حوار مع الدكتور حسن الشافعي حول الفلسفة والدين

حوار مع الدكتور حسن الشافعي حول الفلسفة والدين

 

حوار مع الدكتور حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية

أجرى الحوار: مصطفى عبدالفتاح – محمد أحمد القشلان

ما رأيك في الفلسفة الإسلامية بشكل عام؟

الموقف العام للفلسفة الإسلامية قائم على دراسة كل شيء، فدعك ممن يقول بتحريم النظر في كتب الفلسفة أو كتب الكلام، فهذا كلام المتشددين والمنغلقين، فالفكر الإسلامي منفتح، ومن يقرأ القرآن الكريم يجده يتكلم عن العقائد الأخرى، وقد أمرنا بالسير في الأرض ومعرفة السنن الكونية ومصائر الأمم، فعلى كل مسلم أن يطّلع على تراث أمته وتراث الأمم الأخرى دون أن يخشى ذلك، فالكندي كان يقول عن الفلسفة اليونانية: «ماذا لو ضربنا أيدينا في قلب ما أنتجه هؤلاء، فما كان ما فيه من خير قبلناه وشكرناه عليه، وما كان فيه من شر رفضناه وبينا لهم خطأهم فيه» فهذا هو موقف الفلسفة الإسلامية بشكل عام، فمن يقرأ كتاب ابن رشد «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال» سيجده يقول، إن الفلسفة أخت الشريعة، وأن هدفهما هو الحق، لكن هذا يعتمد على الوحي وذاك على العقل، لكنهما في النهاية يلتقيان.

ما رأيك في دور وإسهامات العلماء المسلمين في التيار المشائي؟

هناك الكثير من الفلاسفة المسلمين؛ منهم الفارابي وابن سينا والكندي وابن رشد، ولكل منهم إسهامته في هذا العلم، وأنا قصدت من وراء كتابي «التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية» أن أسلط الضوء على الكثير من علماء المسلمين الذين تأثروا بهذا التيار الفلسفي الإغريقي الذي أسسه أرسطو، لكنهم في الوقت ذاته لم ينسوا أنهم مسلمون، وحاولوا التوفيق بين تيار أرسطو والعقيدة الإسلامية، فهناك من ينظر إلى مخلفاتهم للفكر الخلافي وينسى جهودهم في تطويع هذا الفكر بحيث يتناسب مع الفكر الإسلامي، فهذا مجهود عقلي لا يستهان به، ونحن نستطيع القول، إن التيار المشائي كان فيصلًا من الفصائل التي احتواها الإسلام، والتي لا ينبغي أن نسعى إلى تكفير أبنائه، وعلينا أن نقدر جهدهم وأن نخالفهم فيما أخطأوا فيه، وهذا هو موقفنا من الإغريق أنفسهم.

ما الذي يجعل الكندي هو الأقرب لهذا التيار؟

الكندي لم يكن إغريقيًّا إلَّا بنحو 10% ليس كابن سينا والفارابي، لكنه أقرب للمتكلمين المسلمين عن غيره، رغم أنه أول من درس الفلسفة الإغريقية، وأول من استحدث اللغة الفلسفية التي سهلت لمن جاء بعده كيف يعبّر عن المصطلحات الفلسفية باللغة العربية، لكنه كان أقرب للعقيدة الإسلامية منها إلى القواعد الإغريقية، في حين أنه عندما جاء ابن رشد كان محترمًا لأرسطو بطريقة شديدة، وكان يراه فوق الخطأ دائمًا، لكنه أحيانًا كان يضطر أن يوافق على رأي الإمام الغزالي في نقده للفلاسفة.

ما رأيك في موقف كل من الإمام الغزالي وابن رشد من الفلسفة اليونانية؟

الجميع يعلم أن الإمام الغزالي عمد نقد الفلسفة اليونانية والفلاسفة اليونانيون في كتابه الشهير «تهافت الفلاسفة» كان قاسيًا ومتحاملًا على هؤلاء الفلاسفة في رأي ابن رشد، الأمر الذي دفعه إلى أن يرد على الغزالي بكتابه «تهافت التهافت».

وأنا أذكر هنا شيخ الأزهر عبد الحليم محمود الذي قال، إن من يطبق قواعد التكفير وعدمه عند الإمام الغزالي سيجد أنه قد خالف نفسه؛ لأنه لديه كتاب يدعى «فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة» قال فيه، إن من أوَّل ووفَّق بين العقدتين لا بأس طالما لم يصرح بمخالفة الرسول، لكنه لما جاء للفلاسفة كفرهم في مسائل قِدم العالم وأن البعث روحي فقط وليس جسمانيًّا، وبدعهم في 17 مسألة، ولذلك لما ألَّف ابن رشد «تهافت التهافت» كان لديه مجال واسع في نقد الإمام الغزالي؛ لأن الأخير اشتد أكثر من اللازم فخالف قواعده التي بينها في «فيصل التفرقة» فهذا كلام عبد الحليم محمود الذي تأثر كثيرًا بالإمام الغزالي، لكن ذلك لم يمنعه من الاعترافه بأنه كان قاسيًا على الفلاسفة اليونانيين.

كيف أثرت فلسفتنا الإسلامية في الفكر الغربي؟

الفكر الغربي تأثر بشكل كبير بالفلسفة الإسلامية، وليس أدل على ذلك من الفيلسوف توما الأكويني الذي أخذ أفكار ابن رشد وصاغها صياغة تتفق مع فكرهم، وفي الواقع فإن اعتراف الغرب بتأثير الفكر الإسلامي عليهم أمر صعب للغاية وهم قلما يعترفون به، فالمؤرخ العالمي سارتون، وهو من أصل يهودي، يقول، إن هناك مؤامرة صمت بالنسبة لدَين الفكر الغربي للفكر الإسلامي، وبالأخص في المجال العلمي، وإن الحضارة الغربية ما كانت لتقوم لولا انتقال أفكار ابن سينا وابن رشد والغزالي وغيرهم والاختراعات الإسلامية للغرب.

هل استطاع الفلاسفة التوفيق بين العقل والدين.. وكيف ترى اتهامات الكفر التي لاحقتهم على مر العصور؟

نحن نؤمن بأنه لا صراع بين العقل والدين، وأن القرأن أمر باستخدام العقل، والآيات الواردة في القرآن لاستخدام العقل والتفكر والتدبر تبلغ 700 آية، فأنت إذا قرأت كتاب «فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة» للغزالي، وكتاب «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال» لابن رشد، وكتابًا للإمام الأشعري لما وجدت فرقًا يذكر، وتكاد تكون الأفكار واحدة، وهنا سأقول لك ما ذكره المفكر الإسلامي محمود قاسم، إن الإلحاد في تاريخ الفلسفة نشاز قليل هو موجود وآخرهم برتراند راسل وله كتاب «لماذا أنا ملحد» ذكر فيه أسباب إلحاده، فلو كان بين يديه كتاب كالقرآن لما فعل ذلك؛ لأنه لا يوجد في القرآن تعارض بين النقل والعقل ولا بين الدين والفلسفة، وأنت حين تطالع أفكار أفلاطون وأرسطو وغيرهم تجدهم جميعًا يدورن في فلك وجود إلهى لهذا الكون، فلا تعارض بين العقل والدين ولا تعارض بين الفلسفة والعقل ولا تعارض بين التيار المؤمن والفلسفة.

هل مصر قادرة  على إقامة صرح فلسفي خاص بها.. خاصة في ظل وجود أسماء مثل عبد الرحمن بدوي وغيره؟

مصر بها فلاسفة كثر، والدكتور عبد الرحمن بدوي شخصية عظيمة في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر، وكان الكثير يغار منه لذكائه ونشاطه، وأنا أذكر أن أحد الأساتذة الأجانب كان يقول عنه، إنه يؤلف حين يترجم ويترجم حين يؤلف، فهو لم يترك تيارًا من تيارات الفكر الإسلامي سواء التصوف أو علم الكلام أو الإشراقية أو حتى الإلحاد إلَّا وألَّف فيه، الأمر الذي سبب له الكثير من المشكلات، فمنذ بداية حياته وهو يكتب ويؤلف، وعندما كتب رسالته للدكتوراه قال عنه طه حسين، إنه أول فيلسوف مصري بحق، فقد تناول في فلسفته موضوعات كثيرة؛ منها الوجودية والزمان الوجودي، فالرجل اجتهد وكتب في كل المناحي، لكنه لم يأخذ حقه بما يكفيه، وأنا اعتقد أن الأجيال المقبلة ستعطي عبد الرحمن بدوي وأمثاله حقهم المهضوم، ومعها سيظهر ما نستطيع أن نقول عنه «الفلسفة المصرية».

نُشر الحوار في البديل .

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!