ذاتية الإيمان
خالد محمد عبده
مالي وللناسِ كمْ يَلحَوْنني سَفَهًا ديني لنفسي ودينُ الناسِ لناسِ..حلاّج الأسرار
الإيمانُ كالمحبّة لا يمكن حدّه أو تعريفه، ما تراه من كلام كثير في هذا الجانب هو شرحٌ لتجليات الإيمان فحسب. الإيمانُ أمانٌ وتأمين للآخرين، فمن لا أمان معه، مهما أقسم بالأيمان أنه مؤمن لا نسلّم له بذلك. من مقدّمات الإيمان: الشّك! – لا – التفكير أولاً والبحث في كافة المطروح من تصورات دينية تُلقى إلينا وتُفرض علينا باعتبارها هي عين الحق والصواب.
الإيمانُ الاطمئنانُ فمن اطمأنت نفسك إليه واطمأن لك واطمأن الناس معكم فأنتم في رحاب الإيمان. من مقدمات الإيمان (يتفكرون) يحاولون الوصول إلى تصور يخصّهم ويعبّر عنهم، ويصقل تجربتهم حتى لا يكونوا تكرارًا لآخرين، وإذا ارتضوا دينًا أو تصورًا يشابه تصورات الآخرين، فبعد بحث وقناعة وراحة، ويتجدد الإيمان كل لحظة وكل نفس وكل نظرة وبكل معرفة جديدة وحياة مستمرة.
من مقدمات الإيمان: الخوف! -لا – الدهشة لما يحدث للإنسان وهو في بدايات دخوله في علاقة مع من يحب – ليعبد. في بدء أمر النبي حدثت له دهشة لكن بعدما تُليت عليه آيات القرآن ونزلت على قلبه غابت الدهشة وحضرت المحبة. أذكر مما رواه إقبال عن والده -تربية له وهو صغير- اقرأ القرآن كأنّه يتنزّل عليك. والذي أفهمه من دروس مولانا جلال الدّين الرّومي أن اتباع السُّنة في استعادة أو تكرار التجربة الباطنية للنبي، تأملٌ وعزلة ومخالطة .. مكابدة وتدبر وتذوّق .. دهشة ونطقٌ وتعبير .. حتى يتحقق للمؤمن قوله “زادتهم إيمانًا” و”أولئك هم المؤمنون حقًّا.
عن الإيمان: نُصرة المؤمن ليست بميزان الفوز والغلبة والمكسب، نُصرة المؤمن هي انتشال نفسه من غياهب المجهول والسعي في طريق الوصول والوقوف على معرفته بنفسه وماذا يُريد وما يُراد به، والسعي في تحقيق إنسانه الذي يُغيّب إن آمن (الإيمان الزائف) فإن سعى في الطريق فهو في طريقه إلى النصر! حلاوة الإيمانُ هي كالطّعام أحدهم يعشق صنفًا من صنوف الطعام لا تحبّه أنت يحكي لك عن حلاوته وجمال مذاقه وطعمه الأخّاذ الذي يُذهب العقل.. تندهشُ وأنت تسمع فقد جرّبت هذا الصنف وزهدت فيه من أول لحظة عُرض عليك.. تبادله أنت بحديث عن طعام ربما أحبه يومًا أو لا يفضّله كثيرًا تحكي وتنسى اندهاشك مما كان يحكيه .. لكلٍّ جعلنا طعامًا محبوبًا .. وكل لسان عن طعامه المفضّل يحكي حلاوته! الحلاوة كالجمال نسبية تختلف من إنسان إلى إنسان ومن لسان إلى لسان حتى إذا ما أطعمك ربّك مما أطعم الأنبياء تصمتُ عن الكلام أو تحكي شيئًا يحتمل آلاف التآويل (حضورًا كان أو صلاة أو صيامًا أو إسراء أو معراجًا) فكل عين تنظر إلى حلاوتك بمقياسها هي لا بمقياسك أنت.. ويبقى في النهاية ألا مقياس محدد سلفًا للحلاوة. من أسئلة الإيمان: كما سأل أهل الكلام قديمًا سؤال المعرفة هل القرآن هو عين الكلام الإلهي.. يمكن أن تسأل هل تعاريف المؤمنين الحاليين للإيمان هي عين الإيمان المشار إليه في نصوص القرآن والسّنة؟ وهل إذا أردنا أن نتعرّف على الإيمان أن نكتفي بالمصادر والكتب أم نتعرّف على تجارب السابقين أم نهتم بتجارب المؤمنين في يومنا هذا؟! قصّتنا البارحة كانت عن جدائلك .. بقينا نتحدث عن ذؤابات شعرك هذا المساء.
الإيمانُ: ميلٌ وانجذابٌ .. إقبالٌ .. إصغاءٌ للحبيب .. إلى أن ينفتح القلب وتنجلي مرآته ليتنزّل كلام المحبوب في داخله .. ثم يُمسي الحبيبُ ذاته هَمَّ المؤمن الأول والأخير.. بعد أن تحولت كلماته في داخل المؤمن دمًا وأصبحت جسدًا يحيا به وإن تعددت الأغيار. المؤمن هنا يحيا به وحده لا شريك له، وإن تكاثر الصخب من حوله على الأرباب الأخرى فهو حيٌّ إيمانه الهدوء والسكون ظاهرُا والقلب لا يتوقّف عن الغليان.
الإيمانُ في القديم كانت هناك تجاربٌ قويّة وعنيفة تعبّر عن الإيمان كما تروي المصادر فرابعة العدوية التي أضحت قدّيسة في الإسلام وبولس الرسول الذي أصبح ركنًا في المسيحية
في القديم كان قبلهم إبراهيم وزكريا ومريم ومُحمّد .. في القديم كانت هناك تجاربُ عدّة تدلّ على أن المؤمن حيٌّ يعبدُ الحيّ ويعشقه ويذوب فيه.. وما خلّفه القدماء من نصوص ورسائل ومن مذكّرات واعترافات نستشعر فيها حرارة الإيمان حتى يومنا هذا .. قرأناها بعين العقل أو القلب فهي تعبّر عن إنسان.
أما اليوم فهل عندنا من تجارب تعبّر عن حياة المؤمنين الذين يزيدون كل لحظة بالملايين؟! ربما فقَدَ المعاصرون الجرأة أو القدرة على التعبير عن خلجات نفوسهم وما تعتريهم من حوادث ومشاعر وما يُكاشفون به أو يبذلونه من جَهد في سبيل الوصول! وربما هم تكرارٌ وصورٌ ويكاشفون أنفسهم يومًا بهذه الحقيقة! وربما لغة العالم المعاصر لم تعد تحتمل (منقذ الغزالي من الضلال) أو اعترافات القديس أوغسطين وربما تحولنا إلى مجرد آلات تتحرك تلفظ ما في دواخل من معلّبات قديمة لكنه لا شك أنه هناك تجارب وإن صمت أصحابها أو غيّبوا من كثرة رطانات أهل الإيمان الزائفين.
الإيمانُ:أن تكون مؤمنًا ليس معناه الالتزام أو الإلزام الظاهر بشكلٍ أو صورة دائمة كما هو واقع عند كثيرٍ من “المؤمنين” اليوم.. كونك ألزمت ذاتك بتصرفات معينة أو طقوس معيّنة تؤديها بانتظام دائم هذا شيء جيد بالنسبة لك ربما أفادك من حيث التربية والتخلق بأخلاق “الصابرين” من أهل النظام الشكلي، قد يتسق هذا النسق معك وإن كنتَ تضيّق على نفسك (الواسع) لكنه لا يتّسق مع غيرك، فإلزامك الآخرين بالصورة التي وصلتك أنها (صحيح الإيمان) خللٌ قد يؤدي إلى كراهية الناس لك وللذي تؤمن به، وتكون سببًا في إخراج كثيرين من هذا الدين.
هذا أمرٌ واقعٌ نشهده اليوم بصورة ظاهرة لا جدال فيها.. ليس معناه أن تتخلّى عن التزامك (الذاتي) لا الإلهي.. ولكن خفف الوطء كثيرًا فما فُتح لك وجه من آلاف الوجوه للفهم، وأقل الالتزام صعوبة إلزام المؤمن بشكل أو صورة.
جرّب نفسك مثلاً في المعاملات أن تكون صادقًا! الصدق وحده يحتاج عمرًا للالتزام به.
الإيمانُ:أخلاقٌ ومعاملة.. أن تكون صادقًا مع نفسك وصادقًا مع من تعبدُ .. الله المُطّلعُ على العبادِ كما تُخبرنا مطّلعٌ عليك أيضًا! اللهُ -الذي تُضحكُك كلمة البسيط حين يُخبرك أن ربّنا ربّ قلوب وطالما أن القلب طاهرٌ ونظيف لا نحملُ همًّا ولا نعبأُ بنار ونطمعُ في غفران الجبّار- عليمٌ يدرك ما في قلبك. وإن أردت إيمان (الصِّدّيق) فصّدق بقلبك.