الروحانيون الجدد

الروحانيون الجدد

الروحانيون الجدد

علي آل ياسين 

الروحانيون الجدد هنا اسم لا اريد به فئة معينة من مثل “العصر الجديد” او “الادفيتا الجديدة” او غيرها بل مجموع تلك الحركات لانها في نهاية الامر مجرد حركات انتقائية في تبني و مزج بعض الفلسفات و الافكار الشرقية ببعض الافكارالغربية العلمية و الفلسفية . لم أستتم الجملة الاولى الا و قد يناقشني احدهم بأن الادفيتا الجديدة لا تصنف تحت مظلة الروحانية الجديدة لانها من اسمها مشتقة من الادفيتا و لكني اضمنها لانها فعلا مختلفة جدا عن الادفيتا الاصلية التي نعرفها من فلسفة شانكارا و ذلك بشهادة اهل الاختصاص . اضف الى ذلك ان مصطلح الروحانية الجديدة مصطلح ليس له حدود واضحة و اضافة او اخراج طائفة معينة منه يعتمد على الباحث المختص و المعايير التي وضعها للتصنيف . و سيأتي لاحقا ذكر بعض السمات الاساسية المشتركة لهكذا حركات. خلاصة المطلب ان الغرب عندما توقع موت الاديان مع الثورة العلمية و الصناعية قد تفاجأ بأن الاديان و بعد كل هذه السنوات لم تنسحب من حياة البشر بل بدأ المجتمع الغربي نفسه في حركات مختلفة يحاول و بحياء ان يدخل الجانب الروحي في حضارته .
هناك من هؤلاء من تحول كليا و اعتنق الاديان الاخرى من مثل الطاوية و الهندوسية و البوذية و الصوفية و البعض الاخر حاول ان يوفق و ينتقي من هنا و هناك . لهذا نجد كثيرا من المدارس الطاوية و الهندوسية و البوذية رائجة عند الغرب لانها تقدم نفسها على انها فلسفة عملية او فكرية بعيدة عن الحاجة للايمان بدين او اله معين و بهذا تستقطب اهتمام الفرد الغربي الذي هو متذبذب بين الطريقة العلمية و الروحانية الشرقية فكأنما هي تجمع افضل ما في العالمين.
عودا الى الروحانيين الجدد فهم بزعمهم يثورون على الحياة المادية الغربية و على الدوغماتية الدينية و يدعون الى روحانية أنفسية بعيدة عن قيود الدين و خرافاته . اذا هم يعطون قداسة للكون و يقدمون تجربتهم الروحية على انها تنطلق من نفس كل انسان و على كل انسان ان يجد طريقه مسترشدا بالنفس بدون اي قيود او قناعات مسبقة من قبل الدين او المجتمع. و لكن السؤال الان هل فعلا هم يقدمون روحانية علمية بعيدة عن خرافات الاديان ؟ ام انها دوغماتية اخرى انما بمصطلحات جديدة ؟ مثلا مسألة الله سبحانه و تعالى او لنقل الاله بشكل عام تراهم يتكلمون عن مفاهيم مشابهة مثل الكون او الذكاء الكوني او الوعي الكلي فقط لكي يتجنبوا ذكر لفظة اله و عندما تضايقهم في النقاش و ان هذا مجرد لعب بالالفاظ رأيت منهم من يقر لك بأنه يؤمن باله و يقول لك اسمه إلها ان شئت و لكنه إله ليس كإلهك ! تقول له ما تعني بإله غير الهي ؟ فيجيب ان الاله الذي نعبده هو حب محض و انه ليس اله الاديان المنظمة المتجبر الغاضب ..الخ. الى غير ذلك من المفاهيم من مثل الوحدة ففكرة الوحدة او الفناء موجودة في مختلف الاديان بشكل او بآخر و لكنهم حوروا معنى الوحدة او الفناء فبدلا من ان يكون مع اله اصبح مع الوعي الكوني (او الكلي او اختر ما شئت من الاسماء ) . الاذكار و هي ترديد اسم مقدس يعتبر من الدوغماتية عندهم لكنهم كي يدخلوا الذكر في روحانيتهم قالوا بأن الذكر لا علاقة له بالمعنى و انما هو مجرد ذبذبة صوتية هدفه تركيز النفس . لهذا عندهم ان تكرر اسما مقدسا او ان تكرر كلمة لا معنى لها من مثل “كرسي” له نفس الاثر . ما يثير الاستغراب هنا هو انهم يقرون بأن الذبذبات او الموجات الصوتية لها تأثيرات مختلفة مثلا الموسيقى لها تأثير على الاعصاب و الماء و غيرها يختلف عن صوت الشاحنة المزعج فكيف تكون كل الكلمات “الاذكار” لها نفس التأثير ؟
بخصوص الادفيتا الجدد لاحظت انهم يعانون من مشكلة النظرية المفرطة فهم تراهم يتكلمون عن الوحدة و غياب الانا و لكنهم هم لم يعيشوها او لنقل انهم لا يقدمون طريقة عملية للوصول اليها. طبعا هم يتبعون طريقة التساؤل الذاتي الذي قدمه الباغفان ” رامانا ماهارشي” و هو قدم هذه الطريقة التي تبدأ بالتساؤل الاساسي ” من أنا ؟ ” كبديل عن الطرق المعروفة في تزكية النفس للوصول الى مرحلة التنوير . بوجهة نظره ان هذه الطريقة اسرع للوصول من الطرق التقليدية التي تستوجب رياضات شاقة لفترات طويلة . طبعا هكذا ادعاء يسهل تبنيه فأنت كي تصبح استاذا متنورا لا حاجة لك بالرياضات الشاقة بل من الممكن ان تدعي الوصول من خلال تجربة روحية واحدة و ذلك من خلال طريق التساؤل الذاتي . لهذا و بالرغم من ان الباغفان لم ينصب اي خليفة روحي له او اي وارث لعلمه و طريقته نجد الكثير من الاساتذة الروحانيين في الغرب يتبنون طريقته و يبشرون بناء عليها. انا لست في مقام انكار هذه الطريقة و لكن سؤالي هو ان من ينظر الى تاريخ حياة الباغفان يجد انه في بداياته مارس رياضات شاقة لولا كثرة الموثقين لها و انها حدثت في عصر قريب لقلت انها مجرد قصص خيالية ، اذا لماذا ينكر تأثير هذه الرياضات و يقال ان الفضل هو لطريق التساؤل الذاتي ؟ اعني ان الباغفان كان يمارس الطريقتين لماذا حينها نجد من يدعي انه وصل من مجرد تساؤلات نظرية ؟
لذلك اجد ان اغلب محاضراتهم و دروسهم هي اشبه ما تكون بالتمارين العقلية و النقاشات الفكرية و لكن عمليا لا تراهم يعيشون ما يدعون . قبل عدة ايام مثلا عندما اشكلت على احداهن في مسألة طرحتها قامت بالرد علي ردا شديد اللهجة فأرسلت لها رسالة على الخاص ادعوها للتحلي بمزيد من رحابة الصدر التي تدعوا اليها فأين شعارات الحب غير مشروط و ان الأنا مجرد وهم و ما الى ذلك . بعد فترة وجيزة ردت علي و اعتذرت باعتذار ينم عن حسن نيتها و اخبرتني انها انسانة و تمر بما يمر به كل انسان من ظروف نفسية . هنا شكرتها على اخلاقها و لكن ظهر لي جليا انها لم تصل لما تدعو اليه من ما يعرف بـ فناء الانا و الوحدة و ما الى ذلك من مصطلحات . لهذا لا توجد لدي مشكلة مع هكذا جلسات و دورات و لكن يجب ان تطرح تحت تصنيفها الصحيح مثلا نقاش و تأملات في العرفان النظري او فلسفات الوجود لا ان تطرح على انها معرفة عملية فهنا خلط ظاهر.
عودا على المؤاخذات على اصحاب الروحانية الجديدة يمكننا ان نشير الى مسألة التنوير فلا يوجد اي مفهوم واضح لمرحلة التنوير عندهم لذلك نراهم يستعلمون مواد مثل ” الالسدي” و اعشاب خاصة كالاياهواسكا و غير ذلك للحصول على تجارب روحية مؤقتة هذا ان جاز تسميتها بتجارب روحية من باب التسامح و الا قد يطلق عليها مجرد هلوسات و غياب للعقل في غالب الاحيان يرافقها الغثيان و التقيء . هذا و هم يوجهون هكذا حالات من الغثيان و القيء بأنها طاقات سلبية متراكمة في الجسم .
عدم وضوح الرؤية لما هو نهاية الطريق ايضا سبب لهم ضياعا فهم يسيرون في جادات غريبة من مثل التواصل العقلي و حقول الطاقة و الذبذبات الصوتية و الاسقاط النجمي و التنويم المغناطيسي و التحضير و اليوجا و قراءة الطوالع و ما الى ذلك اعتقادا منهم ان هذه الامور من العرفان . هذا في حال لو سألت اي راهب بوذي مثلا عن هذه الاشياء لاجاب انها ليست من المعرفة الحقيقية في شيء و لا علاقة لها بمرحلة التنوير .
و يستمر مسلسل نقل المفاهيم من الاديان و اطلاق تسميات اخرى لها او تحويرها قليلا مثلا بدلا من دعاء الله تطلب من الكون -الطاقة الخلاقة- ! بل ان هذه الطاقة الخلاقة لها صفات مثل الرحمة و الحب و السلام . و قس على هذا نقل و استعارة مفاهيم دينية كثيرة من مثل الصلاة و الاضرحة و التجمعات و النظم الغذائية و الصوم و الحياة بعد الموت …الخ.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!