مقالات شمس تبريزي: نصوصٌ عربية

مقالات شمس تبريزي: نصوصٌ عربية

 

مقالات شمس تبريزي

نصوصٌ ترجمتها عن الفرنسية: عائشة موماد

عن « Rûmi-La religion de l’Amour » للكاتبة Leili Anvar.

عرف الكثيرون اليوم شمس تبريزي أكثر من الرومي، وتعود هذه المعرفة إلى رواية شهيرة صدرت باللغة الإنجليزية وعرّبها خالد الجبيلي، نجحت هذه الرواية في تعريف القارئ العربي بصورة من صور التصوف الفارسي لم يكن قريبًا منها من قبل، على الرغم من نقل الأساتذة في مصر وسوريا والعراق وغيرها من البلدان لنوادر التراث الصوفي والعرفاني، اختلط الروائي بالتاريخي عند القارئ العربي، إذ لم يعد اليوم كما السابق مشغولاً بالتدقيق وتحرّي المعارف أو فاصلاً بين ما يلعب الخيال فيه دورًا وما تناقشه وتدرسه الكتابات البحثية، وعلى الرغم من كثرة المتخصصين اليوم في الكتابة الصوفية، إلاّ أنني لا أعرف أحدًا من العرب يعيش موضوعه ويحبه كما تفعل الأستاذة عائشة موماد، إذ اهتمت بالرومي ونشر أخباره وكلماته النورانية بصور شتّى، ولما كنا قد نشرنا على طواسين هنا خبرًا عن رواية تصدر قريبًا بترجمة خالد الجبيلي، أثارت هي وحدها جدلاً حول الرواية كونها حوت معلومات مغلوطة عن الرومي، واختلط فيها الكذب وافتعال قصص بعيدة كل البعد عما عاشه مولانا، ومساهمة من عائشة موماد في نشر معرفة صحيحة عن الرومي وشمس، زوّدتنا بهذه الترجمة، على أننا سننشر تباعًا لها مختارات أخرى من أعمال الرومي وشمس، وما كُتب عن الرومي في اللغات الأخرى. طواسين

 

تعددت ألقاب شمس تبريزي، فسمي “قطب الصوفية” و”سيد أولياء الله” و”إمبراطور مجانين العشق” لكن الإسم الذي بقي خالدا كان “شمس الدين” أو “شمس الحق”. ولعل الأفلاكي كان الوحيد الذي وافانا بالإسم الكامل: مولانا شمس الحق والدين محمد بن علي بن مالك داد.

 

يقول الأفلاكي في مناقب العارفين:”في مدينة تبريز، كان الصوفية والمعلمون الروحيون يلقبون شيخنا شمس الدين ب”التبريزي” نسبة إلى المدينة، لكن الرحل ذوي القلوب المضيئة كانوا يلقبونه بـ”الطائر”.

 

هذه المختارات من مقالات شمس الدين التبريزي عبارة عن محاولتي لترجمة ما جاء في النسخة الفرنسية التي قدمتها الباحثة الفرنسية ليلي أنفار من خلال كتابها Rûmi-la religion de l’amour.وقد اعتمدت الباحثة في ترجمتها من اللغة الفارسية على نسخة “مقالات شمس تبريز” للأستاذ علي موحد خوارزمي المطبوعة بطهران سنة 1990.

 

لم يترك شمس الدين التبريزي أي مؤلفات باسمه، لكنه عثرا مؤخرا عن كتابات قد تلخص كلامه مع مولانا جلال الدين الرومي أثناء فترة اللقاء. 

تقول الباحثة ليلي أنفار: “خير دليل على أن شمسا كان شخصية حقيقية وليس مجرد أسطورة كما زعم البعض، هو اكتشاف مجموعة كتاباته “مقالات” خلال الأربعينات، والتي تم نشرها في السبعينات”

ثم تضيف: “أصالة وحداثة فكره والاستعارات الي يستخدمها، مواقفه العنيدة حيث يختلط اللين بالعنف، قوة نثره الشعري، كل ذلك يسهم في جعله جذابا بشكل استثنائي. ولمرات عديدة، قراءة ذلك النص، يجعلنا نفهم سر الاضطراب الذي أحدثه في شخصية بمنزلة الرومي”. 
1– قبل لقاء مولانا بشمس تبريزي، طاف هذا الأخير بلدانا ومدنا كثيرة، تعرف على وجوه عديدة، اختلط بضجيج المدن وعرف هدوء الصحاري دون العثور على رفيق روحه.

ستكون من نصيب التيه والترحال في بداية هذا الوجد

حتى وإن كان من نبحث عنه

ليس موجودا في أي مكان…

Maqalat: 264

 

2- بحث مولانا شمس عن رفيقه الروحي كثيرا، تجول في بلدان متعددة، من تبريز إلى بغداد ثم دمشق وحلب، تعرف في طريقه على شيوخ وعلماء عدة، لكنه لم يجد هذا الرفيق قبل وصوله إلى قونية.

عندما غادرت مدينتي

لم أعثر على أي شيخ..لم أجد شيخي..إنه موجود..لكن، أنا من تركت مدينتي لأجله،
لم أجده
لكن العالم لا يخلو من المعلمين….

Maqalat : 756

 

3- كان هناك صوت ما يرشد شمسا في بحثه عن رفيقه الروحي، وهذه المقالة تثبت أن شمسا رأى مولانا قبل لقائهم بقونية، كان ذلك بدمشق عندما كان مولانا طالبا للعلم هنالك، لكن الوقت لم يكن مناسبا للتعريف بنفسه. ويثبت هذا أيضا أن لقاءهما لم يكن بمحض الصدفة، فقد رأى شمس الدين أن الوقت قد حان ليكشف نفسه لمولانا جلال الدين الرومي.

تضرعت إلى الله أن يجالسني أحبابه ويعرفني بهم

فقالت رؤياي: “ستكون صديقا حميما لأحدهم”
سألت: “أين يكون؟”
جاءتني الإجابة في الليلة الموالية: ” بالأناضول”
حينما صادفته بعد ذلك قيل لي: 
” لم يحن الوقت بعد، كل شيء بأوانه”

Maqalat: 759-760

 

4– يصف شمس الدين التبريزي أول لقاء له بمولانا جلال الدين الرومي وسؤاله إياه حول قول البسطامي “سبحاني، ما أعظم شأني” : قد كان البسطامي من رواد “مدرسة السكر” شأنه في ذلك شأن الحلاج، وانتُقدت هذه المدرسة من طرف مجموعة كبيرة من الصوفية. أما شمس، فلا يعتبر السكر سوى مرحلة من مراحل التدرج الروحي وأن با يزيد توقف في هذه المرحلة.

“في أول لقاء لي بمولانا سألته:

إذا كان البسطامي صادقا في سيره على نهج المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، لماذا لم يصنع مثله ولماذا قال “سبحاني “بدل أن يقول “سبحانك”؟

حينئذ، وللأنه كان صافيا ومشرق الروح

فهم مولانا قولي في الحال

تناول قولي بعمق شديد

أدرك المعنى…

أصبح ثملا جراء عذوبة الكلام

وبينما لم أكن أشعر بذلك

فتلك الثمالة نبهتني لعذوبة كلامي

Maqalat: 695

 

5- لشمس الدين التبريزي نظرية عن “الإنسان الكامل” المخفى عن الأنظار، البعيد عن المنظور العام المتداول في تقديس الأولياء. كلامه دليل على شخصيته الغريبة، كان رجل أسرار، لا يستخدم سوى الرموز والألغاز،الذي يستعصي فهمها للعوام.

ما وراء هؤلاء العلماء البارزين..الذائعي الصيت بين الناس..والمحتفى بهم فوق منابر الوعظ…واللقاءات الروحية..هناك خدام الله

يمشون في خفاء
أكثر كمالا
محبوبون حقا
بعضهم ينفذ إلى أسرار البعض الآخر
لكن، لا كتاب يقص حكاية هذا الحبيب.

 Maqalat : 127

7- غادر شمس الدين قونية لأول مرة وهجر رفيقه لهدف تربوي: بجب أن يعيش مولانا تجربة الهجر ويعاني من آلام الفراق، فالألم مرحلة تمهيدية للعشق

 

 

لست قادرا أن أطالبك بالرحيل

إذن، سأتحمل تعب السفر 
لأجلك…
فالفراف ينضج الروح.
أثناء الهجر نقول:
” كيف تجاهلت ما أمر به وما نهى عنه؟”
“كان ذلك هينا، لو قورن بآلام الهجر”
أستطيع أن أرحل خمسين مرة لأجلك
عندما أغادر…فلأجلك
وإلا ما الفرق عندي؟ 
الأناضول أو الشام
مكة أو القسطنطينية
لا أبالي بذلك
لكن، هو ذاك..
الفراق ينضج الروح
ويسمو به نحو الكمال.

Maqalat : 163-164

 

 8- من كلام شمس الدين التبريزي عن تراكم المعارف المجردة من أي رؤية باطنية.

 

أقسم بذات الله..

لو قرأ أحدهم ألف كتاب
في غير حال التدبر
لا يفيد هذا في شيءكمن يثقل حمارا بحمولة من الكتب!

 Maqalat: 694

 

9- من كلام شمس الدين التبريزي عن الوسائل العقلية والوجدانية التي تحجب الروح عن الوصول إلى المعرفة الحقة.
يذهب بك العقل حتى عتبة الدار. ..
لكن ليس إلى عقرها..
هنا، العقل حجاب..
القلب كذلك حجاب..
والرأس أيضا.

Maqalat:180

 

10- من كلام شمس الدين التبريزي عن “علم القال” الذي يخيف العوام من الناس، فقد حبسه العلماء والفقهاء داخل سجن من حديد وأحكموا إغلاقه في سبيل إخافة الناس منه. لكن الحقيقة غير ذلك، ذلك العلم ليس سوى دودة يلفها تصور تخيلي خادع، تضمحل أمام المعرفة الحقة، “معرفة الروح” وتندثر في لحظة.
نعم، رأيت جمعا غفيرا يرتعد من الخوف
قد بادر بالهروب
اقتربت…
حذروني…لعل الذعر يتملكني..وقالوا:
“إن ثعبانا ضخما قد ظهر. .يلتهم أي شيء في طريقه”
لم أكن خائفا…اقتربت أكثر..
رأيت بابا من حديد..
بابا ضخما يصعب وصفه
أحكم إغلاقه بقفل ضخم
قيل لي:
“إنه بالداخل، ذلك الثعبان ذي الرؤوس السبعة!
احذر!
لا تقترب من هذا الباب!”
أثار الكلام غضبي وفضولي
فكسرت المزلاج…ثم دخلت..
فلم أر سوى دودة
تقدمت خطوة..ثم ضغطت عليها
سحقتها…أرديتها قتيلة!

Maqalat:659

 

 

 

11- هذا ما أراد شمس أن يلقنه لمولانا جلال الدين الرومي، أن يجعل عطشه غير قابل للارتواء، كي يتجاوز كل ما وصل اليه من علوم ومعارف، فالطبيعة الإلهية غير محدودة، والطريق إلى المعرفة الإلهية بدون نهاية
لا تكتف بكونك عالما ربانيا
اطلب أكثر من ذلك
ارغب في أن تتعدى كونك صوفيا
أن تكون أكبر من عرفاني
اطلب دائما أكثر مما يعرض عليك (…)
ارغب في ما هو أكبر من السماء!

Maqalat:221

 

12- وحده مولانا جلال الدين الرومي، قد استطاع أن يضع شمس الدين التبريزي في المرتبة التي يستحقها حين عرف قيمة ذلك الماء الزلال الذي ارتوى منه.
ورغم حدة كلام شمس الدين التبريزي إلا أن حبه لمولانا يجعله رقيقا كالنسيم..وهنا يتحول المعشوق إلى عاشق
.

لقد كان الآخرون شيوخا
شيوخا كبارا
لكن، ياترى ما أنا فاعل بهم؟!
أريدك أنت..
أنت، كما أنت..
متشوقا…ظمآنا…جائعا..
الماء الزلال يبحث عن الظمآن!!

Maqalat: 287

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!