إيفا دوفيتري ميروفيتش: صوفية من فرنسا

إيفا دوفيتري ميروفيتش: صوفية من فرنسا

إيفا ميروفيتش صوفيّة من فرنسا

بقلم: عائشة موماد – المملكة المغربية

 

امتدادًا للدور الذي كانت تؤديه إيفا دوفيتري ميروفيتش في التعريف بأعمال الرومي، أصبحت تركيا موطنها الثاني، وقد منحتها السلطات آنذاك المواطنة الشرفية.

أعجبت إيفا بثقافة إيران ومساجدها، وبتلك الثقافة والفن الراقيين اللذان يستمدان جذورهما من “ليالي الأزل”، وهناك التقت بالرئيس السابق لجامعة تبريز “جمشيد مرتضوي” والذي ألف عدّة كتب في التصوف. وعبر هذا اللقاء، نشأت بينهما علاقة وطيدة تكللت بترجمة أعمال الرومي، وأعمال أخرى عديدة من الفارسية إلى الفرنسية، نُشرت في فرنسا وبعض الدول الفرنكوفونية.

زارت إيفا أيضًا دولة الباكستان، وهناك قابلت ابن العلامة محمد إقبال (جاويد)، وسافرت إلى المغرب، وصحبها في رحلتها فوزي الصقلي الذي ألّف بالاشتراك معها كتاب “المسيح في التقليد الصوفي” ، كما عاشت ستة أعوام في رحاب مصر المحروسة،  حيث كانت مندوبة لـ CNRS بجامعة الأزهر من أجل تدريس الفلسفة، وقد لفتت جهودها علماء الأزهر الشريف، فأصبحت عضوة في مجمع البحوث الإسلامية، ومن خلال وجودها في هذه الجامعة العريقة استطاعت أن تقدّم خدمات كثيرة للمسلمين في أوروبا.

في هذا المقال نقوم بترجمة للحوار المعنون والمنشور باللغة الفرنسية Entretien avec Ayesha réalisé par par Eva Caron et Marie-Hélène Galindo 04/02/2002

 وهو حوار مع صديقة إيفا دوفيتري ميروفيتش، ونعنى به اليوم احتفاء بذكرى ميلاد إيفا لنحاول أن نتعرف على هذه الشخصية عن قرب.

 

عاشت عايشة صديقة إيفا تفاصيل حياتها اليومية، حيث كانت تستضيف إيفا لشهور متعددة وترافقها من أجل إلقاء محاضراتها. شهادتها تعطي تفاصيل عن النضال الذي كانت تقوده من أجل التعريف بالوجه الآخر للإسلام.

ولدت عايشة بمستغانم بالجزائر من أبوين فرنسيين كاثوليكيين، درست بمدرسة الفنون الجميلة والتحقت بفرنسا بعد استقلال الجزائر في سبعينات القرن الفائت. اقتربت أكثر فأكثر من الروحانية الإسلامية بفضل الاشتراك في مجموعة من اللقاءات حول الأديان. خلال هذه الفترة، كان لقاؤها بإيفا دوفيتري ميروفيتش.

1- حدثينا عن لقائك بإيفا:

كان ذلك بـ Fourmies بشمال فرنسا حيث تمت استضافتها هناك لإلقاء محاضرة حول شعائر الإسلام. كانت إيفا سيدة بسيطة لا تحمل أية علامة خارجية تميّزها عن الآخرين، عدا حملها لنسخة صغيرة الحجم من القرآن على شكل قلادة. في البداية كنت أتساءل حول طريقة فهم الإسلام من طرف فرنسية كإيفا، لكن في الواقع كان عرضها مذهلا لا سيما عندما بدأت في سرد حكاية رحلتها إلى مكة لأداء مناسك الحج، تخيّلت نفسي هناك وتذكرت روايات جدي عالم الآثار حول الحجر الأسود، فقلت في نفسي: إذا كانت إيفا قد زارت ذلك المكان، فسأزوره أنا أيضًا.


خريطة العالم الإسلامي في القرن الثالث عشر الميلادي، ولد جلال الدين في بلخ، وسافر إلى نيسابور ليلتقي الصوفي العطار، واتجه مع عائلته إلى مكة المكرمة حاجًّا، ثم سافر للدراسة في حلب، واستقر في مدينة قونية

2- ماذا قدمتما لبعضكما البعض؟

لقد قدمت لي إيفا وسائل الولوج إلى مصادر التصوف التي كانت مجهولة لديّ. ومكنتني من التعرف على أشعار فريد الدين العطار، الذي أعطى الرومي-وقد كان آنذاك طفلا- كتابه “أسرار نامه” -كما تروي كتب التاريخ. وقال الرومي عنه فيما بعد: “لقد جاب العطار مدن الحب السبعة، وأنا لازلت في منعطف زقاق واحد”. بفضلها قابلت شخصيات بارزة كابن العلامة محمد إقبال، أمادو أمباتي با، نجم الدين بامات الذي عمل كثيرا مع إيفا، وعبد السلام، صاحب جائزة نوبل للفيزياء والذي أعطاني أول درس في “فن الخط” حول مائدة بأحد المطاعم. من جانبي كنت أساعدها على اكتشاف عالم الفنون التشكيلية وخاصة الرسم، ومن خلال إقامتها معي داخل أسرتي استعادت حميمية الحياة العائلية.

 

3- ما العلاقة التي كانت تربط إيفا بالرومي؟

كان الرومي الشخصية المحورية بحياتها، كأنه أخذ بيدها ليجعلها تكتشف الإسلام، ذلك الإسلام الذي كان يبدو صعب البلوغ. كل شيء كان يعيدها إلى الرومي، أكان ذلك تحضيرًا لسفر، أو محاضرة أو لقاء إذاعي، حتى أعمال الحياكة والطبخ كانت تخللها حوارات شيقة بشأنه.

 

4- ما هي الجوانب التي أذهلتك في شخصية إيفا؟

قبل كل شيء كان لديها تعطش قوي للحب والمعرفة لم يكن ليتوقف إلا بالتعمق في دراسة التقليد الإسلامي. أحببت طريقة عيشها للإسلام في توافق وحرية مع احترامها اللامحدود لواجباته وقيمه. أحببت قدرتها على الإذهال وتلك الموهبة التي كانت لديها للتواصل عبر الكلام أو الكتابة. أعجبت بهدوئها الذي كان سائدا على كل شيء. صبر قرآني كان يسكنها: “إن الله مع الصابرين”. كانت تجمع بين الديبلوماسية وبين حزم لا يتزعزع، كانت تذهب في كل قراراتها إلى النهاية، لكنها كانت تقول:” لا يجب أن نحل في أي مكان عبر أسلوب الإعتراض”.

 

5-ماذا تعرفين عن تجاربها؟

امتدادا للدور الذي كانت تؤديه في التعريف بأعمال الرومي، أصبحت تركيا موطنها الثاني، وقد منحتها السلطات آنذاك المواطنة الشرفية. انبهرت كذلك بثقافة إيران ومساجدها وبتلك الثقافة والفن الراقيين اللتان تستمدان جذورهما من “ليالي الأزل”، التقت هنالك بالرئيس السابق لجامعة تبريز “دجامشيد مورتزافي” والذي ألف عدة كتب في التصوف. عبر هذا اللقاء، نشأت بينهما علاقة وطيدة تكللت بترجمة أعمال الرومي وأعمال أخرى عديدة من الفارسية إلى الفرنسية ونشرها بفرنسا وبعض الدول القرنكوفونية. زارت إيفا باكستان أيضا حيث قابلت ابن العلامة محمد إقبال، وسافرت إلى المغرب للقاء فوزي الصقلي صاحب كتاب “المسيح في التقليد الصوفي” بالاشتراك معها، كما عاشت ست سنوات بمصر حيث كانت مندوبة ل  CNRSبجامعة الأزهر من أجل تدريس الفلسفة.

 

6- بغض النظر عن الكتابة، ماهي الأعمال التي قامت بها إيفا والتي تبدو لك على أنها مميزة؟

لقد ناضلت طول حياتها من أجل أن تقدم للعالم الوجه الآخر للإسلام. كانت التبادلات مع ممثلي التقاليد المسيحية واليهودية والبوذية شديدة الأهمية في مسارها. ركزت كثيرا على الاختلافات القائمة بين العادات الناتجة عن ثقافات ما قبل الإسلام من جهة وبين الدين الإسلامي من جهة أخرى، التي تقر للمرأة بمساواة في الحقوق مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق بين الجنسين. أرادت أن تبين أن الإسلام لم يكن أبدا مصدرا لاضطهاد المرأة، لكنه عكس ما يتصوره الكثيرون، تشريع للدفع بوضعيتها نحو الأمام.

 

7- ما هي الذكرى التي احتفظت بها لإيفا؟

كانت سيدة مثقفة ومتميزة، تركت إرثا كبيرا يزيد عن 15 مؤلفا و25 ترجمة رئيسية. لقد تركت لنا بالأخص شهادة امرأة محبة لإسلام غير متصلب ومتحرر من كل الآراء المسبقة.

orapetit1

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!