صلاة الڭناوي

صلاة الڭناوي

صلاة الڭناوي

لنتأمل

Salâm, tu intitules la chronique

بقلم: زكية زوانات

 

 

إنني في مخدعي، في شرفتي أو على الأصح في منزهي، الأشجار وحدها تهب نفسها لناظري، قممها تحديدا، ذؤاباتها الخضر. تخضر عيوني لرؤيتها وتغتسل مما يصدمها وأنا سائقة، كما يخدش سمعي ضجيج المحركات. وحيدة مع السماء وقمم الأشجار. وهذا الشاعر الجوال يطلع من مكان ما. “قراقبه”، قلنسوته المزخرفة بالودع، لباسه الأحمر، كلها ترمز إلى أصله وطائفته. إنه الڭناوي. يغني في سفح شرفتي. يمدح النبي قائلا: “صلى الله على نبينا”، ومناديا إياي وأنا في أعلى شرفتي. صلاة على المعصوم. صوت الڭناوي يرن بقوة أملا في تلقي درهم في وعائه، أوفي قلنسوته، أو على الطريق المبلطة. صوت عميق كإفريقيا، التي منها أتى، سوداء هي أيضا. كم استغرقت رحلته يا ترى قبل أن يصل إلى سفح شرفتي؟ من المِؤكد أنه قطع صحراء شاسعة عارية هو أو أسلافه. إن الڭناوي مأخوذ بعقيدة محمد، يمدحه وحده ولا يتغنى بسواه “صلى الله على نبينا”، النبي المبعوث للإنسانية جمعاء. نسي الڭناوي عالمه المسكون بالجن، اسم النبي وحده يمتلك فمه، يجري على لسانه الأعجمي، لا  للاّمليكة، ولا  للاّميرة، ولا  للاّعيشة، ولا  سيدي حمّو، ولا  سيدي ميمون؛ كلهم مُحوا من ذاكرة الڭناوي، ولم يبق إلا اسم محمد، سيد خلق الله، من “كان نبيا وآدم بين الماء والتراب”. أسمع “صلى الله على نبينا”، ولو كنت في قعر الدار بعيدة عن الشرفة، أسرع إلى الڭناوي المداح لأمده بنصيبه، قطعة نقدية معتبرة، يستقبلها من شرفتي كأنها نازلة من السماء، رزق من الأعلى. أنا أيضا أتلقى رزقي من السماء، شأني شأن الڭناوي.           

أردت أن أكتب عن “ڭناويي”. ڭناويي؟ أجل،إنني أنتمي إلى كلّ من يحب النبي، كما أنّ كلّ محبّي النبي منّي. انتماء لحبّ سام، اتحاد بين روحين مأخوذين بمحبّة ذات واحدة، هي أجل  الذوات وأجملها. أردت إذن أن أكتب عن “ڭناويي” بقلم هو أهل له، هو الذي يغني “صلى الله على نبينا”. قلم “مون بلان”                                                                         

 لتكريم الڭناوي، لكنه لم يرضه. طاش القلم البوهيمي                          (Mont Blanc)

(Bohème)

المزين بياقوت أزرق، ربما ضاع في عالم ما بين الأرض والسماء، عالم الرواحين والجن. إن الڭناوي مصل سائح، وعاؤه مفتوح إلى السماء منتظرا هديته. إنه يعلمني التجرد، وليس التجرد وحده في الحقيقة، بل التوكل والتأمل أيضا. ذات ليلة، رأيت، فيما يرى النائم، ڭناويي الشاب، وسمعته بصوت هاتف معهود لدي يغني “صلى الله على نبينا”. وعند الصباح أتى الڭناوي فعلا، فحكيت له من أعلى شرفتي حلم ليلتي، وغناء الهاتف، فأجاب الڭناوي “سبحان الله ! ما شاء الله !”، وتلقى قطعة نقدية  جيدة، كانت آخر ما تلقى مني. فلما غاب الڭناوي عن سفح شرفتي، حضر آخرون بلباس أخضر، وقلنسوات مزركشة بالودع، يتغنون بأسماء ملوك الجن وملكاتهم، ولاسيما “للامليكة، للامليكة”. تساءلت عن هذا الخليط المتناقض مع ما يمكن فهمه من المشهد: ڭناوي أسود منور يغني “صلى الله على نبي البرية”، و”ڭناوي” أبيض راسخ في عالم الجن، يصيح باسم  مليكة الجنية!

وأنا في شرفتي، تهب علي فكرة سوداء، هي دون مقام ڭناويي الأسود المتغني ب”صلى الله على نبينا”: أيكون هو الذي أرسل هؤلاء الرجال البيض، ذوي اللباس الأخضر، المغنين دون ملل “للامليكة  للامليكة ؟”

اضطربت الفكرة وتضخمت بإحساسي الغضب والدهشة “آه من الطبيعة الإنسانية المسكونة بالطمع إلى النخاغ ! ها هو ڭناويي يتحول من مداح إلى محتال!” جاء يوم التقيت فيه مصادفة  بأحد أولئك الڭناويين البيض الذين يتغنون بملوك الجن وملكاتهم؛ اتجهت نحوه، يغمرني خوف معتم مبهم، وسألت عن ڭناويي الأسود ذي التغني المؤثر بمحمد “صلى الله على نبينا”.  قال “مات الأخ  الڭناوي، وترك خلفه في هذه الدنيا أربعة أطفال”.

هل كانت رؤياي له وهو يغني “صلى الله على نبينا”، وتحققها ذلك الصباح وداعا للڭناوي ذي التغني المؤثر بمحمد  “صلى الله على نبينا” ؟

    يا ڭناويي الأسود! اغفر لي سوء ظني، وتجاوز عن فكرتي السوداء !         

 

 

  

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!