مقتطفات من سيرة حياة أنّا ماري شيمل

مقتطفات من سيرة حياة أنّا ماري شيمل

أنّاماري شيمل

ومقتطفات من سيرتها الغرب- شرقية

د. عبدالسلام حيدر

 

حاولت أنّامارى شيمل Annemarie Schimmel (1922 – 2003) طوال حياتها أن تقيم جسورا للتفاهم وصلات للتواصل بين الغرب والشرق. وكانت على وعي بذلك، لذا جاءت ترجمتها تحت عنوان “الشرق والغرب” وهو الكتاب الذي قمت بترجمته سنة 2004. ومن يطالع هذه الترجمة أو يطالع كتبها الأخرى يفاجئ بمدى اتساع شبكة العلاقات والصداقات التى كونتها عبر العالم. لقد كانت مدمنة للارتحال عبر العالم، ولكن لم يمنعها هذا من مواصلة الكتابة والترجمة، حتى أنها كتبت وترجمت خلال حياتها مئة كتاب دارت في الغالب حول تاريخ تلقى الآداب الشرقية في الغرب عامة وفي العالم الناطق بالألمانية خاصة، ومحاولة تقريب الإسلام من قراء الألمانية والإنجليزية بأسلوب امتزجت فيه صرامة العلم بالحب والتفهم، ولذا كانت ترى أن المرء يستطيع أن يفهم شيئًا ما فقط على قدر ما يحبه. والغريب أنها أنجزت كل هذا دون سكرتيرة ودون مساعدين ودون جهاز حاسوب. لقد كانت هي على وعي تام بأن مشوارها الحياتي غريب حتى بالنسبة للكثير من الألمان، وكان كثيرا ما تطرح عليها الأسئلة المتكررة عن حياتها لذا أرادت أن تجيب عنها ولمرة واحدة في ترجمتها الذاتية.

***

ولدت أنامارى شيمل فى السابع من إبريل سنة 1922 فى مدينة إيرفورت Erfurt التي عاشت فيها طفولة هادئة هانئة. وكانت أسرتها كما تقول “أسرة بروسية نموذجية من حيث الوعي بالمسئولية والمحافظة المطلقة على النظام والمواعيد”. كان منزل طفولتها مملوءا بالموسيقى والشعر. وقد بدأ شغفها بالشرق منذ طفولتها المبكرة وهي ترجع هذا تحديدا لعام 1929:

“كان شتاء عام 1929 صعباً جداً؛ فقد مرضت بالالتهاب الكلوى، وأبقيت فى المنزل، وقد أحضر لى المدرس وزملاء الفصل كتباً، وكانت أمى تقرأ لى أو تؤلف حدوتة رائعة. ولكن كان هناك كتاب واحد أثَّر فىَّ تأثيراً حاسماً: كتاب حكايات من عام 1870. ومن بين هذه الحكايات من كل أنحاء العالم كانت هناك واحدة لم أقع عليها فى أى مكان آخر. كانت تحت عنوان “بادمانابا وحسان” وتحكى عن حكيم هندى أدخل غلاماً من دمشق فى الحكمة العليا، وقاده فى النهاية عبر مملكة عجيبة تقع عميقًا تحت أحد الآبار، وهناك، وفى أحد الأقبية المملوءة بالأحجار الكريمة، وضع أكبر ملوك العالم فى نعشه، وكتب على حامل النعش الحجرى: “الناس نيام، فإذا ما ماتوا انتبهوا”. وقد أصابتنى هذه الجملة مثل صاعقة. وبعد عشر سنوات علمت أنها مما روى عن النبى محمد، وأن متصوفى الإسلام يحبونها بشكل خاص. فى هذه اللحظة كنت أعرف – ربما بشكل غير محدد – أن هذا هو طريقى: كان الشرق هو غايتى، شرق الحكمة الصوفية. وكانت هذه المقابلة بين الحكيم الهندى والغلام المسلم تشير – كما فهمت بعد فترة طويلة – إلى نقطة تخصصى المستقبلية: الثقافة الهندو- إسلامية”.

***

وكانت آنذاك – في طفولتها – دائماً ما تتحول من العام إلى الخاص، أي من الحب العام للموسيقى لحب الموسيقى الشرقية في تجلياتها المتنوعة، ومن حب الشعر الألماني على العموم إلى حب الشعر الألماني المتأثر بالموضوعات الشرقية خاصة. واهتمت بشكل خاص بكل من ريلكة ورويكرت. وكان اكتشافها لرويكرت مهما بشكل خاص في تطور اهتمامها بالشرق؛ حيث بدأت على إثر ذلك التحول للإعجاب بالجانب الروحي للإسلام (التصوف) كما بدأت تسعى لتعلم اللغة العربية.

وفى أكتوبر من عام 1937 بدأت شيمل تتعلم العربية وكانت ما تزال فى الخامسة عشر من عمرها. وبعد أن بدأت الحرب العالمية الثانية انتقلت شيمل مع أسرتها إلى برلين، وفيها عاشت سنوات لم تر – كما قالت – أشد منها كرباً وانقباضاً. وفي برلين واصلت دراستها للعربية وغيرها من اللغات الشرقية فتتلمذت على يد مستشرقين كبار مثل ريشارد هارتمان وهانز هاينريش شيدر، والتقت إبان المؤتمرات الاستشراقية التي كانت تعمل خلالها ككاتبة للبروتوكول بجهابذة علم الاستشراق آنذاك. وهي تقدم في سيرتها معلومات وفيرة عن الدائرة الاستشراقية البرلينية، وهي معلومات نادرا ما تذكر لينا؛ فنحن نلوك معلومات قديمة تتكرر في كل الكتب التي تتحدث عن الاستشراق الألماني، ودائما أو في الغالب ما نقف عند منتصف القرن العشرين، رغم أن تطورات مهولة حدثت لهذا الحقل العلمي في النصف قرن الأخير.

وأعود لشيمل فأقول أنها سرعان ما بدأت دراستها للدكتوراة تحت إشراف ريشارد هارتمان، وكانت عن “مكانة علماء الدين فى المجتمع المملوكى”. ورغم أن اجازتها الصيفية ضاعت في خدمة إجبارية في أحد المصانع، إلا أنها تمكنت من إنجاز الرسالة، وحازت الدرجة فى 20 نوفمبر 1941 وكانت قد بلغت التاسعة عشر من عمرها. وقد نشرت رسالتها تلك عام 1943 فى مجلة “عالم الإسلام” تحت عنوان “الخليفة والقاضى فى مصر فى العصور الوسطى المتأخرة“.

وبعد الحصول على الدرجة العلمية عملت كمترجمة عن التركية فى وزارة الخارجية الألمانية. وفى وقت الفراغ واصلت اهتمامها العلمى بتاريخ المماليك حتى تمكنت من عمل فهارس لتاريخ ابن إياس. وفى مارس 1945، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل، انتهت من رسالة الأستاذية فى جامعة برلين عن الطبقة العسكرية المملوكية. وبعد قليل تم إجلائها مع بقية موظفى الخارجية، ولكن الأمريكان قبضوا عليها وارسلوها إلى معسكر اعتقال في مدينة ماربورج. وكان من حسن حظها أنها من ناحية انتهت من رسالة الأستاذية قبل سقوط النظام النازى، ومن ناحية أخرى أنها عاشت خلال فترة الحكم النازى حياة غير سياسية.

وفي السنوات الأولى لما بعد الحرب مثلت ماربورج بالنسبة لها بوابة جديدة إلى العالم. فبعد أن سمح لها بالعمل بضعة أسابيع خارج المعسكر تعرفت على فريدريش هايلر العميد المرشح للكلية الفلسفية في جامعة ماربورج، والذي ساعدها بعد أن أطلق سراحها على التأهل للأستاذية في جامعة ماربورج في يناير 1946. وبعد أن أعيد تنظيم الجامعات الألمانية بعد الحرب وجدت شيمل – بفضل هايلر – مكانا لها فى جامعة ماربورج التى كانت تبحث عن بديل لأستاذ العربية الذى أُقيل بسبب علاقته بالنظام النازى.

وفي هذه الفترة بدأت رحلات شيمل للخارج؛ حيث زارت السويد عام 1949 وهولندا عام 1950 حيث شاركت في مؤتمر تأسيس “الجمعية الدولية لتاريخ الأديان”. وزارت سويسرا في عام 1951 حيث التقت بالمستشرق السويسري فريتز ماير. وفى العام نفسه حصلت شيمل، تحت إشراف هايلر، على دكتوراه ثانية في تاريخ الأديان بعمل حول “مصطلح الحب الصوفى فى الإسلام”. وقد لعبت هذه الرسالة دوراً وحاسماً في مسارها المهني اللاحق.

وفي عام 1952 زارت شيمل تركيا للمرة الأولى بغرض دراسة المخطوطات في مكتبات اسطنبول ولزيارة قونية (مدينة جلال الدين الرومي). وحينما عادت إلى تركيا في العام التالي عرض عليها الأتراك تدريس مادة “مقارنة الأديان” فى “كلية الإلهيات” حديثة الإنشاء (جامعة انقرة) فوافقت، وانتقلت بذلك للعمل في تركيا حتى عام 1959. ورغم حبها لتركيا إلا أنها لم تكن تتورع عن توجيه النقدات القاسية لبعض من عرفت من النسوة التركيات كما في الفقرة التالية: “لقد كانت أولاء النسوة اللاتى انفصلن عن معيشتهن التقليدية، يحاولن أن يكن أوروبيات. حقًّا إنهن يتمسكن فيما يبدو بقوة بالنموذج الأسرى القديم.. ولكن كان الغطاء الخارجى فقط هو ما تبقى.. فبسبب التغييرات أصبح الأمان الهادئ للمسلمين ضعيفًا، ويمكن أن يقود ذلك فى أحيان عدة إلى عدوانية ضيقة الأفق، وأن يتحول الفخر القومى الصحى إلى شيفونية ومغالاة فى الوطنية. ومن ناحية أخرى فإن أولاء النسوة يفتقدن أىَّ معرفة راسخة بالتقاليد التركية، وأىَّ تقدير للفنون اليدوية التركية؛ فهن يسكن فى منازل توضع فيها على المائدة أغطية من القطيفة عليها رسوم كلبية، ويقدمن الستان الفاقع المستورد على المنسوجات اليدوية ذات الألوان الدافئة، ويغطين الأرضيات بدلاً من الكليم القديم الجميل بسجاد ذى ألوان صارخة ورسوم خشنة، بينما يستخدم الكليم الرقيق الناعم فى إحدى الزوايا للف الأشياء الخربة. فى مثل أولاء النسوة تتضح أخطار تغيير متهور من حياة مأمونة فى نطاق الأسرة إلى مخلوقات تريد أن تبدو أوروبيات، ولا ترى من الحضارة الأوروبية إلا الخارج المبهر، وهو فى الغالب إبهار كاذب”.

***

وفي الفصل الخاص بالباكستان والهند تتساءل شيمل عن سبب شغفها بالباكستان وبدء تحولها الروحي من تركيا إلى الهندو-باكستان، وترى أن السبب لابد وأنه يرجع بداية إلى تأثير حكاية “بادمينا وحسان” التي لم تغادرها أبداً. وتحكي أنها في نهاية الفترة التركية أعادت اكتشاف محمد إقبال من خلال مقالة للمستشرق الإنجليزي رينولد نيكلسون في مجلة “إسلاميكا”. وقد سحرها أن شاعراً هندياً مسلماً قد أبدع مشهداً يلتقي فيه جوتة والرومي في الفردوس؛ حيث يتفقان على إثبات أن الذكاء من الشيطان والحب من آدم. وهنا أيقنت شيمل أنه توجد هنا منطقة عمل مستقبلية لها. وبعد أن ترجمت ديوان (جاويد نامه) لإقبال إلى الألمانية سنة 1957، تمت دعوتها لزيارة الباكستان سنة 1958. وفي الباكستان وجدت ضالتها الروحية، وكانت هذه الزيارة سبباً مضافاً لتحولها الروحي من تركيا إلى الهندو-باكستان، وكان لها أيضاً أثرها في مسار شيمل الأكاديمي والعلمي.

وبعد أن غادرت تركيا في عام 1959 وعادت إلى ألمانيا وجدت نفسها دون وظيفة جامعية؛ حيث تعذر عليها العودة لعملها السابق في جامعة ماربورج. وفى عام 1961 وجدت درجة أكاديمية فى جامعة بون، وانتقلت بالتالي إلى العيش في مدينة بون التى أصبحت منذ ذلك الوقت مدينتها. وفي هذه الفترة اتسعت دائرة معارفها وتوثقت صلاتها مرة أخرى بوزارة الخارجية الألمانية، فساهمت في تعليم الدبلوماسيين الألمان، وشاركت ألبرت تايلا الإشراف على مجلة “فكر وفن” التى تمولها الخارجية الألمانية. ولكن من أهم ما ميز فترة بون هو توثق صلات شيمل مع سفارات البلاد الإسلامية خاصة سفارة الباكستان، وكثرة زيارتها لدول شبه القارة الهندية (الهند والباكستان وبنجلادش).

وقد شهد مسارها الأكاديمي والعلمي ذروته في عام 1967؛ حيث انتقلت بعد تردد طويل للعمل في جامعة هارفارد لتأسيس قسم الثقافة الهندو-إسلامية الذي تبرع لإنشائه مسلم هندي غني بقصد الاهتمام بتاريخ الإسلام في الهند منذ عام 711م وباللغات التي تساعد على دراسة هذا الموضوع (العربية والفارسية والأردية والسندية والبنجابية والبشتونية)، وأيضاً الاهتمام بترجمة أشعار شاعري الأردية البارزين مير دارد الدهلوى (ت. 1810) وأسدالله غالب (ت. 1869) وذلك بهدف أن يحصلا على شهرة مقاربة لشهرة عمر الخيام فى نطاق الإنجليزية. وقد بدأت شيمل بترجمة قصيدة شهيرة لأسدالله غالب يقول فيها:

أريد أن أذهب إلى حيث لا يعرفني أحد

حيث لا تُتحدث لغتى، ولا يُسميني أحد

أتمنى بيتاً دون حائط ودون باب

لا يقترب منه جار ولا يحرسه بواب

وإذا ما مرضت لا يُراعينى أحد

وحيثما مت لا يصرخ عليّ أحد

ومنذاك أصبح اهتمام شيمل الأساسي منصباً على تاريخ الإسلام فى شبه القارة الهندية والدراسات التى تدور حول ذلك. وكانت تلقي المحاضرات والتدريبات في فصل دراسي وتستغل الفصل الآخر – الخريف – لخططها ورحلاتها الدراسية. وبذلك بدأت مرحلة حياتية جديدة أعطتها شهرتها المدوية فيما بعد. ورغم أنها تتفاخر بأن علم الدراسات الإسلامية الأمريكي بدأ على يد علماء الدراسات الإسلامية الألمان الذين هاجروا إلى أمريكا قبل الحرب العالمية الثانية وإبانها إلا أنها كعادتها لم تتورع عن توجيه النقدات اللاذعة لأسلوب التعليم الأمريكي في مجال الإسلاميات ولزملائها المستشرقين القادمين من خلفية يهودية مسيحية وفضلت عليهم الأسيويين وعن هذا تقول “على كل حال فإنه من السهل، من وجوه عدة، للناس القادمين من أحد التقاليد الشرق – أسيوية أن يقتربوا من الإسلام بشكل أفضل، وذلك لأنه ليس لديهم تلك العلاقة المسيطرة لدينا مع التراث اليهودي المسيحي، والتي كثيرا ما تقود إلى مقارنات خاطئة”.

وفى عام 1992 بالضبط بعد خمس وعشرين سنة انتهى عملها التعليمي في هارفارد فأنهت إقامتها في أمريكا وعادت كما تقول إلى الشرق مرة أخرى؛ حيث استقرت في مدينة بون بمفردها، مع قططها الكثيرة، وكانت أمها قد توفيت في عام 1978. وقد قيّمت فترة حياتها في أمريكا كما يلي: “كانت سنوات أمريكا وقتًا ثريًّا، ملونة، ولا يمكن بطريقة ما الإحاطة بها. لقد قابلت أناسًا من أصول مختلفة، علماء ومواطنين بسطاء، نخبة الجامعات والشحاذين الذين يرقدون فى الشتاء على الأسوار التى يأتى عن طريقها بخار التدفئة للمستشفى أو للجامعة. وقد كابدت عواصف ثلجية باردة وتمتعت بأيام ربيعية ساحرة، صيف إنديانا وأوراق القبقب الساطعة، والتى يرى المرء لونها الأحمر حتى من الطائرة، وذلك إذا ما طار المرء عبر كندا إلى بوسطن. ولكنى عانيت الوحدة أيضًا رغم كل الصداقات. “أنّامارى، أنت تذهبين إلى المكان الأكثر انعزالاً وتوحدًا على الأرض”. قال لى زميلى كين مورجان، وهو نفسه خريج هارفارد، وذلك حينما قبلت دعوة العمل فى هارفارد، وكان لديه حق؛ فرغم كل الأشياء الجميلة ورغم النجاحات الكبيرة التى لم أتوقعها قط، ورغم كل الصداقات الرائعة؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تصبح وطنًا لى قط. أكان هذا خطأ الطائر الغريب الذى يشتاق للعودة من منفاه الغربى إلى وطنه فى الشرق؟”

***

وهي تتناول الفترة الأخيرة من حياتها تحت عنوان “ما يسمى بالتقاعد”، لأن أعمالها في هذه الفترة كانت أكثر. ففي هذه الفترة زادت رحلاتها كما واصلت الكتابة عن الإسلام بالألمانية والإنجليزية أيضاً. واحرزت في ذلك نجاحاً كبيراً أهلها للفوز بجائزة السلام الألمانية لعام 1995 كأول مستشرقة ودارسة للإسلام. وقد تعرضت آنذاك لحملة هجوم عنيف بسبب تفهمها لموقف المسلمين الثائرين على كتاب “الآيات الشيطانية” لسليمان رشدي، ولكنها تمكنت بفضل صلابتها من تجاوز الأزمة حتى تسلمت الجائزة من الرئيس الألمانى. وإبان الاحتفال قوبلت بترحيب حماسى ووقف الجميع تكريما لها، حتى أن الرئيس الألماني قال لها مبتسماً: “لقد كان بالتأكيد جيدًا أننا صمدنا معًا!”.

وعلى إثر مساجلة جائزة السلام أصبحت أناماري شيمل أكثر شهرة في العالم الشرقي، وهكذا تبع ذلك في عامي 1996 و1997 زيارات للكويت ومصر وسوريا والأردن وفي بلاد أخرى؛ حيث قامت برحلات إلى طاجيكستان وأوزبكستان والبحرين وإيران وتركيا وسراييفو وإنجلترا والدول العربية، بل والولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى.

***

وقد اختتمت شيمل مذكراتها قبل وفاتها بأن قالت: “لا أستطيع إلا أن أكون شاكرة فقط، شكرًا بلا نهاية، لكونى وصلت إلى هذه النقطة من حياتى، وأننى استطعت – دون سكرتيرة ودون مساعدين ودون كومبيوتر ودون سيارة ودون إجازة أو نشاطات رياضية – أن أعمل كثيرًا بقدر ما تمنيت، وأن لى أصدقاء جيدين، وعلاقات إنسانية بهيجة، وتلاميذ ناجحين حول كل العالم، وأننى نجوت حتى الآن من الأمراض الثقيلة. بالطبع لم يكن من السهل دائمًا أن أواصل السير، أو ألا أنحرف عن هدفى، ولكن المرء لا يتحدث عن الدموع الكثيرة أو عن خيبة الآمال أو عن المشاكل الإنسانية؛ فهذا شىء لا يعنى أحدًا. وإذا ما كان المرء يرمينى المرة بعد الأخرى بأننى أرى الإسلام بصورة رومانتيكية؛ فإننى يمكننى فقط أن أجيب بمقولة القديس أغسطين: “المرء يستطيع أن يفهم شيئًا ما فقط على قدر ما يحبه”. ولأننى ومنذ طفولتى قد أحببت عالم الشرق، ولأننى أتواصل مع المسلمين بلغاتهم، ولأننى عشت مع أسرة مسلمة متدينة؛ فإننى أعتقد أيضًا أننى يمكننى أن أفهمهم بعض الشىء”.

وعندما ماتت فى بون فى 26 من يناير 2003 عادت مرة أخرى إلى عبارتها الهاديةوجعلتها شعارا على شاهد قبرها مع ترجمتها الألمانية: “الناس نيام، فإذا ما ماتوا انتبهوا”.

المراجع

أنّا مارى شيمل: “شرق وغرب: حياتى الغرب – شرقية” ترجمة د. عبدالسلام حيدر. المشروع القومى للترجمة (القاهرة 2004).

 

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!