الرُّومي وإقبال([*])
الدكتور خليفة عبد الحكيم
ترجمة عن الأُردية: هاني السعيد
چو رومی در حرم دادم اذاں من از وآمو ختم اسرارِ جاں من
بہ دورِ فتنۂ عصرِ کہن او بہ دورِ فتنۂ عصر رواں من
إنَّ ما ادَّعَاه إقبال في هذين البيتين ليس تساميًا شعريًا، بل تعبيرٌ عن الحقيقة؛ فمن أنواع الفتن التي تواجهها الأمم: فتنٌ سياسية، وفتنٌ علمية أو عقلية، وفتنٌ أخلاقية وروحية. والدليل على رسوخ مكانة أي أمةٍ يرتبط بمدى تمكُّنها من استعادة توازنها مجددًا بعدَ تزلزُلِ أركانُها بكل تلك الأنواع من زلازل الفتن.
وقد ظل الإسلام عُرْضةً لكلِّ ضروب الفتن على مدار تاريخه -الألف وأربعمائة عام-؛ فبعد وفاة الرسول الكريم مباشرةً اندلعت فتنةُ منع الزكاة في سائر بلاد العرب، وكذلك فتنةُ جمعِ مدَّعي النبوة الكاذبة كبرى القبائل، وإصرارهم على الرِّدة، وقد تذبذبَ وتزلزلَ -حينًا- إنسانٌ عظيم المكانة وقوي الإرادة مثل سيدنا عمر الفاروق، لكنْ سرعان ما شدَّت بصيرةُ سيدِنا أبي بكر من أزره. وليس ذلك فحسب، بل ظلت تندلع ألوانٌ شتى من الفتن السياسية والعَقدية، لكن بقيت الحضارة والثقافة والسياسة الإسلامية وسادت العالم. ثم اندلعت فتنةٌ كانت هي الأكثر خلخلةً للأمَّة من جذورها، ألا وهى فتنة التتار، التي أرانا اللهُ -كفيلُ الإسلام- فيها هذه المعجزةَ التي عبَّر عنها إقبالُ بقوله:
نالت الكعبةُ حراسًا من المعبد
ذَكَرَ إقبالُ في هذين البيتين فتنةَ العصر القديم التي أنعم الله على الرُّومي فيها بوجدانٍ خاص، وبصيرةٍ نافذةٍ لإخمادها ومقاومتها. ومع انتشار فتنٍ سياسية طاحنةٍ في عصر الرُّومي، إلا أنَّ الفتنة التي يشير إليها إقبال هي الفتنة العقلية، الأخلاقية، الروحية؛ ففي عهد الرومي قامت العقلية الساذجة- الناشئة على تعاليم نوعيةٍ محدودةٍ من حكماء اليونان- بتحويل العقائد الإسلامية إلى أحاجٍ من المنطق وعلم الكلام، فنفر منهم أهل الروحانيةِ البسيطة صارخين:
رہِ عقل جز پیچ در پیچ نیست
بر عاشقاں جز خدا ہیچ نیست
و الإسلام أيضًا يدعو الإنسان إلى التدبُّر والتفكر والدراسة العميقة لبدائع خلق الأرض والسموات، ويعتبر من لا يستعملون عقولهم أنعامًا، بل مخلوقاتٍ أدنى منها. والعقل الذي يرشدنا القرآن الكريم إلى استعماله هو الذي يتأسَّس على الدراسة الواسعة والواعية للأنفس والآفاق، ويستطيع استخلاص النتائج منها ببصيرةٍ صافية لم ينلها التلوث. فإنْ لم يكن الأمر كذلك يظل العقل يلعب بالظَنِّيَّات فقط، ويبدأ الاستمتاع بهذه اللعبة.
وقد كان هيكل العلوم العقلية في عصر مولانا الرومي على هذا النحو الذي لم يكن يُسْهم في النظر إلى الطبيعة ولا يشارك في توسيع وتزكية النفس. بل كان محصورًا في مجادلاتٍ عقيمة، نحو: كلام الله حادثٌ أم قديم؟ وهل الذات منفصلةٌ عن الصفات أم متصلةٌ بها بلا انفكاك؟ وهل ينتج عن تعدُّد الصفات الشركُ في التوحيد أم لا؟ وهل يستطيع الله أن يجعل المستحيل ممكنًا أم لا؟ و هل التوحيد خالصٌ منزهٌ عن كل العلائق والزوائد أم الزوائد جزءٌ وجوبي منه؟ إلى غير ذلك من المجادلاتِ المنطقية التى أصبحتْ جزءًا من الدين آنئذ، بل يمكن القول بأنَّ هذه المجادَلات كانت قد نَحَّت الدينَ الأصلي وحلَّت محله. وتسبَّبت هي وبعض التكتلات السياسية في ظهور فرقٍ عَقَديةٍ لا تُحصى بين المسلمين بناءً على اختلافاتٍ فرعيةٍ غير أصولية.
وافتتنَ أصحاب المعقول حتى صاروا مريدين للحكماء اليونانيين، فقدَّسوا ظنياتهم، واعتبروها بمنزلةِ الوحي الإلهي. كانوا يقولون إنهم أهل عقل، لكنهم كانوا أيضًا في الحقيقة أهل نقل. فخلطوا هذه الظنيات بجوْهر الإسلام بحيث بات من المحال فصلُ اللبن عن الماء. كما كان المتكلمون أهلَ مناظرات، والمتقشفون أهلَ ظاهر. ولم يكن لدى المتكلمين سوى القيل والقال، ولم يكن لدى العلماء الملقَّبين بالراسخين في العقيدة سوى حب المظاهر والحَرفيّة. ولم تكن روحُ الدين الحق مع هذه الطبقة ولا تلك.
وكان مُدَّعو الروحانية يميلون إلى الرَّهبانية وترك الدنيا، أو على الأقل يُعلِّمونَهما. ولم تكن لديهم الرغبةُ في النظر في الآفاق ولا في تسخير الطبيعة ولا تقوية الأمة. فأصبح التصوفُ سبيلًا لتجنُّب الحياة؛ إذْ لم يكن هناك أي مجال في الحياة – في نظرهم- جديرًا بالاهتمام. وكان تعليم القرآن قائمًا على نحو أن الظاهر حق والباطن أيضًا حق. الأول حق والآخر أيضًا حق. لا بطلانَ ولا فتور في خلق الله والكون، لكنَّ المستهينون بالدنيا جعلوها حلمًا للمجانين:
أُحجية لا للفهم ولا التفهيم
يصفُ القرآنُ الكريم العلم والحكمة بالخير الكثير، لكنَّ الصوفية كانوا يقولون: إن العلم حجابٌ أكبر. يذكر الله أنَّ الوجود حقيقي ويُقدِّمه لخلقه كنعمة، بينما يرى الصوفي أن وجودك هو أكبر ذنب. وكذلك كان الصوفية الكرام العارفون للحقيقة يردِّدون هذه الكلمات أيضًا، لكن كانت لديهم تعبيرات لطيفة. واتخذت هذه التصوُّرات عند المتصوفين صبغة الفرار من الحياة، واتخذ التصوف الخاطئ توصيف العدم بدلًا من الوجود مسلكًا له:
صورتِ وہمی بہ ہستی متہم داریم ما
چوں حباب آئینہ بر طاقِ عدم داریم ما
كان الكون كله قد أمسى حلم الله:
تا تو ہستی خدائے در خواب است
تونہ مانی چو او شود بیدار
وطالما أنَّ الله يحلم، سيظل هذا الكونُ الكيميائي قائمًا. فإذا نهض فلن يكون سوى:
عدمی عدم عدمی عدم زعدم چہ صرفہ بری عبث
كان هدف الإسلام أن تُعاش هذه الدنيا بحيث تصير دينًا، لكن تعليم ترك العلائق تفاقم إلى:
تركِ الدنيا وتركِ العقبى وترك المولى وترك التَّرك
والخلاصة: أن المُلّا في عصر الرُّومي أصبح من أهل الظاهر، والفقيهَ من أهل الزُّهد. وقد أغفلت هذه الفئةُ لُبَّ الدَّين وراحت تمضغُ عظامه، بل كانت تتصارعُ على تلك العظام. ولمولانا الرُّومي بيتٌ شهيرٌ عن هذا الوضع، يقول:
من ز قراں مغز ہا برداشم
استخواں پیش سگاں اندا ختم
الأمرُ الذي يدعو إلى التأمُّل الآن هو ما نوعُ التطابق بين عصريْ الرُّومي وإقبال؟ وما وجهُ التماثل بين زاوية النظر التي اختارها كلاهُما بما يتناسب مع أحوال وأفكار عصريْهما؟
كان يشيعُ في عصر الرُّومي نوعٌ خاص من العلوم العقلية، ونمطٌ معيَّنٌ من الفلسفة قد صار جزءًا من التعليم، ويتبين من قراءة المثنويِّ أنه كان على درايةٍ تامةٍ بكل العلوم العقلية في عصره، ومع درايته بها، وتبنِّيه لكل جانب من جوانب الحقيقة فيها لم يكن فريسةً لأيِّ عقلية محدودةٍ وظنية، بل كان الروميُّ ينتقدُ كل مسألةٍ ببصيرةٍ حادَّة وجرأةٍ فائقة، ويعتبر أنَّ العقل نعمةٌ عظيمةٌ من الله. وكان مولعًا بالحكمة، لكنَّ دائرتي العقل والحكمة عنده كانتا متَّسعتان جدًا. ولم يكن عقله محدودًا بالماديات والمحسوسات فحسب، بل تصوَّر العقل مظهرًا عالميًا من صفات الله؛ لذا يقول:
آں چہ دریا ہا ست در پہنائے عقل
ونظرية الحياة عنده من المادة إلى الله هي العيش والعيش فقط. لكن لها مدارج عديدة من أدنى مراتب الانحطاط إلى أعلى درجات الرفعة. كلُّ درجة حياة هي درجة من العيش، وحيثما يكون العيش تكون هناك درجة أو أخرى من العقل أيضًا. لذا يذكر العارف الرومي مدارج العقل الجَمَادي، والعقل النباتي، والعقل الإنساني، والعقل النَّبوي. وليس بين خلق الله ومظاهره أي مظهر يخلو من الحكمة. الفرق فقط أنَّ درجة المظهر هي درجة العقل نفسها.
نجد عند إقبال والرومي عديدٌ من النظريات المشتركة والمتماثلة؛ فنظرية الذات التي صارت تخصُّ إقبال بفضل عبقريته، نجد تصوراتِها الأساسية عند الرومي، وكان عامة الصوفية قد جعلوا التوكيد على الفناء والترك هو عين الدِّين، فحوَّلها الرومي إلى نظرية البقاء. ومع صحة القول بأنَّ كل تطورٍ يلزمه فناء الحالة السابقة عليه، لكنَّ المقصود هو البقاء والارتقاء. وعند الرُّومي أيضًا أنَّ استحكامَ الذات وجوبيٌّ، وطريقته تضيف إلى قوة التسخير. وبينما قرَّر التصوف الأعجمي أنَّ ترك الحاجاتِ وسيلةٌ للتقوى، يقول الرومي: لا، الحاجة مصدر الوجود، ومنبع الخير. نعم علينا أنْ نراعي حتمًا ألا تكونَ الحاجةُ متدنيةً ومهلكة؛ فمتطلبات الحياة يجب أنْ تكون رفيعة. ودرس الرومي في ذلك هو:
پس بیفزا حاجت اے محتاجِ زود
يكتب مولانا الرومي في تحليل هذا المصرع في المثنوي أنَّ الله أيضًا لم يخلق السَّماء والأرض عبثًا، بل خلقهما لحاجةٍ ما.
يُعبِّر إقبال عن هذه الفكرة بأشكالٍ متعددة في شعره الفارسي والأُردي:
زندگانی را بقا از مدعا ست کا روانش راورا از مدعا ست
زندگی در جستجو پوشیدہ است اصلِ او در آرزو پوشیدہ است
آرزو جانِ جہانِ رنگ و بو ست فطرتِ ہر شے امینِ آرزو ست
از تمنا رقص دل در سینہ ہا سینہ ہا از تابِ او آئینہ ہا
بعد ذلك نجد جوهرَ نظرية خلق العقل عند إقبال يتمثل في أن العقل الساعي إلى التفرد والطاوي للكون هو أيضًا إعجازُ الأمل، والعقل لا يُولد إلا من رحم الأمل.
هناك أيضًا عدةُ أمور أخرى مشتركة بين إقبال والرومي. فكلاهما من أتباع البقاء، وكلاهما من الميَّالين للارتقاء. يقول مولانا: تصدر الحياةُ كلها من ذاتِ الله، وتميل الحياةُ كلها إلى الرُّجوع إلى الله؛ لأنَّ أصل أصول الوجود أنَّ كل شيءٍ يرجع إلى أصله،
ہر کسے کو دور ماند از اصلِ خویش
باز جوید روزگارِ وصلِ خویش
وفي هذا الرجوعِ إلى الله يصعد كلُّ شيء إلى أعلى. فلا تكمن في كل وجود نَزْعة إلى الإبقاء على نفسه فحسب، بل – أيضًا- رغبةٌ مضطربة لإظهار إمكانياته الخفية. فتظهرُ الأقدام من التَّوق إلى السرعة، والمناقير من التوق إلى الصوت. ولأنَّ ذات الله لامتناهية فإنَّ المرحلة لا يمكن أن تُطوى أبدًا:
كل لحظةٍ طورٌ جديد، برقٌ للتجلي جديد
فليُقدِّر الله ألا تُطوى مرحلة الشوق
يقول القرآن الكريم إنَّ الآفاق قد تُسخَّر لآدم، أما إقبال والرُّومي كلاهما فلا يقنعان بتسخير الآفاق فقط. يقول العارف الرومي:
بریز کنگرۂ کبریاش مردانند
فرشتہ صید و پیمبر شکار و یزداں گیر
ويهتفُ إقبال مؤيدًا له:
در دشتِ جنونِ من جبریل زبوں صیدے
یزداں بکمند آور اے ہمت مردانہ
وموضوع العقل والعشق مشتركٌ أيضًا عند إقبال والرومي. ومقامات العقل والعشق أيضًا من نوعٍ واحد عند كليهما. فالعشق أصل الحياة والذات عند كليهما، وهو وحدهُ ضامن البقاء والارتقاء. صحيح أنَّ العقل هو المظهر للعشق، لكنه مظهرٌ على أية حال. العقل أداة العشق الطَّيِّعة، والمساعد في تحقيق غايته. أما حضور الحياة فمن نصيب العشق، وإنْ كان العقل عاملًا في ظهوره:
مع أنَّ العقل ليس بعيدًا عن العتبة لكنْ ليس مكتوبًا له الحضور
في العلم أيضًا سرور لكنه جنةٌ بلا حور
تتفشى أسرار الآفاق بالعقل، لكن تنكشفُ أسرار الذات بالعشق:
مذہبِ عشق از ہمہ دیں ہا جد است
عشق اصطرلاب اسرار خدا ست
وقد استقلَّ مفهوم العشق عند كليهما عن المفهوم العام إلى درجة أنَّ مولانا الرومي حذَّر الناس قائلًا: إنَّ ما أذكره من عشقٍ لا تفهموه إطلاقًا على أنه عاطفةُ الرغبةِ في الأشياء والأشخاص:
ایں نہ عشق است ایں کہ ور مردم بود
ایں فساد از خو ردنِ گندم بود
فعِشقُ كليهما هو محاولةُ تكوينِ صفات الله في الذات، وتفسيرُ “وتخلَّقوا بأخلاق الله”، يقول مولانا:
عشق آں زندہ گزیں کو باقی است
و ز شرابِ جانفزا یت ساقی است
عشقُ الأشياء والأشخاص شيءٌ غادٍ وآتٍ، وبتغيُّر المحبوبِ يتغير العشق، وبفناء المحبوبِ يفنى عشقهُ إنْ عاجلًا أو آجلًا. أما عشقُ كليهما فهو تبنِّي جميع حالاتِ الأنفس والآفاق، وتحويلُها إلى جزءٍ من الحياة. ولا يمكن أنْ يبقى هذا العشقُ محدودًا بعالم النَّضارة وعالم الماء والطين:
أنت أحمقٌ! قنعتَ بعدَّة براعم
وإلا ففي الحديقةِ أيضًا علاجٌ لضيقِ الطرف
ومما ينبغي ملاحظته في النهاية اشتراكُ الرومي وإقبال في مسألة عقديةٍ أخرى، حيث كان الصوفي أو المُلَّا، المتكلم أو الحكيم، جميعهم قد جعلوا عقيدة الجبرِ جزءًا من الدين و جزءًا من الحكمة. وأسسوا مفهومًا خاطئًا للقدر، هو أنَّ كل ما سيحدث محددٌ منذ الأزل: زهدُ الزاهد، وخلاعة الخليع، واحتسابُ المحتسب، وسرقةُ السارق، الكلُّ صادرٌ عن المشيئة الإلهية. وشاعت عقيدةُ الجبر هذه في عقائد المسلمين و أدبيَّاتهم حتى تأثَّرت بها طاقات الكفاح في الحياة بصورة سيئة:
حافظ بخود نہ پوشیدایں خرقۂ مَے آلود
اے شیخ پاک دامن معذور دارمارا
در کوی نیک نامی مارا گذر نہ وارند
گر تو نمی پسندی ، تغیییر کن قضارا
أو يقول مير تقي مير:
بلا حقٍّ اتُهمنا نحنُ المجبُورون بالاختيار افعلْ ما شئت فقد أساءُوا سمعتنا عبثًا
واتُخذ من مقولة “قد جفَّ القلم” هذا المعنى القائل أنّ قلم كاتب القدر قد جفَّ إلى أبد الآبدين، بعد أنْ سجل القدرَ المفصَّلَ للجميع، ولا يمكن الآن أي زيادةٍ فيه أو نقصان. مولانا الرومي هو الشخصُ الوحيد بين الحكماءِ والصوفية الذي أعدَّ مجموعة كبيرة من الأدلة ضد هذا التفسير للقدر، وقال: إنَّ القدر اسمٌ لدستور الله المقرَّر. والقدرُ لا يُجبرُ الزاهد على الزهد، ولا السارق على السرقة، بل يقول إنَّ قانون الله ثابتٌ في أنه سيصدُر عن التقوى نوعٌ خاصٌّ من النتائج، وعن العصيان والطغيان نوعٌ آخر. واسم ذلك هو سنةُ الله التي لنْ تجد لها تبديلًا.
وإقبال أيضًا مؤمنٌ إيمانًا راسخًا بالاختيار في ذات الإنسان. وهو يقول: إنَّ الكافر مُسيرٌ والمؤمن مُخير، ويسمُو المؤمن بذاتِه فيصلُ إلى مقامٍ يتعانقُ فيه رضاهُ مع رضا الله:
اسْمُ بالذاتِ إلى أنه قبل أنْ يحلَّ أي قدر
يسألُ الله العبدَ بنفسه أخبرني ماذا يرضيك؟
يستدل مولانا الرومي باستدلالٍ لطيف، هو أنَّ الكلب أيضًا يدركُ مسألة الجبر والاختيار، فمع أنَّ الكلب عندما يضربه أحدٌ بحجرٍ يشعر بالضربة من الحجر، إلا أنه لا يعدُو ليعضَّ الحجر؛ لأنه يعرف أنَّ الحجر مُسيَّر، وأنَّ الضارب مُخيَّر، ويجب الانتقام منه، لذا يعدو ليعضَّ ضارب الحجر.
ويرى إقبال والرومي كلاهُما أنَّ المفهوم الخاطئ للقدر قد ألحق ضررًا شديدًا بذات الإنسان وحياته الأخلاقية، لذا عارضاهُ كلاهُما بضَراوة، وقدَّما مفهومًا للقدر يُبرزُ الذات الإنسانية وطاقاتِ الكفاح ويُحسِّن الحياة.
[*])) نُشرت بالأرْدية للمرة الأولى في مجلة “ماہ نو” (الشهر الجديد) في إبريل سنة 1952م. ثم جُمِعت بعد وفاة الدكتور خليفة عبد الحكيم بعدَّة سنواتٍ في المجلد الثاني الخاص بالدراسات الإقبالية من كتاب “مقالات الحكيم” بتحقيق شاهد حسين رزاقي، والذي صدرت طبعته الأولى في سنة 1969م عن معهد الثقافة الإسلامية بلاهور، الباكستان. ثم أُعيد نشرها مؤخرًا في مجلة “إقبال ریویو” (عرض إقبال) في إبريل سنة 2007م عن أكاديمية إقبال بحيدر آباد، الهند في عدد خاص عن مولانا جلال الدين الرومي بمناسبة مرور 800 عام على ميلاده.