ظهور الروح

ظهور الروح

قراءة في “ظهور الرّوح”* للدكتور محمد الرّزقي**

 

محمد أمين بن محمود الفاهم. 

 

 

يدور الإشكال في “ظهور الرّوح” حول حقيقة الروح من جهة أنّها تظهر في أشكال متعددة، أراد صاحب الكتاب أن يبرزها من خلال أطوار أربعة وهي على التوالي: من خلال “فعل الكتابة” و”الحرية” و”الإدراك العقلي” و”الإدراك الإشراقي الصوفي”. تبقى غاية الكاتب محصورة في شعوره بالمسؤولية كأي مفكّر تشغله هواجس التغيير والارتقاء بواقعه الذي يرى أنّه يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه، فتلك طوبى الفلاسفة والمصلحين ليست لهم حدود نهائية “للخير” و”السّعادة” و”الفضيلة“. والرّوح باعتبار دورها الجوهري في قيادة هذا العالم المادّي لابد أن تعالج من جهة أنّها تُدفع لتظهر في أجمل حللها وأبهى مظهر. والرّوح بما هي طاقة الفعل ونشاط الذّات الذي لابد أن يخرج للعالم، عليه أن يكون مصقولا مهذّبا، منقّى من شوائب العنف والطغيان وإلاّ استحال العالم خرابا واستحال النور ظلمة وعتمة.

ليس كل من مسك ريشة خطاط، وما كل من نظم شعرا شاعر، وليس كل من كتب كتابا أو مقالة أو رواية يمكن أن نسمّيه كاتبا وروائيا. في المقابل لا يمكن أن نحطّ من قيمته كأثر فنّي، أنتجه صاحبه وكانت له سيرورة حتى أخرج في صيغته النهائية. حتى تلك الرّموز التي نجدها هنا وهناك على جدران المباني وفوق طاولات الدّرس وغيرها من الأماكن لا تخلو من دلالة ما، فالإنسان هو الكائن الرّامز وهو الكائن النّاطق، واللغة والكتابة هما اللّتين مكّنتاه من مراكمة التجارب والمعارف ليصل إلى ما وصل إليه من تطور وتقدّم. فكلّ شيء ينتجه ذا معنى وله تأويلات حسب قدرات الباثّ واستعدادات المتلقي.

يشير الأستاذ هنا إلى أنّ ما لا نفهمه “نلحق به دوما صفة الدّناءة والانحطاط”[1]، وهذا من الأخطاء الشائعة والتي تصيب في مقتل. هنا يستحضرني قول الفقيه الشافعي والطبيب علاء الدين بن النفيس: “وربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولاً عن المشهور والمتعارف، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده، فلا يبادرنا بالإنكار، فذلك طيش، فرُبَّ شنعٍ حق ومألوفٍ محمودٍ كاذبٌ، والحق حقٌ في نفسه، لا لقول الناس له، ولنذكر دومًا قولهم: إذا تساوت الأذهانُ والهمم، فمتأخرُ كل صنعةٍ خيرٌ من متقدمها”[2].

وما يهمّنا من هذا كلّه ليس استعراضا للشواهد حول الكتابة والرّمز والنّظمِ وإنما المنتخبُ من الكلام والمنتقى من الآثار الباقية.

إنّ فعل الكتابة وإن كان يتمّ عبر جملة من الوسائل المادّية كالقلم والورقة والحبر أو بواسطة أدوات متطورة تبقى ملموسة كلوحة المفاتيح وآلة الرقن وغيرها، فإنّ هذا الفعل حتمًا ينبع من باطن، وما آثاره من حروف وكلام إلاّ فعل الظهور وقديما قال الشّاعر:

إنّ الكلامَ لفي الفؤادِ وإنّما جُعِل اللسانُ على الفؤادِ دليلا[3]

 

أسعى من خلال هذه الورقات البسيطة أن أترجم لكم مؤلّفا ألفتموه ولامستم حسناته وآثاره عليكم وهو كتاب “ظهور الروح” للدكتور المفكر محمد بن حسين الرزقي. هذا الكتاب الذي ترجم إلى الفرنسية ونشر قبل ذلك بلغته الأم (اللغة العربية) يحتوي على الكثير من الجواهر الثمينة، التي أرى أنّه من الضروري استكناه معانيها، وسبر تفاصيلها لأنّها نبعت من جوف مصلح ديني وهرم فكري قلّ نظيره في زمن كثرت الغوغاء والكتاب المبتذلين والقرّاء التافهين على حد السواء.

ظهور الرووح

بدءا، عليَّ أن أشير طبقا لرأي صاحب الكتاب أنّه يتنزّل ضمن مباحث “فلسفة الرّوح” وليس صعبا هذا الاستنتاج إذ أنّ ذلك مرقون على غلاف الكتاب جنبا إلى جنب مع العنوان. وفلسفة الرّوح في نهاية الأمر تبحث عن إجابات لمعاني الأدوار التي نضطلع بها داخل مجتمعاتنا وعن قيمتها. تبحث في الوجود وأسسه ورواسيه والغاية منه.

إنّ هذا الرّوح الذي يظهر رمزا أو كتابة يعبّر عن جوهره ومعدنه أي بحسب جوهر الذي يصدع به وينطق به. فالرّوح الطّيب لا يخرج منه إلا طيّب والرّوح الخبيث لا يخرج منه إلا خبيث “فتكون الرّواية أو القصيدة قد أخرجت القارئ من سجن إلى سجن”[4]. هذا المتلقي غير الواعي بما يتلقّفه من تنظيرات قد تكون أحيانا ذات وبال وآثار سامّة عليه “فيعمّر هذه السجون ويطيل في أعمار هؤلاء الجلادين”[5].

إلاّ أنّ هذا الرّوح الذي يظهر لابد له من وسائل وآليات تجعله يرمز ويُلغز ويعبّر عن ذاته وعن العالم من حوله، فـ: “العقل في حقيقة الأمر يستمد معرفته من الحواس، فلا يستطيع أن يفهم أو يتصوّر شيئا يخرج عن دائرة الأكوان”[6]، فالموازين المنطقية والقواعد العقلية في حقيقة الأمر هي التي تلجُ إلى مطلق الذات -هذا الرّوح الكامنُ- لتظهر ما تعقلنه وتسبره بواسطة آليات العقل حسب ما يتوافق مع هذه المؤشرات والمتقبلات.

إنّ هذا الظهور الذي يتحدث عنه أستاذنا هو ترجمة لذلك النموذج المثالي للظهور الإنساني في التاريخ الذي مازالت مراقي وعيه تبنى وتتشكل ضمن الأفق الذي يفتحه العقل الإنساني ويتيحه بل ويتجاوزه إلى مجالات أرحب تأتي فيما يعتبر ما وراء العقل وطوره. إنّ الرّوح على إشكال التعامل معها في الثقافة الإسلامية لم يكن مانعا التحدث عنها من جهة التحريم أو المنع بل من جهة الصعوبة والخطورة والأهمية، بل من جهة التنبيه إلى ضرورة البحث فيها.

نظرا لأنّ هذا المُؤَلَّفَ كان أيّام الجمر، لم يكن الكلام مباحًا إلاّ من قبل أولئك الذين كانوا خارج أسوار الوطن في منفاهم البعيد وهم على طبقات أو من معارضة صوريّة يغذّيها النظام المتداعي لكي يقال أنّ هناك تعددية ويخادع الأنظمة العالمية التي يستجدي رضاها ويطلب مباركتها.

أمّا الأحرار فلم يكن لكلامهم أيّ معنى داخل حدود الوطن. فإمّا أن يكظموا فيسلموا وإمّا أن ينطقوا فيسجنوا، أو يغادروا أرض الوطن وقديما قيل على اختلاف نسبة القول “لابن خلدون”[7] أو “للحجاج بن يوسف”[8]: “في إفريقية إما أن تنافق أو توافق أو تغادر أهل البلاد”، إلاّ أنّ أستاذنا كان له شأن آخر فلم يكن كسائر النّخب التي هادنت ووافقت وباركت أو من الذين صمتوا بل آثر الكلام ولكن من وراء حجاب.

إنّ المعرفة بتراثنا الأدبي والرّوحي طالما كان له جليل النفع وعظيم الفوائد ذلك أنّ فيه من أساليب القصّ والرواية وطريف الرّمز ولطيف الإسْرَارِ ما يجعل الحريص الفطن يبطن أفكاره ويضمّنها داخل عوالم ووراء أقنعة وبشخصيّات قد تكون من صنع المخيّلة ولكن قطعا هي شديدة الوثاق بعالمنا المادّي والمعيش وواقعنا السّياسي والاجتماعي. فلم تكن جنّة المعرّي[9] تهكّما على جنّة الباري – عزّ وجلّ – وإنما رسالة الغفران كانت نقدا لاذعا لواقع الدّولة العبّاسية آن ذاك من مظاهر الجهل والتخلّف والبذخ التي وجدت فيها والعقائد الفاسدة وطغيان حكّامها ووسائطهم (المحسوبية كما نعبر عنها اليوم) التي تجعل العدل مفقودا والحياة مستحيلة فطلب -من خلال جنّة رسمها خيال الأديب في السّماء لتحاكي واقع الأرض وتكون مرآة له- ما كان مفقودا في واقعه المعيش من حرّية وعدل ومساواة.

ولم تكن أمثال بزرجمهر وزير كسرى مجرّد حكايات عن مملكة الحيوان فابن المقفّع[10] كان ناقدا سياسيّا صلبا لخلفاء بني العباس وسياساتهم الفاشلة والظّالمة والتي قامت بتغليب العنصر الفارسي واستعمال البرامكة وتمكينهم من مفاصل الدولة فاستبدوا وضيّقوا وجاروا وظلموا وقهروا وتغلبوا بالسلطان فكان أن ظهرت المظالم وكثرت المظاهر المؤذنة بخراب العمران، فلقي ما لقي من شناعة القتل.

ولا ننس مسرحية “رأس المملوك جابر” للمفكر السوري الكبير سعد الله ونّوس[11] بقضاياها التي قام بعرضها والتي تمسّ السياسة والمجتمع والاقتصاد والدين. حفلت فيها استطرادات جمهور المسرحيّة بواسطة أساليب متنوعة منها: التّضمين والتّناوب بين السّرد والحوار والتّداول بين المرئيّ والمحكيّ  والإشارات الرّكحيّة ودور الموارد التّراثيّة في بناء النصّ المسرحيّ.

ذكرت هذه النماذج لأنّ الأستاذ هنا يجعل حكايته عن عالم الطيور والحيتان والضفادع والأسود والفئران والفيلة والذئاب والحيّات جسرا للعبور إلى تعقيدات الواقع التي عاشته تونس زمن الطغيان من فقدٍ للحرّية وتضييق في الأرزاق. فالحاكمون الخصايا[12] أمسكوا بزمام الدّولة ومفاصلها: “هؤلاء الأموات سيطروا على الجوّ والبرّ والبحر وصاروا أسياد الكون بأسره”[13]. إنّ وصفهم بالأموات هنا بمعنى الموت عن كل اتصاف بالأخلاق الإنسانية والرحمة التي تراجعت وأفلت في عصر الانحطاط ولم تعد مبالية، أموات عن الأخلاق التي تقبل الآخر وتعترف به حتّى وإن اختلفت معه في رؤيتها للواقع. فضيّقوا على العباد أرزاقهم “فلا يمكن لأيّ طائر أن يمرّ دون أن يرصدوه فإن كان لا يطمح إلاّ لملء بطنه أشعلت الأضواء ورحّبت به وأغدقوا عليه من نعيم الحبوب ماتشتهيه البطون”[14]. فوظائف الدّولة لم تكن تسند إلاّ لمنخرطي الحزب الحاكم وأي ملاحظة بسيطة من “عمدة” أو “شيخ تراب” كانت كفيلة بأن تعصف بعائلات بأكملها وتحرم أعظم العقول وأشد المثقفين من حقّه في الشغل “إذا كانت نواياه تتجه تتجه صوب الحريّة”[15] فيقتضي الأمر “إسقاطه وإحراقه قبل أن تنتشر البلية وتنتقل العدوى إلى سائر الطّيور البريّة”[16].

إنّ عالم الرّواية التي نقل إليه الأستاذ مسرح حكايته هو من نفس جنس العالم الذي ذهب إليه إليه كلّ من المعرّي وابن المقفع وونّوس وحتى ابن عربي[17] في كتابه “التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية”. ذلك أنّ فكره الذي ينمّ عن اطّلاع على تجارب القدامى وحيلهم جعله قادرا على امتطائها والجولان بحريّة داخل أروقة سجن أصبح فيه الأسد الذي رسّخوا في أذهاننا أنّه رمز القوة والشجاعة وسيّد كل الحيوانات يمكن لشوكة أن تقضّ مضجعه وتؤدّي بحياته”[18]. فالديكتاتور على قدر بذاءته وصلابته كان جهله، وعلى قدر خبثه ودهائه كان غباؤه يحيط به من كل جانب، ولو أنّ كل مفكّر آثر الإيحاء واعتمد فن الرّمز لانجلى الظلم من زمن، ولما احتاج شبابنا إلى وسائل الاتصال الرقمية والافتراضية ليصنعوا ثورتهم. الأمر نفسه أفقد هذا الشباب الثقة في أشباه المثقفين الخانعين الخاضعين هؤلاء إلاّ من رحم ربّي.

إنّ هذا “(الـ) فأر (الـ) جبان قوّض مدناً وأحرق غابات وحوّل أوضاعا وغيّر سادات لكنّه يبقى في الظّل لأنّه فأر والفأر يبقى دوما منسيّا”[19]، فالشباب على ضعفه وهنته والقمع الذي يعانيه وضعف شخصيّته التي تلاقي القمع داخل أسوار المدرسة والمعهد والجامعة وخارج أسوارها وفي المقاهي والشوارع وفي الأسواق وداخل جدران البيت وعلى يد تنشئة اجتماعية رثّة، استطاع أن ينفلت من قيوده فـــ: “الفأر أبى أن يتنازل عن حرّيته وضحّى بكل شيء من أجل جحره كما باع كلّ ما يملك من أجل شراء فصيله، فالوحدة هي مصدر القوة والتناسق في أيّ مجال من مجالات الفعل والتأسيس”[20].

ولأنّه منسيّ، عملت أحزاب ما بعد الثورة على تهميشه وهو إلى اليوم يعاني الفقر والبطالة مع أنّه صاحب المجد وهو اليوم قابع في الظل. لعبت بآمله ومخيلته البريئة سموم الأفاعي والإيديولوجيات الخرافيّة التي لا تمت للواقع والعقل والدين والحريّة بأيّة صلة أو قرابة لا من بعيد ولا من قريب.

إنّ الأفق الذي رسمه الأستاذ كان في زمن سبق الثورات العربية جميعا بنيّف وعشرين سنة، ولا بدّ أنّه لا ينتهي عند هذا الحد بل يمتدّ ليسع أملا طالما حلم به الفلاسفة والمصلحون والحكماء وأفقا ينتهي بحتميّة انتصار الخير على الشر، هذه الثنائية التي وجدت أينما وجد هذا الإنسان جماعات وفرادى في أيّ زمان ومكان فآدم عصى في الجنة.

في حكاية الأستاذ “توالت الأجيال وتعددت حتّى امّحت الانقسامات وتلاشت تلك المجموعات وحلّت محلّها وحدة منسجمة متناغمة ويعود الفضل في جمع شملهم إلى عين الماء التي رصّت الصفوف، وقضت على التناحر والتنافس”[21]. ولكن تراها هذه العين هي عين البترول أو الثروات المنجمية أو الملح الذي يتحدّث عنه الثوار المسيّرون اليوم؟ أم تراها عينا شربها معين ونورها متين وحبلها موصول، هي الحكمة الخالدة والنور السافر والمعرفة الصّامدة لا تؤثّر فيها الأنواء والأهوال؟

أهي عين الحكمة والمعرفة؟ أهي العقلانية التي طالما أسس لها العقلاء والفلاسفة والحكماء والمتنورون من رجال الدّين؟

إنّ ذلك الفأر المشتت المشرّد أصبح في جماعة، والعود “محميّ في حزمته ضعيف حين ينفرد”. أتراه ظلّ على نفس الهيئة من الضعف والهنة بعد أن أحاط به إخوته ووُصِلَ بأصله وتدرّب؟

إنّه اليومَ من ذوات النّاب والمخلب. إنّه ذئب قويّ رصين حكيم، يدرك ما في العين من “نفحات روحيّة هذّبت الأنفس وأخمدت الغرائز .. (وهي) في تجدد مستمر وتدفق لا ينحبس”[22]وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا”[23].

إلاّ أنّ دوام الحال من المحال وجيلا بعد جيل “وصل خبرهم إلى معشر الثعابين. فقرروا الالتحاق بهذا المكان علّهم يضفرون بما ضفرت به الذئاب، وكان هذا الزحف المنمّق والمجمّل تحت قيادة أفاعيهم”[24].

لا شك أنّ للتذكير والتأنيث “ثعابين” و”أفاعي” دلالاته عند أستاذنا. فمفرداته وإيحاءاته لا تخلوا جميعها من مرامي، والدُّوَلُ تُؤنّث وتذكّر وكلّ يطاله التأنيث والتذكير إلاّ ملائكة الرّحمان !!

هذه الحيّات والثعابين “كانت تضمر الشّر فنفثت في الماء سمومها فأصابت الذئاب في المقتل لتصبح هذه الذّئاب عليلة، فأصبحوا يعيشون الفوضى والاضطراب وبدأت شعلتهم في الأفول وانفضّوا من حول العين معتقدين أنّها سبب البلية”[25]. وهذا حال المسلمين اليوم انفضوا عن الإسلام معتقدين أنّه سبب انحطاطهم وذلك لما نفث فيه المستشرقون والوضّاعون وذووا الأفهام الآسنة والتفاسير الضحلة من سموم حقَّ على العلماء والمتخصصين تمحيصها واستخراجها بدل التصدّر للخطابة والتغنّي بميراث لازال يعاني من الدسائس العظيمة والخطيرة.

إنّ هذه الحرّية التي أصبحنا ننشدها ليست وافدة عنّا وإنما مفهومها الغربي فقط هو الوافد. فالحريّة كما عرفها المسلمون كانت متجذّرة صلب واقعنا وعلى مرّ فترات التاريخ وباطّراد، فلا يمكن لأيّ متحذلق من المنسلخين عن جلدتنا إنكار وجودها في أشدّ فترات التاريخ الإسلامي انحطاطا وتفكّكا[26].

نعود إلى حكاية الأستاذ التي “تعالت (فيها) الصّيحات هنا وهناك منادية بكشف المستور واسترجاع أرض الذئاب الضالّة وعينها، لكن سرعان ما تخمد بعد أن تحكم الثعابين قبضتها على رؤوس ضحاياها المفكرة، فهم يكرهون من يبحث عن الحقيقة ويسارعون بطرده من سجلّ الأحياء”[27]. هنا ينتقل محدّثنا إلى مستوى أعمق وهو مستوى يقول فيه “اتركوني مع ساداتي الشيوخ لنواصل حكايتنا آمنين من طيشكم وشهواتكم التي لا تنتهي”[28].

طالما جعلني كلام الأستاذ أستحضر مرجعيات كثيرة وخاصة هنا في هذا الموضع يجعلني أرجع بالكلام إلى قصّة “الغربة الغربية” للشيخ المقتول وذلك أن محمد الرزقي صوفي المشرب ولا يفوته أن يتكلّم عن عالم الرّوح بهذه الطريقة التي سبق أن تكلّم بها شهاب الدين والملّة الملقب بالسهروردي قتيل حلب.

طالما عانت الرّوح من غربة الجسد وطالما حلمت بالرّجوع مع أخيها عاصم (العقل) من بلاد ما وراء النهر وطالما وقعت في بئر من الشهوات لا نهاية لقعرها وتربصت بها الثعابين والأفاعي والحيّات والمكائد ومتطلبات الجسد والهوى التي لا تنتهي إلاّ بالموت “فأنا في هذه القصّة، إذ تغير الحال عليّ وسقطت من الهواء إلى الهاوية بين قوم ليسوا بمؤمنين محبوسا في ديار المغرب. وبقي معي من اللّذة ما لا أطيق أن أشرحه، فانتحبت وابتهلت وتحسّرت على المفارقة. وكانت تلك الرّاحة أحلاما زايلة على سرعة. نجّانا الله من أسر الطبيعة وقيد الهيولى «وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها، وما ربّك بغافل عمّا تعملون» «وقل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون» والصلوة على نبيه وآله أجمعين”[29].

أعود إلى حديثي الأوّل “فلكلّ شرب يوم معلوم”[30]. “قام أحد الملوك من الذئاب المنفية ليواجه الثعابين بالحقيقة المحجوبة”[31] إلا أنّه وبعد جهد مضني وطول نضال استطاعت تلك الثعابين بدهائها ومكرها أن تثبط عزيمته “وأعلموه بصعوبة استرداد عرشه حتّى وإن تمكّن من جمع شتات قبيلته المصلوبة وأغروه بالمال والإناث لترك هذه القضية المزعومة فخضع وخنع ونصب ملكا صوريّا على أرض أجداده المسلوبة”[32]. مع ذلك فإنّ هذا الملك من الذئاب استطاع كشف سرّ الأفاعي ومجادلتهم وما غفل عنه شيوخ القصّة هو سؤال صاحبها عن “الطريقة التي تمكّن بها ملك الذئاب من كشف سرّ الأفاعي وتعرية الأورام”[33]. ليتولّى أستاذنا الإجابة بطريقة يستعصي حقا فهمها على بصائر الشيوخ دون دليل وسأنقل لكم نصّ الإجابة وأعلّق في سطرين لاحقا دون الإطالة: “هذا الملك الهمام اطّلع على سرّ الحيات عن طريق أحد الفئران الذي فرّ من أرضه لمّا اكتسحتها الفيلة واستقرّ بأرض الذئاب الأولى، فلمّا اشتدّ القيظ رحل معهم يقتات من بقاياهم إلى أن استقر بهم العيش حول العين، فلمّا رآى ما حلّ بالذئاب أخذته النخوة، وهزّه الحنين إلى أمجادهم الضائعة المسلوبة، وقرر اختراق الأبواب العالية الموصدة، واطّلع على السّر الرّهيب الذي أبلغ به وريثنا الهمام، لكن جهده راح هباء، لأنّ ملك الصّحراء، قرر الرّكون والسّكون حتى لا يحرم متعة الحياة، واختار أن يعيش صورة عوض أن يتنعّم في مملكة الأحياء”[34].

إنّ الهوية ليست حجرا بل هي متنامية، فالأنا الذي يتجذّر داخلنا هو ذاك الطّفل الذي مرّ بالسّادسة من عمره فالعاشرة فالخامسة عشرة، وكل فترة وتجاربها وكل فترة وملامحها وتحدّياتها وتضحياتها. فما يطرأ عليه التغير والتبدّل في حقيقة الأمر هو الجسد وحده، ذلك الجزء المادّي فينا، أمّا الوعي أو الإدراك أو الروح فهي كما يقول ابن سينا هي الثابت التي لا يتخلله الزّمن “تأمَّلْ أيها العاقل في أنكَ اليوم في نفسكَ هو الذي كان موجودًا في جميع عمركَ، حتى أنكَ تتذكَّر كثيرًا مما جرى من أحوالكَ، فأنتَ إذَنْ ثابت مستمر لا شك في ذلك. وبَدَنُكَ وأجزاؤه ليس ثابتًا مستمرًا. […] فتعْلَمُ نفسُكَ أنكَ في مدة عشرين سنة لم يبقَ شيءٌ من أجزاء بدنكَ، وأنتَ تعلم بقاءَ ذاتكَ في هذه المدة، بل في جميع عمرك، فذاتُكَ مغايرة لهذا البدن وأجزائه الظاهرة والباطنة”[35]. فلا يمكننا قطعا القول بأننا نحن من نحن دون استحضار ذلك التّاريخ ولا يمكننا فكّ شيفرة الحاضر دون البحث في تجارب الماضي ففيه آليات البناء والتفكيك ومكتسبات التعامل مع الواقع. إنّ الوعي الإنساني يتشكّل في التاريخ كما يقول هيغل[36] والحريّة التي ننشدها ليست إلاّ وعيا بالتاريخ كما يشير.

إنّ تقسيم الزمن إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل هو تقسيم أجوف ذلك أنّه يفرضه الذهن لا الواقع “فالآن الموجودة هي آن أخرى غير تلك التي أشير إليها ولكنّي حاولت الوصول إلى الآن التي أشير إليها فعلا، ولم أتأخّر في ذلك: إنّه نفس الوقت الذي كانت موجودة فيه، غير أنّي أجدها تظهر أمامي على أنّها آن »مضت«، وأنّ ذلك حقيقتها. ومعنى ذلك أنّها لا تعبّر عن حقيقة الوجود المباشر ولا جدال في صحّة ذلك فهي فعلا مضت، وما مضى لا يعبّر عن الوجود الحاضر”[37]  ففي حقيقة الأمر لا وجود إلا لزمنين: زمن مضى وزمن نستقبله. والحاضر هو عجلة تدور باستمرار، لا استقرار لها، فزمن كتابة هذه الصفحات هو بلا شك زمن مضى ومع كل حرف يقرؤه من يمسك بيديه هذه المقالة تصبح قراءته ماضيا. أمّا المستقبل هو دائما ذلك الطّوبى التي ننشدها نصبوا إليها فإن لم نمرّ إليها بقينا سجيني وحبيسي الماضي وبقيت الحضارة فينا طفلة لا تريد النضج والنّمو.

إنّ هذا الزمن المتسارع أقصد الحاضر هو بوّابة المرور إلى المستقبل ولا يمكننا حتما وُلُوجُهُ إلا بمفاتيحَ وآلياتٍ تصنعُهَا تجاربنا الماضية. فنحن لن نصيرَ إلى ما نريد أن نصيرَ إليه إلاّ إن اختُزِلَ تراثنا فينا لا أن نحمله كما هو بفئرانه وحيّاته بل ننتقي منه تلك النفحات الروحية ومصدرَ الحياة والحكمة. فنفهَمَهُ ونمحّصهُ من السموم المنفوثة فيه لنسلم من العلل التنظيمية والجسمية والروحية والنفسية على حد السواء. فإذا تمّ ذلك وقع الاستفادة من تجارب الماضي واكتساب مهارات ضدّ الحادث والنّازل بنا من مكائد ومصائب.

إنّ وهن الأمة كما في الحكاية لم يأت إلاّ من ضعف شخصيّة أفرادها، فالأستاذ يدعو إلى بناء “الذات” التي أصبحت ضعيفة كالفئران ومن ثم صقلها وتدريبها حتى تخشوشن، ووصلها بأصلها حتى تلين وتستكين فتصبح في صلابة الذئاب حسّا ومعنى، جسدا وعقلا وروحا. لتستطيع بذلك جماعتها (الأمة) تجاوز ضعفها وتمرّ من ماض غير منتظم شائك مليء بالمصائب والمكائد إلى مستقبل مشرق مؤثث بالعدل والإخاء والحرية والخير المشترك.

إلاّ أنّ السّادة الشيوخ أغمضوا العيون وأصبحوا لا يتحرّكون “إنّ الجميع أصيب بآفة الموت، وللأسف فشيوخنا الكرام يرحلون إلى دار السلام دون أن ينبسوا بكلمة حق أو بهتان”[38]. حتّى اللبيبُ أصبح يضنيه فهم تشعب هذا الواقعِ وإنّه ليستحضرني قوله صلى الله عليه وسلم: “بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا”[39].

فإذا كان التاريخ ومعاركه ومنطق القوة وحكم الغاب بل وكما أشار فلاسفة الحداثة السياسية من هوبز[40] مرورا بسبينوزا[41] وصولا إلا روسو[42] بوصفهم حالة الطبيعة كان فيها الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان وكان من حق الحوت الكبير أكل الحوت الصغير والجميع في حالة حرب ضد الجميع لم يكن إلا صورة إلا لسذاجة الإنسان وتفاهة عقله الذي ما اكتمل وما نضج بعد”لأنه إن ضاع الإنسان ضاعت معاني الحياة”[43].

لدراسة مفهوم ما أو لتعريفه علينا أن نمرّ بطريقين اثنين: إمّا عرضه على سلسلة المفاهيم المتصلة به أو مقارنته بضدّه المباشر فالرّوح لا يمكن أن تكون غير الحريّة ذلك أنّ ما يقابلها مباشرة هي المادّة التي ترتبط بالتحيّز والتقييد فـ: “كما أن ماهية المادة هي الثقل، فإننا من ناحية أخرى يمكن أن نؤكد أن جوهر أو ماهية الروح هو الحرية”[44]. لكن إذا كان كل ما يجري يهدف إلى تحقيق روح العالم، وهو إدراك الإنسان نفسه بالمعنى الصّوفي “من عرف نفسه فقد عرف ربّه”[45] أي عندما تعي الفكرة نفسها فهي تلج إلى مطلق الوعي ومطلق الحريّة، فإذا كانت ماهية الروح، من جهة أخرى، هي الحرية، فهذا يعني أن “تاريخ العالم ليس إلا تقدم الوعي بالحرية”[46]، حتّى التدرّج في الوحي من اليهوديّة مرورا بالمسيحية ووصولا إلى الإسلام بدا جليّا أنّه ينتظم في هذا التسلسل، وإن كان المعنى أكثر وضوحا في الفلسفة.

وهذا يدعو لدراسة الوسائل التي استخدمتها روح العالم لبلوغ هدفها، أي الوسائل التي استعملها مبدأ الحرية لتطوير ذاته.

فالإنسان بما هو إنسان في الحقيقة هو إنسان حر، وهو حرّ بما هو روحٌ، والروح روح بما هو وعي، والوعي وعيٌ بما هو فكر، والفكر فكر بما هو عقل، فالإنسان روح بما هو وعي بما هو فكر، والروح هنا هي ذلك “الإنسان الواعي والمفكر والعقلاني”.

إنّ أيّ ذم للجسد بما هو مادة هو في الحقيقة حمق يجانب الحقيقة. فلا قيام للروح إلاّ بهذا المحمل ومتى فارقته لم يعد للعقل أو الإدراك أي معنى أو أيّ وجود. والإشكال القائم ليس حول كيفية إرجاع الجسد روحا وإنّما في تخليص الوعي القائم بمدى انسجام الروح مع جسدها، التي متى تعلّقت به صار ألم مفارقته يسمى بسكرات الموت: وهنا تظهر رحمة الله بعباده المؤمنين في قوله ” يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ”[47] أي دون ألم ومعاناة.

فمجال علوم الروح يمتدّ قدر ما يمتدّ الفهم والجسد تابع للرّوح متعلّقة به و “يجوز لنا القول إنّ كلّ ما تموضع فيه الرّوح ينتسب إلى مدار علوم الرّوح”[48] و “كلّ ما وسمه الإنسان الفاعل بميسمه يشكّل موضوعا لعلوم الرّوح”[49].

فكيف يمكن إذاً إيجاد لغة تخاطُبٍ قائمةٍ بالوعي بين الجسد والروح. هنا يحق لنا طرح السؤال التالي: كيف رسم الإسلام العلاقة بين الروح والجسد؟ ما العقل إن لم يكن ذلك التمشي المنطقي القائم على ربط الغيب بالشهادة؟

فالإسلام شرّع العبادات بما يجعل علاقة الروح بالجسد دوما وطيدة وقائمة. وبالتالي فإن وعيًا دينيًّا خارجٌ عن منطق الحرية هو وعيٌ مادّي مرتبط بالثقل والخضوع.

فالشريعة بما هي روح للقوانين التي أرادها الله لهذا الوجود تفهم بما لا يتناقض مع منطق الرّوح التي هي مجموع التفاعلات المادّية والعقلية والتاريخية والدّينية فـ: “الفكرة القائلة إنّ المجتمع البشري يمكن أن يقوم على أساس أنّ بمقدور كل امرئ العمل بما يعتقده صواباً في حياته الخاصّة هي فكرة خَيالية لا تستحق الاعتبار، ذلك أنّ مجتمعاً كهذا لن يكون قَطعاً مجتمعاً بدون نظام، بل سيكون إلغاء ونفياً للمجتمع نفسه”[50]، وهنا تحديدا علينا العودة إلى مجمل القوانين والقيم والعادات والتّقاليد التي تشكّل حياتنا اليومية فنُسَائِلَهَا دون أن نمسّ جوهرها بل نبحث في مكونّاتها التي تقود إمّا للجمود والركود أو تكون باعثة للحياة والنشاط والقوة فالرّوح أو الذّات كما يشير ديلتاي[51] بأنّه “في النفاذ الأشدٍّ للأنا إلى نفسه، لايجدها جوهراً ولا وجوداً ولا معطىً، بل هي حياةٌ ونشاطٌ وطاقةٌ”[52].

إنّ العبقري هو الذي يخرق حجاب المألوف ليخرج من أسر العالَم، وهذه صفة أخلاقية وقيمية تشترط تجاوز شهوات المألوف. أولئك الذين قطعوا أشواطا أطول في معرفة الروح هم من ينبغي عليهم العودة من حين لآخر لقيادة الإنسانية، ليس من يقف طول عمره على حافة البحر يستطيع قيادة السفن أثناء العواصف العاتية “إنّ الأفراد والمذهب والجماعة، كلّ ذلك يكتسب دلالة في هذا الكلّ، بحسب علاقته الحميمية بروح العصر. ولمّا كان كلّ فردٍ ابنا لمثل هذا الوقت، نتج عن ذلك أنّ دلالته بالنّسبة للتّاريخ إنّما تكمن في علاقته بالعصر. وإنّ الأشخاص، الذين هم في وقت ما، يتقدّمون بما لهم من عنفوان، إنما هم أئمة الزّمان ووجوهه”[53].

فليست روح الإنسان سوى قيمه وأخلاقه وقوانينه العقلية التي هو قائم بالوعي عن طريقها، وما من سبيل ليستقيم الظّل والعود معوجُّ، وواقع الإنسان لا يستقيم وقوانينه غير منضبطة ووعيه غير منتظم. الذي يطرح تساؤلات حول المصالحة بين الإنسان وذاته؟ بين الأنا وغاياتها؟ بين الإنسان وعالمه؟ الذي لا يكون إلا بتربية النفس على قيم الخير ونبذ الشّر والمجاهدة في الأرض وإعمارها و”ما يميز المجاهدة في المنظومة السّنية الصّوفيّة أنّها مقيّدة بالكتاب والسّنّة، إذ يحرص أرباب هذا المنهج على تجنّب كل أشكال الشّطط والتّنطّع”[54]. والمجاهدة لا تكون في الشهوات واللذّات فقط بل في النّفس وأمراض القلب “لذلك تعدّ المجاهدات المعنويّة أعسر من المجاهدات الحسيّة بأشواط كبرى”[55].  والإنسان الحق وفق ما تمليه فلسفة التربية “يجب أن يكون بابا للخير، فيسقط حقوقه مقابل حفظ حقوق الآخرين ويحب لغيره فوق ما يحب لنفسه حتى وإن كانوا غير مؤمنين، لأنّ الخلق كلّهم عيال الله وأقرب النّاس لله أنفعهم لعياله”[56].

أمّا وقد قاربنا النّص الذي بين أيدينا، واتضحت لنا وسائل فهمه عبر عرض فكر صاحبه وإيضاح ملامحه على جهة التقريب لقارئ مؤلّفات الأستاذ. فإننا ندعو هذا القارئ الذي قد يجد في النص الأصلي شيئا من أشتات نفسه وكيانه، إلى التوقّف والتمعن في أبواب الكتاب وفصوله وعند الإشارات التي يريد صاحب الكتاب إيصالها وبثّها والتنبيه عليها، فمحنة النصّ الأصلي من حيث استحكام عباراته وانغلاقها أو انفتاحها وطرافتها هي محنة حقيق علينا أن نحتملها مادام القصد يسعى وراء نهايات الفكر وحدوده القصوى التي تبقى آجالا ونهايات متجددة ومنفتحة. 

 

*  هو كتاب من الحجم الصّغير ألّفه الدكتور محمد الرزقي وقدّم له الدكتور أبو يعرب المرزوقي نشر في طبعات عديدة وترجم إلى اللغة الفرنسية والنسخة التي بين أيدينا هي طبعة دار ياسين للنشر أكتوبر 2012. لغته سهلة وبسيطة يحتوي على مقدّمة وأربعة فصول وخاتمة وملحق بأهم المقالات التي تناولته بالدراسة. تتنزّل مباحثه ضمن فلسفة الرّوح والوعي ومراقيه.

**  محمد الرزقي من مواليد (09/08/1973) متحصّل على الأستاذية اختصاص عقيدة وفلسفة. نال شهادة الدّراسات المعمقة اختصاص أصول الدين ومتحصّل على شهادة الدكتوراه. وهو أستاذ محاضر بجامعة الزيتونة بتونس ومدير الدراسات بها. صدر له مؤخّرا “مفهوم الحرية عند أقطاب السّنة من الصّوفية“.

[1]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 29.

[2]  ابن النفيس، علاء الدين. شرح معاني القانون

[3]  هذا البيت منسوب إلى الأخطل ولم أجده في ديوانه. كثيرا ما يستشهد به الأشاعرة. انظر الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص75)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/296-297)، التمهيد للباقلاّني (ص251).

[4]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 32.

[5]  المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[6]  المصدر السابق، ص 34.

[7]  عبد الرحمن بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (1332 – 1406م) مؤرخ من شمال إفريقيا، تونسي المولد أندلسي الأصل تَوَجَّهَ إلى مصر، حيث أكرمه سلطانها الظاهر برقوق، ووَلِيَ فيها قضاء المالكية، وظلَّ بها ما يناهز ربع قرن (784-808هـ)، حيث تُوُفِّيَ عام 1406 عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا ودُفِنَ قرب باب النصر بشمال القاهرة تاركا تراثا ما زال تأثيره ممتدا حتى اليوم ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث وأب للتاريخ والاقتصاد. ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، الجزء الأول ص 5، تدقيق خليل شحاتة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 2001.

[8]  أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي (40 – 95 هـ = 660 – 714 م)، قائد أموي، داهية، خطيب. ولد ونشأ في الطائف وانتقل إلى الشام فلحق بعبد الملك بن مروان فكان في عديد شرطته، ثم ما زال يظهر حتى قلده عبد الملك أمر عسكره. ولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليها العراق. بنى مدينة واسط. ومات بها. وكان سفاكا سفاحا مرعبا باتفاق معظم المؤرخين. عُرف بـالمبير أي المبيد. ابن كثير إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي. البداية والنهاية دار عالم الكتب: 1424هـ / 2003م. 12/507.

 [9] أبو العلاء المعري (363 هـ – 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، شاعر وفيلسوف وأديب عربي من العصر العباسي، ولد وتوفي في معرة النعمان في الشمال السوري وإليها يُنسب . لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته. الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان. سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة: 1422هـ / 2001م. 18/23.

[10]  أبو مُحمّد عبد الله بن المقفع (106 – 142 هـ) (724 م ـ 759 م) وهو مفكّر فارسي وُلِد مجوسياً لكنه اعتنق الإسلام، وعاصر كُلاً من الخلافة الأموية والعباسية. محمد بن أبي بكر ابن خلكان. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، – تحقيق إحسان عباس – نشر دار صادر – بيروت – (2/153).

[11]  سعد الله ونّوس (27 مارس 1941 – 15 مايو 1997)، مسرحي سوري.

[12]  إشارة إلى نزوعهم نحو الذل والعبودية. انظر بيت المنتبي: صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا *** فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ. المتنبي، أبو الطّيب أحمدُ بن الحسين. ديوان المتنبي، دار بيروت للطباعة والنشر.

[13]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 40.

[14]  المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[15]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 40.

[16]  المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[17]  ابن عربي، محي الدين. شجرة الكون، ضبط وتحقيق رياض العبد الله، الطبعة الثانية 1985 ص 12-13.

[18]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 41.

[19]  المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[20]  المصدر السابق، ص 42.

[21]  م س، ص 43.

[22]  م س ، ص ن.

[23]  سورة الإسراء 20.

[24]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 43.

[25]  المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[26]  انظر، مفهوم الحريّة لعبد الله العروي المركز الثقافي العربي الطبعة الخامسة 1993. ص 9 وما بعدها.

[27]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 44.

[28]  المصدر السابق، ص 45.

[29]  السهروردي شهاب الدين. حكمة الإشراق (الغربة الغربية) ص ص: 296-297.

[30]  مأخوذة من قوله تعالى (قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ . الشعراء 155).

[31]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 45.

[32]  المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[33]  المصدر السابق، ص 46.

[34]  المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[35]  ابن سينا. رسالة في معرفة قوى النفس الناطقة، ص 9.

[36]  جورج فيلهلم فريدريش هيغل (بالألمانية: Georg Wilhelm Friedrich Hegel) (ولد 27 أغسطس 1770 — 14 نوفمبر 1831) فيلسوف ألماني ولد في شتوتغارت، فورتيمبيرغ، في المنطقة الجنوبية الغربيةِ من ألمانيا. يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي.

[37]  إمام عبد الفتاح إمام. المنهج الجدلي عند هيغل دراسة لمنطق هيغل، دار التنوير بيروت. ط 3، 2007 ص 98.

[38]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 47.

[39]  أخرجه مسلم في صحيحه،1/110، برقم: 118.

[40]  توماس هوبز (5 أبريل 1588 – 4 ديسمبر 1679) (بالإنجليزية: Thomas Hobbes) كان عالم رياضيات وفيلسوف إنجليزي. يعد توماس هوبز أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنجلترا وأكثرهم شهرة خصوصا في المجال القانوني حيث كان بالإضافة إلى اشتغاله بالفلسفة والأخلاق والتاريخ، فقيها قانونيا ساهم بشكل كبير في بلورة كثير من الأطروحات التي تميز بها هذا القرن على المستوى السياسي والحقوقي.

[41]  باروخ سبينوزا (بالهولندية: Baruch Spinoza) هو فيلسوف هولندي من أهم فلاسفة القرن 17. ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677 في لاهاي.

[42]  جان جاك روسو (28 يونيو 1712، جنيف – 2 يوليو 1778، إيرمينونفيل) هو كاتب وفيلسوف جنيفي، يعد من أهم كتاب عصر العقل، وهي فترة من التاريخ الأوروبي، امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلاديين. ساعدت فلسفة روسو في تشكيل الأحداث السياسية، التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية. حيث أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة.

[43]  الرزقي، محمد. ظهور الروح. دار ياسين للنشر والتوزيع، ط1 – 2012. ص 47.

[44]  هيغل، جورج فيلهلم فريدريش. العقل في التاريخ، المجلد الأول. ترجمة وتعليق عبد الفتاح إمام ص 86.

 [45] أغلب الظن أنه ليس بحديث، بل هو كلام يُنسَب إلى يحيى بن معاذ الرازي. لكن ابن عربي لا يأبه كثيرًا لإسناد الحديث، بل يعوِّل على خبرته الروحية للتأكد من صحة معناه، يقول: “قد صحَّ لدينا تحققًا”. ابن عربي، محي الدين. الرسالة الوجودية.

[46]  هيغل، جورج فيلهلم فريدريش. العقل في التاريخ، المجلد الأول. ترجمة وتعليق عبد الفتاح إمام ص 88.

[47]  سورة البلد 26.

[48]  ديلتاي، فلهلم. إقامة العالم التاريخي في علوم الروح، ترجمة فتحي إنقزو، المنظمة الوطنية للنشر دار سيناترا  2015. ص 133.

[49]  المصدر السّابق، الصفحة نفسها.

[50]  لويد، دينيس. فكرة القانون ص 24.

[51]  فلهلم دلتاي- ( 1911-1833) كان فيلسوف وطبيب نفساني ألماني, يعتبر الممثل الرئيسي للفلسفة بوست-هيغلية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن 20.

[52]  ديلتاي، فلهلم. إقامة العالم التاريخي في علوم الروح، ترجمة فتحي إنقزو، المنظمة الوطنية للنشر دار سيناترا  2015. ص 145.

[53]  المصدر السّابق، الصفحة 168-169.

[54]  الرّزقي، محمد. التّصوف الإسلامي واتّجاهاته الكبرى، دار ياسين للنشر والتّوزيع ط1- 2014، ص 106.

[55]  المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[56]  المصدر السابق، الصفحة 129.

مقالات ذات صله

1 تعليقات

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!