الغزل الأردي: نماذج من شعر غالب الدهلوي

الغزل الأردي: نماذج من شعر غالب الدهلوي

الغزل الأردي

نماذج من شعر غالب

عمرفاروق([1])

 

الغزل الأردي

إن الغزل لم يكن نوعا أو فنّاً مستقلاًّ في الشعر العربي، وإنما كان غرضا من أغراض القصيدة التي تراوحت بين الغزل (أو النسيب) والفخر والحماسة والمديح والوصف والرَّثاء والهجاء والاعتذار (أو العتاب) والحكمة.([2]) وقد جاءت معظم هذه الأغراض مجتمعةً في كيان القصيدة الواحدة، إذ لم تكن القصيدة العربية الجاهلية ترتكز على ما يُسمَّى الوحدة العضوية (Organic Unity)، وإنما بُنيت على التتابع النفسي (Psychological Sequence) الذي كان الشاعر العربي يتماشى معه في بيئته القَبَلية الصحراوية.([3]) ثم هناك خمريات، وكذلك طرديات، اشتهرت في العصر الأموي والعباسي، وهي امتدادٌ لما نجده في العصر الجاهلي من وصفٍ للخمر والصيد، كما ظهرت الزهديات والإخوانيات استمراراً للحكمة (أو المثل) والعتاب.([4]) وذلك لمَّا اقتصر بعض الشعراء على هذا اللون من الوصف أو ذاك في بعض قصائدهم أو معظمها. لكن القصيدة – على الرغم من ذلك – بقيت هي القصيدةَ كنوعٍ شعريٍّ معروف عند العرب، وإن وُصفت خمريةً أو طردية أو غير ذلك. وهكذا كان الغزل الذي حصر فيه بعض الشعراء الآخرين (مثل عمر بن أبي ربيعة) قصائدهم لتصبح غزلية بحتة.([5])

هذا، وعندما انتقلت القصيدة من العربية إلى الأدب الفارسي كفنٍّ أدبيٍّ مأخوذ، نظم الفرس القصيدة بالفارسية على نمط القصيدة العربية في معظم أغراضها، فكانت نسخةً طبق الأصل العربي في بداية تطورها. فهذا لامعي الجرجاني (فـ: حوالي 520هـ/ 1126م) – مثلاً – يبدأ قصيدته ببيتٍ نسمع فيه صدًى لما كان يستهلُّ به العرب قصائدهم من الوقوف والاستنطاق، فقال:([6])    [من الرجز]

ہست این دیارِ یار ، اگر شاید فرو آرم جمل
پرسم رباب و دعد را حال از رسوم و از طلل

[هذه هي ديار الحبيب (قد وُصل إليها)، فمن الجدير بي أن أنيخ جملي (فأنزل بها) أسائل الأطلال والرسوم عن رباب وعن دعد.] ([7])

وهذه المقدمة الغزلية أو الابتداء بالتشبيب قد انفصل بعدئذ عن القصيدة باقيا على اسمه كـ((غزل))، وأصبح فنّاً شعريّاً مستقلاًّ في الأدب الفارسي مغايراً للقصيدة. وقد حصل الاستقلال هذا على يد الشاعر المتصوف سنائى غزنوى (فـ: 545هـ/ 1150م)([8])، وتطور تطوراً ملحوظا، مروراً بـ((سعدى)) (فـ: 691هـ/ 1291م) وحافظ (فـ: 791هـ/ 1389م) وغيرهما من الشعراء الفرس حتى العصر الحاضر. هذا في إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى أولاً، وبعده في شبه القارة الهندية حيث كان الشعراء – إلى جانب قول الشعر بلغة البلاط الفارسية الحاكمة – قد أخذوا في قرض الأشعار باللغة المحلية الناشئة([9]) كذلك. وذلك منذ زمن مسعود سعد سلمان لاهورى (فـ: 515هـ/ 1121م)([10])، مروراً بـ((امير خسرو دهلوي)) (فـ: 725هـ/ 1325م)([11]) ومحمد قلى قطب شاه (فـ: 1021هـ/ 1612م)([12])، ووصولاً إلى حسن شوقى (فـ: 1042هـ/ 1633م)([13]) وولى دكنى (فـ: 1119هـ/ 1707م)([14]) اللَّذَيْن لم يأخذ الـ((غزل)) الأرديُّ مقامه المناسب إلا على يديهما – خاصةً عند الأخير – بشكلٍ رسميٍّ معترفٍ به. هكذا انتقل الـ((غزل)) من الفارسية إلى الأردية بهويته الفنية المستقلة جنباً إلى جنبٍ مع فنِّ القصيدة الذي لم يواكب الأول على مرِّ العصور.([15])

ويصف الشاعر – الفارسي فالأردي – في هذا الـ((غزل)) المستقل أحوال وتقلبات النفس وتصرُّفاتها المختلفة مما يجري بين حبيبَيْن من شتَّى نوازع الحبِّ وهواجسه وأشجانه بصورةٍ تبعث على التعاطف معه في الغالب الكثير كما هو معهود في الشعر العربي. لكن الـ((غزل)) الفارسي والأردي لم يقتصر على بيان الحب وذكر الحبيب وما يطرأ على المحبَّيْن([16]) من أحوال، وإنما تعدَّى ذلك إلى أن يبثُّ فيه الشاعر همومه الاجتماعية، وما يقلق منه ويحزن عليه من أوضاع مضطربة فاسدة، وكذلك ما يكتئب من أجله مما يَجِدُ له في قلبه المهموم من غوائل الدهر الخائن، إضافةً إلى ما يرمي إليه من تسجيل خواطر مبهجة منعشة، والتعبير عما يعجبه ويروقه من أمور، علاوةً على الافتخار بنفسه والإشادة بذكر من يُكِنُّ التقدير له من أشخاص؛ مزاوجاً بين ذلك كله وبين ما ينتزعه من تغزُّله المحض من رموز ودلالات يُسْقِطُها على ما يقصده من أمور وتجارب الحياة الكثيرة، مستخدماً من أجله الأساليبَ المختلفة المتنوعة. كذلك ينطوي الـ((غزل)) على أفكار روحية صوفية من خلال ما يُسمَّى بـ((شعر الحب الإلهي)) وما يُدعى في النقد العربي بـ((الغزل الديني)) كذلك، كما يتعرض هذا الـ((غزل)) لأَخْيِلَةٍ فلسفية بحتة تشمل قضايا إنسانيةً مشتركة تتعلق بمنشأ الكون ومصير الإنسان فيه.

هذا من حيث المضمون، أما فيما يتعلق بهيئة الـ((غزل)) أو شكله كفنٍّ شعريٍّ معيَّن، فإنه يتكوَّن من خمسة أبيات على أقلِّ تقدير، ولا يتجاوز عددها خمسةَ أو سبعةَ عشر بيتاً على العموم، وإن كان هناك من القدماء – ومن ينزع منزعهم – من تطول ((غزلياتهم)) أكثر. ثم إنه لا يوجد هناك ما يُسمَّى الوحدةَ العضوية لتربط فيما بين أبيات غزل واحد. على هذا فلكلِّ بيت منه معنًى أو مضمونٌ مستقلٌّ يجعله مكتفياً بنفسه، وبالتالي، متَّصفاً بالإيجاز بمعنى الكلمة. وقد يُوجد في مجموعة بيتين فأكثر داخل الـ((غزل)) نوعٌ من التآلف على أساس الوحدة الفكرية، وتُسمَّى قطعہ أو قطعہ بند بالأحرى. فالـ((غزل)) إذن لا يجمع بين أبياته القليلة أو الكثيرة إلا الوزن والقافية، ثم الـ((ردیف))([17]) على العموم. ويلتزم الشاعر بالتصريع في مطلع غزله عادةً، وإلا فلا يُدعى مطلع،

كما أنه قد جرت العادة بأن يُذكر الـ((تخلص)) في البيت الأخير الذي يُسمَّى مقطع عند ذلك.([18])

وأما الـ((تخلص))، بهذه المناسبة، فهو مصطلحٌ لا يمُتُّ هنا بصلة إلى الاصطلاح الشعري المعروف في القصيدة (والذي قد يُسمَّى خروجا في النقد العربي القديم)([19])، وإنما أُطلق على ما يختاره الشاعر من اسمٍ – عدا اسمه الحقيقي، أو كنيته، أو لقبه – يأتي به في شعره، خاصةً في أواخر أبيات القصائد والـ((غزليات)). وقد يكون جزءاً من اسمه، وإلاَّ فيصبح منه. ولم تجر به العادة إلا في الشعر الفارسي، ومنه جاء إلى الأردية.([20]) وبإمكاننا أن نطلق عليه اللقب الشعري([21])، ولكنه لا يوحي بالمعنى بالضبط، كما نجد الشَّبَه بينه وبين مصطلحات: pseudonym، وnom de plume، وnom de guerre، وanonym، وpen-name الفرنسية والإنجليزية، لكنها ليست الـ((تخلص))، كما تعرفه الأردية والفارسية، وإنما تعني فقط الاسم القلميَّ أو المستعار الذي يتَّخذه الكاتب لدى نشر كتاباته بدلاً عن اسمه الحقيقي([22]).

وفيما يلي نماذج راقيةٌ للـ((غزل)) الأردي من شعر اسد الله خان غالب حاولنا تعريبها للقارئ العربي، مع الاعتراف بأننا لم نستطع أن ننقل المعنى بإيحاءاته الكاملة، خاصةً إذا كان الشاعر من أصعب شعراء الأردية على الإطلاق. على كلٍّ، فهذه غرفةٌ أمكن اغترافها من خِضَمِّ غالب وأرجو أن أكون قد وُفِّقت في هذه الترجمة إلى حدٍّ مَّا. وهي أبيات مختارة من بعض غزليات الشاعر من أول ديوانه الأردي([23]) عانينا في ترجمتها ترجمةً تقريبيةً توضيحية، وليست حرفية.

أما غالب([24]) (فـ: 1869م) فهو ثاني نوابغ الشعر الأردي الثلاثة الذين أولهم مير تقى مير (فـ: 1810م) وآخِرهم محمد اقبال (فـ: 1938م). عاش في أوائل عهد الاستعمار الإنجليزي في شبه القارة الهندية، ولاحظ عن قرب ما كان تسير عليه الأمور من اضطراب وتمرُّ به من تحوُّل. كان شاعراً فارسيّاً في المحل الأول، وأعطى لشعره الفارسي أهميةً أكثر مما اعتدَّ بشعره الأردي المجموع في ديوان صغير. لكنه اشتهر بشعره الأردي القليل، واعتُبر له أكبر شعراء الأردية على الإطلاق، كما شُغف بشرح ودراسة هذا الشعر أجيال من الشُّرَّاح والدارسين. كان طموحاً في فكره، محبّاً لسلوك طريقٍ لم يطأه أحد. فانتهج له نهجاً خاصّاً به في الشعر، وبقي متفرِّدا عبر العصور، مترفِّعا بنفسه على الآخرين، لا يدانيه أحد. غاص في نفسية الحياة والكون، وأبى الاندماج في الطبيعة – كونيةً كانت أم بشرية. فخرج متجبِّرا متمرِّدا، لم يقبل الانسياق وراء الفكر المصلحي التقليدي السائد. فأباح لنفسه حرِّيَّة التفكير في القضايا الكبرى مَثَارِ الجدل على اختلاف العصور، وعبَّر عن ذلك بكلِّ صراحة وبصوتٍ صارخ ونبرةٍ ساخرة، إلاَّ أنه لم يمسَّ بذلك شعريته الفذَّة وحسَّه الأدبي المرهف، متقيِّدا في إطار الفنون الشعرية التقليدية الرائجة. أحسَّ بالغربة، ولم يُعترف به في زمنه إلاَّ بعد لأْيٍ. فشكا من عدم تقدير العصر له شكاةً مشوبةً بالتعلِّي بنفسه والغضِّ من شأن غيره. شعره صعبٌ فهمه لدى عامَّة القرَّاء والمتعلمين، حتى وقد يقابل القرَّاءَ المتذوِّقين المتدرِّبين تدرباً جيِّدا على فهم الشعر صعوبةٌ في ذلك، لِمَا يُوجد عند غالب نوع من الغموض الفكري في بعض قريضه. مع ذلك فإنه نجد في شعره عدداً كبيرا من الأبيات والمصاريع التي تدخل في حكم الأمثال السائرة. وله من المكانة في الشعر الأردي ما يتمتَّع به المتنبِّي في الشعر العربي و غوتَّيه (Goethe) في الأدب العالمي، فيُعتبر بحقٍّ شاعر كلِّ عصر. قال اقبال يمتدح غالب بنوع من التحسُّر على الديار المندثرة بدلهي القديمة التي فيها ضريح غالب:([25])    [من الرمل]

آه! تو اجڑى هوئى دلّى ميں آراميده هے
گلشنِ ويمر ميں تيرا هم نوا خوابيده هے

[آهِ من كون استراحتك الأبدية بديارٍ خَرِبةٍ في دلهي. أما وصاحبك الذي غرَّد مثلك (هو غوتَّيه) فله مرقدٌ فخمٌ (ممرورٌ عليه) في بستان ويمر.]

 

 

نماذج مترجمة من غزليات غالب

      [من الرمل]

نقش ، فریادی هے کس کی شوخیِ تحریر کا
کاو کاوِ سخت جانی ہائے تنہائی نہ پوچھ
آگہی ، دامِ شنیدن جس قدر چاہے بچھائے
بس کہ ہوں غالب! اسیری میں بھی آتش زیرِ پا
کاغذی ہے پیرہن ، ہر پیکرِ تصویر کا
صبح کرنا شام کا ، لانا ہے جوئے شیر کا
مدّعا عنقا ہے اپنے عالمِ تقریر کا
موئے آتش دیدہ ہے حلقہ مری زنجیر کا
  • من ذا الذي يشكوه الموسومُ رسمَه الغريب الساخر من نفسه ومن راسمه كذلك؟ فإن كلَّ صورةٍ رسمها الراسم إنما هي لابسةٌ ملبساً ورقيّاً تغطِّي به جسمها من العُرْي، ومن الشكاية كذلك.([26])
  • لا تسَلْ كم هي شدة الوطء الذي أنوء به في هذه الوحدة التي أعاني منها. فإن الترقب للفجر البعيد النائي منذ أن يحلَّ المساء، وتمضية الليل الطويل العريض: كلُّ هذا بمثابة حفر القناة في وسط الجبل وإجرائها باللبن، على غرار ما أقدم عليه فرهاد الحفَّار في سبيل امتلاك حبيبته شيرين، ولكن من دون جدوى.
  • مهما ألقت المعرفة الشَّرَك ونشرت شبكتها لاستراق السمع واقتناص الفهم، فإن المعنى يبقى عنقاء مُغْرِب في كلِّ ما يصدر منَّا من كلام في هذه الحالة التي انتابتنا من المسِّ والتوحش.
  • لست أتحمل اللُّبثَ – أي غالب – ولا الهدوءَ قطُّ، وأنا بالإسار المؤبَّد في سجن هذه الدنيا، كأنما تتمسك قدمايَ دوماً بالسخونة من تحتهما، وكأن كلَّ حَلَقةٍ من حَلَقات سلسلتي هي شعرةٌ تخبَّطتها النار من المسِّ.

    [من المضارع]

جز قیس ، اور کوئی نہ آیا بروے کار
تھا خواب میں خیال کو تجھ سے معاملہ
لیتا ہوں مکتبِ غمِ دل میں سبق ہنوز
ڈھانپا کفن نے داغِ عیوبِ برہنگی
تیشے بغیر مر نہ سکا کوہکن ، اسد!
صحرا ، مگر بہ تنگیِ چشمِ حسود تھا
جب آنکھ کھل گئی ، نہ زیاں تھا ، نہ سود تھا
لیکن یہی کہ “رفت” گیا اور “بود” تھا
میں ، ورنہ ہر لباس میں ننگِ وجود تھا
سرگشتۂ خمارِ رسوم و قیود تھا
  • لا أحد من العشَّاق نفَّذ إرادته – فخرج للصحراء في تشرده وتوحشه – إلاَّ قيساً المجنون. لكن الصحراء لم تسع ضيق صدره المستوحش إطلاقاً، وإنما بدت تجاهه كعين الحسود الضيِّقة.
  • كان لتصورنا – أيتها الحبيبة – حسابٌ معك في المنام ومعاملة. ولكن ما إن انتبهنا من النوم وانفتحت العيون، إذ لم يبق – لا نفعٌ ولا خسارةٌ البتة.
  • ما زلت أتعلم  في كُتَّاب  القلب الحزين،  على أنني  لم  أتقدم  شيئاً  في  الدرس بعدُ. فلا أزال بصدد أول الدروس المنطوية على التصريفات من مثل: ((ذهبت)) الحبيبة، وإنما ((كانت)) معي.
  • إنما ستر الكفن عار العُرْي ومحا وصمة التجرد وذُلَّه، وإلا فكنت بنفسي خزياً للوجود مهما ارتديت من زيٍّ ولباس.
  • ما استطاع الحفَّار (المدعوُّ بـ((فرهاد شيرين))) أن يموت – يا اسد([27]) – إلاَّ بقَدُوْمه التي استخدمها من أجل انتحاره بشجِّ رأسه بها. ألا كم كان أسيراً للتقاليد والأعراف، إذ لم يمت إلا بوسيلةٍ من وسائل الموت اضطُرَّ إلى التذرع بها اضطرارا.

[من المقتضب]

کہتے ہو: “نہ دیں گے ہم ، دل اگر پڑا پایا”
عشق سے طبیعت نے زیست کا مزا پایا
دوست دارِ دشمن ہے ، اعتمادِ دل معلوم!
سادگیّ و پر کاری ، بے خودیّ و ہشیاری
غنچہ پھر لگا کھلنے ، آج ہم نے اپنا دل
حالِ دل نہیں معلوم ، لیکن اِس قدر ، یعنی
شورِ پندِ ناصح نے زخم پر نمک چھڑکا
دل کہاں کہ گم کیجے ، ہم نے مدّعا پایا
درد کی دوا پائی ، دردِ بے دوا پایا
آہ بے اثر دیکھی ، نالہ نارسا پایا
حسن کو تغافل میں جرأت آزما پایا
خوں کیا ہوا دیکھا ، گم کیا ہوا پایا
ہم نے بارہا ڈھونڈا ، تم نے بارہا پایا
آپ سے کوئی پوچھے: تم نے کیا مزا پایا؟
  • تقولين – أيتها الحبيبة: إنه لا نردُّ إليك إذا ما عثرنا على قلبك أينما وُجد. فأقول: قد وجدنا ما كنَّا ننشده من مطلب، هو طلبك قلبنا بلسانك أنت. وأما القلب فقد وهبناه لك أوَّلَ ما رأيناك، فلم يبق لدينا ما قد نفقده من شيء مثله منذ زمان.
  • إن طبيعة الإنسان قد نالت بالحبِّ طعماً للحياة ولذَّة، بحيث إنه قد ظفر بذلك على العلاج لآلامها وجراحها النازفة، غير أن الحياة هي نفسها الجرحُ الغائرُ البالغُ الغورِ الدائمُ النزفِ، فلا دواءَ هنالك أكيداً لأوجاعها المتجدِّدة المتواصلة يبرأ به الإنسان منها بُرْءاً كاملاً ويُبِلُّ به إبلالاً تامّاً، ما دام على قيد الحياة وبه شيء من الرَّمق.
  • ليس لنا  في القلب  من معوَّل  على الإطلاق.  إنه لا  يصادقنا ولا يجدينا في محنتنا فتيلا، وإنما اتَّخذ من العدوِّ خدناً له وصاحبا، ونَاصَبَنا العداء. فوجدنا آهتنا من جرَّاء معاداته لا تأثير لها

قطعاً، كما ألفينا البكاء – كذلك – قاصر الوصول إلى الحبيب، كيما لا يرقَّ لنا قلبه شيئا.

  • إن الحسن – في تجاهله لنا وتغافله – إنما يجرِّب جرأتنا تجاهه ويختبر مدى احتمال همتنا – (كلما تصدينا له وأقدمنا عليه) – بكلِّ ما يملك مما يُدِلُّ به علينا من ثنائياته المُوْهِمة كمثل البساطة الأنيقة الماكرة والغفلة المنتبهة المهتمَّة.
  • ما إن رأينا اليوم نَوْرَةً جديدةً من الحسن والجمال تبدأ في تفتُّحها، إذ انجرف القلب وراءها مذبوحا في حبِّها ومتيَّما.
  • إنه لا نعرف من أمر القلب ومن تقلُّباته شيئا، اللهم إلا أنه قد افتقدناه نحن مراراً، وعثرت عليه أنت تكرارا.
  • ذرَّت ضوضاء الناصح مِلْحا من النصائح على جراحنا النازفة من الحبِّ ليفاقم حالتنا، وقد سكَّ آذاننا بسخافة وصاياه دونما فائدةٍ حقَّقها بها. فلْيَسْألْ أحدٌ حضرته بأنْ أيُّ متعةٍ حصل عليها بفعله التافه ذلك؟

 [من الرمل]

دل مرا سوزِ نہاں سے بے محابا جل گیا
دل میں ذوقِ وصل و یادِ یار تک باقی نہیں
میں عدم سے بھی پرے ہوں ، ورنہ غافل! بارہا
عرض کیجے جوہرِ اندیشہ کی گرمی کہاں!
دل نہیں ، تجھ کو دکھاتا ورنہ ، داغوں کی بہار
میں ہوں اور افسردگی کی آرزو ، غالب! کہ دل
آتشِ خاموش کے مانند گویا جل گیا
آگ اس گھر میں لگی ایسی کہ جو تھا جل گیا
میری آہِ آتشیں سے بالِ عنقا جل گیا
کچھ خیال آیا تھا وحشت کا کہ صحرا جل گیا
اس چراغاں کا ، کروں کیا ، کارفرما جل گیا
دیکھ کر طرزِ تپاکِ اہلِ دنیا جل گیا
  • احترق القلب بناره المتوارية احتراقاً صامتاً لا يُبْقِي ولا يذر، كما تحترق الجمرة المختفية في طبقات من الرَّماد وتنتهي عن آخرها في خمود.
  • شبَّت نيران الحبِّ في ديار القلب، فلم يُوجد بها شيء إلا واحترق، وتناولت ألسنة حريق الهِجْران ولوعة البُعاد كلَّ ما في القلب من الأشواق والذكريات، حتى ولم يبق لهيب التحرُّق لوصال الحبيب – ولا شعلة ذكراها – إلا وخَبَتْ في الرماد.
  • إن كنت أتواجد فيما بعد العدم من الحالة والمكان، مع ذلك فإن جناح العنقاء – أيها الحبيب الغرير الغافل عن شدة تحرقي إليك – أُصيب جناح العنقاء مراراً بلهيب آهتي المحرقة لكونه كائناً بمرماها – (مع كلِّ تلك المسافة الشاسعة والبعد البعيد الذي يفصلني عنه) – فاحترق. لكن آهتي هذه ، برغم ما فعلت ما فعلت من ذلك كلِّه، لم تحرِّك فيك ساكناّ أبدا، ولم تُثِر اهتمامك بي شيئا، فذهبت دون جدوى.
  • إلى أيِّ مدى نصف لك حرارة الفكر الأصيل المتأصل في طبعي وحدَّة الشعور بوظيفته تجاه المحبوب؟ فأنه ما إن تولَّدت عندي فكرةٌ عن التوحش والشِّراد، إذ احترقت الصحراء من شدة الهَيَجان حسداً لما قد فكَّرته، دعك من الإقدام عليه فعلاً والعمل بموجبه من قبل أحد المستوحشة مثلي، فينتبذ إلى الصحراء متشردا.
  • ما بقي لي في صدري من قلب ولوع، وإلا فأريتك حشداً من الحروق المتَّقدة الملتاعة، فترى وفرةً وفيرةً مما ترك به الحبيب من ندوب مشعة لمَّاعة. ولكن لم يبق بوسعي أن أفعل لك ذلك، فإن العامل الأساسي المحرِّك وراء كلِّ هذه الإضاءة والإنارة – التي ما تزال تضيء صدري بانعكاسها الفائض – إنما انتهى إلى النفاد بالاحتراق.
  • إنما أُصيب القلب بالكآبة والانقباض، فالحرق المكتوم في قدر الصدر الكاتمة، بما قد لاحظ من برودة استقبال حارٍّ مزعوم وتلقٍّ كاذب بالقبول – يعمل في نفسي عمل السخرية اللاذعة الحِرِّيفة – من قبل هؤلاء القوم الحساد الذين لمَّا يبلغوا حدَّ التطور الفكري الشعري الذي حزته. فما بقي لي الآن – يا غالب – إلا أمنية واحدة تسكن في قلبي الذاوي: ألا وهي الانزواء على النفس والتقوقع، فالخمول والمغمورية، بل الانطفاء للذهن والشعور بالكلية إلى أن أصير نسياً منسيّاً بعد أن كنت شيئاً مذكورا.

     [من الرمل]

شوق ، ہر رنگ رقیبِ سر و ساماں نکلا
بوئے گل ، نالۂ دل ، دودِ چراغِ محفل
دلِ حسرت زدہ ، تھا مائدۂ لذّتِ درد
ہے نو آموزِ فنا ، ہمّتِ دشوار پسند
دل میں پھر گریے نے اک شور اٹھایا ، غالب!
قیس ، تصویر کے پردے میں بھی عریاں نکلا
جو تری بزم سے نکلا ، سو پریشاں نکلا
کام یاروں کا بقدرِ لب و دنداں نکلا
سخت مشکل ہے کہ یہ کام بھی آساں نکلا
آہ! جو قطرہ نہ نکلا تھا ، سو طوفاں نکلا
  • مهما اختار الحبُّ من أطوار لجلب انتباه الحبيب والتوصل إليه، فإنه يتكشف دائماً عن كونه عدوّاً لدوداً للبضائع والوسائل لتحسين وضع العاشق وتقريبه للحبيب. خذ على ذلك مثال قيس المجنون، فإنه يبقى عارياً من اللُّبس والأسباب على الدوام، ولو تستَّر بغطاء من الرسم والتصوير([28]).
  • إن رائحة الورد وفَوَحانه، وبكاء القلب وآهته، ودخان انطفاء شمعة الحفل الساهر: كلٌّ من ذلك وغيره – (ومن الحضور المتيَّمين في حبِّك أيضا) – لم ينفضَّ أحدٌ من حولك – أيها الفاتن المغترُّ بنفسك – مجبور الكسر ورابط الجأش متماسكا. ولكن إنما خرج من مجلسك محطَّم العصب منكسر الخاطر منتشره ومبدَّدا.
  • إن قلبي المتلهِّف لوصال الحبيب، المتحسِّر على عدم تمتيع النظر برؤيته، المهموم بهجرانه، الملتذَّ بجوره وجفائه: إنما أصبح قلبي هذا سفرة الألم اللذيذ الأثير لدى نفسي كأثر من آثار الحبيب المتبقِّية العزيزة. وهذا أيضا مما لم يرق أصدقائي الأعداء، إذ لم يبق لهم من أمر إلا الاستعانة بالأفواه والأسنان لنهشه ومضغه والنيل منه قطعة قطعة.
  • كانت همتي الراغبة في اقتحام الصعاب المولعةُ بركوب الشدائد حديثةَ العهد بالتعلم فيما يتعلق بتصور الحبيب والتمثل له والتلاشي فيه مما يلزم في رحلة العشق الشاقَّة المستعصية. ولكنه من العجب العجاب – (وعلى الرغم من شدة إحساسي بإمكان الوقوع في عوار) – أن هذا الأمر العسير العصيَّ على نفسي – لكونها عزيزةً أبيَّة – إنما حصل بسهولة ويسر، من غير مقاومة تُذكر.
  • إنما أحدث إجهاشي بالبكاء – يا غالب – ضجَّةً ضجيجة في قلبي من جديد. آه من هذا الطوفان الجارف الذي هاج طغيانه وماج – من غير انقطاع هذه المرَّة – من تلك الدمعة الواحدة الوحيدة التي لم أسكبها منذ زمان.

                    [من المضارع]

دھمکی میں مر گیا ، جو نہ بابِ نبرد تھا
تھا زندگی میں مرگ کا کھٹکا لگا ہوا
تالیفِ نسخہ ہائے وفا کر رہا تھا میں
جاتی ہے کوئی کش مکش اندوہِ عشق کی!
عشقِ نبرد پیشہ طلب گارِ مرد تھا
اڑنے سے پیشتر بھی مرا رنگ زرد تھا
مجموعۂ خیال ابھی فرد فرد تھا
دل بھی اگر گیا ، تو وہی دل کا درد تھا
  • خاف بمجرد التهديد ومات الذي لم يكن ليصلح للنزال والجلاد، فيصمد في وجه النوائب التي تلم بالعشاق في معركة الحبِّ للوصول إلى الحبيب وامتلاكها. أما الحبُّ فإنه يتطلَّب الفارس المغوار الذي يقتحم المآزق ويزاحم الأقران، ويتصبَّر متجلِّداً عند المصائب التي تنزل تترى وتقف في طريق مؤدٍّ إلى بغيته الممنَّعة الممتنعة.
  • لم أبق طيلة حياتي إلا تحت الحظر الدائم من الخوف القائم من الموت، كأنما عُلِّق فوق رأسي السيف. فما عشت – لعمري – إلا شاحب الوجه مصفرَّه من قبل أن تتغير بَشَرتي بمرور الزمن ويضرب لون شعري إلى الرمادية فالبياض، فيشتعل رأسي شيباً وأبلغ من الكِبَر عِتِيّاً، فأترقب حينئذ الممات وَجِلاً أو من غير وَجَل.
  • أخذت في جمع الشمل ولمِّ الشتات لِمَا تكدَّس عندي من مسوَّدات وصحائف منقورة بالذهن – منتثرةً في نسيج الفكر – سجَّلت مواقف ولائي لحبيبي وبقائي على ودٍّ له خالص. ولكنه ما أمكنني أن أفعله إطلاقا. وكيف لي سبيل ألى ذلك، لأنه لم يجتمع لي شريد خاطري وشتيت فكري بعد، بما قد لاحظت ما أبداه الحبيب من النفور والصدود، ولا يزال باقياً على عهده بالعناد.
  • ليس بالإمكان أن يذهب ما ألقاه الحبُّ في رُوعي من همٍّ ثابت أشعل بيني وبين قلبي من صراع مستمر طويل حول ما أتلقَّى من أوجاع وأتحمَّل من مشاقَّ في سبيل الحبِّ بكلِّ ما يحمل في حناياه من النوازع والهواجس والأشجان. فذهب القلب ضحيَّة هذا الصراع، وانتقل إلى الحبيب في حوزته. لكن الذي ترك الحبُّ في قلبي من آلام، فإنها باقيةٌ عندي – قابعةً في مطرحها من الصدر – لم تبرح قطُّ حتى ببراح القلب نفسه.

——————————-

[1]–   محاضر اللغة العربیة سابقا بالجامعة الإسلامية العالمية، إسلام آباد.

[2]–   ابن قتيبة: الشعر والشعراء، تحقيق وشرح: شاكر ، أحمد محمد، دار الحديث، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص75-76؛ ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي1 (العصر الجاهلي)، دار المعارف، ط10، 1982م، ص195 وما بعدها؛ التونجي، محمد: المعجم المفصل في الأدب (مجلدان)، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1431هـ/ 1993م، مواد: اعتذاريات النابغة، الحماسة، الرثاء، الغرض، الغزل، الفخر، المديح، النسيب، الهجاء، الوصف؛ Daudpota, Umar Muhammad: Influence of Arabic Poetry on the Development of Persian Poetry, Sindh Arabic Society, Haydarabad, 1988 (reprint of 1st ed. 1934), pp. 17-18.

[3]–   المرجع السابق الأول، ص75-76؛ المرجع السابق الثاني، ص183-184؛ المرجع السابق الثالث، ص18-19؛ علي، أحمد محمد: معلقة زهير في ضوء نظرية النظم، دار الحديث، القاهرة، بدون سنة، ص133-143 (التعليق على القصيدة)؛ Lichtenstadter, Ilse: Introduction to Classical Arabic Literature, Twyne Publishers Inc., New York, 1974, pp. 23-26.

[4]–   التونجي، محمد: المعجم المفصل في الأدب، مواد: الإخوانيات، الخمريات، زهديات أبي العتاهية، الطرديات.

[5]–   المرجع السابق، مواد: الغزل الصريح، الغزل العذري، النسيب.

[6]–   نعمانى، شبلى: شعر العجم، المكتبة العلمية، لاهور، ط3 (معادة من طبعة دار المصنفين، أعظم غر)، بدون سنة، ج4، ص121؛ Daudpota, Umar Muhammad: Influence of Arabic Poetry on the Development of Persian Poetry, p50.

[7]–   وابتداء إحدى قصائد مُعِزِّي النيسابوري (فـ: 542هـ/ 1148) – مثالاً آخر – يذكِّرنا باستهلال معلقة امرئ القيس:     [من الرجز]

ای ساربان ، منزل مکن جز در دیارِ یارِ من تا یک زمان زاری کنم بر ربع و اطلال و دمن

[ألا أيها السائقُ الراحلةِ، لا تنزل إلا بديار حبيبي (الدارسة)، فأسكب الدموع (هنالك) ساعةً على تلك الربوع والأطلال والدِّمَن.]

[ديوانِ امير معزى، تحقيق: عباس اقبال، كتابفروشىِ اسلاميه، تهران، 1318 شمسية هجرية، ص597.]

[8]–   وإن كان هناك رأي لمؤلِّف شعر العجم يقول بأن الـ((غزل)) إنما استقل بوجوده عن القصيدة منذ عهد رودكى المؤسس الرسمي الأول للشعر الفارسي (فـ: 334هـ/ 945م)، أي في أواخر القرن الثالث أو أوائل القرن الرابع الهجري. لكن الذي تحقَّق عند الباحثين وتأكَّد أن سنائى غزنوى هو الذي جعل الـ((غزل)) نوعاً شعريّاً مستقلاًّ منفصلا عن القصيدة، وبذلك أصبح هو – وليس رودكى – أبا عذرة هذا الفن.

[نعمانى، شبلى: شعر العجم، ج5، ص33؛ هاشمى، طارق: اردو غزل – نئى تشكيل، نيشنل بك فاؤنڈيشن، إسلام آباد، ط1، 2008م، ص18-23؛ اردو دائرهٔ معارفِ اسلاميه، جامعة البنجاب، لاهور، ط1، 1975م، ج11، مادة: سنائى.]

[9]–   وهي الأردية في شكلها البدائي التي دعوها الهندوية أوالـ((ريخته)) أي المختلطة المتکونة من عدة لغات.

10-  (أو 525هـ/ 1131م) ويذكر له محمد عوفي ثلاثة دواوين في العربية والفارسية والهندوية، (والديوان الهندوي مفقود).  انظر: عوفي، محمد: لباب الالباب، تصحيح وتعليق: سعيد نفيسى، كتابفروشىِ ابنِ سينا، تهران، 1375هـ/ 1956م، ص423.

[11]–  ادَّعى امیر خسرو لنفسه الأولية في إنشاء ديوان مستقل بالهندوية، وإن كان قد اعترف – على الرغم منه – بأسبقية مسعود سعد سلمان في هذا الصدد. ويُعتبر أول من وضع في الحقيقة الحجر الأساسي للشعر الأردي بأغنياته الهندوية المتفرقة. وقد نسبوا إليه من ذلك الشيءَ الكثير.

[دهلوى، امير خسرو: ديباچهٴ ديوانِ غرة الكمال، مطبع قيصريه، دلهي، ط1، بدون سنة، ص6؛ نارنگ، گوپى چند: امیر خسرو کا ہندوی کلام – مع نسخۂ اشپرنگر، امیر خسرو سوسائٹی آف امیرکا، شکاگو، 1978م.]

[12]–  وهو أول شاعر له ديوان بالأردية المتميزة المتطورة عن الهندوية. انظر: کلیاتِ محمد قلی قطب شاہ، تحقيق: ڈاکٹر محی الدین قادری زور، (مکتبہ ابراہیمیہ مشین پریس)، حيدر آباد الدكن، 1359هـ/ 1940م.

[13]–  حقَّق ديوانه الدكتور جميل جالبى، ونُشر لأول مرة من قبل انجمنِ ترقىِ اردو پاکستان بكراتشي عام 1971م.

[14]–  حقَّق ديوانه علی احسن واحسن مارہروی، ونُشر من قبل انجمنِ ترقیِ اردو في أورنغ آباد (الدكن) عام 1927م.

[15]–  انظر للتفصيل حول الأثر الفارسي في اللغة والأدب الأرديين: خان، محمد عطاء الله: اردو اور فارسى كے روابط، انجمنِ ترقىِ اردو پاكستان، كراتشي، ط1، 2009م، الباب الرابع على الأخص؛ شعبهٔ تحقيق و اشاعت، فارسى شاعرى كا اردو شاعرى پر اثر، مدرسهٔ عاليه، داكا (بنجلاديش)، 1953م؛ Daudpota, Umar Muhammad: Influence of Arabic Poetry on the Development of Persian Poetry, Chapter III, IV & V.

[16]–  جديرٌ بالذكر أن الشاعر الأردي يخاطب في غزله مذكَّراً، أو يستخدم عادةً صيغة المذكر في اقتفاء أثر الشاعر الفارسي الذي تغزَّل في هذا النوع من الشعر خاصةً (أي فن الـ((غزل)) المستقل) بالسقاة الغلمان (= مُغبچگان) الذين طافوا على الشاربين بكئوس الخمر في حانة المجوس، وكان الغلمة الأتراك (= وِشاقان) قد اتَّخذوا مكانهم في مجالس المسلمين منذ ابتداء الشعر الفارسي. هذا، بالإضافة إلى أن اللغة الفارسية لا تفرِّق بين المذكر والمؤنث في الصيغ والضمائر. ويقال إنهم خاطبوا الله في الـ((غزل)) حبيباً عند انفصاله عن القصيدة كنوع شعريٍّ مغاير على يد الشعراء الصوفيين نحو سنائى غزنوى الذي يُعتبر أول من كتب شعر هذا الـ((غزل)) بالفارسية كفنٍّ مستقل، وقد حشاه بالمعاني الصوفية الدالَّة على الحبِّ الإلهي. وحذا حذوه الشاعر الصوفي الآخر اَوحدى مراغى وغيره من الشعراء – صوفيين كانوا أم غيرهم. وهكذا جرت العادة باستخدام صيغة المذكر للحبيب في الـ((غزل)) عند الشاعر الفارسي الذي تتبع خطاه الأردويون في ذلك أيضا كفعلهم فيما يتعلق بالفنون الشعرية الأخری عامَّة. (وفي النماذج الآتية من شعر غالب ذكرنا صيغة المذكر مؤنثةً على العموم).

[آسى، عبد البارى: مكمل شرح ديوانِ غالب، صديق بك ڈپو، لكناو، ط2، بدون سنة، ص221؛ نعمانى، شبلى: شعر العجم، ج5، ص35؛ خان، محمد عطاء الله: اردو اور فارسى كے روابط، الباب الرابع؛ فاروق، عمر: غزل–کیفیتِ ابتدا  اور بنیادی لُغوی معانی، مجلہ بنیاد، لاہور یونیورسٹی آف مینجمٹ سائنسز، لاهور، ج 2، ع 2، 2012ء، ص159]

[17]–  وهو كلمة أو كلمات تُكرَّر بعينها بعد القافية في كل بيت من أبيات القصيدة أو الـ((غزل)) والمنظومة الفارسية

والأردية على الأعم الأكثر. ولا يوجد الـ((رديف)) في الشعر العربي إلا تفنُّنا واتِّباعا للفرس.

[الطانوي، محمد على: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف ومراجعة: رفيق العجم، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، 1996م، ج1، ص2855-2857؛ القنوجي، صديق بن حسن: أبجد العلوم، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1978م، ج1، ص317-319؛ ویکی پدیا، دانشنامۂ آزاد در اینترنت، زیرِ عنوان: ردیف؛ فضا، محمد صدر الدين: علم العروض، مگدھ پبلشرز، بطنه (الهند)، ط1، 1982م، ص130]

[18]–  جمال، انور: ادبى اصطلاحات، نيشنل بك فاؤنڈيشن، إسلام آباد، ط1، 1993م، مواد: غزل، قطعه، مطلع، مقطع؛ دهخدا، على اكبر: لغت نامه دهخدا، مادة: غزل، مطلع.

[19]–  التونجي، محمد: المعجم المفصل في الأدب، مادة: حسن التخلص، الخروج في الشعر.

[20]–  يبدو أن الشاعر الفارسي أطلق اسم الـ((تخلص)) – أولاً بأول – على البيت الأخير من الغزل حيث كان عليه – إن بقي يقرض القصيد – أن يتخلص إلى المديح أو غيره من الأغراض، ولكنه توقف واكتفى، كما استخدم بعدئذ في البيت الأخير نفسه اسمه الخاصَّ بالشعر إيذاناً بانتهاء هذا الـ((غزل)) المستقل. ثم حصل تغيُّر آخر في مدلول الـ((تخلص))، فأصبح يُطلق على ذلك الاسم الخاص المستخدم في مقطع الـ((غزل)) وكذلك في مقاطع القصائد بعده. وقد يأتون به في غير البيت الأخير من المنظومات أيضا.

[الزعبي، زياد صالح: مصطلح التخلص في النقد العربي القديم، مجلة الدراسات الإسلامية، ج29، ع3، الخريف (محرم- ربيع الأول 1415هـ/ يوليو- سبتمبر 1994م)، ص81–133؛ دہخدا، على اكبر: لغت نامہ دہخدا، انتشاراتِ دانشگاہِ تہران، تہران، 1348 شمسی ہجری، مادة: تخلص؛  محمود، جاسم ردام: بررسی در بارہٴ تخلّص پنہان سنايی غزنوی، مجلة كلية اللغات، جامعة بغداد، موقع أليكتروني: http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=53061 ؛ کدکنی، شفیعی: زمینہ ہایی روان شناختی تخلص در شعر فارسی، مجلہ بخارا، طهران، موقع أليكتروني: http://aryaadib.blogfa.com/post-552.aspx ؛ ہاشمى، طارق: اردو غزل– نئى تشكيل، ص18–23؛ جمال، انور: ادبی اصطلاحات، مواد:تخلص؛ ادیب، انیس: اردو شاعری میں تخلص کی روایت، مجلہ معارف، مجلس دار المصنفین، أعظم غر، ج148، ع5، نوفمبر 1991ء، ص375–379؛ فاروق، عمر: غزل–کیفیتِ ابتدا اور بنیادی لُغوی معانی، مجلہ بنیاد، ج 2، ع 2، 2012ء، ص159– 061]

[21]–  على حدِّ تعبير الدكتور جميل أحمد في حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشمالي الهندي في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلادي المنشور من قبل وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1977م، ص131؛ و كما ذكر شفیعی کدکنی في مقاله  زمینہ ہایی روان شناختی تخلص در شعر فارسی المنشور بمجلة بخارا المحال عليها آنفا.

[22]–  The Concise Oxford Dictionary, 12th Ed. ، تحت المواد المذكورة.

[23]–  اعتمدنا في متن الشعر على طبعة غالب انسٹى ٹيوٹ الهندية المعاد طبعها مراراً في الهند وباكستان، والتي بُنيت على النسخة المطبوعة عام 1862م بـ((مطبع نظامى)) في كانفور بتصحيح غالب نفسه.

[24]–  انظر – على سبيل المثال لا الحصر – لبعض التفصيل عن حياة غالب وشعره وفكره: حالى، الطاف حسين: يادگارِ غالب (حصه اردو)، تحقيق: مالك رام، مكتبه ٔ جامعه لميٹڈ، دلهي الجديدة، 1977م؛  عبد الحكيم، خليفه: افكارِ غالب، مكتبه معين الادب، لاهور، ط2، 1963م؛ ديوانِ غالب (نسخه ٔ عرشى)، تحقيق: امتياز على خاں عرشى، انجمنِ ترقىِ اردو، دلهي، ط1، 1958م، مقدمة المحقق؛  بجنورى، عبد الرحمن: محاسنِ كلامِ غالب، ڈ اكٹر عبد الرحمن بجنورى ٹرسٹ،  إسلام آباد، 2004م؛  غالبِ نام آور  (مجموعة مقالات مختارة)،  انجمنِ ترقىِ اردو،   كراتشي،  ط1، 1969م.

[25]–        كلياتِ اقبال (اردو)، فضلى سنز (پرائيويٹ) لميٹڈ، كراتشي، ط4، 2003م، ص52.

[26]–        جرت العادة في الإمبراطورية الفارسية القديمة بأن المشتكي يذهب إلى الحاكم مرتدياً لباساً مصنوعاً من الورق كأنه كلُّه شكوى وظُلامة.

[باقر، آغا محمد: بيانِ غالب، شيخ مبارك على تاجرِ كتب، لاهور، 1940م، ص4.]

[27]–        استعمل غالب كلمة اسد أيضاً كـ((تخلص)) له في الشعر، وهي جزءٌ من اسمه الحقيقي. أما لفظة غالب فلم تكن جزءاً من اسمه قبل استخدامها كـ((تخلص)).

[28]–        قارن بین هذا وبین ما قاله في البیت الأول من دیوانه والذي أثبتناه في مکانه عند بدایة هذه الترجمة لبعض غزلیاته هنا في الجزء الثاني من البحث: “… فإن كلَّ صورةٍ رسمها الراسم إنما هي لابسةٌ ملبساً ورقيّاً تغطِّي به جسمها من العُرْي…”

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!