الخطاب الاستعماري وثقافة الالتباس في الإسلام
قراءة في كتاب توماس باور: ثقافة الالتباس في الإسلام*
رضوان ضاوي
توطئة:
يعد توماس باور باحثا ومستشرقا المانيا، متخصصا في العلوم الإسلامية وفي الأدب العربي. قدم سنة 1989 أطروحته عن الشعر العربي القديم. وأخذ درجة الأستاذية ببحثه عن الحب وشعر الحب في العالم العربي في القرنين التاسع والعاشر. وأصبح مديرا لمعهد الدراسات العربية والإسلامية في مونستر منذ سنة 2000.
نشر باور كتابه” ثقافة الالتباس تاريخ آخر للإسلام “سنة 2011، وفيه تحدث توماس عن الحضارة الإسلامية في القرن الثامن إلى القرن التاسع عشر من وجهة نظر تعدد القراءات. ويقول المؤلف: ” إن الحضارة الإسلامية تميزت بتسامح كبير تجاه الآخر من حلال تعدد القراءات في تفسير القرآن، وفي الفقه، وفي الخطابات الإسلامية، إضافة إلى الأجناس الأدبية المتعددة “
ويتأسف المؤلف، لأن هذا التسامح قد انتهى اليوم. يقول توماس باوس: ” تميزت الحضارة الإسلامية على مدى قرون بتقبل التعددية. لقد كانت التعددية أمراً بديهياً.” ويرى باور أن فلسفة الرازي (توفي 925) التي يتم دراستها في قسم الدراسات الشرقية في ألمانيا تحت عنوان الفلسفة الإسلامية، هي ليست إسلامية أكثر من كون فلسفة كانط مسيحية.. “
أثناء إقامتي في مدينة مونستر الألمانية، في معهد الدراسات العربية والإسلامية، في الفترة بين 21 يوليوز إلى 31 غشت 2015 بعد حصولي على دعوة من السيد توماس باور، قمت بكتابة هاته القراءة في الفصل الثامن من كتابه ثقافة الالتباس، تاريخ آخر للإسلام
الخطاب الاستعماري وثقافة الالتباس في الإسلام:
من علامات نظرية المعرفة الغربية في نظام العلم الحدبث التي تحدّث عنها ميشيل فوكو وجود خطاب غربي ليبرالي يناقض الخطابات التقليدية للإسلام. يتم عرض الشرق على العقل الغربي الاستعماري… لكن الشرق يظل عصي الفهم إلى أقصى حد. “والشرق بالنسبة للغرب هو كل ما ليس هو، على الرغم من أنه مضطر للبحث في الشرق عمّا يمثل حقيقته الأصلية. “
إن إيمان الغرب بأنه هو الحقيقة، يجعله غير متسامح مع “تعدد القراءات”، بينما يمكن وصف الثقافة الشرقية بأنها أكثر تسامحًا مع تعدد الثقافات خاصة الثقافة الشرقية الكلاسيكية. ويتضح هذا التشدد بخصوص تعدد القراءات في موضوع “الجنس” بالشرق، وما يتصوره الناس في الغرب من خيالات عن الشرق. ويعتقد المؤلف بأن الرحّالة الغربيون انخدعوا كثيرًا بنعومة العلاقات المألوفة في الشرق، وأظهروا رد فعل غير متفهّم لذلك إن لم يكن أخبث…ولكن في الغرب، وبدون مثل ثقافة الصداقة هذه، لا يكاد يكون تصور العصر الكلاسيكي وبداية عصر الرومانسية الألمانية ممكنًا.
مع انتصار الرأسمالية ومعها الاستعمار في القرن التاسع عشر، امتدت سلطة الغرب إلى تلك العوالم البعيدة الغريبة، والتي اعتبرها الغرب عوالم “غير منتظمة”، ويجب أن تصحح بأن تصبح عالمية، وهو ما كانت تشكك فيه تقارير الرحّالة وموظفي الاستعمار وعلماء الأجناس البشرية. وعلى الغرب الآن في القرن التاسع عشر أن يعلّل ويبرّر بشكلٍ مباشر التدخلات الأوربية في الشرق الأوسط.
وكان المراقبون الفرنسيون ومثلهم المراقبون الأوربيون قد عبروا عن حزنهم لأن العقلانية الإسلامية بقيادة مدرسة المعتزلة لم يُكتب لها الصمود، وكان الأوربيون يطمحون إلى إنشاء إسلام متحرر انطلاقا من إعادة إحياء التراث الفكري للمعتزلة. ويظن المؤلف بأن العربيين يرون في تطبيق الحدود المتشددة في الإسلام تعبيرًا عن روح الإسلام وجوهره، وبالتالي فهي خطوة لاتهامه بأنه دين غير مستنير ووحشي. ولكن مرتكبي هذه الحدود لهم برنامج سياسي موجه إلى الشأن المحلي وليس إلى الغرب، لكنهم يتعاونون مع الغرب ويستمدون منه القوة والنفوذ. فهنا يلتقي موقف إسلامي متشدد وموقف غربي ويتفقان على رفض تعدد القراءات. ولا يتم تطعيم هذه النصوص إلا بنصوص مثلها لا همّ لها سوى إشباع الخيالات الشهوانية عن الحريم.
تعامل الغرب مع قضايا الشرق من قبيل رسم الحدود مع الثقافات الأخرى، عكس الشرق الذي لم يستعمل قضاياه الخاصة لبناء اختلاف ثقافي أو لتوضيح تباين الألوان مقارنة مع الثقافات الأخرى. ولم يتورع الرحّالة ورسل الغرب إلى إفريقيا والشرق في وصف الثقافة الإسلامية بأنها ثقافة مريضة، رغم أنهم تغلبوا على إشكالية القصائد المكتوبة باللغات الشرقية، في القرن التاسع عشر بالترجمة بحيث غيّروا المحبوب الرجل بالمحبوب المرأة. وفي الأربعينيات من القرن التاسع عشر انتهى هذا التقليد الأدبي حين تم استيراد تصورات أخلاقية أوربية، تدّعي المركزية الثقافية والخطاب العالمي، وهو أمر طبيعي مادام الغرب يقدم نفسه على أنه هو الوريث الوحيد للثقافة القديمة، بعد أن قام بإقبارها في الشرق بتأثيره في منتصف القرن التاسع عشر.
عملت الخيالات الجنسية الغربية التي اشتعلت في الشرق على مدى قرون باعتباره مكانا للفسق وأيضا جنّةً لمن يحلم بالمتعة على التمهيد للهيمنة الاستعمارية الغربية على الشرق. وبعد أن تقدم الغرب اقتصاديا وصناعيا من خلال الرأسمالية والثورة الصناعية على مدار القرن التاسع عشر، استطاع نقل تفوقه الاستعماري ضد العالم الإسلامي، مدعيًّا مرة أخرى ضرورة قيامه بمهمة التبشير الحضاري وهي مهمة حضارية تجاه بقية العالم غير الغربي، رغم أن الشرق كانت لديه في ذلك الوقت كل المقومات التي يملكها الغرب حسب الطراز الغربي والقوى الاستعمارية للمدنية.
يظن المؤلف بأنه يصعب تبرير الاستغلال الاستعماري للشرق، خاصةً أنه لا يجب أن نغفل تنكُّر الثقافة الغربية للثقافة الإسلامية التي نقلت إليها العلوم القديمة في زمن العصور الوسطى المظلمة، وبالمقابل اعتبر الغرب نفسه خزّانا للتقدم، مع فقدان جميع الثقافات الأخرى لحقها في الوجود الحقيقي لأنها متخلّفة ، وعليها أن تنتظر دورها في نقل التقدم إليها.
مثل مفهوم “الاضمحلال”الذي رافق الصورة التقليدية لانهيار العالم الإسلامي في اسبانيا فرصة لتطبيق الهيمنة المعرفية الغربية، وهي صورة يؤمن بها الكثير من المثقفين الغربيين، تماما كما يؤمن بها أيضًا المثقفون العرب في الشرق. ويقدم مفهوم/نظرية “الاضمحلال” مزيَّتان: أولا يقدم توضيحا لتخلف الشعوب غير الأوربية، وثانيّا تبرر للتدخل بغرض نشر الحضارة، وللسبب ذاته قام نابليون بهجومه على مصر في 1798 وبرّر شرعية هذا الهجوم بتحرير البلد من الأتراك الذين قادوا مصر إلى التفسخ والبربرية. ولهذا السبب غزت فرنسا الجزائر. يعطي المؤلف مثالا على هذا، فيقول إن الغرب/القوى الاستعمارية وللغرض ذاته، أرسلت جنوده، وموظفو الإدارة، والأطباء والأطباء النفسانيين لتقديم المساعدة للمحليين غير الطبيعيين نفسانيا. وقد أرجع الغرب كل تصور، كل تعبير، كل تطبيق وكل رد فعل في الشرق إلى الإسلام، وحتى في المناطق الأخرى التي لها علاقة قوية بالإسلام أو التي لها علاقة ضعيفة. ومثالا على هذا، فقد علقت الصحف الألمانية عن حادثة طلاق ليبرالي مصري من زوجته، حيث كتبت الصحف الألمانية: “القصة وكأنها تعزف على نغمة أوبرا الصابون الشرقية”. تتجلّى استمرارية هذا التصور في عقلية الغرب، وأن كل شيء يحدث في العالم الإسلامي يكون الإسلام بالضرورة مسؤولًا عنه، وإلّا فما هو الأمر الشرقي في الموضوع؟ يتساءل المؤلف هنا.
وتفرض عملية نشر القيم الغربية في القرن التاسع عشر والعشرين وجود تناقض دائم في المواقف، فالسكان المحليون يقبلون التصورات الغربية بعد مرور وقت طويل، لكن هذا التطور يكتمل في وقت يكون فيه الغرب قد تجاوز هذه القيم إلى تصورات أخرى، وبذلك يكون التناقض في بداية ونهاية العملية. ويعتبر المراقبون الفرنسيون القيم في الغرب قيمًا متفوقة، والقيم في الشرق الأوسط، وحتى ولو كانت انعكاسا لقيم الغرب، قيمًا رجعية بحاجة إلى تغيير. ففي ترجمته لألف ليلة وليلة يتحدث الرحّالة والمستشرق Richard Burton سنة 1886/1885 عن ذلك الموضوع الذي يمكن أن يكون صادمًا تماما حتى للمتفسخين أخلاقيا من القرّاء الانجليز. بالتالي على الخطاب الأوربي عن الشرق أن يبرر مغامرات الأوربيين الامبريالية. بالمقابل واجه المشارقة إشكاليات مع تراثهم الأدبي، خاصة التقدميون منهم، الذين كانوا يتفاعلون مع القضايا الأدبية طبقًا للمعايير الغربية، حيث اقتنعوا تماما أن الانهيار كان قبل كل شيء نتيجة للسيادة التركية الغريبة عنهم، كما أنهم نظروا دائما إلى التاريخ العربي من خلال استدعاء المفاهيم الغربية للتاريخ والحضارة، وبذلك تم” توجيه نظر المؤرخين العرب بشدة إلى تقدير الأوربيين للحضارة “.
تشعر معظم النساء اللاتي سافرن إلى الشرق في القرن التاسع عشر بأن النساء في العالم الإسلامي أكثر حرية ولديهن حقوق أكثر من مثيلاتهن الأوربيات، رغم أن ما يسري على الخطاب الغربي لتحرير الشواذ في الإسلام يصدق أيضا على خطاب تحرير المرأة المسلمة المظلومة. أما اليوم فتشكل قصص الظلم للنساء المسلمات اليوم مادةً أدبية دسمة يشبع فيها الغرب شهوته كما تخليها رسامو صور الحريم في الشرق، الذين راودتهم الرغبة في الاطلاع على الحريم بالشرق مع شعور بالتفوق يمكنه أن يبرر في النهاية التدخلات العسكرية.
يستغل الغرب تقارير الرحّالة الأوربيين والألمان عن الشرق وعن شمال إفريقيا، ليوجّه خطابه الحضاري في رأيه، أولا إلى الغرب نفسه، ليقنع الأوربيين بما يظن هو نفسه عليه، وثانيا إلى الشرق. وكان الرحالة الاوربيون قد بحثوا في شمال إفريقيا عن الطابع الشرقي الاستغرابي الذي يظنون أنه مايزال قائمًا بسحره وجاذبيته حتى بعد احتلال الجزائر وفرض الحماية على المغرب، على الرغم من طمس معالم الشرق بفرض النمط الغربي وتعميمه عبر أرجاء المدن الرئيسية في المغرب مثل الرباط وطنجة. لقد شدّ الرحّالة الألمان الرحال الى المغرب يحدوهم الشوق العارم الى الشرق، ليؤسسوا ما نستطيع أن نسميه “بالرحلات الشرقية”. ورغم أن المغرب لم يكن ضمن مخطّط سفر بعض الرحّالة الألمان والأوربيين/ بل كانت البلدان التي هي أوثق ارتباطًا بمفهوم الشرق في مخيّلة الغربي حتّى ذلك العهد، كمصر وتركيا، تستقطبهم وتستهويهم بالخصوص. كما أن المبادرة الفرنسية بدأت تؤتي أكلها من حيث تطوير منطقة متأخرة حضاريًّا حسب التقويم الشائع حينذاك.
ولابدّ أن نشير الى أن المغرب، كغيره من دول شمال افريقيا، كان من أحب بقاع مناطق الامبراطورية ، وفي القرن التاسع عشر هو مجرّد قاعدة خلفية للقرصنة تشكل خطرًا على ملاحة أوربا وتجارتها. فقد شكّل المغرب، في اطار المفهوم الثقافي التقليدي للأوربيين عن الشرق، فضاءًا خياليًّا يحلو للغربي الهجرة اليه شعريًّا، لكنه اهتم به أيضًا كعالم واقعي معاصر، ذي عمق حضاري هام، ومعطيات طبيعية قيمة تؤهله لتجاوز الانحطاط النسبي.
وقد لاقت أعمال المستشرق الألماني مالتسان عن المغرب وعن الجزائر وعن تونس وعن طرابلس، رواجًا ملحوظًا، فأعماله عبارة عن شهادات حيّة توثيقية عن ماضي العوالم المغاربية. ويصرّح مالتسان في مقدمة أحد أعماله عن شمال افريقيا بأنه يعُدُّ”ملاحظة أسلوب عيش الناس وطباعهم أهم فرائض الرحّالة الكاتب، وأنه من بين كل العجائب الجديرة بالملاحظة في البلدان فإن الإنسان يظل الأجدر. “
الجميل في تجربة مالتسان ابن الحضارة الأوربية أنه يعبر عن تفهمّه للتخلف النسبي في بلاد المغرب وتعاطفه مع الناس، ولم ينسب هذا التخلف إلى نقص في جينات المغاربة العرقية أو إلى الكسل أو إلى الدين الإسلامي كما فعل العديد من الرحّالة الألمان، بل ركّز على نظام الحكم كسبب مباشر لهذا التخلّف.
يذكر بعض الرحّالة المنصفون أن المغاربة بشكل عام لا ينقصهم الذكاء ولا المواهب ولا القدرة على التطور، ولكن سوء التسيير والاضطرابات السياسية هي التي تركتهم على هذه الحالة التي هم فيها. وبالمقابل وبالنسبة للجزائر فإن الرحّالة الألمان يذكرون أن السبب الرئيسي لهذا التخلّف هو الحكم التركي. ولابدّ أن نشير هنا الى أن أحكام الرحّالة المستشرقين قد تكون الأقرب إلى الإنصاف من أحكام غيرهم، نظرًا لأنهم يتقنون لهجات البلاد، ويهتمون أكثر بالإنسان وكل ما يتعلّق به بشكل مباشر. ويعتقد العديد من هؤلاء ومن بينهم المستشرق مالتسان بأن المرأة المغربية محترمة كثيرًا ، ولها حقوق كثيرة، وأيضًا فالمغربي رجل غيور جدًا على دينه وعلى زوجته. وقد ذكر الرحّالة جينته Genthe أن الأمازيغيات لا يرتدين النقاب لأنهن يظهرن حذرهن من الإسلام، فهنّ يقدّمن التقاليد الأمازيغية التي لم تتأثر بالإسلام عكس العربيات. وهنا نلاحظ أنّ الخيال والفانتازيا الأوربيين يتصرفّان في تشييد صورة المرأة العربية حيث يتحدّثون عن الحريم الذي لا يمكن للمرأة الغنية أن تغادره إلا صحبة العبيد، وعليهن أن يرتدين النقاب بالكامل. يقول الرحّالة الألمان أن هؤلاء النسوة يحاولن الفكاك من هذا الحصار وإقامة علاقات غرامية مع المسيحيين. لا نستغرب مثل هذا الكلام إذا علمنا أن مؤسسة الحريم بقيت عصية على اختراقهم وغامضة عنهم فما كان من الرحّالة الألمان إلا الاستعانة بخيالهم. ويقول رولفس بأن السائد هنا بالمغرب هو الزواج بواحدة وتعدد النساء موجود فقط عند بعض الأغنياء.
نلاحظ أن المؤلفين الألمان يركزون أساسًا على الاهتمام الديني للعلاقات الدنيوية عند مجتمع إسلامي في الفترة بين 1830و1911، ورغم أنهم كانوا واعين بهذه المسألة إلا أنهم ينظرون إليها بنظرة غير محايدة وموضوعية، فالرحّالة يحكمون على الشعب المغربي بأعين ألمانية وليس بأعين مسلمة. وقد أشار هؤلاء إلى الأوضاع في المغرب من وجهة إنسانية، لكنهم أشاروا أيضًا الى نقطة تحول هامّة في تاريخ علاقة المغرب بألمانيا: ففي 1830 غزت فرنسا الجزائر كأهم حادثة في القرن التاسع عشر، فقد أرعبت الجزائر الشعوب التجارية واستبدت بالبحر الأبيض المتوسط. ثم كانت الجزائر نفسها غنيمة للجيش الفرنسي فاختفت اختفاء الظل. وعلى الرغم من أن الألمان لا يمكن أن يعتبروا أنفسهم أسيادا للجزائر الا أنهم على الأقل تحت رعاية أسيادهم من الفرنسيين، لكن الرحّالة شيمبر نصح مواطنيه بعدم الالتحاق بالفرق الأجنبية في الجيش الفرنسي نظرًا لفظاعة ما يقوم به الغزاة الفرنسيون ضد المواطنين الجزائريين، والذين لم يحاولوا معرفة طبائع الإفريقيين كما ينبغي.
إن الاستعمار الأوربي جزء من تاريخنا الإفريقي والعربي، وهي مسألة ثابتة، لكن الثابت أيضًا وبنفس القدر من الأهمية هو أن حملات الغزاة الأوربيين على شمال إفريقيا والتي بدت في ظاهرها عملًا إنسانيا وحضاريًّا، قد ارتبطت بأطماع شخصية بحثة.
واليوم، ونحن نستعيد تاريخنا في القرن التاسع عشر مع القوى الامبريالية، نتحسّر على أنفسنا لأننا لا نتعلّم من التاريخ، ولا نستفيد من حكمته، هذا التاريخ الذي يبيّن لنا تمامًا كيف أن الاستعمار الامبريالي بدأ في القرن التاسع عشر غزوًا بالجيوش، ثم تراجع هذا الاستعمار ليحلّ مكانه في القرن العشرين استعمار ثقافي لغوي وفكري، ثم عاد الاستعمار الامبريالي مرة أخرى بالجيوش ليدمّر بلداننا في القرن الواحد والعشرين، بنفس المبررات: نشر الحضارة والتمدّن وحقوق الإنسان في الشرق المتخلّف حسب معيار الحضارة الغربي.
* Thomas Bauer: Die Kultur der Ambiguität. Eine andere Geschichte des Islams. Berlin: Verlag der Weltreligionen im Insel Verlag 2011
نُشرت هذه المادة بالتعاون مع مجلة (أقطاب) التي تعنى بالتصوف والفكر الإسلامي.