموقفها الاجتهادي من الشريعة، جعل فكرها يستعصي على الركون إلى جنس أدبي معين»([21]).
أما أين موضع أدب المواقف من هذا التنوّع، وإلى أيّها ينتمي؟ فالظاهر أن بعض الباحثين يميل إلى جعل الأدب الذي يعبر عن المقامات والأحوال والمواقف والمخاطبات وإرشاد المريدين أنواعاً فنية للأدب الصوفي قائمة بذاتها ([22]). وعدّ د. فائز طه عمر نثر(المواقف) من نوع (الحديث) من أنواع النثر الفني، وهو « من الأنواع الفنية التي يضمّ أكثرها جنس النثر الخطابي للحديث الصوفي الذي يتسم بالطول لضرورة إيفاء الفكرة وجوانبها المختلفة ما تستحقه من اللفظ»([23]). وقال قدامة: الحديث هو« كل كلام أوجبه الرأي وصدر عنه، وقصد به قائله، ووضعه موضعه، وكان مما تدعو الحاجة إليه »([24]). ومهما يكن فالمواقف يعدّ « نصاً أدبياً خالصاً مستخدماً لغة رمزية عالية في طرائق أدائها التعبيرية والأسلوبية» ([25]).
أغراض النثر في المواقف
يشكل كتاب المواقف نسيجاً صوفياً متماسكاً من حيث ترتيب مواقف السلوك، وما يترتب على المريد في كل موقف، ويظهرنا النفّري على طائفة من المقامات، وصولاً إلى موقف الشهود والرؤية وفناء السالك عن شهود السوى، وعن أفعاله وإرادته، وبقائه بأفعال الله وإرادته. وهي من أهم الموضوعات التي تناولها، وقد وصفها النفّري أدقّ وصف، واستبدل مفهوم الفناء والفاني بالوقفة والواقف. وحظيت الوقفة بمساحة واسعة من كتاب (المواقف)، لكونها أهمّ ما اتسم به فكر النفّري، وقد جعل الموقف الثامن بعنوان(الوقفة)، وقلما تخلو بقية المواقف من ذكرها. ويعني بها: الانقطاع أو الوقوف عن الطلب. أوهي مقام فناء ذات الطالب في ذات المطلوب. وتعني أيضاً: محو الرسوم في عيان الواقف. والواقف: هو المنقطع عن الطلب لفنائه في المطلوب. وهو الذي تبدلت جميع أوصافه بأوصاف المطلوب، وأدرك جميع الصفات الربانية. فوقوفه يعني فناءه عن ذاته وعن صفاته وأفعاله. ومن المفاهيم التي طرحها في هذا السياق وقفة الوقفة، وهي الوقفة المعتبرة التي تفنى فيها الرسوم بالجملة حتى رسم الوقفة([26]).
ويبدو أن النفّري يغلو في مقام الوقفة، فيجعله فوق مقام النبوة من حيث المعرفة بالله، لقوله:«وقال لي: رسول رحمة لا يحيط بمعرفتي، ورسول عقوبة لا يحيط بمعرفتي»([27]). والمراد برسول الرحمة ورسول العقوبة الإشارة إلى قوله تعالى: }وما نرسل المرسلين الاّ مبشرين ومنذرين{([28]). وفي مقابل ذلك يقول في الواقف:« وقال لي: ما عرفني شيء، فإن كاد أن يعرفني فالواقف»([29]). وفيه ترجيح واضح لمقام الواقف، مع أن الصوفية يختلفون في ذلك، فبعضهم لا يرى فوق مقام النبوة مقاماً، قال أبو يزيد البسطامي(تـ261هـ(:«آخر نهايات الصديقين أول أحوال الأنبياء، وليس لنهاية الأنبياء غاية تدرك»([30]). ويرى آخرون أن مقام الولي منهم أعظم من مقام النبوة، لأنّ الولاية عندهم أخذٌ من الله مباشرة، نسب إلى ابن عربي أنه قال:
مقام النبوة في برزخ
|
فويق الرسول ودون الولي ([31]) |
وترتبط الوقفة بمفهوم الرؤية أو الشهود، وهي من الموضوعات المهيمنة في الكتاب؛ لأنّ حقيقة الوقفة هي الفناء في حال الشهود([32]). أو الإشهاد الكلي الماحي للرسوم([33]). وأنّ الوقفة هي
باب الرؤية التامة([34]). والرؤية: هي المشاهدة بالبصر لا بالبصيرة([35]). ومما يدل على ذلك قوله:«أوقفني بين يديه، وقال لي: هل ترى غيري؟ قلت: لا. قال: فانظر إليّ. فنظرت إليه يخفض القسط ويرفعه، ويتولى كلّ شيء هو وحده…وقال لي: انظر إلى وجهي. فنظرت، فقال: ليس غيري. فقلت: ليس غيرك» ([36]).وقيل: الرؤية عند النفّري هي بعين الحال، لا بعين الجارحة؛ لأن شهود الحق في حضرة الوقفة، هو أن يكون لا شيء معه([37]). وقيل: الرؤية هي الخروج إلى شهود أنه تعالى واحد لم يتحد بغيره([38]).
ومن حقائق التصوف التي أشار اليها النِّفَّري، هي مراحل السلوك إلى الله تعالى، ومراتب السالكين، وما يعرض لهم من الموانع والقواطع، وأطوار السلوك، وتحدث عما ينبغي أن يعتمده السالك في سلوكه([39])، وعن آداب المكاشفة والحجاب، وآداب الأولياء ([40])، وعن مقام البهوت، وهو نهاية السلوك، لأنه شهود الذات([41]).
والمعرفة من الأغراض المهيمنة في الكتاب، «لكونها من أعظم مسائل الباطن شأناً، وأكثرها عمقاً، وأعزها منالاً، وأبعدها تحققاً»([42]). والجانب المعرفي ينشأ على وفق مفهوم المتصوفة من إلهام القلب وحدسه وإشراقه، وهو نوع من التجليات التي يقذفها الله في قلب الصوفي بعد أن يجلي مرآة قلبه بالانصراف عن كل ما سوى الله من الحجب والرسوم وسائر التعلّقات، وتوجيه الهمّة إليه وحده. لذلك فالمعرفة عندهم تعني« الإحاطة بعين الحقيقة بالحقيقة على ما هي عليه»([43]).
وتشكل المعرفة محوراً مهماً في فكر النفّري، وتكتسب لديه ترتيباً تصاعدياً يبدأ بالجهل بمعناه السلبي، ثم العلم، ثم المعرفة، ثم الوقفة التي تتجاوز النطاق الدنيوي للمعرفة، ويشترط معرفة النفس كأساس لمعرفة الحق سبحانه، يقول:« وقال لي: أكتب من أنت لتعرف من أنت، فان لم تعرف من أنت فما أنت من أهل معرفتي…وقال لي: قف بحيث أنت، واعرف نفسك، ولا تنس خلقك، تراني([44]) مع كلّ شيء… وقال لي: من سألك عني فسله عن نفسه، فإن عرفها فعرّفني إليه، وإن لم يعرفها فلا تعرّفني إليه، فقد غلقت بابي دونه»([45]).
وأكد أن الوصول إلى هدف السلوك، وهو القرب من الحق تعالى، لا يتم عن طريق الاتحاد والحلول، وأن معرفته سبحانه لا تدرك بأوهام العقول، يقول النفّري:« وقال لي: أنا الله لا يدخل إليّ بالأجسام، ولا تدرك معرفتي بالأوهام»([46]). فالذات الإلهية لا تعرف ولا تحب اتحاداً ولا حلولاً ولا خيالاً، وإنما إدراكها يكون عن طريق المعرفة بالله، والصفاء الروحي، والإخلاص العملي([47]).
وكتاب المواقف في جملته يمثّل معرفة ذوقية كشفية هدفها الوصول إلى الله جل وعلا، ومحورها عدم الالتفات إلى السوى والغير في حال الشهود والرؤية، وإن كان علماً أو معرفة، وذلك يتلخص بقوله:« وقال لي: عبدي كلّ عبدي هو عبدي الفارغ من سواي، ولن يكون فارغاً من سواي حتى أوتيه من كلّ شيء، فإذا آتيته من كلّ شيء أخذ إليه باليد التي أمرته أن يأخذ بها، وردّ إليّ باليد التي أمرته أن يردّ»([48]).
أثر ضيق العبارة على النثر
من الأمور المعروفة عند المتصوفة شعورهم « أن اللغة غير كافية، أو أنها لا غناء فيها تماماً كوسيلة لنقل تجاربهم أو استبصاراتهم إلى الآخرين، ولهذا نراهم يقولون: إن ما يمرون بتجربته لا يمكن وصفه، أو التفوّه به» ([49]). ويستندون في ذلك إلى حديث :« من عرف الله كلَّ لسانه» ([50]). ويعللون ذلك بكون تجلّي الحق تعالى لأوليائه لا بالحروف ولا بالصوت([51]). ويروي الكلاباذي عن أبي عبد الله النباجي([52]) واصفاً حال الصوفي حين يصل مقام الشهود، قال:« مثل التصوف مثل علة البرسام([53])، في أولها هذيان، فإذا تمكّنت أخرست. يعني أنه يعبّر عن مقامه، وينطق بعلم حاله، فإذا كُوشف تحيّر وسكت»([54]). ويقول النِّفَّري معبّراً عن قصور اللغة عن وصف حال الكشف والتجلّي:
كشف الحجاب لعارفيه فأبصروا
|
ما لا تعبـّره حـروف هجائه ([55]) |
ويعزو النفّري سبب ذلك إلى كون التجربة الصوفية رؤية لا يمكن تأطيرها، ووقفة لا يتسع لها الكون، بل هي في اتساع دائم، لذلك فهي تتجاوز حدود الطاقة اللغوية، بل تضيق معها عبارة العلم والمعرفة، يقول:« وقال لي: كلّما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة »([56]). ويقول:« وقال لي: عبر الواقف صفة الكون، فما يحكم عليه…وقال لي: لا يقرّ الواقف على الكون، ولا يقرّ عنده كون»([57]).
وإذا كانت العبارة عاجزة عن الإخبار عن الرؤية والوقفة وعالم الشهود، وعقول الخلائق عاجزة عن الإخبار عن أنفسها، فهي أعجز عن وصف الحق سبحانه والدلالة عليه، يقول:« وقال لي: لا تسمع فيّ من الحرف، ولا تأخذ خبري عن الحرف. وقال لي: الحرف يعجز أن يخبر عن نفسه، فكيف يخبر عني؟ وقال لي: أنا جاعل الحرف والمخبر عنه. وقال لي: أنا المخبر عني لمن أشاء أن أخبره»([58]). وهذا العجز لا يتطرق لدى المتصوفة إلى الخواص وخواص الخواص الذين تجلّى لهم الحق وشهدوا جماله وجلاله، وشاء أن يخبرهم عن ذاته([59]).
ومسألة ضيق اللغة وعجزها من أهم المسائل التي تأثرت بها لغة النثر في المواقف، فهي تتجاوز أطر لغة الخطاب العادي، وتكتسب صفة الإبداع والابتكار والقدرة على الإحاطة والتجديد، باعتماد آلية الإيماءات الدالة البليغة، والجنوح إلى الإشارات والرموز الموحية « فهو يستخدم اللغة لا لكي يعبّر بالكلمات فهذه عاجزة، وإنما لكي يعبر بما يقدر أن ينسج بها من علاقات هي رموز وإشارات»([60]).
فهو بصدد البحث عن« لغة التبشير بما وراء الحرف والمجاز، أي بما وراء اللغة الحقيقية واللغة الاستعارية، وبما وراء الشيء ونقيضه »([61]). إنه يريد « لغة جديدة تعكس الوجه اللغوي لمحنة الصوفيين، وهو معنى المعنى، في محاولة لحدس المجهول، واستنطاق الصمت، وتكثيف الزمن»([62]).
ويرى النفّري أن الحصول على كمال المعرفة، ومن ثم تجاوز ضيق اللغة إنما يتم بالأمية، ولا يريد بها أمية القراءة والكتابة المعهودة، بل أمية النبوة المستندة إلى الفطرة والحدس والإلهام والتجلّي. ويؤكد ذلك بقوله:« وقال لي: هذه عبارتي وأنت تكتب، فكيف وأنت لا تكتب؟!»([63]). وقوله:«وقال لي: لا تزال تكتب ما دمت تحسب، فإذا لم تحسب لم تكتب. وقال لي: إذا لم تحسب ولم تكتب ضربت لك بسهم في الأمية، لأن النبيّ الأميّ لا يكتب ولا يحسب»([64]). فالعبارة تكون أوفى وأتمّ حيثما لا توجد الكتابة ولا صنعة الحرف، لكون الحرف قاصراً عن الأداء في مقام التجلّي. و«لا يحصل التجلّي التامّ إلا بعد التجلّي بالأمية»([65]). ويبرر التلمساني ذلك بقوله:« وهنا سرّ لطيف، وهو أنّ الأمي أقرب إلى الحضرة الإلهية من الكاتب الحاسب، ولذلك قال النبيّ: نحن أمة لا نحسب ولا نكتب. فافتخر بذلك له ولأمته u، وسبب ذلك بقاء الفطرة الإلهية على بساطتها وسذاجتها، ليكون ما يرد عليها هو علمها لا ما ينتجه فكرها([66])». وكلام النفّري يستبطن الرغبة في محاكاة سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) في جعل تجربته صدوراً مباشراً من الله مع عدم الرغبة في تدوينها بنفسه.
على أن مسألة ضيق اللغة وقصورها في التعبير عن الرؤية والشهود وغيرها، فيها نظر؛ لأن اللغة العربية استطاعت أن تصف ما هو فوق الرؤية كالإسراء والمعراج، وعوالم الملائكة والجنّ، ووصف نعيم الجنة وعذاب النار، وقد عبّرت عنها لغة الحديث والقرآن أروع تعبير.
ملامح لغة المواقف
1- التكثيف والإيجاز
وصفت عبارة النِّفَّري « بأنها عبارة تقوم على الحذف والتكثيف اللفظي بالأساس» ([67]). وكان شارح المواقف قد واجه هذه الحقيقة عندما تصدى لشرح بعض أقوال النفّري المتخمة بالمعاني، ومنها قوله: « وقال لي: بدأت فخلقت الفرق، فلا شيء مني ولا أنا منه، وعدت فخلقت الجمع، فيه اجتمعت المتفرقات، وتألفت المتباينات»([68]). فقد حملته هذه العبارة على أن يقول: « هذا التنزّل يحتمل بسط مقدار مجلد أو أكثر، لسعة معناه»([69]). وكان النفّري محكوماً بضيق العبارة واللجوء إلى اختزالها حيثما تسلّق في مدارج السلوك باتجاه الرؤية والشهود، فهناك « يترجم وصوله، بلغة مغلقة يفهمها وحده، وكأنّه غير معنيّ بترجمتها للآخرين، فمعظم عبارات النِّفَّري موجزة تحمل معاني في معنى، حتى تبدو وكأنّها غير تامة »([70]).
2- الصناعة الفنية
يوصف الأدب الصوفي بأنه « أدب الفكرة، والأدب المحمّل بالمعاني الفلسفية…وأدب قوم كانوا لا يخطون خطوة إلا بوحي من الفكرة الأخلاقية، ولم يكن الأدب عندهم صناعة، وإنما كان وسيلة من وسائل التعبير عن أزمات النفوس وخواطر القلوب»([71]). لكن« شدة تأثّر النثر الصوفي بالبحث الفلسفي والأسلوب الكلامي، لم تخرجه عن كونه تعبيراً وجدانياً، له ما للتعبير الأدبي من روعة التصوير، وقوة التأثير»([72]). وقد يستند الصوفي إلى «أساليب علم البديع بأنماطها وأشكالها المختلفة للتعبير عن ذاته وعن نظرته للوجود والحياة وعن تفاعله معهما»([73]).
وعلى الرغم من أنّ الغالب على نثر النفّري هو طابع التصوف والفكر الصوفي الفلسفي، لكنه استطاع أن يلبسه أثواباً جمالية من الاستعارات والمجازات والعناصر الفنية الأخرى التي ارتقت به إلى اكتساب مقومات النثر الفني، لذلك «حملت مواقفه ومخاطباته ونصوصه الأخرى شخصية النثر الصوفية في أدقّ خصائصها وأعمق معانيها، ففي كل نصّ من نصوصه نجد شاعرية في الأداء، تستند إلى حشد الاستعمالات الفنية والاصطلاحية، ليكتسب أداؤه ما يميزه، فقد ظهر السجع والتوازن والجناس والتضاد وتكرار الألفاظ والتراكيب وتداخلها مع التشبيه والاستعارة والكناية مع الرمز»([74]).
ومن استعمالاته الفنية القائمة على تشخيص المفاهيم وتجسيم المعاني وإخراجها في ثوب حسي، قوله:« وقال لي: لمعرفة المعارف عينان تجريان: عين العلم، وعين الحكم. فعين العلم تنبع من الجهل الحقيقي، وعين الحكم تنبع من عين ذلك العلم. فمن أغترف العلم من عين العلم أغترف العلم والحكم، ومن أغترف العلم من جريان العلم لا من عين العلم، نقلته ألسنة العلوم، وميّلته تراجم العبارات، فلم يظفر بعلم مستقر، ومن لم يظفر بعلم مستقر لم يظفر بحكم»([75]). فقد جسّد معرفة المعارف، وجعل لها عينين جاريتين، تنبع إحداهما بالعلم، والأخرى بالحكم، وأضفى على العلم والحكم صفة من صفات العين، وهي الاغتراف على سبيل الاستعارة. ويظهر في هذا النص توظيف لمكونات البديع المتمثلة بالتقسيم والطي والنشر مع تناوب الألفاظ وإعادتها على سبيل التكرير.
ومنها قوله:« وقال لي: القرآن يبني، والأذكار تغرس»([76]). فاستعار للكتاب الكريم صفة البناء، وللأذكار صفة الغرس، ويريد أنّ « القرآن يبني الدين، والأذكار غروس فيه ثمر القرب»([77]).
ومن استعاراته قوله:« وقال لي الوقفة ريحي التي من حملته بلغ إليّ، ومن لم تحمله بلغ إليه»([78]). «فهذه استعارة شبّه فيها السالك بالمركب، والوقفة بالريح التي تسير بالمركب، ومعنى (بلغ إليّ): أي إلى شهود ذاتي، ومعنى (بلغ إليه): أي بقي مع الأغيار وحجب الأكدار»([79]).
ومنها قوله :« وقال لي: الواقف يأكل النعيم ولا يأكله، ويشرب الابتلاء ولا يشربه» ([80]). وفي هذه الاستعارة تشخيص للنعيم والابتلاء، والمعنى « أنه يتنعم ولا يملكه حبّ النعيم فينحجب به، ويتألم ولا يملكه الجور فينحجب به» ([81]).
ومن تشبيهاته المحذوفة الأداة قوله:« وقال لي: لو أبديت لغة العزّ لخطفت الأفهام خطف المناجل، ودرست المعارف درس الرمال، عصفت عليها الرياح العواصف»([82]). أي كخطف المناجل، وكدرس الرمال. واستعار للعزّ لغة، وسماها لغة تجوزاً لما يحصل فيها من العلم بالله تعالى، وصاغ من خلال هذه الاستعارة مصطلحاً صوفياً مركباً بالإضافة سماه (لغة العزّ). وهي تختص بما فوق إدراك العقول، وكنّى بخطف المناجل ودرس الرمال عن صفة السهولة في خطف الأفهام بسبب فناء المتلقّي عن نفسه وفهمه ([83]). وفي كتاب المواقف المزيد من الاستعمالات الفنية الرائدة ([84]).
ويتشكل الخطاب الصوفي لدى النفّري بتوظيف «آلية الخيال لبناء عوالمه الصوفية… يقول: أوقفني في معرفة المعارف، وقال لي: هي الجهل الحقيقي من كلّ شيء بي. وقال: صفة ذلك في رؤية قلبك وعقلك، هو أن تشهد بسرك كلّ ملك وملكوت، وكلّ سماء وأرض، وبرّ وبحر، وليل ونهار، ونبيّ وملك، وعلم ومعرفة، وكلمات وأسماء، وكلّ ما في ذلك، وكلّ ما بين ذلك، يقول:( ليس كمثله شيء). وترى قوله:( ليس كمثله شيء) هو أقصى علمه، ومنتهى معرفته ([85]). يشير النصّ في لغته الصوفية الإشارية إلى حقيقة صوفية دينية، هي أن الذات الإلهية ليس لها مثيل ولا نظير. وقد شهدت بذلك الخلائق والأكوان حتى أشارت وصرحت وأعلنت أن (ليس كمثله شيء). وهذا منتهى المعرفة التي ينتهي إليها الكائن، وهي معرفة المعارف. إنّ النفري يصوّر في هذا النصّ بلغة رمزية لا تخلو من جمالية قدّمتها أساليب لغوية بلاغية وغير لغوية عديدة ومتنوعة، ما يجول في وجدانه وخاطره. فإلى جانب المجاز اللغوي، يوظّف الصوفي التخييل عبر بنية الحوار الذي يجريه بين الكون وبين العارف. إنّ هذا الحوار المتخيّل يوسّع دائرة الإشارات، ويجعل الحقيقة الصوفية تنبعث من كل مظاهر الوجود قبل أن تتغلغل في وجدان الصوفي وروحه الفلسفة التائهة، ومن ثمّ كانت هذه الإشارة هي معرفة المعارف التي لا تضاهيها معرفة أخرى»([86]).
3- الغموض والتعقيد
إنّ المواقف « كتاب غريب في بابه، فريد في منهاجه، أودعه صاحبه خلاصة فلسفات وآراء الصوفية، ولصعوبة ما يطرقه من الموضوعات نجد كثيراً من نصوصه عسيراً على القارئ »([87])؛ لأنها «قد كتبت في لغة تعسر على الفهم، وليس من السهل فهمها من غير أن يصحبها شرحها»([88]). على أن بعضها قد «بلغت في غموضها إلى مستوى الانغلاق التام»([89]). إلى الحدّ الذي لا يتمكن الشارح من إدراك فحواها، ففي قوله:« وقال لي: وجهي قبلته، وعيني بابه، أقبل عليه بكلك تجده مسلماً لك»([90]). قال الشارح:«هذا التنزّل غامض، وإدراكه يحتاج إلى لطف الفطرة » ([91]).
على أن الغموض في المواقف لا يأتي من غرابة اللفظ وصعوبة المعنى المعجمي، بل هو غموض في معنى التراكيب، لما يتضمن من رموز يصعب فكّ شفرتها، وإشارات وكنايات تلوح وراء الألفاظ، فضلاً عن كثرة التقديم والتأخير والحذف الذي لا يدلّ عليه دليل، وتنويع دلالة حرف الجر الواحد، وتكثيف المصطلحات الصوفية الرمزية، ولذلك لا يساعد السياق أو القرائن على كشف الغموض وتفسير تعقيداته، لأنه غموض مقصود لإخفاء المعنى وإبهامه.
ومن موارد الحذف بلا دليل قوله:« وقال لي: أدنى علوم القرب أن ترى آثار نظري في كل شيء»([92]). قال الشارح:« تقدير قوله: (آثار نظري) أي آثار نظرك إليّ، بالإضافة إلى المفعول»([93]). فحذف المضاف إليه، وهو الكاف في (نظرك)، والجار والمجرور (إليّ) ، ولا دليل على هذا الحذف.
ومنه قوله:« وقال لي: ما سمعوا منّي قطّ، ولو سمعوا ما قالوا لا»([94]). يقول التلمساني:«هذا التنزّل جواب لسؤال مقدر، كأنّ قائلاً يقول: فقد قيل لهم: إنه ما في الوجود إلا الله تعالى، فما لهم لم يشهدوا؟ فحصل الجواب بقوله: ما سمعوا ذلك مني، ولو سمعوه مني ما قالوا لا. وسبب ذلك أنّ سماعهم منه لا يكون إلاّ بعد شهود، ومع الشهود لا يقولون لا»([95]). فقد حذف المفعول به، ولا يدل عليه إلا جواب سؤال مقدر لا يمكن معرفته من السياق.
ومن أمثلة التعقيد الظاهرة استعمال الضمائر وحدها، أو مع حروف الجر لغرض إشاري يصعب فكّ رموزه، مما يؤدي إلى إبهام في الدلالة، وخروج عن المعنى الذي وضع اللفظ له، نحو قوله:«فأوقفني في هو، وتعرف إليّ من قبل هو، التي هي هو، ليس من قبل هو الحرفية. ومعنى هو الحرفية إرادتك هو إشارية، وهو بدائية، وهو علمية، وهو حجابية، وهو عندية. فعرفت التعرّف من قبل هو التي هي هو. ورأيت هو فإذا ليس هو هو إلا هو، ولا ما سواه هو يكون هو»([96]). وقوله: «وقال لي: علمك يرجع إليّ بما حوى، ونفسك ترجع إليها بما حوت، فإذا تسمّيت عند علمك رجع إليّ به وبك، وإذا تسمّيت عند نفسك رجعت إليها بها وبك»([97]).
وقد يُشتت الذهن لتعدد دلالات حرف الجر، كما في قوله:« وقال لي: القيومية قامت بكلّ شيء»([98]). فالباء في قوله:(بكل شيء)« للتعدية، كأنه قال: القيومية أقامت كل شيء، وقد تكون الباء سببية»([99]). ومنه قوله:« أوقفني وقال لي: أنت ثابت ومثبت، فلا تنظر إلى ثبتك، فمن نظرك إليك أتيت»([100]). أي لا ترى أنك ثابت بنفسك، فانه باب الاحتجاب عن الحق. وقوله:(من نظرك) يوحي حرف الجر بمعنى الظرفية؛ لأنه متعلق بقوله:(أتيت). بيد أنه يفيد السببية، أي « بسبب نظرك إلى نفسك احتجبت»([101]). وتأتي مزيدٌ من الأمثلة في المبحث الأول من الفصل الثالث(إيجاز الحذف، وإيجاز القِصَر).
4- الإشارات والرموز
تعدّ الرمزية من علامات الإبداع في الخطاب الأدبي « بوصفها مصدراً للتأمل الدائم، والتأويل المتجدد، والاستلهام الفرداني»([102]). وهي من خصائص الشعرية « ومنبع الشعرية في عملية الترميز، هو بالضبط مسافة التوتر الهائلة بين الرمز والمرمز»([103]).
ومعروف عن النفّري أنه « ممن غلبت عليهم الرمزية في التعبير»([104]). وقد أشار التلمساني إلى أن «المواقف إنما هي إشارات»([105]). ويعود استخدام الإشارة والرمز في المواقف إلى أن الوقفة لا يخبر عنها بالعبارة، لأنّ الإخبار يدلّ على بقاء الأنا، والوقفة تنفي الأنا، يقول النفّري:« وقال لي: دخل المدعي كل شيء فخرج عنه بالدعوى، وأخبر عنه بالدخول إلا الوقفة، فما دخلها ولا يدخلها، ولا أخبر عنها، ولا يخبر عنها»([106]). أما كيف أورد النفّري هذه التنزّلات في الوقفة مع أنه لا يجوز الإخبار عنها ؟ فالجواب: إنما أوردها على سبيل الرمز والإشارة، فالعبارة فيها بمنزلة الإشارة([107]). ومن هنا استغرق النفّري في تنزلاته بحشد من الإشارات والرموز.
ولعلّ السبب الآخر الذي يدفعه باتجاه الاستعمال الرمزي الإشاري، هو أنه كان مطالباً بالكتمان، ولم يسمح له بالبيان أكثر مما ورد في (المواقف والمخاطبات)، ولا أن يقول كل ما يعرف عن مقاماته وكمالاته المتمثلة بالرؤية والشهود، قال:« وقال لي: أذنت لك في أصحابك بأوقفني، وأذنت لك في أصحابك بيا عبد، ولم آذن لك بأن تكشف عني، ولا بأن تحدّث بحديث كيف تراني»([108]). قوله:(بأوقفني) إشارة إلى كتاب المواقف، وقوله: (يا عبد) إشارة إلى كتاب المخاطبات، والمراد أنه «لم يؤذن له في أن يشرح للمحجوبين شهوده كيف هو، لأنهم لا يقدرون على إدراك ذلك، ولا يرجعون فيه إلى إيمان، بل إلى كفران»([109]). ومن هنا يميل إلى الرمز والإشارة في كل ما يرد على قلبه من لمحات وخواطر ذاتية ترد على قلبه ووجدانه، ليحجب رؤيته وكشفه حقيقة الذات الإلهية عن العوام.
وإذا كانت الرموز تصنّف بين رموز تقليدية معطاة سلفاً، ورموز أخرى تتصف بالجدة والحيوية، ولا يقدر على إبداعها إلا الشوق العاطفي المتوقّد لعقل بلغ الذروة في تطوره([110]). فان لغة المواقف تحفل بنماذج من الرموز الحسية ذات الإيحاء القوي على مدلولاتها بما يرسمه من صور خيالية لها، ونماذج أخرى من الرموز الذهنية بما يرسمه من صور حسية لها، وتدور رموزه حول البحر والخيط والإبرة والسدّ والشمس والقمر والنجوم، والتيه والضحك واللبس والنزع والجهل والعلم وغيرها، وقد اتخذت طابعاً صوفياً محضاً بما تحيل عليه من أذواق وتجارب.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك أنه أدخل لفظ البحر في دائرة الرمز الصوفي، في موقف البحر، ولعله «من أطول النصوص الرمزية النثرية الصوفية وأكثرها غموضاً »([111]) فقد جعل البحر« وما يتعلق به في صورة متحركة تتكون من بحر تغرق فيه المراكب فتتحطم، لتغدو ألواحاً تغرق هي الأخرى»([112]). فيرسم لوحات بصرية وسمعية، تقودنا إلى دلالات مجردة تفوق الإدراك البصري المشاهد، يقول في موقف البحر:« أوقفني في البحر، فرأيت المراكب تغرق، والألواح تسلم، ثم غرقت الألواح. وقال لي: لا يسلم من ركب. وقال لي: خاطر من ألقى نفسه ولم يركب. وقال لي: هلك من ركب وما خاطر. وقال لي: في المخاطرة جزء من النجاة. وجاء الموج ورفع ما تحته، وساح على الساحل. وقال لي: ظاهر البحر ضوءٌ لا يبلغ، وقعره ظلمةٌ لا تمكن، وبينهما حيتان لا تستأمن. وقال لي: لا تركب البحر فأحجبك بالآلة، ولا تلق نفسك فيه فأحجبك به. وقال لي: في البحر حدودٌ أيّها يقلّك؟ وقال لي: إذا وهبت نفسك للبحر فغرقت فيه، كنت كدابةٍ من دوابّه…»([113]).
وتتعدد الرموز الموحية التي يتضمنها هذا النص، وتتعدد تبعاً لذلك قراءاته ودلالاته، فشارح المواقف يرى أن البحر رمزٌ لما يقطعه العبد ويسافر فيه في أثناء سلوكه. والمراكب رمزٌ لما يتخذ طلباً للنجاة، وذلك في عادة أهل السلوك هو العبادة الظاهرة. والألواح رمزٌ للأسباب الضعيفة. والموج رمزٌ للأحكام. والساحل رمزٌ لعالم الحجب. والحيتان رمزٌ للشُبه والقواطع في السلوك. والدابة كنايةٌ عن الشُبهة.
ويذهب الشارح إلى أن معنى هذا التنزل تبيين هل السلوك بالعلم أولى، أو السلوك بما يحمل القلب من الشوق كيف اتفق؟ فرجح الثاني، وعلل ذلك بقوله: « لأنّ الألواح أسباب ضعيفة، فكأنّ راكبها اعتمد على المُسبّب الحق تعالى لا عليها، ولست ُأريد أن ّالسالك ينبغي أن يترك العبادة، بل المراد أن يترك اعتبارها من قلبه. فإنّ في ذكرها مِنّةً على الله تعالى، وصرح أن المخاطرة أسلم؛ لأن الاعتماد فيها على المسبب أظهر، والذي حسّن تخصيص الطريق باسم البحر والعبادة بالمراكب في التمثيل، هو أنه لو صرح بهذا المعنى، ولم يجعل الحديث فيه بالإشارة، أنكره علماء الرسوم دفعة واحدة قبل الوصول إلى فهم معناه، لما يتبادر إلى أفهامهم من أن فيه منابذة للسنة والشرع »([114]).
ويرى نيكلسون أنه يريد بالبحر الرياضات والمجاهدات الروحية التي يجتازها السالك في رحلته إلى الله تعالى. والمراكب هي أعمال العبد صالحةً أو غير صالحة. والساحل هو الظاهر. ومقرُّ الظلمة هو الباطن. والحيتان هي مخاطر وعقبات الطريق الوسط بين الظاهر والباطن. وشرط سلامة الطريق أن يتوكل على الله وحده ويجعله غايته، ولا يثق بالأغيار؛ لأنه حتى المراكب التي يريد بها الأعمال الصالحة وغيرها لا تنجيه، بل تغرق، فلا المركب ينجي ولا الألواح بسبب الاعتماد على غير الله، ويريد بالساحل عالم الظاهر، وبالآلة المركب ([115]).
ويرى بعضهم أن البحر يدلّ على الباطن، في مقابل البرّ الدال على الظاهر. والمراكب هي العبادات الظاهرة. والألواح هي الشوق والمحبة ([116]). ويقول د.عاطف جودت نصر حول صورة ركوب البحر وانكسار السفين عند المتصوفة:«تئول هذه الأساليب كلها إلى الرمز في طبيعته العرفانية، وفيه نتعرف على الخطر بوصفه علامة على كل حياة روحية تنشد التوتر الخصب والقلق المفضي إلى الطمأنينة الحقة »([117]).
وينظر بعضهم إلى هذا الرمز من زاوية الإبداع، فيقول:« ليس الروح المبدع في الكون سوى سفينة في بحر، ووجوده (الروح) هو وجده الخالص، وكل ما سواه غارق … فالوقوف في بحر الحقيقة يفترض الانحلال فيه، والسلامة هي مجرد طوفان الجسد وأجزائه المتجزئة، كما أن الغرق هو الانحلال في الكل. وهو إدراك يستلزم المغامرة والمخاطرة والتحدي…فأي معنى للركوب بلا مخاطرة؟ وإلا فركوب المبدع شبيه بسفر حقيبة من حقائب المسافرين لا قيمة لما فيها؛ لأن حقيقة الإبداع هي المخاطرة الدائمة، والقدرة على تصور النفس (الذات) منحلّة في الكل الحي»([118]).
واستعمل النفّري رمز الإبرة والخيط في قوله:« وقال لي: اقعد في ثقب الإبرة ولا تبرح، وإذا دخل الخيط في الإبرة فلا تمسكه، وإذا خرج فلا تمدّه…» ([119]). والخيط هنا رمز للمعرفة. والإبرة رمز للعلم. وثقب الإبرة لمجرى المعرفة من العلم. وبين الخيط والإبرة ارتباط شبيه بارتباط العلم والمعرفة([120]). وهناك المزيد من الرموز والإشارات الأخرى التي وظّف فيها المحسوسات للدلالة على المعاني الصوفية العميقة التي أراد أن يصورها ويوحي بها، منها: أنه جعل لفظ الليل إشارة إلى الجهل، والنهار إشارة إلى العلم([121]). ورمز بالشمس والقمر والنجوم والأنوار كلها للذات الإلهية، ورمز لغيرها بالظلمة أو الظل ([122]). واستعمل الرموز الذهنية كاللبس والنزع إشارة إلى الطاعة والمعصية([123]). والضحك إشارة إلى الرضا والإقبال([124]). وغيرها كثير([125]).
5- تعدد القراءة
تحدث د. حسن مصطفى سحلول عن قراءة النصوص بحسب مستوياتها، وذكر أنه ميّز بعض النقّاد بين النصوص التي يمكن نسخها، وتلك التي يمكن قراءتها. والنصوص الأولى هي نصوص يمكن أن ينسخها القارئ، أي أن يؤوِّلها عدداً لا ينتهي من المرّات، أي أنّه يكتبها من جديد كل مرة يأخذ فيها الكتابَ بين يديه. والنصوص الأخرى هي تلك التي تتضمّن عدداً محصوراً من القراءات. وذهب إلى أنّ هناك نصوصاً ما يزال القارئ العربي عاجزاً عن الإحاطة بكل معانيها بسبب ما أخضعَت إليه لغتها من جهد وصنعة، وبسبب موهبة كاتبها المطبوع، وما يزال النقد يكتشف فيها شبكات دلالية طريفة، ومعانيَ جديدة، وجعل بين هؤلاء أبا تمّام والمتبني والجُنيد والنفّري ([126]).
وفي نثر المواقف تتوسّع فضاءات النص، فينفتح من خلالها على آفاق غير محدودة المعالم، لإيجازه وكثافة مضمونه المعرفي وعمق أفكاره، فتتعدد تبعاً لذلك القراءات في فهم معناه « ومما لاشك فيه أن القراءات المتعددة للنصّ الواحد، تعني إثراء النصوص الأدبية، والكشف عن تعدد دلالاتها، كما تكشف عن غنى النصوص الأدبية وقابليتها للتأويل إلى معان متعددة»([127]). ويمكن إرجاع أسباب تعدد القراءة في المواقف الذي يفضي إلى الغموض والتعقيد أحياناً إلى جملة أسباب:
أولاً – قد يكون ذلك لاحتمال اللفظ أكثر من معنى، نحو قوله: « وقال لي: اجعل ذكري وراء ظهرك، وإلا رجعت إلى سواي لا حائل بينك وبينه»([128]). إذ يحتمل قوله: (لا حائل) معنى لا فارق، بل كلاكما إذ ذاك سوى. ويجوز أن يكون معناه لا مانع يمنعك دونه([129]). وقد يؤدي اللفظ معنيين على وفق مفاهيم المتصوفة، وتبقى الدلالة واحدة في كلا المعنيين، كما في قوله:« وقال لي: قف في خلافية التعرف..»([130]). فقد ذكر الشارح أنّ الخلافية بمعنيين؛ وهما الغيرية، والخلافة، وكلا القراءتين لا تختلف فيهما دلالة التنزّل، وقد عدّه من معجز البلاغة عند النفّري([131]).
وقد تتعدد وجوه المعنى بسبب تعدد معنى الأداة، كما في قوله:« في البحر حدود، فايّها يقلّك»([132]). أي: استفهامية للإنكار، أو شرطية على حذف الجواب، وذكر الشارح أن معنى ( في البحر حدود) هي مراتب السلوك، فأي تلك الحدود يحملك ؟ ثم ذكر قراءته للنص قائلاً:« وفي هذا التنزل اعتباران؛ أحدهما الإنكار عليه أن يستند في سلوكه إلى حدّ من الحدود، ويكون(فأيّها يقلّك) أيْ أيّ هذه الأشياء الناقصة يصلح لك. والاعتبار الثاني أن تكون الحدود هي الطرق، فكأنه قال فأيّ هذه الطرق يصلح لك فاعتمده »([133]).
ومن ذلك قوله:« وقال لي: الواقف يرى ما يرى العارف وما هو به، والعارف يرى ما يرى العالم وما هو به»([134]). قوله:(وما هو به) يمكن أن نعد (ما) اسماً موصولاً، فيكون المعنى«أن الواقف يرى العارف، ويرى ما هو به عارف، وأما العارف فيرى العالم، ويرى ما هو به عالم»([135]). ويمكن أن تكون (ما) نافية فيكون التقدير: ليس العارف عين الواقف، أي ليس هو هو.
ثانياً – الإيهام في عود الضمير. ويكون تارة لإرجاع الضمير على مجهول لم يسبق تحديده، مع عدم وجود قرينة محددة تعين القارئ على إرجاعه([136]). ويكون تارة أخرى لإمكان عودته على متعدد، فتتعدد بسببه وجهات النظر، كما في قوله:« وقال لي: لا تركب البحر فأحجبك بالآلة، ولا تلق نفسك فيه فأحجبك به»([137]). الضمير في قوله: (فأحجبك به) معناه: فأحجبك بالإلقاء، ويجوز في معناه فأحجبك بالبحر ([138]).
ومنه قوله:« وقال لي: أين من أعدّ معارفه للقائي، لو أبديت له لسان الجبروت لأنكر ما عرف، ولمار مور السماء يوم تمور موراً»([139]). « فالضمير في (مار) يجوز أن يرجع إلى (ما) في قوله :(ما عرف) وهو العرفان أو المعرفة، ويجوز أن يرجع إلى العارف نفسه، فيكون هو المائر مور السماء يوم تمور موراً » ([140]).
ثالثاً- وقد يعزى تعدد القراءة إلى تعدد معنى حرف الجر، كالباء التي يتسع معناها بين التعدية والسببية، و(من) التي تحتمل الظرفية والسببية([141]). وقد تقدمت أمثلته آنفاً في (الغموض والتعقيد) من هذا المبحث.
رابعاً- وقد يكون بسبب تعدد المعنى الصوفي العميق على وفق مفاهيم القوم([142]) ، كقوله: «وقال لي: إن خرج العالم من رؤية بُعدي احترق…» ([143])، إذ تتعدد وجهات النظر في احتراق العالم على وصفين؛ إما بأن يخرج إلى المعرفة فيحترق بالفناء بحسب ما حصل له من التجلّي العرفاني، والفناء احتراق معنوي، ولا يسمى إذ ذاك عالماً بل عارفاً، فاحترقت إذن علميته. أما الوصف الآخر فهو أن يخرج من العلم لا إلى المعرفة، بل إلى أسفل، وهو أن يعرض عن العلم، فتصدأ مرآته بالجهل، فقد احترقت أيضاً علميته([144]).
خامساً- وربما احتمل النص بأجمعه معنيين، كما في موقف (قد جاء وقتي)([145]) ، الذي فسره الشارح بالولي المخاطب والمكاشف وهو النفّري. وفسره ثانية بالمهدي الموعود. والنص في جميع عباراته يحتمل كلا التفسيرين من دون تمحّل أو تكلّف في الشرح([146]).
سادساً- أن كثرة الحذف قد تؤول إلى التعدد في التقدير، نحو قوله:« أوقفني في القرب، وقال لي: ما مني شيء أبعد من شيء، ولا مني شيء أقرب من شيء»([147]). أي ما شيء من العالم أبعد عني من شيء من الذعالم، وما شيء من العالم أقرب إلي من شيء من العالم. وقد يوحي السياق بمعنى متبادر هو: ما من شيء من الحق تعالى أقرب إلى شيء منه أيضاً، وهو محال عليه تعالى([148]).
سابعاً- وقد يختلف التفسير بين أهل الحجاب وأهل الشهود، أو أهل الظاهر وأهل الباطن، فيتعدد المعنى، كما في قوله:« وأنا حسب العالمين الغافلين في أعمالهم عني»([149]). فان«أهل الحجاب يفسرونه على أنه تهديد، وأهل الشهود يفسرونه على أنه وعد بما فوق الحسنى والمزيد، وهذه الغفلة عندهم أشرف من الحضور في العمل، كما أن من علم هو أنقص حالاً ممن جهل»([150]).
ومن ذلك قوله:« وقال لي: إن ذهب قلبك عني، لم أنظر إلى عملك»([151]). الوجه الأول أنه إشارة إلى قوله (صلى الله عليه وآله): «الأعمال بالنيات» وهو تفسير ظاهري. والوجه الثاني وهو تفسير الخواص، ويقصدون به أن « قوله:(إن ذهب قلبك عني) أي عن رؤيتي في العمل(لم أنظر إلى عملك) أي إلى العمل المنسوب إليك»([152]).
وقد تتفاوت وجوه المعنى لسياق واحد بين زمانين، كما في قوله:« وقال لي:…اعمل ولا تنظر إلى العمل»([153]).« فمعناه في زمن الحجاب: أي لا تعتدّ بالعمل. ومعناه في زمن الكشف: أي لا تثبت لك أنك العامل»([154]). وهناك موارد أُخر كثيرة تتعدد فيها وجوه المعنى([155]).
([1]) كشف الظنون: 2 /1891. هدية العارفين: 2 /45. تاج العروس: 7 / 549 ، الأعلام: 6 / 184 ، معجم المؤلفين: 10 / 125.
([5]) القضايا النقدية في النثر الصوفي:220.
([6]) الوافي بالوفيات: 29 /109، تاريخ الإسلام: 47/262، الأعلام: 8 /238.
([7]) ينظر: الشعر الصوفي: 270.
([8]) ينظر: الشعرية العربية: 64، في الشعرية: 104، حكمة الروح الصوفي: 329 و 397- 429، القضايا النقدية في النثر الصوفي: 189.
([9]) الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر:98-99.
([10]) الأدب الصوفي في مصر:312-314.
([12]) الصوفية في الاسلام: 76.
([20]) ينظر: اللمع في التصوف: 232 و241 و257 و263، والنثر الصوفي: 181-266، وبنية السرد في القصص الصوفي: 42، والتصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق: 64 و86 و233 و314 و336 و340 و444، والأدب الصوفي في المغرب والأندلس:22-25 و57، والأدب الصوفي في مصر:311، والأدب في التراث الصوفي:83.
([21]) بنية السرد في القصص الصوفي: 42، وينظر: الأدب الصوفي في مصر:311.
([22]) ينظر: بنية السرد في القصص الصوفي:42، وبين التصوف والأدب: 59.
([25]) بنية السرد في القصص الصوفي:42.
([26]) ينظر: شرح المواقف: 40 و67 و82 و85 و87 و100، والصوفية في الإسلام: 144.
([30]) التعرف لمذهب أهل التصوف:69.
([31]) شرح العقيدة الطحاوية: 556، الرد على القائلين بوحدة الوجود: 59.
([32]) شرح المواقف: 14 و28 و65 و79.
([39]) شرح المواقف: 39 و53 و101 و103 و288.
([40]) ينظر: شرح المواقف: 288 و362.
([42]) الأدب الصوفي في مصر:313.
([52]) زاهد عابد، صوفي سائح، تنسب له كرامات، توفي نحو(220 هـ). الوافي بالوفيات:15/ 126، سير أعلام النبلاء: 9/586.
([53]) البرسام: ذات الجنب، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة. المعجم الوسيط- برسم-1: 49.
([54]) التعرف لمذهب أهل التصوف:91.
([55]) الأعمال الصوفية:365 – مواقف ومناجيات.
([59] ) ينظر: شرح المواقف:240.
([61]) الأعمال الصوفية: 30- المقدمة.
([62]) القضايا النقدية في النثر الصوفي: 104.
([67]) الأنا في الشعر الصوفي:44.
([70]) القضايا النقدية في الأدب الصوفي:92.
([71]) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق:274.
([72]) الأدب الصوفي في مصر:314.
([84]) ينظر: المواقف :4 و6 و10 و11 و13 – 15 و16 و19 و32 و34 و63 و67 و78 و136.
([86]) اشتعال الذات: 244، وتنظر: ص239-243.
([88]) الصوفية في الإسلام: 76.
([96]) المواقف :101. وينظر: شرح المواقف: 353.
([97]) المواقف:137. ولمزيد من الأمثلة تنظر: ص63 و123.
([102]) حكمة الروح الصوفي:437.
([104]) مدخل إلى التصوف الإسلامي: 168.
([110]) الرمز الشعري عند الصوفية: 117.
([115]) الصوفية في الإسلام: 79.
([116]) القضايا النقدية في النثر الصوفي:161.
([117]) الرمز الشعري عند الصوفية:460.
([118]) حكمة الروح الصوفي:338.
([120]) ينظر: شرح المواقف:289.
([121]) ينظر: شرح المواقف: 365.
([122]) ينظر: المواقف:73، واشتعال الذات:44.
([123]) ينظر:المواقف:59، وشرح المواقف:237.
([124]) ينظر:المواقف: 82، وشرح المواقف:312.
([125]) ينظر: المواقف: 6 و7 و56 و69 و70 و74 و136، وشرح المواقف: 28 و51 و287 و365.
([126]) ينظر: نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياها:90.
([127]) اتجاهات نقد الشعر العربي في العراق:168.
([136]) ينظر: الدلالة السياقية عند اللغويين:233.
([141]) ينظر: شرح المواقف:41 و64 و406.
([144]) شرح المواقف:93-95. وينظر: معجم المواقف (حرق) الملحق بالرسالة.
([146]) ينظر: شرح المواقف:49- 52.
([150]) ينظر: شرح المواقف:411.
([155]) ينظر: شرح المواقف: 57 و74 و120 و139 و162و163 و167 و174 و 228 و230 و291.
التنبيهات: تعرّجات صوفية: ما بين النفري والحلاج – نادية حرحش