منتخبات من الشعر الصوفي الإسباني – تيريزا الآفيلية

منتخبات من الشعر الصوفي الإسباني – تيريزا الآفيلية

منتخبات من الشعر الصوفي الإسباني

سانتا تيريزا الآبلية (1515-1582)

 

ترجمة وتقديم: د. محمد بلال أشمل

تطاون العامرة- المغرب.

 

تقديم

تعد سانتا تيريزا اليسوعية الآبلية (1515-1582) وجها بارزا من وجوه الحياة الروحية الإسبانية؛ سواء بالأعمال الدينية التي اشتهرت بها حين أسست أخوية مسيحية صوفية ما تزال تحافظ على تعاليمها الزهدية إلى الآن، أو بأفكارها وخواطرها الروحية التي أودعتها عموم مؤلفاتها.[1]   

اسمها الحقيقي “تيريزا دي سيبادا”، ونسبتها إلى أبيلا Ávila  كنسبة سائر العلماء والمتصوفة والأدباء إلى موطنهم الذين نشاوا فيه، أو شهد خلاصة إسهامهم في الحياة الدينية والثقافية.

حظيت سيرتها العلمية والروحية بمتن عظيم من الدراسات، حتى من وجهات نظر تداولية،[2] خرجت بها من المقتضى الروحي إلى المقتضى اللّسني، فكأن “الكلمة” لديها صارت محض دليل إلى “الاتصال” بواهب المعاني. عدّتها بعض الباحثات نموذجا لـ”تصوف النسوة”،[3] وغاب عنها أن الشعور يتعالى على التجنيس حين يرتبط بالمقدس، ونظر إلى سيرتها بعض الباحثين من زاوية شعرية،[4] فأصاب المقاتل منها، لولا أنه بالغ فجعلها بمثابة القصيدة الروحية التي تمشي الهوينى في “مسكن الله”، مع أن مُؤسِّسة “أخوية الكرمل”، لم تكن كما أَسْطرَها الوعيُ المسيحيّ الشعبي، كائنا عاريا عن الاستقساط، بل عابدة مكابدة للمعاني الروحية، وشاكية من الآلام النفسية، ومتبرمة من قلة كرم المؤمنين إذا ما دُعوا إلى بَذلِ الصدقات. أما الذين قارنوا بينها وبين “رابعة العدوية”،[5] فذَهلوا عن المقامات والسياقات التي أثمرتها التجربتان الروحيتان المسيحية والإسلامية. 

وضعت “سانتا تيريزا” اليسوعية جملة من المؤلفات منها سيرتها التي حررتها بنفسها بناء على طلب من كاهن الاعتراف الخاص بها، ومنها أيضا “صلاتها الروحية” و”النعم الإلهية” التي وجهتهما إلى متولي الاعتراف لديها؛ إذ كتبت الأولى في آبلة، والثانية في طليطلة.  كما وضعت كتابين آخرين عنوان أولهما “طريق الكمال” أملته في مدينة إبرة وعنوان ثانيهما “القصر الداخلي” أو “المساكن [الروحية]” الذي حررته في دير القديس يوسف الكرملي بطليطلة، ووجهتهما –كما صنعت في أغلب كتاباتها- إلى الراهبات الكرمليات من أخويّتها. كما وضعت كتابا استوحت مضمونه من “نشيد الأنشاد” بعنوان “تصورات الحب الإلهي”، وصاغت مضامين اثنين آخرين بعنوان “تأملات روح الله”، و”الصروح [الروحية]”. وبالإضافة إلى هذه المؤلفات، تركت  هذه المتصوفة حُزمة من الرسائل، وباقات من الأشعار تطفح جميعها بالعشق الإلهي في أبهى صوره، وأجمل معانيه.    

ونسوق هاهنا طائفة من أشعارها ذات النفس الصوفي اقتطفناها من أعمالها الكاملة التي طبعتها دار “أغيلار” المجريطية عام 1948.

 

 

 

 

 

النصوص الشعرية

(1)

أحيا دون أن أحيا فيّ[6]

أحيا دون أن أحيا فيّ

وعلى هذه الحال آملُ

أن أموتَ، لِأني لا أموتُ

أحيا خارجي

بعد أن قضيتُ حبّا

لِأني في إلهيّ أَحيا،

هو لِذاته من اصْطفاني

لَمّا منحته ُ قلبي

وضعتُ عليه هذه اللوحة:

أموتُ لأني لا أموتُ

سجنُ الحبّ الإلهيّ هذا

حيث أعيشُ

جعڵ الله سجيني

وقلبي حرّا

وأحدثَ فيّ شوقا،

أن أرى الله سجيني

أن أموتَ لأني لا أموتُ

مديدةٌ هي الحياةُ

قاسيةٌ هاذ المنافي

وهذا السجن، وهاذِ القضبانُ الحديديةُ

حيثما توجدُ الروحُ

وحدهُ انتظار الخروجِ

يثيرُ فيّ ألما بالغ القسوةِ،

أن أموتَ لأني لا أموتُ

ما أمرّ هاذِ الحياةَ

حين لا يكونُ التسبيح بِحمدِ الله

إذا كان عذبا هذا الحبّ

فإن الأمل المديد ليس كذلك،

إلهي .. لِترفعَ عنّي هذا الِحملَ

الثقيلَ من الفولاذِ،

فانا أموتُ لأني لا أموتُ.

بالثقةِ وحدها

أحيا بما كان من شأنه أن ُيميتني

إذ بموتِ الحياةِ

أطمئنُ للأملِ،

 يا موتا يُنالُ بالحياة،

لا تبطئ، أنا في انتظاركَ.

إني أموتُ لأني لا أموتُ.

انظُر كمْ هو قويٌّ الحبّ

أيتها الحياةُ، لا تشغليني   

انظري، ما فضُلَ منكِ

كي أظفرَ بك، أخسرُكِ

أقبلِ الآن أيّها الموتُ العذبُ،

خفيفا يأتي الموت

فلأمت لأني لا أموتُ.

تلك الحياة في الأعالي

هي الأحقّ بالحياةِ

إلى أن تفنى هاذِ الحياة

لا شئ يلذُّ مع الحياةِ

أيها الموتُ: لا تكن فظاّ

فأنا حين أحيا أموتُ قبلاً

إِذ إنّي أموتُ لأني لا أموتُ

أيتها الحياة؟ ما ذا أستطيعُ منحكِ

سوى إلهيّ الحيّ فيّ

إذا لم تكن خسارتي لكِ

لكي أستحقّ الفوز بكِ؟

أحبُ الموتَ لكي أدركك

فأنا ِلشدة ما أهيمُ حبّا بمحبوبي

أموتُ لأني لا أموتُ

(2)

بكلّيتي أقبلتُ عليكَ[7]

بكلّيتي أقبلتُ عليكَ، وأعطيتُ

حتى صرتُ أقايضُ:

محبوبي لي

وأنا ِلمحبوبي.

لمّا الصيادُ العذبُ رمانيِ

مُستسلمة أبقانيِ

بين يديّ الحبّ

تَهاوت رُوحي

فبُعثت فيها روحٌ جديدةٌ

حتى صرتُ أقايضُ:

مَحبوبي لِي

وأنا لِمحبوبي.

رَموني بِسهم

مَمزوج بالحبّ

فصارت واحدة مع بَارِيها روحي

ولم اعد مفتقرة إلى حبّ آخر

حين أقبلتُ على الله بِكليتي

فمحبوبي لي

وأنا لمحبوبي.

(3)

لو كان ما تُكنّه لي من حبّ[8]

إذا كان الحبّ الذي تحملهُ لي يا إلهي

نظيرَ هذا الذي أحملهُ لكَ

أخبرني: كيف لي أن أمنعَ نفسي عنه؟

– ما حاجتكَ مني أيتها الرّوح؟

-رُؤيتك وحسبُ إلهي.

-وما تخشينَهُ أكثرَ من نفسكَ؟

– أكثر ما أخشاهُ، فقدك.

في الله روحٌ ثاويةٌ

ما تكونُ رغبتها

غير أن تحبّ وتزدادَ حبا

وفي الحبّ متوهّجة

غير أن تعودَ فتحبّ من جديد؟

الله أسألُ حبّا

عليّ يملكُ روحي

لكي أصنعَ عشا رطبا

حيثما ترضاهُ رُوحي.

(4)

ما أشقاهُ هذا القلب العاشق[9]

ما أشقى القلب العاشق

وحدهُ في الله فكّرَ

عن الخلقِ من أجله تخلى

ومَجْدهُ فيه وجدَ ومسرّة

ما زال بعدُ يعيشُ بذاته غيرَ متيقظٍ

لأن على الله كاملَ سَعْيهِ

هكذا تمضي سعيدة مستمتعة

موجاتُ هذا البحر الصّاخب.

(5)

لا شئ يعكر صفوك[10]

لا شئ يعكر صفوك

لا شئ يرعبك

كل شئ يمضي

غير الله، يفنى.

بالصبر

كل شئ يُدْركُ

مَنْ لهُ الله

لا شئ ينقصهُ

وحدَهُ، حَسْبهُ.

____________________________________________________

الهوامش 

[1]  انظر في سيرتها مثلا:

Marcelle Auclair, La vida de Santa Teresa de Jesús, Joaquín Esteban Perruca (trad.), Ediciones Palabra, Madrid, 1982; “El libro de la Vida de Santa Teresa de Jesús”, Actas del I Congreso Internacional Teresiano, Francisco Javier Sancho Fermín y Rómulo Cuartas Londoño (coord.), 2010, pp. 625-637; Rosa Rossi, Teresa de Ávila: biografía  de una escritora, Círculo de Lectores, Salvat Editores, Barcelona, 1995. 

[2] Julia Kresteva, “La pasión según Teresa de Ávila”, Cuadernos del Mediterráneo, 12 (2009), pp. 184-187.

[3] Weber, Alison., “Teresa de Ávila; la mística femenina”, en Historia de las mujeres en España y América Latina, Isabel Morant (Coord.), Vol. 2, Nuevos Mundos, Buenos Aires, 2005, pp. 107-130.

[4] Herranz, Manuel., Santa Teresa de Ávila: interpretación poética de su vida, la Milagrosa, Madrid, 1997.

[5] Sobh, Mahmud., “Rabi’a de Basora y Teresa de Ávila”, en El Corán ayer y hoy: perspectivas actuales sobre el Islam. Estudios en honor al profesor Julio Cortés, Miguel Hernando de Larramendi Martínez  y Salvador Pena Martin (coords.),  2008, pp. 373-396.

[6] Santa Teresa de Jesús, Obras Completas, Santillana, Luis (estudio y edición), sexta ed. Aguilar, Madrid, 1948, p. 707.

[7] Santa Teresa de Jesús, Obras Completas, Santillana, Luis (estudio y edición), 6ª ed. Aguilar, Madrid,  1948, p. 709.

[8] Santa Teresa de Jesús, Obras Completas, Santillana, Luis (estudio y edición), sexta ed. Aguilar, Madrid,  1948, p. 709.

[9] Ibíd., p. 709.

[10] Ibíd., p. 711.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!