الإرادة عند الصّوفيّة بين الرّأي الاعتقاديّ والمسلك الرّوحيّ

الإرادة عند الصّوفيّة بين الرّأي الاعتقاديّ والمسلك الرّوحيّ

الإرادة عند الصّوفيّة

بين الرّأي الاعتقاديّ والمسلك الرّوحيّ

بقلم: د.عبد السّلام الحمدي

 

لمّا طفت على سطح الجدل الكلاميّ مسألة الإرادة إبّان مواجهة الإسلاميّين لإشكاليّة العلاقة بين اللّه والإنسان في أبعادها المختلفة المتّصلة بالصّفات الإلهيّة والقضاء والقدر وأفعال البشر، لم يزل التّصوّف في طور المقدّمات الّتي أدّت بعد مخاض طويل إلى تأسيسه، ما تحقّق تشكّله الاجتماعيّ بعدُ ولا تبلور جهازه النّظريّ أصلا، فإلى حين تكوّنه ظلّت المسألة مجرّد عنصر تفصيليّ من تفرّعات أمّهات القضايا الاعتقاديّة في الفكر الإسلاميّ. وعلى امتداد هذا الطّور مافتئ نوع من الشّعور الدّينيّ يتضخّم مع مرور الزّمن، ذلك أنّ بين المسلمين شريحة تملّكها، شيئا فشيئا، إحساس بقصور يطبع التّديّن السّائد من وجهين تحدّث عنهما ابن خلدون ضمن كتابه “شفاء السّائل”[1] في معرض بيان ما أدّى إلى ظهور الطّائفة الصّوفيّة من العوامل، ألا وهما:

  • إغفال الأغلب الأعمّ من المنتسبين إلى الإسلام أعمال القلوب، وانشغال فقهائهم عنها بضبط أعمال الجوارح
  • تداعي العباد في مهاوي الانحراف العقديّ مع طرْء «البدع» في المعتقدات واستفحال أمرها وتكاثر فرقها

ليس يسعنا القول بأنّ نشأة التّصوّف ترتدّ إلى الدّافعيْن المذكوريْن دون سواهما، فقد نجانب المنطق العلميّ وحقائق التّاريخ إن نحصر بواعثه فيهما، لكن يحقّ اعتبارهما المحدّديْن الأساسيّين لطبيعته التّي تتجلّى في مقوّمات نسقه الفكريّ من مبادئ نظريّة وقواعد عمليّة، ولعلّ أوجه تداول مصطلح الإرادة في الأوساط الصّوفيّة من أوضح مجاليها، فهو يفيد هناك غير مفهوم تبعا لاختلاف سياقيْ استعماله العقديّ والمسلكيّ، فلا مناص، إذن، من الأخذ في الحسبان هذين السّياقين لمن تعلّقت همّته بتناول المسألة ورام الإحاطة بكافّة أوجهها.

وتقتضي الضّرورة المنهجيّة أن نفصل بين السّياقين المذكورين في تقصّي دلالات الإرادة لدى المتصوّفة، مع وعينا بأنّهما متداخلان يستدعي النّظرُ في أحدهما الالتفاتَ إلى الآخر، فليس من المستطاع تجاهل البعد المسلكيّ عند الخوض في المستوى الاعتقاديّ، ولا التّغافل عن هذا المستوى حين ينصرف الاهتمام إلى ذاك البُعد. وقد يكون فضلا من الكلام التّنويه بأنّ المسألة تتنزّل، معتقَدا ومسلكا على حدّ سواء، في إطار قطبيّة ثنائيّة طرفاها اللّه والإنسان، فلا معنى لطرحها أصلا خارج هذه القطبيّة، لأنّ فقه حدود الإرادة الإنسانيّة إزاء الإرادة الإلهيّة، على ضوء مبدإ التّنزيه، هو رهان الفكر الأصوليّ، كما أنّ درء التّعارض بين الإرادتين رهان المسعى المسلكيّ.

  1. مفهوم الإرادة لدى المتصوّفة في المستوى الاعتقاديّ

ما كان القوم بمعزل عن المحيط الاجتماعيّ الثّقافيّ وما يسوده في مجال العقائد من المذاهب، وغنيّ عن البيان أنّ شأن كلّ سائد منها تأطير التّفكير، بدرجات متفاوتة بين المسُودين، من جهة الرّقابة الموضوعيّة أو من قِبَل التّقيّد الذّاتيّ أو من الوجهين جميعا. ولذلك لا عجب أن نجد في المتعلّقات بالمسألة من مخطوطاتهم ومشافهاتهم أصداءَ، لمعالم الاعتقاد الّذي يحكم بيئاتهم، تعكس مفهوم الإرادة العامّ، أي المفهوم المشترك بينهم وبين سائر المنتسبين إلى المنزع العقائديّ المبنيّ عليه اجتماع الجماعة الحاضنة.

I.1. المعتقَد الصّوفيّ والمشترك السّنّيّ

لمّا كانت السّنّيّة بمختلف تشكّلاتها مذهب سواد الإسلاميّين، لم يكن بدّ من أن يتلوّن التّصوّف بمقتضياتها في مفاهيم جهازه الاصطلاحيّ، فيُظهر أهله على هذا الصّعيد ما يناسب معتقد جمهور السّنّيّين، ولاسيّما في ما يتعلّق بألفاظ قد تثير شبهات تمسّ جوهر التّوحيد الإسلاميّ كما تتمثّله الجماعة الغالبة، وبينها نعت «المريد» الّذي يُطلق في عرف المتصوّفة على سالك طريقهم تحت إدارة شيخ مرشد[2]، ما لا تحتمله السّنّيّة في غياب تحديد مفهوميّ من لدنهم ينأى عمّا يتبادر إلى أذهان سدنتها من إيهام يناقض مبدأ التّنزيه وفق منظار أهل السّنّة، لأنّ الإرادة الإلهيّة، عند هؤلاء، مطلقة لا يخرج عن نطاقها حادث[3].

يسلّم أصناف المتلقّبين بـ«أهل السّنّة والجماعة»، بأنّ كلّ موجود من حال وفعل مراد اللّه، ما كان إلاّ بإرادته، سواء في هذا التّسليم فرقُ السّنّيّة المتكلّمة من كلاّبيّة وماتريديّة وأشعريّة، تلك الّتي لا ترى حرجا في تكلّف الكلام ومجادلة الخصوم، وممثّلو السّنّيّة المتوقّفة، الممتنعون عن الخوض في الإشكالات الاعتقاديّة، أعني أصحاب الحديث ولاسيّما الحنابلة. فاعتبار الإرادة الإلهيّة عامّة وشاملة هو الحدّ الأدنى المتّفق عليه بين مختلف السّنّيّين في هذه المسألة، إذن ليس بوسع المتصوّفة المنقادين للأطر المذهبيّة تجاهله وغضّ النّظر عنه، ولذلك أجمعوا على أنّ كلّ ما يفعله العباد من خير وشرّ فبإرادة اللّه ومشيئته[4]، وقال شيوخهم بأنّ اللّه «لا يجري في سلطانه إلاّ ما يشاء، ولا يحصل في ملكه غير ما سبق به القضاء، ما علم أنّه يكون من الحادثات أراد أن يكون، وما علم أنّه لا يكون ممّا جاز أن يكون أراد ألاّ يكون»[5].

وتُسفر بعض المأثورات من أقاويل القوم عن ثواء تمثّلهم هذا للإرادة الإلهيّة في خلفيّتهم المعرفيّة، على اختلاف طبقاتهم، مذ بدت إرهاصات الفكر الصّوفيّ بعد انتصاف القرن الهجريّ الثّاني، فمعروف الكرخيّ (ت 200 ﻫ)، المُصنَّف ضمن أعلام الطّبقة الأولى، ينيط بها الخير والشّرّ على نحو يفيد أنّها تشملهما الاثنين، وألاّ إرادة للعبد فيهما، وأنّما هو مصروف إليهما بتوجيهٍ عَلِيٍّ، يقول: «إذا أراد اللّه بعبد خيرا فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد اللّه بعبد شرّا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل»[6]. وفي مجرى دلالة هذا التّصريح تصبّ عبارة معزوّة إلى صوفيّ آخر من الطّبقة الرّابعة يُدعى الحسين بن يزدانيار، منطوية على وصلٍ لسعادة العبد وشقاوته بإرادة اللّه، قوامه فكرتا التّوفيق والخذلان، وهي قوله: «الرّوح مزرعة الخير لأنّها معدن الرّحمة، والنّفس والجسد مزرعة الشّرّ لأنّهما معدن الشّهوة، والرّوح مطبوعة بإرادة الخير، والنّفس مطبوعة بإرادة الشّرّ، والهوى مدبّر الجسد، والعقل مدبّر الرّوح، والمعرفة حاضرة فيها بين العقل والهوى، والمعرفة في القلب، والهوى والعقل يتنازعان ويتحاربان، والهوى صاحب جيش النّفس، والعقل صاحب جيش القلب، والتّوفيق من اللّه مدد العقل، والخذلان مدد الهوى، والظّفر لمن أراد اللّه سعادته، والخذلان لمن أراد اللّه شقاوته»[7].

ولعلّنا لا نخطئ التّقدير إن نأخذ المنسوب إلى ابن يزدانيار على أنّه يعكس وعيا صوفيّا جمعيّا لا رأيا فرديّا، ذلك أنّ ارتباط مفهوميْ التّوفيق والخذلان بصفة الإرادة الإلهيّة مافتئ يطفو على ألسنة المتصوّفة، فأبو عمرو بن نجيد (ت 366 ﻫ)، مثلا لا حصرا، ذاك الّذي يُدرَج في الجيل الخامس من طبقاتهم، يقول: «إذا أراد اللّه بعبد خيرا، رزقه خدمة الصّالحين والأخيار، ووفّقه لقبول ما يشيرون به عليه، وسهّل عليه سبل الخير، وحجبه عن رؤيتها»[8]. ولا مرية أنّ اقتران ذينك المفهوميْن بتلك الصّفة في الفكر الصّوفيّ لم يكن بمنأى عن السّياق المعرفيّ السّنّيّ، إذ استقرّ في اعتقاد أهل السّنّة أنّ ثنائيّة التّوفيق والخذلان ترجمة لإرادة اللّه، على ما يُستفاد من كلام أبي الحسن الأشعريّ في سياق حكاية آرائهم، أين قال إنّ ما هم عليه: «أنّ اللّه سبحانه وفّق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم، ولو أصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين، وأنّ اللّه سبحانه يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتّى يكونوا مؤمنين، ولكنّه أراد أن لا يصلح الكافرين ويلطف بهم حتّى يكونوا مؤمنين، ولكنّه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وأضلّهم وطبع على قلوبهم»[9].

I.2. المعتقَد الصّوفيّ والخصوصيّة الأشعريّة

غنيّ عن البيان أنّ وصل كفر الإنسان وإيمانه وسائر أفعاله بالإرادة الإلهيّة، على أسس من مقولات التّوفيق والخذلان والهداية والإضلال، مثار لإشكال يتعلّق بمفاهيم تبدو من مستلزمات صفة المريد، فخلافا لشأن المشيئة الّتي لم يتطلّب مفهومها جدلا واسعا في أوساط السّنّيّين حول مدى مرادفته لمعنى الإرادة، إذ ما فرّق «عامّة أهل السّنّة والجماعة» بينهما[10]، تباينت آراء هؤلاء في تفسير صلة ذاك المعنى عينه بمفهوميْ المحبّة والرّضا، مع كون جمهورهم على أنّهما غيره، عدا الأشعريّ الّذي عدّ مفاهيم جميع هذه المفردات متقاربة، على اعتبار أنّ «من أحبّ شيئا أو رضيه فقد شاءه وأراده، وكذا من شاء شيئا فقد أحبّه ورضيه»[11]. ولهذا خلُص إلى القول بأنّ «الطّاعات والمعاصي والمباحات كلّها برضا اللّه ومحبّته ومشيئته وإرادته»[12]. وعلى نهجه في هذه المسألة سار بعض أئمّة الأشعريّة من بعدُ كالجوينيّ، وإن حاولوا رفع ما يعتريه من اللّبس بأن قالوا إنّ الرّبّ يحبّ الكفر ويرضاه كفرا معاقبا عليه[13]. وحملُ المحبّة والرّضا على الإرادة مذهب آخرين من الأشاعرة، لكن بنحو مخصوص، ذلك أنّهم ارتأوا أنّ الإرادة إن تتعلّق بإنعام على العبد تُسمّ محبّة ورضا، وإن تتّصل بنقمة تنال العبد تُسمّ سخطا[14].

ونقف على رجعٍ لصدى الرّأي الثّاني في مؤلَّف من أمّهات كتب المتصوّفة، هو الرّسالة القشيريّة الّتي سعى محرّرها عبد الكريم القشيريّ (ت 465 ﻫ)، ذو الخلفيّة الأشعريّة[15]، لرأب الصّدع بين التّصوّف والتّسنّن، عبر ملاءمة المبادئ الصّوفيّة لأصول التّوحيد السّنّيّ في شكلها الأشعريّ. يقول صاحب الرّسالة في معرض حديثه عن مدارج أرباب السّلوك: «المحبّة على لسان العلماء هي الإرادة، وليس مراد القوم بالمحبّة الإرادة، فإنّ الإرادة لا تتعلّق بالقديم، اللّهمّ إلاّ أن يُحمل على إرادة التّقرّب إليه والتّعظيم له. ونحن نذكر من تحقيق هذه المسألة طرفين إن شاء اللّه تعالى، فمحبّة الحقّ سبحانه للعبد إرادته لإنعام مخصوص عليه، كما أنّ رحمته له إرادة الإنعام، فالرّحمة خاصّ من الإرادة، والمحبّة أخصّ من الرّحمة، فإرادة اللّه تعالى لأن يوصل إلى العبد الثّواب والإنعام، وتسمّى رحمة، وإرادته لأن يخصّه بالقربة والأحوال العليّة، وتسمّى محبّة، فإرادته سبحانه صفة واحدة، فبحسب تفاوت متعلّقاتها تختلف أسماؤها، فإذا تعلّقت بالعقوبة تسمّى غضبا، وإذا تعلّقت بعموم النّعم تسمّى رحمة، وإذا تعلّقت بخصوصها تسمّى محبّة»[16].

تلوح في أفق هذا المقتطَف ملاحظات تهمّنا منها اثنتان: إحداهما أنّ الصّلة المفهوميّة بين لفظتيْ الإرادة والمحبّة تتحدّد وفق الإطار المعرفيّ الّذي تتنزّل فيه، وتختلف طبيعتها من نسق فكريّ إلى آخر، إذ تتّخذ وجهتها على مقتضى الدّلالة الاصطلاحيّة لكلّ من اللّفظتين ضمن سياق استعمالهما، فيكون ترادفهما قوامها كشأنها في الكلام السّنّيّ الأشعريّ المشار إليه ضمن الشّاهد بـ«لسان العلماء»، ويكون تباينهما عمادها كحالها لدى أهل الطّريق الصّوفيّ. أمّا الملاحظة الثّانية فأنّ في كلام مؤلّف الرّسالة القشيريّة ضربا من التّوليفة الجامعة لمفهوم الإرادة النّظريّ الاعتقاديّ الأشعريّ ومفهومها العمليّ المسلكيّ الصّوفيّ، ومبنى هذه التّوليفة على وجهين من دلالة المحبّة لدى المتصوّفة، ذلك أنّها في تصوّرهم محبّتان[17]:

  • محبّة العبد للّه، وهي في رأي القشيريّ حالة قلبيّة تضيق عنها العبارة ولا تسعها اللّغة، تتنزّه عمّا يكون بين العباد من الميل وغيره، وتحمل على تعظيم المحبوب والتّقرّب إليه والاستئناس بذكره، وبهذا المعنى يفهم الرّجل تعلّق الإرادة الإنسانيّة بالمعبود، ومن هذا الوجه تتّصل بما اصطلح عليه أهل التّصوّف بالسّلوك، يعنون الانخراط في الطّريق الصّوفيّ
  • محبّة اللّه للعبد، وهي في اعتقاد القشيريّ بُعد مخصوص من أبعاد الإرادة منوط بخاصّة الخاصّة من العباد، يُستخلص من كلامه كونهم أصحاب السّلوك. ومن اللاّفت للنّظر طبعه دلالة المحبّة بغير ما صرفها إليه أئمّة الأشعريّة في تأويلها، فبينما أضفى عليها هؤلاء بعدا جزائيّا، إذ عنوا بها إثابة العبد المرضيّ عنه[18]، صبغها هو بمعنى مسلكيّ صوفيّ مداره على الرّقيّ الرّوحيّ بالعبد على درب القربة، ملحقا دلالة الإثابة بمسمّى الرّحمة الّتي عدّها شكلا آخر من أشكال الإرادة دون المحبّة.

يندرج هذا التّصرّف المفهوميّ من لدن القشيريّ في مسارِ تلاقحٍ معرفيٍّ بين العقيدة الأشعريّة والطّريقة الصّوفيّة، طفقت ملامحه تظهر مع انتشار منهج أبي الحسن الأشعريّ على أيدي أئمّة كبار لم يجدوا حرجا في الاستشهاد لآرائهم الاعتقاديّة بأقوال مشايخ التّصوّف، مثلما فعل القاضي الباقلاّنيّ (ت 403 ﻫ) طيّ كتابه الإنصاف، أين تطرّق إلى بيان ترادف الإرادة والمشيئة والرّضى والمحبّة، منبّها على أنّ المعتبر في ذلك المآلُ لا الحال، مستحضرا قول الجنيد لمن سأله عن الآية «إِنَّ الَّذِينَ سَبِقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى»: «هم قوم سبقت لهم العناية في البداية، فظهرت لهم الولاية في النّهاية»[19]. فلا غرو أن مثّلت مناطق سيادة الأشعريّة مجالا حيويّا لتغلغل المدّ الصّوفيّ.

  1. مفهوم الإرادة لدى المتصوّفة على الصّعيد المسلكيّ

لا طائل من التّنقيب عن أصول مفهوم الإرادة المسلكيّ، إذ الوقوف عليها متعذّر بحكم آليّات تبلور المفاهيم في الميدان الصّوفيّ، فهي تنبع من رحم التّجربة العمليّة الرّوحيّة دون سابق ضبط نظريّ كالّذي يسم نظائرها في سائر حقول المعرفة، وكذلك تنشأ المصطلحات الدّالّة عليها، وتتداولها ألسنة المتصوّفة، ولا يتمّ تحديدها على نحو فنّيّ إلاّ بأخرة. وأوّل من حدّ الإرادة على هذا النّحو – في ما نقدّر وفق مبلغ اطّلاعنا من آثار شيوخ التّصوّف – أبو محمّد المرتعش النّيسابوريّ (ت 328 ﻫ) القائل إنّ «الإرادة حبس النّفس عن مراداتها، والإقبال على أوامر اللّه، والرّضا بموارد القضاء عليه»[20].

II.1. القصديّ والإجرائيّ في الإرادة المسلكيّة

يغني هذا القول عن الإشارة إلى أنّ قوام طريق السّالك على الاستلاب الذّاتيّ، ذلك أنّ المناط فيه كبح الإرادة البشريّة (حبس النّفس عن مراداتها)، والتّجرّد الطّوعيّ من صلاحيّتها لمقاومة الإرادة القدريّة (الرّضا بموارد القضاء)، والانصياع للإرادة الشّرعيّة (الإقبال على أوامر اللّه). والحاصل من هذه المعاني أنّ السّلوك الصّوفيّ لا يعدو كونه تسليم الإرادة إلى الغير[21]، والغير هو الشّيخ المرشد بصفته مسلّكا واللّه باعتباره منتهى الغاية، وأجلى عبارة عنه مقولة للمتصوّفة مشهورة بصيغتين:

إحداهما مبكّرة راجت بين متقدّميهم، وطفت في حديث لسهل بن عبد اللّه التّستريّ (ت 283 ﻫ) عن التّوكّل المُدرج عندهم ضمن منازل السّائرين على درب الرّياضة الرّوحيّة، إذ قال: «أوّل مقام في التّوكّل أن يكون العبد بين يدي اللّه عزّ وجلّ كالميّت بين يدي الغاسل يقلّبه كيف شاء، لا يكون له حركة ولا تدبير»[22]. وما أكثر حكاياتهم الّتي تعكس حرصهم على إدراك هذا المقام، لكن لا يسع المجال لغير واحدة منها تكفينا مؤونة الاستدلال، هي خبرُ أحمد بن خضرويه البلخيّ (ت 240 ﻫ) القائل: «كنت في طريق مكّة، فوقعت رجلي في شكال، فكنت أمشي فرسخين وهو متعلّق بها. فرآني بعض النّاس، فنزعه عنّي، ثمّ دفعني، فقدمت بسطام، فابتدأني أبو يزيد، فقال: الحال الّذي ورد عليك في طريق مكّة، كيف كان حكمك مع اللّه فيها؟ فقلت: أردت ألاّ يكون لي في اختياره اختيار. فقال لي: يا فضوليّ! قد اخترت كلّ شيء حيث كانت لك إرادة»[23].

أمّا الصّيغة الثّانية من الصّيغتين المشار إليهما أعلاه فمتأخّرة أفضى إليها تنامي الاحترام للمشيخة الصّوفيّة حتّى لامس التّقديس، وأشاعتها الطّرقيّة على نطاق واسع، وأظهرها إبراهيم الدّسّوقيّ (ت 676 ﻫ) في كلام منقول عنه، هذا نصّه لابدّ من إيراده لقوّة دلالته: «المريد مع شيخه على صورة الميّت، لا حركة ولا كلام، ولا يقدر أن يتحدّث بين يديه إلاّ بإذنه، ولا يعمل شيئا إلاّ بإذنه من زواج أو سفر أو خروج أو دخول أو عزلة أو مخالطة أو اشتغال بعلم أو قرآن أو ذكر أو خدمة في الزّاوية أو غير ذلك. هكذا كانت طريق السّلف والخلف مع أشياخهم، فإنّ الشّيخ هو والد السّرّ، ويجب على الولد عدم العقوق لوالده، ولا نعرف للعقوق ضابطا نضبطه به، إنّما الأمر عامّ في سائر الأحوال، وما جعلوه إلاّ كالميّت بين يدي الغاسل»[24].

مدار الطّريق الصّوفيّ، إذن، على إفناء المرادات[25] وخلع الإرادات[26]، فهذان المعنيان قوام ضرب من الإرادة المسلكيّة، وما هو في الواقع سوى ترجمة إجرائيّة لنوع آخر منها يتقدّمه ويلازمه، ويتمثّل في تعلّق الهمّة بالوصول إلى الحقّ، ومن دواعي تسمية السّالك بالمريد هذا التّعلّقُ[27] الّذي عبّر عنه شيوخ التّصوّف بصيغ شتّى ونبّهوا عليه بألوان من التّنبيهات: يقول أبو بكر الورّاق (عاش في القرن الثّالث وفق التّقويم الهجريّ)، مثلا، إنّ: «العبد لا يستحقّ اليقين حتّى يقطع كلّ سبب بينه وبين العرش إلى الثّرى، حتّى يكون اللّه مراده لا غيره، ويؤثر اللّه على كلّ ما سواه»[28]. ولمّا سئل الحسين بن منصور الحلاّج (ت 309 ﻫ) عن المريد أجاب بما يفيد ذا المفهوم عينه للإرادة وأنّه مفعول يلزم السّالك لا يفارقه على مدى تدرّجه في مقامات التّرقّي الرّوحيّ، قائلا: «هو الرّامي بقصده إلى اللّه عزّ وجلّ، فلا يعرج حتّى يصل»[29].

على الإرادة القصديّة مبنى التّصوّف برمّته، فهي بمثابة قطب الرّحى فيه، ذلك أنّها مبتدأ طريق السّالكين[30]، أي أوّل ما يتحلّى به السّالك في مسار الإرادة الإجرائيّة، وشرط ضروريّ من شروط سلامة السّير في الطّريق الصّوفيّ، وبمتعلَّقها يرتهن المآل على ما بيّن، في غير كتاب[31]، الحكيمُ التّرمذيّ (ت 318 ﻫ) الّذي مابرح يؤكّد أنّ منتهى سعي المريد من جنس مراده، فإن وقفت إرادته عند ثواب اللّه الموعود، يريد نواله جزاءً لجهده في العبادة، تُرك لما يفضي إليه بلاؤه من الفوز بالجنّة والعقوبة بجهنّم، وإن سمت إرادته إلى اللّه ذاته، يريد أن تقرّ عينه بلقائه، فُتح له الطّريق إليه، وارتقى في مدارج القربة.

ويفيد جماع المنقول عن المتصوّفة من مأثوراتهم الشّفويّة وآثارهم الكتابيّة أنّه بالإرادة القصديّة الارتقائيّة، لا التّبادليّة، يستقيم النّهج الصّوفيّ، وللحكيم التّرمذيّ منهم اليد الطّولى في ترسيخ هذا المعنى، إذ كان أكثرهم تطرّقا إلى بيانه وتفصيل الكلام فيه، بضرب من القياس التّمثيليّ تارة[32]، وبأسلوب تصويريّ طورا[33]، وخلاصة تفصيلاته أنّ عابد اللّه هربا من عقابه وطلبا لثوابه لا تصفو أعماله من الهوى مهما جاهد[34]، لكون الهرب والطّلب يصدران عن الشّهوة[35]، أمّا المتطلّع إلى اللّه على سبيل التّقرّب غير الطّلبيّ فيذهل عن الجنّة والنّار بفعل نور ربّانيّ ينبعث في قلبه[36].

II.2. المريد والمراد

على قاعدة من هذا التّمييز بين المهموم بأمر الجزاء والمأخوذ بـ«حميّة الإيمان»[37] بنى التّرمذيّ فهمه لصفتين من مشتقّات مصطلح الإرادة دارجين في الخطاب الصّوفيّ، هما اسم الفاعل «المريد» واسم المفعول «المراد»، فكان من مستنداته في بيان الفرق بين مسمّييهما، أنّ المريد يطلب العَوَض والمراد لا يطلبه[38]. وعلينا أن نضع في الحسبان أنّ فهمه هذا للصّفتين لا يعدو كونه رجعا لصدى الوعي الجمعيّ الصّوفيّ الّذي نقف على مظهر آخر من تجلّياته المتّصلة بهما في تصريح منسوب إلى متصوّف عاصر حكيم ترمذ، قد يبدو لمن لا يأخذ أقاويل القوم على محمل التّكامل مختلفا عمّا ذهب إليه معاصره: سُئل أبو عليّ الرّوذباريّ (ت 322 ﻫ) عن المريد والمراد، فقال: «المريد الّذي لا يريد لنفسه إلاّ ما أراد اللّه له، والمراد لا يريد من الكونين شيئا غيره»[39]، يعني غير اللّه.

ومن الدّلائل على تجذّر ما عبّر عنه الرّجلان في البناء النّظريّ الصّوفيّ مع دوران عجلة الزّمن كلام لعلَم من أقطاب التّصوّف يفصل بينه وبينهما غير جيل، هو عبد القادر الجيلانيّ (ت 561 ﻫ) الّذي خصّ ثلاثيّة الإرادة والمريد والمراد بفصل ضمن كتابه الغنية، ورد فيه أنّ «المريد يعمل للعوض، والمراد لا يرى العمل بل يرى التّوفيق والمنن»[40]. إلاّ أنّ تواطؤ منظّري التّصوّف في هذا الباب نسبيّ، يكاد لا يتعدّى المعنى المذكور وتفرّعاته، ويعود ذلك إلى تباينهم في تمثّل الإرادة المسلكيّة، فهذه في رأي التّرمذيّ تفترق إلى خطّيْ سير متوازيين متمايزين ينتهيان إلى مآلين مختلفين، أحدهما خطّ إرادة الجزاء، يسمّى متّبِعه المريد، والآخر خطّ إرادة اللّقاء، يُطلق على سالكه اسم المراد. وهي لدى صاحب الغنية مضمار واحد قوامه مرحلتان متفاوتتان روحيّا، لكنّهما مترابطتان تفضي أدناهما إلى أسماهما، يمرّ بهما السّائر على التّتالي في سعي لبلوغ الجوار الإلهيّ، فيدعى مريدا حتّى يصل، فمتى وصل سُمّي مرادا[41]. وهذا ما تومئ إليه، على الأرجح، إشارة نقلها الجيلانيّ نفسه عن بعض متقدّميه من أهل الطّريق، هي قولهم: «المريد [هو] المبتدئ، والمراد [هو] المنتهي»[42].

ويطول بنا الحديث في تفاصيل الفروق بين المريد والمراد، لولا أنّ مؤلّف كتاب الغنية أسعفنا بملخّص لخصائصهما الرّوحيّة، كما تتراءى لجمهور المتصوّفة، موف بالغرض، إذ قال: «المريد طالب، والمراد مطلوب. عبادة المريد مجاهدة، وعبادة المراد موهبة. المريد موجود، والمراد فان. المريد يعمل للعوض، والمراد لا يرى العمل بل يرى التّوفيق والمنن. المريد يعمل في سلوك السّبيل، والمراد قائم على مجمع كلّ سبيل. المريد ينظر بنور اللّه، والمراد ينظر باللّه. المريد قائم بأمر اللّه، والمراد قائم بفعل اللّه. المريد يخالف هواه، والمراد يتبرّأ من إرادته ومناه. المريد يتقرّب، والمراد يقرب. والمريد يحمى، والمراد يدلّل وينعم ويغذّى ويشهى . المريد محفوظ، والمراد يُحفظ به المريد في التّرقّي. والمراد قد وصل، وبلغ إلى الرّبّ الّذي هو المرقي، ونال عنده كلّ طريف ونفيس ولطيف ونقيّ، فجاز على كلّ طائع عابد متقرّب بارّ تقيّ»[43].

وحاصل ملخَّص الجيلانيّ وسائر ما وقع تحت نظرنا من آثار المتصوّفة أنّ المراد من حرّرته المشيئة الإلهيّة من قيود إرادته البشريّة بضرب من الاجتباء تبعا لإقباله على اللّه يريد وجهه، ولا اعتبار في هذا الأمر لغير صدق القصد. حتّى المخالفات لا تحول، مع صحّة الإرادة القصديّة، دون الاصطفاء، يقول إبراهيم الخوّاص (ت 291 ﻫ) في هذا المعنى: «اختار من اختار من عباده لا لسابقة لهم إليه، بل لإرادة له فيهم. ثمّ علم ما يخرج منهم وما يبدو عليهم، فقال عزّ وجلّ: «اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ»[44]، أي منّا، بما فيهم من أنواع المخالفات، لأنّ من اشترى سلعة يعلم عيوبها لا يردّها»[45].

أمّا المريد فله قدر من فاعليّة الإرادة الإنسانيّة، يسير بموجبه في طريق التّصفية الرّوحيّة، ويقتحم مشاقّ المجاهدة بلا مدَد غيبيّ، معوّلا على استعداداته الذّاتيّة. ولا يخفى ما تثير صفته بصيغتها الصّرفيّة ومفهومها هذا من قلق معرفيّ في ظلّ سيادة السّنّيّة على اختلاف تجلّياتها، ولذلك لم يكن بدّ لشيوخ التّصوّف من تسييجها بما يدرأ الشّبهة الاعتقاديّة، فلا غرو أن يكتب أبو بكر الكلاباذيّ (ت 380 ﻫ) من الماتريديّة[46]: «المريد مراد في الحقيقة، والمراد مريد، لأنّ المريد للّه تعالى لا يريد إلاّ بإرادة من اللّه عزّ وجلّ تقدّمت له»[47]، ويستحضر عبد القادر الجيلانيّ[48]، إمام الحنابلة في وقته[49]، ما عزا عبد الكريم القشيريّ، الأشعريّ المشرب، إلى الجنيد بن محمّد (ت 297 ﻫ)، صاحب الحارث المحاسبيّ[50] (ت 243 ﻫ) المتكلّم السّنّيّ على مذهب ابن كلاّب[51] (ت حوالي 240 ﻫ)، من هذا القول: «كلّ مريد على الحقيقة مراد، إذ لو لم يكن مراد اللّه عزّ وجلّ بأن يريده لم يكن مريدا، إذ لا يكون إلاّ ما أراده اللّه تعالى، وكلّ مراد مريد لأنّه إذا أراده الحقّ سبحانه بالخصوصيّة وفّقه للإرادة»[52].

خاتمة

إذن، لم يسلم مفهوم الإرادة المسلكيّ من إكراهات الأطر العقائديّة السّنّيّة الّتي لا تطيق الخروج عن ضوابطها، والظّاهر أنّه انطوى في بدء تكوّنه على نوع من التّسليم الواعي أو اللاّواعي بأنّ للمرء إرادة ما كامنة فيه تتوجّه إلى طرق باب التّصوّف في مسعى إراديّ نحو تقويض أركانها هي عينها. وعلى هذا ليس بالكلام الجزاف الانتهاء من عرضنا التّحليليّ إلى القول إنّ الجبريّة الصّوفيّة ليست في أصولها التّكوينيّة جبريّة اضطراريّة موضوعيّة كونيّة، وإنّما كانت جبريّة طوعيّة ذاتيّة روحيّة، يختارها العبد، ويسلك طريقها عن سبق قصد وإصرار. وترجع هذه الجبريّة الاختياريّة، على الأرجح، إلى نمط التّديّن الزّهديّ الّذي ظلّ منبتا للنّزعات المنفلتة من قيود النّظام السّنّي في الفكر والممارسة على حدّ سواء، إذ ما خلت أوساطه قطّ ممّن يقرّون بأنّ في أفعال البشر أثرا من الإرادة الإنسانيّة، وعلى رأسهم الحسن البصريّ (ت 110 ﻫ) الّذي تثبت مواعظه كونه «يؤمن بقدرة الإنسان على تقرير مصيره، وبأنّه مخيَّر ومكلَّف، وليس مجبرا ومسيّرا»[53]، وكان مجلسه الوعظيّ، على ما هو معلوم، منشأ أشهر فرقة كلاميّة رفعت لواء تحميل الإنسان مسؤوليّة أفعاله، كما كان هو نفسه من مستندات المتصوّفة في تأصيل مقوّمات الإرادة المسلكيّة المباينة للمعتاد والمألوف أي للسّنّيّ.

ومن شأن الأطر السّنّيّة أن تتصدّى لأيّ انزياح عن محدّداتها، مقاومةً عبر أجهزتها الرّمزيّة والمادّيّة أو استيعابا بوساطة دوائر الانتماء المزدوج، يتمّ في شكل قوالب نظريّة توليفيّة تطوّع الفكرة المنزاحة لإملاءات السّنّة المعرفيّة السّائدة. إلاّ أنّ عمليّة الاستيعاب ليست خطّيّة، فهي لا تكون في اتّجاه واحد، وإنّما تتّسم بقدر من التّفاعل الجدليّ بين السّنّيّ والانزياحيّ، إذ كما يُطوَّع هذا لذاك يُليَّن ذاك، كلّما وُجد منفذ إلى تليينه، بما يستجيب لمقتضيات هذا، وما وقفنا عليه في الرّسالة القشيريّة أجلى شاهد. ولذلك يظهر شيء من التّناغم بين الاعتقادات الأشعريّة والتّعاليم الصّوفيّة يحتاج إلى درس عميق لاستجلاء علله النّظريّة والواقعيّة، وليس أدلّ على تناغمها من ازدهار التّصوّف حيثما ساد الأشاعرة، ومن نتائجه الجليّة طغيان الجبر الاختياريّ الرّوحيّ في التّديّن الشّعبيّ على أساس من اعتقاد الجبر الاضطراريّ الكونيّ، ما يمثّل انحرافا عن المفهوم الابتدائيّ للإرادة المسلكيّة وعن نظريّة الكسب الأشعريّة في آن.

 

الهوامش 

[1] . انظر: عبد الرّحمان بن خلدون، شفاء السّائل لتهذيب المسائل، مع دراسة تحليليّة للعلاقة بين السّلطان الرّوحيّ والسّلطان السّياسيّ بقلم أبي يعرب المرزوقيّ، الدّار العربيّة للكتاب، تونس 2006، ص178.

[2] . انظر: MURĪD, in : EI2, 1993, T.VII, p608

[3] . عبد القاهر البغداديّ، الفرق بين الفرق، تح. محمّد محيي الدّين عبد الحميد، المكتبة العصريّة، صيدا / بيروت 1995، ص336: «قالوا [يعني أهل السّنّة]: إنّه لا يحدث في العالم شيء إلاّ بإرادته».

[4] . محمّد الكلاباذيّ، التّعرّف لمذهب أهل التّصوّف، ضبطه أحمد شمس الدّين، دار الكتب العلميّة، بيروت 2001، ص48.

[5] . عبد الكريم القشيريّ، الرّسالة القشيريّة، تح. معروف زريق وعليّ عبد الحميد بلطه جي، دار الجيل، بيروت، ط2، (د.ت)، ص48.

[6] . أبو عبد الرّحمان السّلميّ، طبقات الصّوفيّة، تح. مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت 1998، ص83. وانظر قولين آخرين على هذا المنوال، لمعروف الكرخيّ عينه وأبي الحسين الورّاق (ت 320 ﻫ)، في المصدر نفسه، ص86، 231.

[7] . م.ن، ص308.

[8] . م.ن، ص340.

[9] . أبو الحسن الأشعريّ، مقالات الإسلاميّين، عني بتصحيحه هلموت ريتر، دار النّشر فرانز شتايز بقيسبادن، ط3، 1980، صص291 – 292.

[10] . أبو اليسر البزدويّ، أصول الدّين، تح. هانز بيتر لنس، ضبطه وعلّق عليه أحمد حجازي السّقّا، المكتبة الأزهريّة للتّراث، القاهرة 2003، ص52، 53.

[11] . م.ن، ص54.

[12] . م.ن، ص53.

[13] . إمام الحرمين الجوينيّ، الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الاعتقاد، تح. محمّد يوسف موسى وعليّ عبد المنعم عبد الحميد، مكتبة الخانجي، القاهرة 1950، ص239.

[14] . م.ن، ص239.

[15] . أبو بكر الخطيب البغداديّ، تاريخ مدينة السّلام وأخبار محدّثيها وذكر قطّانها العلماء من غير أهلها ووارديها (المعروف بـ “تاريخ بغداد”)، تح. بشّار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت 2001، م12، ص366. عليّ بن عساكر الدّمشقيّ، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعريّ، عني بنشره حسام الدّين القدسيّ، مطبعة التّوفيق، دمشق 1347 ﻫ، صص271 – 272. شمس الدّين أحمد بن خلّكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، تح. إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت (د.ت) ، م3، ص207. شمس الدّين الذّهبيّ، سير أعلام النّبلاء، تحقيق جماعيّ بإشراف شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، ط11، 1996،ج18، ص230. عبد الوهّاب السّبكيّ، طبقات الشّافعيّة الكبرى، تح. محمود محمّد الطّناحي وعبد الفتّاح محمّد الحلو، دار إحياء الكتب العربيّة (د.ت)، ج5، ص154. شهاب الدّين بن العماد، شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، تح. محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق / بيروت 1986 – 1993، م5، ص278.

[16] . الرّسالة القشيريّة، صص318 – 319.

[17] . انظر: المصدر نفسه، صص318 – 319.

[18] . أبو بكر بن الطّيّب الباقلاّنيّ، الإنصاف في ما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تح. محمّد زاهد بن الحسن الكوثري، المكتبة الأزهريّة للتّراث، القاهرة، ط2، 2000، ص38. تمهيد الأوائل وتلخيص الدّلائل، تح. عماد الدّين أحمد حيدر، مؤسّسة الكتب الثّقافيّة، بيروت 1987 ، ص47.

[19] . الإنصاف، ص43. وربّما كان الباقلاّنيّ صاحب المبادرة الأولى في توطين بعض المعتقدات الصّوفيّة صلب النّسق العقائديّ الأشعريّ، فلا يخفى – مثلا – سَبْقُه سائر كبار الأئمّة من منظّري الأشعريّة إلى الإقرار بالكرامة للأولياء والصّالحين (انظر: أبو بكر بن الطّيّب بن الباقلاّنيّ، كتاب البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسّحر والنّارنجات، تح. الأب رتشرد يوسف مكارثي اليسوعي، المكتبة الشّرقيّة، بيروت 1958، ص3، 4، 5، 7، 48).

[20] . طبقات الصّوفيّة، ص267.

[21] . سعاد الحكيم، المعجم الصّوفيّ الحكمة في حدود الكلمة، ندرة للطّباعة والنّشر، بيروت 1981، ص723.

[22] . الرّسالة القشيريّة، ص163. ذكرها القشيريّ في سياق حديثه عن مقام التّوكّل معزوّة إلى سهل بن عبد اللّه التّستريّ (ت 283 ﻫ).

[23] . طبقات الصّوفيّة، ص96.

[24] . عبد الوهّاب الشّعرانيّ، الطّبقات الكبرى المسمّاة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار، دار الرّشاد الحديثة، الدّار البيضاء 1999، ج1، ص251.

[25] . أبو عبد اللّه المغربيّ (ت 279 ﻫ): «(…) إنّما تصحّ العبوديّة لمن أفنى مراداته (…)» (طبقات الصّوفيّة، ص195).

[26] . عمرو المكّيّ (ت 291 ﻫ): «المعرفة (…) هي علم القلوب بفسخ العزوم وخلع الإرادات (…)» (م.ن، ص164).

[27] . المعجم الصّوفيّ، ص723.

[28] . طبقات الصّوفيّة، ص182.

[29] . م.ن، ص238.

[30] . الرّسالة القشيريّة، ص201. عبد القادر الجيلانيّ، الغنية لطالبي طريق الحقّ، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت 1996، ج2، ص439. عبد اللّه أحمد بن عجيبة، معراج التّشوّف إلى حقائق التّصوّف، تح. عبد المجيد خيّالي، مركز التّراث الثّقافيّ المغربيّ، الدّار البيضاء 2004، صص37 – 38.

[31] . ختم الأولياء، تح. عثمان إسماعيل يحيى، المطبعة الكاثوليكيّة، بيروت (د.ت)، ص120. سيرة الأولياء، ضمن ثلاثة مصنّفات للحكيم التّرمذيّ، تح. بيرند راتْكِه، بيروت 1992، ص4. آداب المريدين، تح. عبد الفتّاح عبد اللّه بركه، مطبعة السّعادة، القاهرة (د.ت)، صص33 – 35. رياضة النّفس، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط2، 2005، ص52. أدب النّفس، تح. أحمد عبد الرّحيم السّايح، الدّار المصريّة اللّبنانيّة، القاهرة 1993، صص107 – 114. المسائل المكنونة، تح. محمّد إبراهيم الجيوشي، دار التّراث العربيّ، 1980، ص85. غور الأمور، تح. أحمد عبد الرّحيم السّايح وأحمد عبده عوض، مكتبة الثّقافة الدّينيّة، القاهرة 2002، 148 – 160.

[32] . أدب النّفس، صص107 – 114.

[33] . غور الأمور، صص148 – 160.

[34] . م.ن، ص154. أدب النّفس، ص114.

[35] . غور الأمور، ص154.

[36] . م.ن، ص155.

[37] . أدب النّفس، ص109.

[38] . الحكيم التّرمذيّ، معرفة الأسرار، تح. محمّد إبراهيم الجيوشي، دار النّهضة العربيّة، ص57.

[39] . طبقات الصّوفيّة، ص271.

[40] . الغنية، ج2، ص441.

[41] . م.ن، ج2، ص440 – 441.

[42] . م.ن، ج2، ص441.

[43] . الغنية، ج2، ص441.

[44] . الدّخان : 44.

[45] . طبقات الصّوفيّة، ص222.

[46] . تذكر بعض المصادر أنّ الكلاباذيّ حنفيّ المذهب في العبادات (مصطفى حاجّي خليفة، كشف الظّنون عن أسامي الكتب والفنون، عني بتصحيحه وطبعه محمّد شرف الدّين يالتقايا ورفعت بيلكه الكليسي، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت (د.ت)، م1، ص53)، ووردت ترجمته في كتب طبقات الحنفيّة (انظر مثلا: عبد القادر بن أبي الوفاء القرشيّ، الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة، تح. عبد الفتّاح محمّد الحلو، دار هجر، ط2، 1993، ج4، صص105 – 106. محمّد عبد الحيّ اللّكنويّ، الفوائد البهيّة في تراجم الحنفيّة، عني بتصحيحه وتعليق بعض الزّوائد عليه محمّد بدر الدّين أبو فراس النّعساني، دار المعرفة، بيروت (د.ت)، ص161)، ومن المعلوم ارتباط الفقه الحنفيّ بالاعتقاد الماتريديّ في إقليم خراسان وما وراء النّهر (أحمد أمين، ظهر الإسلام، مؤسّسة هنداوي للتّعليم والثّقافة، القاهرة 2013، ج4، ص785.Bianquis, Thierry et autres (direction) : Les débuts du monde musulman VIIe-Xe siècle, De Muhammad aux dynasties autonomes, Presses Universitaires de France, Paris 2012, p159. )، حيث عاش الرّجل.

[47] . التّعرّف، ص158.

[48] . انظر: الغنية، ج2، ص441.

[49] . سير أعلام النّبلاء، ج20 ، ص441.

[50] . الرّسالة القشيريّة، ص430.

[51] . يذكر ابن تيميّة المحاسبيّ في من اتّبع ابن كلاّب (مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيميّة، جمع وترتيب عبد الرّحمان بن محمّد بن قاسم، مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشّريف، السّعوديّة 2004، م12، ص367)، وقيل إنّه أخذ عنه علم النّظر والجدل (سير أعلام النّبلاء، ج11، ص174).

[52] . الرّسالة القشيريّة، ص204.

[53] . توفيق بن عامر، دراسات في الزّهد والتّصوّف، الدّار العربيّة للكتاب، ليبيا / تونس 1981، ص152.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!