مهرطقة: لماذا يحتاج الإسلام إلى الإصلاح الآن؟

مهرطقة: لماذا يحتاج الإسلام إلى الإصلاح الآن؟

كيف يتساوى الإصلاح و الهرطقة؟! قراءة في كتاب “مهرطقة: لماذا يحتاج الإسلام إلى الإصلاح الآن؟”

لـ فاطمة بنت ناصر

(الفلق)

مقدِّمة لابُد منها:
“أيان هرسي علي” المرأة الصومالية التي لم تكن طفولتها سهلة، حيث تربت بحكم طبيعة والدها السياسي المعارض متنقلة بين الصومال والسعودية وأثيوبيا وكينيا. عاشت جزءًا كبيرًا من حياتها في المحيط الإسلامي، وعانت من ممارسات جاهلية: كالختان وهي في عمر 5 سنوات، كما لبست الحجاب ونادت بإعدام مؤلف الآيات الشيطانية في شبابها، وتأثرت بالأخوان المسلمين واعتنقت آراءهم في مرحلة المراهقة؛ وذلك بسب تأثرها بالتعليم الديني الذي نشرته السعودية عبر مدارس لها بأفريقيا. كما رفضت تزويجها قصرًا وإجبارًا.
كانت هذه الممارسات وغيرها سببًا كافيًا لأيان لتحتمي بهولندا البلد الذي منحها حق اللجوء في 1992. لأيان هرسي خمسة كتب، أربعة منها كتبتها دون مشاركة، وكتاب “مانيفستو الملحد” كتبته بمشاركة الكاتب هرمان فيليبس، ولعل الملمح المشترك في جميع كتب أيان ذكرها لتفاصيل من سيرة حياتها، وهذا ينطبق على كتبها التي صنفت ككتب سيرة ذاتية، وحتى الكتاب الذي سنستعرضه هنا، رغم أنه ليس معرفًا ككتاب سيرة ذاتية، ولكنه يحتوي على أجزاء من سيرة حياتها. وهنا تبرز أهمية ما مرت به هذه الكاتبة ومدى تأثرها به، حيث ألفت بسبب ما مرت به أربعة كتب حتى الآن.
ومن المؤسف عدم وجود ترجمة عربية لكتب أيان هرسي حتى اليوم، إلا أنّ بعض المسلمين ربما يعرفونها بسبب فلمها “فتنة”! أو هكذا أطلقوا عليه، رغم أن عنوانه “submission” أو الاستسلام، حيث يتناول بعض الممارسات الإسلامية التي تطبق على المرأة، والتي عانت أيان شخصيا منها، كالختان وغيرها.
أثار الفلم غضب الكثيرين؛ حيث قام مسلم بذبح منتج ومخرج الفلم بدم بارد في أحد شوارع هولندا، ووضع قصاصة على جثته تحمل تهديدا بقتل أيان أيضًا، وتهديد للدول الغربية واليهود، كما أعلن فيها القاتل اِنتمائه لجماعة التكفير والهجرة. الفلم معروف بإساءته للإسلام، ولكن كم عدد الذين شاهدوا الفلم من المسلمين الحانقين؟
العدد كالعادة ليس كبيرًا؛ لأن عرض الفلم لم يكن على نطاق كبير أصلا، كما أنّ توزيعه كان محدودًا للغاية، إذا ما قارناه بردة الفعل التي عمت البلاد الإسلامية من المشرق والمغرب آنذاك.
كانت هذه المقدمة عن الكاتبة ضرورية قبل البدء في استعراض كتابها، لاعتقاد البعض أن أيان تعارض الإسلام بسبب مؤامرة خارجية، وأن معارضتها له لا مبرر لها؛ لهذا وجب التنويه أنها عاشت في بيئة مسلمة مطبقةً للإسلام منذ طفولتها وحتى شبابها.
الجدير بالذكر أنّ أيان قبل هذا الكتاب كانت قد يأست من أي إصلاح إسلامي، والمتتبع لكتبها السابقة يلاحظ الفرق، فهي اليوم تنادي بإصلاح الإسلام، وتنضم إلى قائمة طويلة ممن نادوا به قديمًا، وممن ينادون به حديثًا لمواجهة مد التطرف.

مهرطقة: لماذا يحتاج الإسلام الى الإصلاح الآن؟
لعل ما يميز كتب أيان، هو اختيار عناوين صادمة مع تشابه المضمون، فقد نشرت قبل “مهرطق” عدة كتب منها: “الكافر” و”البدوي” و”العذراء المسجونة”. ومعظم هذه الكتب تحكي رحلة إيان من الإيمان بالإسلام إلى نفورها منه، ورغم صدق وواقعية الأحداث التي مرت بها إيان، إلا ان الكثيرين ما أن يروها على الشاشات حتى يبدأون بشتمها، ومع ذلك لم تحاول إيان -ككتّاب كثر- عرض آرائِها بأسلوب تستميل فيه الجمهور، بل يبدو أنها ممن يؤمن بأنه “لا يفل الحديد إلا الحديد”، فنراها تختار عناوين موجزة وصادمة في آن؛ خاصة للمسلمين. أما لغيرهم فهذه العناوين باعثه للفضول، وحب معرفة كيف لمسلم أن يهجر الإسلام، ويجاهر بنقده وتحليله بهذه الجرأة.
مكونات الكتاب:
1. المقدمة : إسلام واحد و 3 صنوف من المسلمين.
2. قصة مهرطقة: رحلة ابتعادي عن الإسلام.
3. أين الإصلاح في حياة المسلمين؟
4. محمد والقرآن: عدم مساءلة القرآن والسنة عائق أمام الإصلاح.
5. أولئك الذين يحبون الموت: تركيز الإسلام حول الحياة بعد الموت.
6. قيد الشريعة: كيف تستطيع قسوة أحكام الشريعة تجميد المسلمين في القرن السابع؟
7. السيطرة الاجتماعية تبدأ من المنزل: كيف تستطيع أوامر الحلال والحرام وضع المسلم على المسار المطلوب منه؟
8. الجهاد: لماذا الدعوة إلى حرب مقدسة؟
9. الخاتمة : إصلاح المسلمين.

إن المتأمل في هذه المداخل سيستشعر تمحورها حول عرض نقاط ضعف أو مواضع محظورة، وغالبًا ما ينأى المسلمون عن مناقشتها. ولكن أيان وعلى عكس كتبها السابقة، تدعم وجهة نظرها الداعية إلى الإصلاح الإسلامي، بالاستشهاد بعدد من الأسماء المهمة من المسلمين، الذين دعوا للإصلاح قديمًا وحديثًا. وشخصيًّا تعرفت على أسماء لم أكن أعرفها سابقًا، وقمت بالبحث عن آرائها وإنجازاتها، ورأيتني أمام إضافات معرفية جديرة بالالتفات. ولهذا سوف أقوم بعرض لهذه الأسماء، لما لها من أهمية؛ حيث أن دعوات الإصلاح في البلدان الإسلامية نالت هجومًا كبيرًا، وتصدٍ على كل الأصعدة حتى وصلت إلى الملاحقة الاجتماعية، وليس ما حصل للكاتب نصر حامد أبو زيد من تكفير وفصل عن زوجته رغم إصراره أنه مسلم ويشهد بالشهادتين هو الحدث الوحيد، بل طال بعضهم الاغتيال البشع كما حدث لفرج فودة؛ ذلك المفكر الذي ظلمت كتبه كثيرًا، بسبب مهاجمة المؤسسة الدينية له، وقد نفرتُ شخصيًّا من كتبه اعتقادًا مني أن كاتبها يهاجم الإسلام، إلا أنِّي حين قرأته أدركت أنه يدرك حقيقة الإسلام أكثر من يتكلمون عن قشوره وكأنها هي الدين.
إن هذه الأمثلة ما هي إلا فتات يسير يعكس قسوة ما تتعرض إليه هذه الأصوات، فالكثير ممن نادوا بالإصلاح في العالم الإسلامي لاقوا مصائِر مشابه أمثال: عبد الحميد الأنصاري، خالد محمد خالد، علي عبدالرازق، محمود محمد طه، حامد عبدالصمد، عبدالكريم سروش، رائف بدوي، حمزة كاشغري.
كما طال التشويه والهجوم أيضًا من دعوا لإصلاح الإسلام من منابر الأديان الأخرى، وبعضهم ممن كان مسلمًا وهجر الإسلام معتنقًا دينًا آخر، كتجربة الأخ رشيد، وغيرهم الكثير ممن تعرض لهم الكتاب. وبالإضافة إلى المصلحين من العالم العربي، هناك أصوات داعية للإصلاح من العالم الغربي؛ مسلمون يعيشون في منطقة مربكة، في بيئة غير مسلمة، ولعل هذه الفئة هي أكثر فئة تعاني في مسعاها إلى تحسين صورة الإسلام؛ وذلك لكثرة الأحداث المتطرفة التي تحمل شعارات إسلامية، ووجود فئات مسلمة تؤيد هذه العمليات ضد غير المسلمين، وبالتوازي هنالك أصوات لفئات مسلمة أخرى تقول إن هذا التطرف لا يمثل الإسلام.
وسط هذا التداخل لا يستطيع الغرب فهم تعقيدات هذه العلاقات الإسلامية، وتقاذف التهم بينها، وتنوع المدارس الإسلامية أو بالأحرى “تفرق” هذه المدارس. وهنا نذكر بعض الأصوات الإصلاحية المسلمة المهمة في الغرب كـ: إرشاد منجي، ماجد نواز، طارق فتاح وغيرهم.
تقسم أيان المسلمين إلى حزبين أساسيين: مسلمو مكة، ومسلمو المدينة؛ حيث يشكِّل مسلمو مكة تلك المجموعة المسالمة المتعايشة مع الآخر من المسلمين.أما مسلمو المدينة فهم أولئك الذين يكفّرون الآخر المخالف والذين يعلنون الحرب ومقاومة كل ما ومن خالف إسلام العصور الأولى. وحسب أيان فإن رغبات الإصلاح الحالية نشأت بسبب طغيان فئة المدينة في شعبيتها ونفوذها على فئة مكة المتعايشة. وصدمة بعض الدول الإسلامية بالعدد الفعلي لهؤلاء المتطرفين، وما يمتلكونه من شعبيةٍ وقبول في الأوساط العامة، إلا أنها تؤكد أن الرغبة في الإصلاح الإسلامي عبر تغيير الخطاب وغيرها من الدعوات صعبةٌ للغاية.
تستعرض أيان أيضًا في سياق حديثها مواقف تعرضت لها شخصيًّا، أثناء إلقائِها محاضرات بعدد من الجامعات؛ حيث غالبًا ما يتم مقاطعتها والهجوم الشخصي عليها، فالمعترض يرى أن الإسلام كامل وأن الدعوة إلى إصلاحه بحد ذاتها أمر خطير لا يجب السكوت عنه. وتقول الكاتبة أنه بلا شك أن أغلب الأديان تحمل نصوصًا متطرفة، ولكن الإسلام الوحيد الذي يدافع عنها حتى هذا الوقت، ويتعامل مع الأصوات المختلفة بشراسة. ولعل الإنكار بوجود مشكلة هو سبب مهم لهذا التأخر، فكيف يمكننا معالجة هذه الصورة المشوّهة للإسلام -التي تعكسها داعش مثلا والقتل والوحشية التي تمارسها- بالإكتفاء بالقول: أنهم لا يمثلون الإسلام، وهم جماعات استندت على نصوص موجودة فعليًّا، لم يكلف العلماء أنفسهم أو ربما لم يجرؤوا على إنكارها وإقصائِها؟
تقسم أيان الإصلاح ليتناول خمسة جوانب:
1- النصوص المقدسة من قرآن وسنة، وضرورة وضعها محل دراسة، وعدم النأي بها عن التحليل بحجة قداستها.
2- حياة الآخرة وتركيز الإسلام عليها، ومالها من آثار خطيرة.
3- تقييد الحريات بسبب أحكام شرعية، ووضع مراقبين لتطبيقها؛ حيث أن العبادة الحقيقية يفترض أنها نابعة من رغبة وليس من رهبة.
4- مراجعة الأحكام الشرعية، وكيف يتم تبنيها في هذا العصر.
5- مراجعة مفهوم الجهاد، وما يمثله هذا المفهوم في العصر الراهن.

يناقش الكتاب كل هذه العناوين بالتفصيل، مستعرضا ممارسات تثبت وجود خلل ما في المنظومة التطبيقية للإسلام، وقدر من التناقض بين ما نسمعه من إنكار بأن الإسلام بريء، وبين التطبيق الذي يؤدي إلى ظهور الإسلام بهذه الصورة، ولعل الحكومات التي غضت الطرف طويلا عن الخطاب الديني، وأحسنت الظن في مؤسساتها الدينية، قد راجعت نفسها، بعد أن احترق طرف ثوبها بنار التطرف، فبدأت تتساءل من أين أتت تلك الشرارة؟ إلا أنّه على ما يبدو كانت الشرارة قريبة جدًّا من أقدامها دون أن تدري، فنرى الكاتبة تستشهد بمطالبات قادة العرب، ورغبتهم في مراجعة الخطاب الديني، كالدعوة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، نحو تجديد الخطاب الديني، وذلك أثناء افتتاح قناة السويس الجديدة!
وكما يبدو فإن التطرف لا يعرف صون منجزات وطن أو أمة، ولهذا جاءت الدعوة، التي تأخرت كثيرا، ولكن كان لابد منها .

إن بروز أنياب التطرف في المنطقة العربية، وتمكنه من أن يعبر الحدود ليصل إلى الغرب، أوضح أن هذه الفئة من المتطرفين، قد تجاوزت عداوتها للآخر غير المسلم، لتشمل المسلم المخالف أيضًا. وأن هذه الفئة كما يبدو تملك قاعدة جماهيرية واسعة بدليل من ينتمون إليها يوميًّا ويهاجرون من مواطنهم لأجلها. وهي فئة تملك إمكانات التجنيد والتسليح كذلك. فمن وراءها؟
لا تعتمد أيان في تحليلها للوضع الإسلامي الراهن على نظرية المؤامرة، بل تستند على إثباتاتٍ على أرض الواقع من دعم الدول الإسلامية لبذور أنبتت فيما بعد نباتات التطرف السامة، فأيان التي عاشت في أفريقيا، درست في مدارس لها توجه وهابي، وتبنت آراءٍ وهابية في شبابها، هذه المدارس اُنشِئت بتمويلٍ -فكري ومادي- سعودي كحال الكثير من المدارس والمراكز الدعوية في كل العالم.
أيان في هذا الكتاب، لا تطرح الفرضيات، إنها تطرح الأدلة على كل ما يحاول العامة من المسلمين أو من الزعماء الغرب إنكاره، حين يقولون: أن المشكلة ليست في الإسلام. إذن فمن أين تأتي هذه النصوص والأسانيد؟ إن الإنكار هو ما جعل مرض التطرف يستشري، وأصبح الجسم المعتل به لا يكتفي بتدمير الآخر، بل هو اليوم يدمر بقية أقرانه في الجسد الواحد.
ترى أيان الحل في أن يأتي الإصلاح من المسلمين أنفسهم، وليس من الخارج، فهم أقرب للمشكلة وأفهم بحلها وتفكيكها. الكاتبة أيضا متفائلة بالقادم، بعد أن يئست وفقدت الأمل في أي بصيص للإصلاح؛ وذلك لازدياد دعوات الإصلاح من المسلمين أنفسهم، كما ترى في المستجدّات والتقنية الحديثة إمكانية كبيرة في تقريب وجهات النظر، وتخطي قيود التهديدات بالقمع والقتل، والتضييق الذي يفرض على وجهات النظر المغايرة.
وفي الختام ، لا أظن أن الكتاب سيترجم إلى العربية، إلا أنّ قراءته لمن استطاع إليه سبيلا مفيدة لمعرفة وجهة نظر كاتبة عاشت تجربتين إحداهما في كنف الإسلام وأخرى خارجه. كما أن الأسماء المذكورة في الكتاب والأمثلة العديدة التي يزخر بها، ذات أهمية بالغة في معرفة وجهات نظر كل المنادين بالإصلاح الإسلامي وما يستندون إليه.
وأخيرا، كيف يكون الإصلاح جريمة والجمود في العصور الأولى صلاح إن كان الإسلام صالح لكل زمان ومكان؟

الكتاب : “مهرطقة: لماذا يحتاج الإسلام إلى الإصلاح الآن؟”
المؤلف : أيان هرسي علي
الناشر : هاربركولنس – استراليا
اللغة : الإنجليزية
عدد الصفحات : 272
سنة النشر : 2015

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!