القرآن لكلّ العصور: سورة الفاتحة

القرآن لكلّ العصور: سورة الفاتحة

القرآن لكلّ العصور

سلسلة يقدّمها باللغة الإنكليزية:  جوزيف لومبارد[1]

وتنقلها إلى العربية: عذراء ناصر[2]

 القرآن لكلّ العصور[3]

الحلقة الثانية:(سورة الفاتحة)

 

السلام عليكم، أهلًا وسهلًا بكم في سلسلة “القرآن لكل العصور” وشكرًا لانضمامكم.

  في هذه الحلقة سنناقش السورة الأولى في القرآن الكريم وهي “الفاتحة” السورة التي يؤمن العديد من الباحثين أنّها أوّل ما نزل من الوحي كاملة، ولعلّ أجزاء من سور أخرى نزلت قبلها كما يرى البعض.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)

 

الفاتحه تعني الافتتاحيّة أو بترجمة حرفية أكثر الفاتحة للشيء. هذا العنوان يوحي لنا بعمل هذه السورة كفاتحة للكتاب، ولهذا فإن الفاتحة هي السورة التي تبدأ بها كافة الصلوات اليومية كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب” ولهذا السبب تُسمّى الفاتحة بسورة الصلاة.

اسم هذه السورة يوحي لنا أيضًا بقدرتها على فتح قلب القارئ للإيمان بالله والإيمان بالرسول والإيمان برسالة الله. تُعرف الفاتحة أيضًا بسورة الحمد لأنّها تعلّم الإنسان كيف يحمد الله بكلمات الله ذاتها، كما قال النبي محمد حين خاطب الله: ” سبحانك لا تُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك”. يقول البعض إنّ هذه السورة هي التي تعلّمنا كيف نحمد الله بكلماته ذاتها، فكلماتنا غير كافية لحمد الله كما ينبغي له.

تُسمّى الفاتحة أيضًا “أُمّ الكتاب” و”أُمّ القرآن” هذه التسميات توضّح الخُلق الذي تكشف به هذه السورة الدروس الأساسية للقرآن وأساسيات العلاقة بين الله والإنسان.

من جانب آخر تعدّ الفاتحة مفتاح الكتاب المقدّس كلّه، فكما رُوي عن النبي قوله عن الفاتحة ليس لها مثيلٌ في التوراة والإنجيل: ” ألا أعلمك سورة ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ فقلت: بلى.. قلت: يا رسول الله: السورة التي وعدتني قال: كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة؟ فقرأت فاتحة الكتاب، فقال: هي هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت”. وفي موضع آخر يقول الملاك للرسول: “أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته”.

الشافية: عنوان آخر لسورة الفاتحة ويشير إلى قوة الشفاء التي تملكها هذه الآيات للبدن والروح وهي مرتبطة بالآية 57 من السورة العاشرة وهي سورة يونس:

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ”.    

كما ترتبط بمواضع أخرى مثل الآية 82 للسورة السابعة عشرة سورة الاسراء: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا “.

وقد أشار النبي محمد إلى سورة الفاتحة بـ “السبع المثاني” والتي تعني أنّ كلّ الآيات السبع تتكرر في الصلاة وهي الآيات التي تحمد الله وهذا يشير إلى أنّ الآيات السبع لهذه السورة هي التي تحمد الله أو أنّها سبع آيات محمودة في ذاتها.

عناوين أخرى تشير إلى لفاتحة منها “الأساس” لأنّها تمثل أساس القرآن و”الكنز” بما أنّها توفر ثروة من الحقيقة والتوجيه والرحمة وتسمى أيضًا “الوافية” و”الكافية” بما أنها تؤدّي كل ما يحتاجه الانسان.

أحاديث كثيرة للنبي محمد تشير إلى المقام العظيم للفاتحة يقول في أحدها مخاطبا أحد الصحابة أنّه سيعلمه أعظم سورة في القرآن وحين سُأل ما هي أجاب الرسول: إنها الحمد لله رب العالمين، السبع المثاني للقرآن العظيم.

في حديثٍ قدسيّ معروف يقول الرسول إنّ الله تعالى يقول :” قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين ، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجّدني عبدي ، وقال مرة : فوض إلي عبدي ، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل”. هذا الحديث القدسيّ يقدّم رؤية إلى جوهر المقام العالي للفاتحة.

الآيات الثلاثة الأولى في الفاتحة تركّز على طبيعة الله، الآية الوسط تؤسّس للعلاقة بين الله والإنسان ثم تتأمّل الآيات الثلاث الاخيرة في طبيعة البشر وبهذا فإنّ الفاتحة هي أكثر من صلاة اعترافية، هي إعلان يضمّ كلّ الحقائق التي يستطيع الإنسان أن يتعلمها للتحلّي بـ “التقوى”. ومن هذا نجد أنّ الله يطلب من المسلم قراءة الفاتحة لأنّها تذكره برحمة الله وملكه، ثم تكشف السلوك الذي يجب أن يتبعه المسلم تجاه الله، وحالاته المحتملة، أولها أن يبقى العبد على الصراط المستقيم، الصراط المبارك من الله وهو الطريق المباشر إلى الله. الثاني هو طريق اولئك المغضوب عليهم والثالث طريق الضالين أو من فقدوا طريقهم دون دليل يوصلهم الى الله.

يقول الكثيرون إنّ معظم القرآن داخل آيات الفاتحة السبع، ربما يمكن تلخيص هذه الفكرة بمقولة شهيرة لعلي إبن أبي طالب ابن عم النبي محمد الذي أصبح الخليفة الرابع السني والإمام الأوّل للشيعة في تلك المقولة يقتبس علي قائلا : ” إن جميع أسرار الكتب السماوية في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وكلّ ما في القرآن فهو في الفاتحة، وكلّ ما فى الفاتحة فهو فى البسملة وكل ما في البسملة فهو في نقطة الباء”.

البسملة: “بسم الله الرحمن الرحيم”.

هنالك جدل بين العلماء فيما إذا كانت البسملة جزءا من الفاتحة أم لا. ويمكن للمستمع الاطلاع على هذا في تفاسير القرآن. هنا في هذا البثّ سنتعامل مع البسملة كجزء من سورة الفاتحة. هذه الصيغة أو هذه الجملة “بسم الله” يستعملها المسلمون كمقدّمة للكثير من الأعمال. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ” كُلّ عمل لا يبدأ باسم الله هو أبتر” هذه الصيغة هي بمثابة مقبض الباب تتابع فيها الأسماء الآلهية الثلاثة الله .. الرحمن ثم الرحيم. يشيرهذا التتابع إلى مستويات السموات وعلاقتها بالخلق.

“الله” تشير إلى حرم الذات الإلهية، ما وراء كلّ شيءٍ، “الرحمن” تشير الى امتلاء اسم الله بذاته وتفسيراته حيث نعرفه ونتّصل به، و”الرحيم” تشير إلى أفعال الله التي من خلالها نختبر رحمة الله وتوجيهاته في حياتنا اليومية كما سيتمّ مناقشته في البث الخاص بسورة العنكبوت وفي البثّ الخاص بفهم الله في القرآن.

كلمة “الله” ليست اسماً أو مفهوماً جديداً دخل على الجزيرة العربية بنزول القرآن، فقد استعمله اليهود والمسيحيون وحتى العرب الوثنيون في شبه الجزيرة العربية ما قبل الاسلام. بدلاً من استعمال لفظ جديد سعى القرآن إلى إزالة اللبس المتعلق بلفظ الجلاله الذي انتشر انذاك، وفي هذا المسعى يستشير الله الأنبياء في سورة العنكبوت “ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله” هذا يبيّن أنّهم كانوا يملكون فهمًا ما عن طبيعة الله وأن هذا الاسم “الله” هو الاسم الذي كانوا يستعملونه فإن استعمال هذا اللفظ دون جملة تعريفية إسمية كقولنا “بسم الله نفتتح الكتاب” أو “بسم الله نقوم بكذا” بمثل هذا التعبير و بهذه الطريقة يجعل الله هذا إعلاناً كونيًّا يمكن تطبيقه على كل الأفعال.

يربط الماوردي في تفسيره للقرآن هذا الأمر بالله كأنّ الله يقول: أنا ابدأ بأسمي متوحّدًا مع اسمي، لذلك عليكم أن تبدأوا مع اسمي وتتوحّدوا مع اسمي وتفسّروا باسمي.

في الآية الثانية يحمد الله نفسه بقوله “الحمد لله رب العالمين” فيحمد العبادُ الله باسمه وكلماته بما أنّهم لا يستطيعون فعل ذلك بكلماتهم. الحمد لله توحي بأعلى درجات الشكر، المشكور يُشكر عادة على فعل معين أو بركة معينة لكنّ المحمود يحمد لطبيعته وذاته بغضّ النظر عن الافعال التي ترد منه.

بالعربية الحمد معرّف هنا. وبالنسبة للطبري في تفسير آخر فإنّ “ال” التعريفية في الحمد تشير إلى الحمد كلّه والامتنان كلّه راجعًا إلى الله . يخبرالنبيّ محمّد أصحابه عندما تقولون: الحمد لله ربّ العالمين فإنّكم ستكونون قد شكرتم الله وسيضاعف الله حسناتكم . مثل البسملة فإنّ الحمد لله هي صيغة متكرّرة يتلوها المسلمين في مناسبات عدّة فبينما توظّف البسملة لافتتاح شيء ما فإنّ الحمد لله توظّف لشكر الله وحمده بعد انتهاء الشيء. وعليه فإننا مع أول آيتين من القرآن قد بُلّغنا بالأخلاق التي يجب أن نبتدأ بها وأن ننتهي من أيّ عمل شرعي.

يشار إلى الله على أنّه “رب العالمين” 42 مرة في القرآن وهذا يشير إلى أنّ الله هو السيد الذي يبقي الأشياء في نظام والراعي لكلّ الوجود. في هذه المقدرة يقول الله في الآية 44 من السورة 17 سورة الاسراء “وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده”.

 في الآية الثالثة من الفاتحة يكرّر الله الصيغة المذكورة في البسملة “الرحمن الرحيم” وهذه صيغ مبالغة من كلمة “الرحمة” والتي تعني القدرة على منح الرحمة. تعتبر كلمة “الرحمن” أكثر تأكيدا وشمولية من “الرحيم” التي تشير إلى بركات القوت الذي يستديم به الله كلّ الوجود.

يمكن أن تستعمل كلمة “الرحيم” لوصف البشر كما يشير القرآن إلى النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم على أنّه الرحيم في الآية  128 من سورة التوبة “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”. تشير كلمة “رحيم” هذه في نهاية الآية إلى النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم . بالمقارنة بالرحيم فان كلمة “الرحمن” تشير إلى صفة مملوكة لله وحده بما أنها تشير إلى رحمة المحبة التي خلق الله بها هذا الوجود.

يشار إلى “الرحمن” على أنّه واحد من أعظم أسماء الله في الآية 110 من السورة الـ 17 سورة الإسراء يطلب الله من المسلمين أو من النبيّ “ادعوا الله” أو “ادعوا الرحمن” هذا التاكيد على رحمة الله مذكور في موقع بين قدرة الله على الخلق كلّه في الآية الثانية وقدرة الله في كلّ العصور.

 الآية الرابعة تبيّن لنا أنّ قدرة الله ورحمته وسعت كلّ مكان وزمان كما يقول الله في الآية 156 من السورة السابعة “رحمتي وسعت كل شيء”.

في الآية الرابعة يقول الله “مالك يوم الدين” هذه الآية تبيّن أنّ الله وحده هو الحاكم يوم الحساب وأنّ كلّ أولئك الذين يخضعون لحكم الله سيحضرون خاضعين أمام الله يوم الحساب أو يوم الدين وهو اليوم الذي يحاسب فيه كلّ إنسان على أعماله في هذه الحياة، وأنّ الله خالق الكون يشير إلى حتمية لقاء الخالق بما أنّ كلّ البشر سيعودون إليه.

و في وصف هذا اليوم يقول النبيّ محمد:”يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ ؟ “. ونيابة عن الرسول يُقتبس قول لعمر بن الخطاب: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنّ أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ” مثل هذه التصريحات تذكّرنا أننا أمام ربّ اليوم الآخر أو يوم الحساب في كلّ لحظة من كلّ يوم .

الآية الخامسة كما قلنا في المقدّمة تؤشّر على انتقال الصورة في العلاقة بين الله والبشر بقولهم:”إياك نعبد وإياك نستعين”. التحوّل من الحديث عن الله في الآيات الأربع السابقة إلى مخاطبة الله مباشرة تبيّن الانتقال إلى علاقة حميمية أكثر بين الله والبشر. “نعبد” أيضًا تعني أنّ نطيع ونحبّ ونخدم، وتشير إلى الوقوف أمام الله مثل عبد خادم متواضع محبّ أو عبد مطيع.

 كلمة “عَبْد” التي تأتي من نفس جذر كلمة “عَبَدَ- يَعْبُدُ”. في سورة مريم يعطي الله هذه الصفة لجميع الخلق “إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا” مخاطبة الله بضمير المخاطب الجمع “إيّاك نعبد” بدلا من المفرد تشير أيضًا إلى التواضع أمام الله لأنّ الفرد لا يأتي بذاته الفرديّة أمام الله. تشير الآية أذن إلى الخضوع والتواضع في مخاطبة الربّ قبل طلب العون لأنّ العبد لا يطلب العون من الملك دون أن يعترف أوّلا بالقوة المطلقة والملك الملطق للملك .

الآية السادسة ” اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ” يتضمن طلب الهداية نفسه الرغبة بالقرب من الله والتوحد مع الله والصراط المستقيم هو طريق سالك دون ميل أو اعوجاج وهو الجامع بين قانون الشريعة مع تزكية القلب. يقول الله إنّ النبيّ محمّد يقود أمّته إلى ذلك الطريق في الآيات 52 و 53 من سورة الشورى قائلا : “وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” ولذلك توصف أمّة الرسول على أنها أمّة الوسط تتبع طريقاً وسطاً بالأفعال والأعمال في الحياة.

اتباع الصراط المستقيم أو طريق الصواب كما يصفه القرآن يعني السير مع الله إلى الله لأن الله يقود المؤمنين به إلى ذاته في طريق مستقيم “وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا” ومع الله لأن الله ذاته على صراط مستقيم ” كما يقول النبيّ “إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”. من هذا المنطلق هذه الآية تزوّدنا بصلاة لنكون مع الله سائرين في رحابه مستبدلين الذات الفردية بالذات الالهية، من خلال الاستقامة.

الآية الأخيرة تلخّص احتمالات الحالة الإنسانية. الصراط المستقيم لأولئك الذين باركهم الله هو طريق عمودي يصل إلى الله. المغضوب عليهم هم أولئك الذي يرفضون تعاليم الله ويتخذون سبيلاً بعيداً عن الله بينما الضالين هم أولئك الذي ليس لهم دليل مباشر وينحرفون عن الطريق إلى الله بطرق مختلفة.

 البناء النحوي لهذه السورة يكشف طبيعة العلاقة بين الله والبشر أولئك الذين أنعمت عليهم هو فعل منجز مسبقاً من الله هذا يعني أنّ بركة الله ورحمته عليهم تحقّقت أصلًا مسبقًا، واستعمال الفعل الماضي بالعربية يوضّح أيضًا الوعد الإلهيّ بشيء سيحصل بالتاكيد. المغضوب عليهم تأتي بصيغة المبني للمجهول دون فاعل مما يبيّن أنّه بينما يقوم بعض البشر بافعال تستجلب العقاب أو القصاص فإنّ غضب الله لم يقع عليهم بعد وعليه فإن باب التوبة ما زال مفتوحًا، وهذا مرتبط بما يقوله الله في الآية 44 من سورة يونس “إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”. من الضالين ينتج عنه شيء مقصود أو أمر ارتكب بالخطأ وعليه فإنّ أولئك الضالين ربما ارتكبوا عملا يستوجب  العقاب أو القصاص. ومع هذا فإنّ هؤلاء ربما عاشوا حياة بعيدة عن الهداية والوحي.

أقول هذا وأستغفر الله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

شكرًا مرة أخرى للاستماع.        

[1] جوزيف لومبارد أكاديمي أمريكي ولد عام 1969 ويعمل الان أستاذًا للدراسات القرآنية في جامعة حمد بن خليفة في قطر. عمل مستشارًا لحوار الأديان للملك عبد الله الثاني ملك الأردن، وهو مؤلف ومحرر ومترجم للعديد من الكتب في فلسفة الإسلام والتصوف والدراسات القرآنية وقد عمل محاضرا للدراسات الاسلامية في عدة جامعات منها الجامعة الامريكية في القاهرة بعد أن حصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الاسلامية من جامعة يال الامريكية.

[2] عذراء ناصر أكاديمية ومترجمة من العراق.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!