من أعلام التصوف في تطوان

من أعلام التصوف في تطوان

من أعلام التصوف في تطوان

ابن عجيبة مفسّر القرآن وشارح الحِكم

بقلم: خالد محمد عبده

ذوات 

هو أحمد بن محمد بن المهدى بن الحسين بن محمد، وُلِد في قرية (أعجبيش)، من قبيلة (أنجرة)، التي تسكن الجبال المحيطة بمدينة تطوان. وكان مولده رحمه الله، حسبما أورد فى فهرسته- سنة ستين أو إحدى وستين ومائة وألف هجرية، ولد الشيخ ابن عجيبة  لأبوين صالحين، كلاهما من آل بيت النبوة، إذ يرجع نسبهما إلى الإمام الحسن بن على رضى الله عنه والسيدة فاطمة رضي الله عنها.

تقلب ابن عجيبة[1] في أصلاب أولياء الله فجدّ جدّه «عبد الله بن عجيبة» وليٌّ مشهور، وقبره يعدّ مزارًا بقبيلة أنجرة، كما أن جد والده «الحسين الحجوجى» صاحب كرامات عديدة ومآثر حميدة، أما جدّه «المهدى» فكان كما يقول: رجلا صالحا يحب الخلوة  مغفلا عن أمور الدنيا، ولا نجده إلا وحده، تاليا، أو مصليا، أو مشتغلا بما يعنيه. وأبوه «محمد بن المهدى» كان رجلا صالحا، لا يجلس فى الغالب إلا وحده، فقيرا من الدنيا، يبت يقرأ القرآن. تُوفي رحمه الله سنة «1196 هـ»[2].

وعلى عادة العلماء حفظ ابن عجيبة القرآن، واعتنى بتصحيح قراءته، وببعض العلوم التي تلقاها على يد شيوخ كبار، كالمقرئ المحقق: سيدي أحمد الطالب، والفقيه الصالح سيدي عبد الرحمن الكتامي الصنهاجي، والأستاذ المحقق سيدي العربي الزوادي، يقول رحمه الله: “… فقرأت مع قراءة القرآن مقدمة الأجرومية، والألفية، وابن عاشر، والخراز، وجزءا من حرز الأماني وغير ذلك من التآليف… فلما حفظت القرآن، سافرت لتصحيح القراءة وتعلم التجويد، فمكثت في قراءته خمس سنين بعد حفظ السلكة”[3] .

وسرعان ما ظهرت ثمار هذا الجد والاجتهاد، فلم يبلغ شيخنا تسعا وعشرين سنة، حتى بزغ نجمه وعلا شأنه، وجلس للتدريس فى مساجد تطوان ومدارسها، ولكن ذلك لم يمنعه من مواصلة العلم فى مظانه، فالظمآن إلى المعارف لا يرتوى مهما نهل، ولعله كلما نهل استطاب العلم فازداد إليه ظمأ، والعلم ليس له نهاية له وليس له حدود. يقول شيخنا بعد جلوسه للتدريس: (فكنت فى العلم الظاهر نتعلم ونعلّم فما تركت العلم قط بعد التصدر للتعليم، نعلم من تحتنا ونأخذ عمن فوقنا)[4].

ويقول أيضًا: و(الذي حصّلناه من علوم الأذهان (العقلية) : علم المنطق، والكلام على مذهب أهل السنة، والمهم من علم الهيأة (الفلك) ، ومن علم الأديان: علوم القرآن، خصوصا التفسير [..] وحصّلنا الفقه بأنواعه، وأصول الفقه، وأصول الدين، وحصّلت أيضا علم الحديث، وعلم السير، وعلم المغازي، والتاريخ، والشمائل، ومن علم اللسان: علم اللغة والتصريف، والنحو، والبيان، بأنواعه، أما التصوف فهو علمى ومحط رحلى، فلى فيه القدم الفالج، واليد الطولى)[5].

عقيدة ابن عجيبة:

يقول ابن عجيبة في الفتوحات الإلهية شرح المباحث الأصلية: إن (أحسن المذاهب فى الاعتقاد هو مذهب السلف، من اعتقاد التنزيه، ونفى التشبيه، وتفويض المتشابه، والوقوف مع ما ورد كما ورد، ما لم يحتج إلى تقييد، بما ينفى شبهته من غير زائد). وقد سجل ابن عجيبة في إحدى رسائله ما يمكن اعتباره نصّ عقيدي يخبرنا عن موقفه من القضايا الكلامية في عصره،  ومن أقواله فى هذه الرسالة لأحد مريديه: (عليك أن تعتقد أن الله موجود قبل الأكوان، قديم لا أول له، أزلي لا بداية له، مستمر الوجود لا آخر له، أبديٌّ لا نهاية له.. وأنه ليس بجسم مصور، ولا جوهر محدود مقدر، وأنه لا يماثل الأجسام، لا فى التقدير ولا فى قبول الانقسام، وأنه ليس بجوهر، ولا تحله الجواهر، ولا بعرض، ولا تحله الأعراض، بل لا يماثل موجودا، ولا يماثله موجود، وليس كمثله شىء، ولا هو مثل شىء، وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأنظار، ولا تحيط به الجهات. هو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شهيدٌ، لا يماثل قربه قرب الأجسام، كما لا تماثل ذاته ذوات الأجسام، وأنه لا يحل فيه شىء، ولا يحل فيه شىء، تعالى عن أن يحويه مكان، كما تقدس عن أن يحده زمان [….].

 عليك أن تعتقد أن الله مستو على العرش، على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والاستقرار، والتمكن والحلول والاشتغال، لا يحمله العرش بل العرش، وحملته محمولون بلطائف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش وفوق كل شيء)[6].

تصوفه:

عقد ابن عجيبة فصلا كاملا فى فهرسته، سجل فيه تجربته الفريدة فى تصوفه ومجاهداته، وهى مجاهدات لا يطيقها إلا الصادقون المخلصون، وسرعان ما أثمرت مجاهداته المخلصة. وفاضت بحار علومه، وأشرقت فى صدره أنوار العرفان، ووقع له الفتح الكبير، والمدد الصافي الغزير. وأعطي مرتبة الإمامة والاقتداء، والتربية، والتكميل، وكان له فى ذلك باع طويل[7].

مؤلفاته:

1- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد.

2- التفسير الكبير للفاتحة.

3- التفسير الوسيط للفاتحة.

4- التفسير المختصر للفاتحة.

5- الدرر المتناثرة في توجيه القراءات المتواترة: ويشتمل على آداب القراءة، والتعريف بالشيوخ العشرة ورواتهم، وتوجيه قراءة كل واحد منهم، وفيه عشرون كراسة.

6- الكشف والبيان في متشابه القرآن: قال العلامة داود- الذي وقف على أوراق من هذا الكتاب- إنه آخر كتاب ألفه ابن عجيبة، بناء على ما ذكره ناسخ المخطوط، ولذلك لم يتم تأليفه.

7- حاشية على الجامع الصغير للسيوطي.

8- أربعون حديثًا في الأصول والفروع والرقائق.

9- الأنوار السنية في الأذكار النبوية.

10- الأدعية والأذكار الممحقة للذنوب والأوزار.

11- حاشية على مختصر خليل.

12- رسالة في العقائد والصلاة.

13- تسهيل المدخل لتنمية الأعمال بالنية الصالحة عند الإقبال: وهو تأليف فى النية وأحكامها.

14- سلك الدرر في ذكر القضاء والقدر: ألفه الشيخ زمن الوباء الذي اجتاح تطوان فى عام (1214 هـ) ويقع فى 28 صفحة.

15- الفتوحات القدوسية في شرح المقدمة الأجرومية: وهو مؤلف شرح فيه مقدمة ابن آجروم النحوية، شرحا جمع فيه بين النحو والتصوف، فيذكر عبارة المؤلف، ويشرحها بمقتضى علم النحو ويتبعها بالمعنى الإشارى، وقد قام الشيخ عبد القادر بن أحمد الكوهن، المتوفى بالمدينة عام (1254 هـ) بتجريده مما يتعلق بالنحو، واقتصر على الإشارات الصوفية، وسماه: (منية الفقير المتجرد وسمير المريد المتفرد) وقد طبع هذا التجريد بإستانبول عام 1315 هـ.

16- أزهار البستان في طبقات الأعيان: ذكره مخلوف فى شجرة النور تحت عنوان: (أزهار رياض الزمان فى طبقات الأعيان)، وقد ترجم فيه الشيخ لأرباب المذاهب الفقهية، والتعريف بمشاهير أصحاب مذهب الإمام مالك، من زمانه إلى زمان ابن عجيبة، على ترتيب وجودهم، كل قرن على حدة، ثم أتبعهم بذكر النحويين والمحدثين وبعض الصوفية.  

17- الفهرسة: وهى سيرة الشيخ الذاتية، نُشرت باللغة الفرنسية، على يد المستشرق الفرنسى «جان لوى ميشون» الذي أعد أطروحة الدكتوراه عن هذا الكتاب، ثم عاد وكتب عنه دراستين: “الصوفي المغربي أحمد بن عجيبة: موسوعة التصوف الإسلامي”، الصادرة في طبعتين باللغتين الفرنسية والإنكليزية، وكتابه “ابن عجيبة: أطروحتان في وحدة الوجود” ، ثم صدرت الفهرسة بمصر بعناية عبد الحميد صالح  حمدان عام 1990 م.

18- الأنوار السنية في شرح القصيدة الهمزية.

19- الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية: وهو شرح كبير لمنظومة ابن البنا السرقسطي، فى آداب وقواعد الصوفية.

20- اللوائح القدسية في شرح الوظيفة الزروقية.

21- إيقاظ الهمم فى شرح الحكم: أشهر كتب الشيخ، وأشهر شروح حكم ابن عطاء الله.

22- ديوان قصائد في التصوف: فيه ما يقرب من خمسمائة بيت، ما بين قصائد طويلة ومقطوعات، والديوان ملحق بكتاب الفهرسة المطبوع بتحقيق د/ عبد الحميد صالح.

23- رسالة في ذم الغيبة ومدح العزلة والصمت.

24- شرح أسماء الله الحسنى.

25- شرح بردة البوصيري.

26- شرح الحزب الكبير للشاذلي.

27- شرح كتاب الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين: لابن الجزري، المتوفى سنة 739 هـ.

28- شرح القصيدة الخمرية لابن الفارض.

29- شرح القصيدة المنفرجة لابن النحوي.

30- شرح القصيدة الهائية في التصوف للرفاعي.

31- شرح الكواكب الدرية في مدح خير البرية.

32- شرح تائية البوزيدي.

33- شرح آخر (مطول) علي تائية البوزيدي.

34- شرح على تائية الشيخ علي بن مسعود الجعيدي التطواني.

35- شرح رائية البوزيدي فى السلوك.

36- شرح صلاة ابن العربي الحاتمي.

37- شرح صلاة عبد السلام بن مَشِيش.

38- شرح على أبيات (تَوَضَّأ بماءِ الغَيبِ إن كنت ذا سر) : المنسوبة للإمام الجنيد، وتنسب أيضا إلى الشيخ ابن عربى الحاتمي.

39- شرح على مقطعة في محبة الله، للششتري: مطلع المقطعة: (صحّ عندى الخبر وسرى فى سرى) منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية ضمن مجموعة رقم (3299 ج) فرع منها فى صفر 1214 هـ.

40- شرح نظم ما يدل عليه لفظ الجلالة للششتري: أوله:ألف قبل لامين … وهاء قرة العين

منه نسخة خطية بدار الكتب، ضمن مجموعة رقم (3299 ج) .  

41- شرح نونية الششتري:مطلع القصيدة: (أرى طالبا منّا الزيادة لا الحسنى … بفكر رمى سهما فعدّى به عدنا).

42- كشف النقاب عن سر لب الألباب، منه نسخة خطية فى دار الكتب، ضمن مجموعة (3299/ ح) ، كتبت سنة 1335 هـ.

43- معراج التشوف إلى حقائق التصوف: وهو فى مصطلحات الصوفية جمع فيه الشيخ نحوا من مائة مصطلح، وفصّل موضوعاتها، فرغ منه 1221 هـ، وقد طبع الكتاب فى دمشق عام 1355 هـ 1937 م بمطبعة الاعتدال، بتعليق محمد بن أحمد الحسنى، كما ترجمه المستشرق (ج. ل. ميشون) إلى الفرنسية.

نموذج من تفسيره:

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (سورة البقرة، الآية: 44). قلتُ: البرُّ، بالكسر: يجمع وجوه الخير وأنواع الطاعات، والنسيانُ: الترك. يقول الحق جلّ جلاله فى توبيخ أحبار اليهود، كانوا إذا استرشدهم أحد من العرب دلّوه على الإسلام، وقالوا له: دين محمد حق، وهم يمتنعون منه، وقيل: كانوا يأمرون الناس بالصدقة وهم يبخلون، فقال لهم: كيف تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ والإحسان، وتتركون أَنْفُسَكُمْ في الكفر والعصيان، وأنتم تدرسون التوراة الصحيحة، وتعلمون أن ذلك من أقبح القبيح؟، أفلا عقل لكم يزجركم عن هذه الخصلة الذميمة؟ فإن من شأن العقل التمييز بين القبيح والحسن والنافع والضار، فكل من تقدم لما فيه ضرره فلا عقل له.

الإشارة: كل مَن أشار إلى مقام لم يبلغْ قدمه إليه، فهذا التوبيخ متوجِّهُ إليه، وكل مَن ذكر غيره بعيب لم يتخلص منه، قيل له: أتأمر الناس بالبر وتنسى نفسك خالية منه، فلا يسلم من توبيخ هذه الآية من أهل التذكير إلا الفرد النادر من أهل الصفاء والوفاء.

وقال البيضاوي: (المراد بها حثّ الواعظ على تزكية النفس، والإقبال عليها بالتكميل لتُقَوم فيُقَيِّم، لا منع الفاسق عن الوعظ، فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر)[8]. فانظره. وتأمل قول القائل:

يا أيهَا الرجلُ المعلِّمُ غيرَه … هلاَّ لنفسِك كانَ ذا التعليمُ

تَصِف الدواءَ لِذي السقامِ وذي الضنَا … ومِن الضَّنَا وجَواهُ أنتَ سقيمُ

وأراكَ تلقحُ بالرشادِ عقُولَنا … نُصْحاً، وأنت مِن الرشادِ عديمُ

أبدأ بنفسِك فانْهَهَا عَن غَيَّها … فإذا انتهتْ عنه فأنتَ حكيمُ

فَهُناك يُقْبَلُ إن وعظتَ، ويُقتدَى … بالقول منكَ، وينفعُ التعليمُ

لا تَنْهَ عن خُلقٍ وتأتيَ مثلَه … عارٌ علَيكَ إذا فعلتَ عظيمُ

لكن مَنْ حصل له بعض الصفاء، ذكر غيره ونفسه معهم، وكان بعض أشياخنا يقول حين يذكر الفقراء: نحن إنما ننبح على نفوسنا.

 

[1] : راجع في ترجمة ابن عجيبة المصادر التالية: شجرة النور الزكية ص 400، الأزهرى اليواقيت الثمنية ج 1/ ص 70، الكتاني: فهرس الفهارس ج 2/ ص 854، الحسن الكوهن: طبقات الشاذلية ص 164 وما بعدها، سركيس: معجم المطبوعات 1/ 169 الزركلى: الأعلام ج 1/ ص 245، رضا كحالة: معجم المؤلفين 1/ 63، تيمور: فهرس التيمورية 3/ 197، د/ درنيقة: الطريقة الشاذلية وأعلامها، 92- 94.

[2] : راجع مقدمة تفسير ابن عجيبة،  البحر المديد في تفسير القران المجيد، مج 1، ص 20.

[3] : راجع ابن عجيبة، الفهرسة، تحقيق: عبد الحميد صالح حمدان، ط: 1/1990، دار الغد العربي- القاهرة، ص:27.

[4] : راجع السابق نفسه، ص 76.

[5] : السابق نفسه، ص 101.

[6] : مخطوط رسالة العقائد ص 81- 82.

[7] : راجع مقدمة تفسير ابن عجيبة،  البحر المديد في تفسير القران المجيد، مج 1، ص 24، وقارن الفهرسة ص 53 وما بعدها.

[8] : حقق الاتجاه الصوفي عند القاضي البيضاوي في بحث مستقل الدكتور جودة محمد أبو اليزيد المهدى ، ونشره في حولية كلية أصول الدين والدعوة الاسلامية بطنطا: العدد الثالث سنة 1412 هـ سنة 1991 م ص 7- 57.

مقالات ذات صله

1 تعليقات

  1. عبد الخالق العطار

    رحم الله تعالى االعالم الامام احمد ابن عجيبة الذي يعتبر في قمة الفقهاء الذين تركوا للاجيال المهتمة بالفكر االعميق للدعوة الاسلامية والذي تفتخر به مدينة الثقافة تطوان وكذا المغرب والعالم الاسلامي مما سجله من انتاج متدفق أغنى به الساحة الثقافية للتوعية الدينية , فرحمة الله الواسعة عليه لما تركه من علم نافع .

    الرد

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!