Mevlana à partir d’un point de vue Européen

Mevlana à partir d’un point de vue Européen

مولانا جلال الدين الرومي من وجهة نظر أوروبية

 

ترجمة: عائشة موماد

 

الكتابةُ اليومَ عن جلال الدين الرومي وإسهاماته تشبه ضخ قطرة في مياه المحيط. خلال العقد الماضي، عرفت المختارات والقصائد والتعليقات المنشورة حول أعماله ارتفاعًا كبيرًا، وبخاصة في أمريكا الشمالية وأوربا، حيث نُشرت كتب ومقالات اختلفت في جودتها. هذا دليل على تطلعات الثقافة الغربية بعد أن تم نعتها بالضلال الروحي، وإن تم ذلك التطلع بطريقة خفية.

في أوربا، «الرومي» هو الاسم الشائع أكثر من اللقب التشريفي «مولانا». نجد فقط بعض الأوروبيين الذين يجيزون هذا اللقب، وهم في الأساس أهلُ دراية بمؤلفات مولانا. كثيرٌ هم المهتمون بالرومي في أوروبا: الخبراء في شؤون الشرق الأوسط والفلاسفة وعلماء النفس والإنسانيات والكلام والفنانون، والباحثون عن طريق روحي. كلهم يجدون في كتابات مولانا مصدرا للإلهام والتحفيز. لقد سلطت الأضواء دائمًا على البعد الكوني لرسالة مولانا، كما جذب طريق العشق الصوفي الملايين من الناس في جميع أنحاء أوروبا.

تبقى دعوة الأوربيين إلى فهم رسالة مولانا خارج الإطار العقائدي دعوة مشروعة، حتى وإن كانت روح مولانا وفكره قد سُبكا داخل قالب الإسلام. فأوربا نتاج عصر الأنوار خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، مما أنعش تقدير الديموقراطية، ومهد الطريق للعلمنة.

يبقى الأوروبيون مقتنعين باستقلالية العقل البشري: «الحجة هي السلطة الوحيدة والأخيرة التي تحدد المنهجيات، حقيقة وخطأ كل فكرة، وكذلك  معايير العمل الأخلاقي والسياسي الاجتماعي» Encyclopédie de Meyer.

ومع ذلك، فللأوروبيين أيضًا تطلعات نحو معرفة الله، ويحاول البعض منهم  إرواء ظمأ القلوب بترجمة أعمال الصوفية الكبار وبممارسة الرياضات الروحية.

في الوقت نفسه، تراهم حريصين على التمتع بالحرية الفردية بمعناها الغربي- وهو الموقف الذي يتنافى مع الورع والتقوى في الممارسات الصوفية -. هذا التعارض بين التدين ومفهوم الحرية الفردية في الغرب، والانكسار الناجم عن ذلك، خلق في البداية سوقًا لعروض عديدة حول دورات تكوينية ومؤلفات عن الروحانيات تحت عنوان «التصوف»، وطرقًا جديدة في التفكير، وفي بعض الحالات، أنتج كوكتيلات روحية تدليسية من أجل الترويج إلى شكل من الصوفية دون إسلام. ومع ذلك يمكن رصد بعض الإيجابيات، إذ كانت تلك العروض محفزة إلى الرغبة في اكتشاف أصل الوجود.

من أضفى صبغة الشعبية على التصوف بالغرب؟ يجب أن نذكر ثلاثة أسماء: عنايت خان 1882-1927م، جورج غوردجييف 1872-1949 م وسليمان حياتي لوراس 1904-1985م. ساهم هؤلاء الثلاثة في نقل صورة “تصوف ليبرالي” للعالم.

الاهتمامُ بالتصوف أدى كذلك إلى الاهتمام بأشهر الفلاسفة  المسلمين، الذين أبرزوا كونية وشمولية الإسلام عبر مؤلفاتهم. علينا تدارس وجهات نظر الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد والسهروردي وابن عربي وصدر الدين الشيرازي والغزالي، كي نلاحظ أخيرًا أن تعاليمهم قد نشأت تحت سقف موحد للإسلام. هذا ما يعتبره الأوروبيون دليلًا على ثقافة الاختلاف عند هؤلاء الفلاسفة، وعلى الجانب المنفتح والشمولي للإسلام.

عند بداية انتشار «التصوف الليبرالي»، أصبح مولانا وبخاصة طقس السماع أكثر شعبية، بفضل المجهودات الجبارة لسليمان حياتي لوراس. لكنه لم يستغرق وقتا طويلا ليتم تسويقه كأي بضاعة، فظهرت إصدارات عامة، وإعلانات من أجل تقديم إرشادات روحية إسنادًا إلى مولانا، ودروس لتعليم الرقص المولوي. وموازاة مع هذا السوق المظلم، تزايد الطلب أيضًا على تعلم التقاليد المولوية العريقة، وظهرت فروع للمولوية الأصلية بسويسرا وهولندا وألمانيا، حيث يجتمع المريدون مرة كل أسبوع للصلاة والذكر والدراسة وممارسة السماع. والوضع كذلك،  كان على هذه الجماعات أن تهتم أيضًا بالثقافة والفكر المعاصرين، مما يشكل تحديًا كبيرًا.

 

النداء الإسلامي لإعمال العقل ورسالة مولانا:

من المهم أن نوضح للأوروبيين أن القرآن ليس «كتابًا مدرسيًّا» نقرؤه طمعًا في اكتساب ما به من معارف.  الوحي القرآني كلمةُ الله المعجزة، نفس الإله الذي أنزل التوراة والإنجيل، رغبة في تصحيح فكرة الوحي الإلهي. بينما يهدف الوحي الإلهي إلى ملامسة قلوبنا، وتشكيل ذواتنا كي نصير من عباد الله الحقيقيين، يدعونا لإعمال العقل كي نهتدي إلى الحقيقة. هذه المقاربة تتناسب تمامًا مع التصور والفكر الأوروبيين. على الأوربيين أن يكتشفوا القوة الضخمة التي يتمتع بها الإسلام في عصرنا هذا، على المستوى الثقافي، قبل الوصول إلى المرحلة الموالية، أي إدراك حقيقة الإسلام. من أجل هذا الغرض، تكتسب رسالة مولانا أهمية قصوى.

يمكن مقارنة تأثير مولانا على الإسلام اليوم بتأثير أينشتاين على الفيزياء. لم تحل نظرية النسبية محل قوانين نيوتن، بل وضعتها في سياق أوسع. كان مولانا محبًّا مثاليًّا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، كان يجيز التعددية ويظهر جمال الاختلاف دون الإخلال بجوهر الإسلام. الأمة التي لا تجيز الاختلاف، محكومٌ عليها بالسقوط في الأصولية. أثبت مولانا أن الإيمان والديمقراطية متكاملان، فالإيمان يتطلب الإخلاص لله والامتثال لأوامره. و عكس ذلك، ففي إطار الأنظمة الديموقراطية،  يتطلب التعايش تقديم تنازلات أمام من يخلصون لمعتقدات أخرى أو من لا يعتقدون بوجود الله.  يكمن تفنيد هذا التباين في الاعتراف بتساوي كل الناس وإدراك عجزنا أمام الله.

 

الجماعات المولوية اليوم 

هناك المزيد والمزيد من النساء بالجماعات المولوية الحالية، ومن الطبيعي أن تطالبن بالمساواة في الحقوق. تقول هؤلاء النسوة: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ناضل من أجل كرامة المرأة، فقد حظيت النساء المسلمات في عهده بالتقدير والاحترام، لذلك فإنه من الصعب تقبّل اكتساب النساء في «البلدان الإسلامية» اليوم لحقوق أقل من الحقوق التي يتمتع بها الرجال.

وكما أشرنا إلى ذلك في بداية المقال، تبقى الحجج القوية والعقلانية وحدها كفيلة بمساعدة الأوروبيين على اكتشاف الطريق نحو جمال وشمولية الإسلام. وقد فضلّت المجموعات المولوية بأوروبا المناقشات الفلسفية، باعتبارها مسألة ذات أهمية كبرى، لا دخل لها في إضعاف القدرة على التفاني التام في العبادة، بل تقوّي تلك القدرات وتنميها.

أخيرًا، سوف أعرض عليكم ما جاء في حديث سيدة تنتمي إلى الجماعة المولوية بسويسرا:

«لقد تطلّب مني دمج السماع بحياتي وقتًا طويلًا، كنتُ أستمتعُ – فقط – بالدوران. والحالة هذه، تمنيت أن أشعر بالشيء نفسه خلال حياتي اليومية. كلما تملكتني تلك الرغبة، أحاول الدوران بمخيلتي وأذكر قلبي بتلك اللحظات. الكون في دوران مستمر، وبما أنني ذرة صغيرة جدًا في هذا الكون، أسمح لنفسي بالدوران وأنا في وعي تام بكوني في تناغم مع الطبيعة.

يؤكد لي السماع أني أطأ بقدمين قد تجذرتا بقوة داخل الواقع الدنيوي، لذلك علي أن أكون قوية ومثابرة، لكنني في نفس الوقت، أستطيع أن أبسط ذراعي وأن أرفع يدي، لأظهر شجاعتي، ولأتحرر من جميع الأسئلة والروابط والقضايا الدنيوية. أرسم قنطرة بين الجنة والنار، أكون بهذا العالم وذاك في وقت واحد، أعيش في العالم الآخر دون أن أنتمي إليه كما يقول الدراويش. ساعدني هذا الفهم على البعث عن المعنى والعثور على السلام عبر الثقة المطلقة بالله، اكتشفت أنني أعيش في عالمٍ لا يمثّل مسكني الحقيقي. عند الدّوران، يمكنني التخلص من كل الأسئلة التي تتكون في رأسي، كأنها تنطلق محلّقة إلى السماء، في تلك اللحظات فقط، أحسّ بكينونتي ولا شيء غير ذلك. أهبُ نفسي تمامًا لتلك اللحظات لأصبح شبيهة بالزهور والأشجار والجبال والنجوم.

يحيل الدين والروحانيات دومًا إلى مرجعيات عقدية وتجريبية، تدرك في كليتها وشموليتها بالعقل، ولا يمكن وصفها باستعمال اللغة، لكن الخطاب المرتبط بها لا يمكنه الانفصال عن استخدام اللغة، ولا بد له من  الاستناد إلى منطق مفهوم وعقلاني.

يختلف مستوى العقل عن مستوى التجربة الروحية، لذلك لا يمكن أن يقوم إلا بدور الناقل الذي يحاول وصف ما يدور في العالم الآخر، كأنه يحاول إيصال رسالة لا مرئية على وجه التقريب. لم يكن مولانا شاعرًا أو صوفيًّا فقط، بل كان أكثر من ذلك. إنه ولي من أولياء الله، تنير روحه كل يوم قلوب مريديه. بفضل جماله وشمولية فكره، يستطيع كذلك أن يؤثر على الطباع العقلانية ويكون بوابة للإسلام».

 

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!