إسلام المتصوفة أو لماذا التصوف؟

إسلام المتصوفة أو لماذا التصوف؟

إسلام المتصوفة أو لماذا التصوف ؟

قراءة في كتاب إسلام المتصوفة للدكتور محمد بن الطيب

بقلم: طوسون البديري

islam_almotasawefa

الكتاب يقع ضمن سلسلة “الاسلام واحدا ومتعددا” الصادرة عن رابطة العقلانيين العرب التي تمت تحت إشراف الأستاذ عبدالمجيد الشرفي، والسلسلة تسعى لتقديم صورة عامة عن الخطابات والممارسات التي أنتجها الإسلام، فالإسلام الواحد عقيدة وشريعة وعبادة انبثق من خلاله عديد الخطابات والممارسات والاسلام الصوفي احد تلك الخطابات والممارسات التي يسعى الكاتب  الى تقديم صورة تأليفية عامة عنه .

ولكن قبل الخوض بالتعريف بالكتاب وتناوله سنطرح تساؤلا يبدو أنه أصبح له صوتا مسموعا في تلك الايام وهو لماذا كل هذا الاهتمام بالدرس الصوفي ؟ أو لماذا الدعوة إلى التصوف؟ وأعتقد أن الاجابة قد لا تخرج عن سببين رئيسيين:-

 أ- العودة إلى جوهر الدين : يتحدث ولتر ستيس – في كتابه الدين والعقل الحديث ص 265-   عن أن  “جوهر الدين ليس الاخلاق بل التصوف ….وكل دين في النهاية تصوف ومن ثم فإن جميع المتدينين متصوفة بدرجة كبيرة أو صغيرة”  والعودة هنا مقصدها اللجوء الى نقطة ارتكاز جذرية للانطلاق منها من جديد لبدء دورة جديدة في العمل داخل الحياة وهذا مما يوفره التصوف للانسان .

ب- للتخفيف من وطأة غياب المعنى :  في ظل حياة يهيمن عليها فكرة موت الاله – أو لنقلل من هول الصدمة ولنقل من انسحاب الاله أو الالهة – ومن ثمّ موت المعنى يسعى الانسان الى خلق معنى ما يكون به قادرا على مواصلة مسيرة الحياة ، والتصوف بجانب الشعر والادب والفن أحد الممكنات التي يستطيع ان يخلق منها الانسان معنى ما يكون به قادرا على تجديد حالته الروحية .

حقيقة الامر أن  أهمية التصوف وحاجتنا له أهم بكثير من كل  الدعاوي المنادية بتجديد أصول الفقه فنحن بحاجة ماسة أولا إلى تجديد رؤيتنا للعالم الذي نحيا بداخله .

  • النشأة والتطور ومظاهر وسمات المتصوفة

 يتناول الكاتب في الفصل الاول الاسباب التي دعت وساعدت على ظهور التصوف والمقدمات التي مهدت لبروزه ، ومظاهر وسمات  المتصوفة

أولا بخصوص  النشأة والتطور  ثمة أمرين أساسيين عند الحديث عن نشأة وتطور الحالة الصوفية في الاسلام :-

  • هل الحالة الصوفية دخيلة على الاسلام ولا تنبع من داخله ؟ ثمة من يتحدثون على أن التصوف الاسلامي هو وليد تأثيرات خارجة عن الاسلام ولكن هذا أمر خاطيء فهو أولا يضاد ما قررناه بأن أي دين في جوهره هو تصوف ، حتى العلمانية التي هي بالأساس دنيوة للخطاب اللاهوتي قامت بها حالات تصوف علمانية عندما تحولت إلى دين ، إذا فالحديث عن دخيلية التصوف على الاسلام هو محض هراء ، والسمة التي كانت تميز التصوف عند النشأة هو كونه سلوكا عملياً لا مذهباَ نظرياَ قائم على الزهد والاعتكاف على تهذيب النفس وتزكيتها وتصفية القلب من كل الشواغل الدنيوية ، واعتماد المتصوفة في التأصيل كانت على المدونة القرآنية والمدونة الحديثية .
  • مرحلة التطور : مع كثرة القلاقل إذاَ ومع تأثيرات الوافدين من ديانات أخرى للاسلام التي ميزت عصر التدوين تسرب الى التصوف مواد ذوقية وطقوس رهبانية وبدأ التصوف كما يقول الكاتب التحول إلى فلسفة صوفية نظرية بلفت طور نضجها بالقرن الرابع الهجري وأصبح التصوف بجانب العمل هو منهج في النظر والتفكير ولم تعد العبادة غاية في حد ذاتها بل أصبحت لغرض أسمى كما يقول الطيب وهو الفناء في الله وتلقي المعرفة اللدُنية منه ، وتطورت التجربة الصوفية من مناجاة فردية إلى تجربة جماعية طرقية ، ومع التطور لم يصبح القرآن والحديث وسير السلف الصالح فقط من يعتمد عليه بل أضيف إليهم إذا فلسفات أخرى وتأسيسات نظرية من أديان أخرى وفلسفات نظرية أخرى كالرواقية والافلاطونية المحدثة .

ثانيأ : سمات ومظاهر الاسلام الصوفي

يعدد الكاتب سمات المتصوفة ومظاهرهم في ثلاثة أشياء :-

  • المظهر الزهدي : يقرر محمد الطيبي أن الزهد شرط في التصوف وليس التصوف شرطا في الزهد ، فلا تصوف بدون زهد ويمكن ان يوجد زهد من دون تصوف ، يقول السريّ السقطي “لا تأخذ من أحد شيئاً ولا تسل أحداً شيئاً ولا يكن ما تعطي منه أحداً شيئاً” ، أو كما يقول أبو طالب المكي “أول الزهد دخول غمّ الآخرة في القلب ” ، ويضيف الجنيد قائلا “ما أخذنا التصوف عن القيل والقال ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات ، لان التصوف هو صفاء المعاملة مع الله وأصله التَعَزُّفُ عن الدنيا”

 

  • المظهر التعبّدي : فسمة المتصوف المميزة هو الاجتهاد في العبادة والزيادة منها فلا يقف على الفرائض بل يتوسع في النوافل قدر استطاعتها وهو على مداومة بذكر الله لساناً وقلباً ، والمتصوفة يتخذون من الحديث القدسي “وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ….” شعارا لهم ، فالمتصوف يبتغي بعبادته الرضوان والمحبة فهو يسير بعبادته إلى الله طلبا للفناء فيه نهاية المطاف .

 

  • المظهر الاخلاقي : فالتصوف كما يقرر ابن القيم الجوزيه في كتابه مدارج السالكين هو “الخُلق” ، ويقول أبوبكر الكتاني “التصوف خُلق فمن زاد عليك في الخُلق فقد زاد عليك في الصفاء” ، وأبو حامد الغزالي يرى بأن السمة الاخلاقية للمتصوف هو ” العلم بكيفية تطهير القلب من الخبائث والمكدّرات بالكفّ عن الشهوات والاقتداء بالانبياء صلوات الله عليهم في جميع أحوالهم . فبقدر ما ينجلي من القلب ويحاذي به شطر الحق تتلألأ فيه حقائق الوجود” ، ولأهمية أمر الخلق ومحوريته أوجب المتصوفة الاقتداء بشيخٍ سالك يتخذه المريد هادياً ومرشداً .

 

 

  • خصائص الإسلام الصوفي ومقوماته

ينتقل الكاتب في الفصل الثاني للحديث عن الخصائص الكبرى المميزة للاسلام الصوفي ويجملها في ثلاث خصائص

  • الحب الالهي : فالتصوف هو طريق إلى الحق المطلق محركه الحب ، فالمحبة عند المتصوفة هي أهمّ أحوال العارف وأسمى صفاته ، وتقرر المصادر والمراجع كما يقول الكاتب بأن أول من نادى بنظرية الحب الالهي هي “رابعة العدوية” ، وروى القشيري عن أبي عبدالله القرشي قوله “حقيقة المحبّة أن تهب كلّك لمن أحببت فلا يبقى لك منك شيء” ، وتطورت تجربة الحب الالهي مع الحلاج كما يقول الطيبي لتصبح ” أفق ميتافزيقي أسس عليها من جاء بعده نظريتهم في وحدة الوجود” ، فجوهر الذات الالهية عند الحلاج هو الحب ، فمن الحب خلق الله الخلق من عدم .

 

  • المعراج الروحي : أو السير أو الطريق ، فالتصوف سير إلى الله والسير إلى الله له مقامات وأحوال كما حدد ذلك المتصوفة ، والمعراج الروحي يلخص كما يقول الكاتب “التصوف بدءاً ومنتهى ، لانه ينطوي على جانبي الحياة الصوفية المختلفين المتمايزين المتكاملين في آن : الجانب العملي والجانب العرفاني أو جانب المجاهدة وتطهير النفس وجانب الكشف والعرفان والمشاهدة والاشراق” ، كما أن الطريق الذي يسلكه المتصوفة إلى الله هو عروج من عالم الظاهر إلى عالم الحقيقة ومن عالم الارض إلى السماء أو من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ، ولكل سائر مقام وحال ، والمقام هي المنزلة الروحية التي يقيم بها السالك أو يقيمه الله فيها حتى ينتقل إلى المنزلة التي تليها ، والأحوال وهي الأمور الروحية التي تعرض للسالك في الطريق إلى الله أو هي معان تَرِدُ على القلب من غير اكتساب خلافا للمقامات التي هي أمور كسبية لأنها أعمال إرادية يقوم بها السالك ، فالمقامات كما يقرر الكاتب مكاسب والأحوال مواهب .

 

  • الذوق القلبي : من ذاق عرف ، وكما يقول ابن عربي ” ومن أصولنا أنّا لا نتكلّم إلا عن ذوق” فالمعرفة الذوقية كما ينبه محمد إقبال إلى ذلك معرفة مباشرة أو تجربة شخصية لا يستطيع إنسان نقلها إلى آخر لان الحال الصوفي حال شعوري ووجداني وليس حال تعقل ، ويقرر الإمام الغزالي بأن ” كل حكمة تظهر في القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلّم فهي بطريق الكشف والإلهام” ، فالمعرفة الحقة عند المتصوفة ما كانت ذوقية وكشفية كما يقرر في ذلك ابن عربي بقوله “فكل علم لا يحصل إلاّ عن عمل وتقوى وسلوك فهو معرفة لأنّه عن كشف محقق لا تدخله الشُبَهُ ، بخلاف العلم الحاصل من النّظر الفكريّ لا يسلمُ أبداً من دخول الشُبَهِ عليه والحيرة فيه والقدح في الأمر الموصل إليه” ، وموضوع المعرفة عند المتصوفة هي الذات الإلهية لأنها مقصد السالكين ومعرفة الله لا تحصل الا بالكشف والعيان لا بالحجة والبرهان .

 

  • تجليات الاسلام الصوفي المؤسس ووظائفه

يتناول الكاتب – بعد أن أحاط بالشق النظري من الاسلام الصوفي – في الفصل الثالث والأخير الاسلام الصوفي المؤسسي يرصد فيه فترة تحول التصوف من مناجاة فردية إلى حالة طُرقية  

يحدد الكاتب القرن السادس الهجري تم التأسيس فيه لأول طريقة صوفية ويحدد لكل جماعة صوفية ثلاثة عناصر بنيوية وهي:-

  • الشيخ المؤسس باعتباره مرجعاً للإتباع ومنظما للرابطة أو الجماعة .
  • الطريقة الروحية والسلوكية التي تم سنّها .
  • نوع الروابط التي تصل بين أفراد الجماعة والرابطة .

يستعرض الكاتب بعد ذلك وسريعا  كبرى الطرق الصوفية وامتداداتها الجغرافية وتطورها التاريخي .ينتقل بعد ذلك الكاتب للحديث عن المؤسسة الصوفية ذاتها مكوناتها وعلاقاتها فيرى أن الطريقة في الاسلام الصوفي تعني مما تعنيه للسائرين في رحابها الطريق الذي يعبر من خلاله من عالم  الشريعة إلى عالم الحقيقة فهي نظام كلي يرمي إلى تطهير النفس تدريجيا والعلاقة التي تجمع بين الشيخ والمريد في المؤسسة الصوفية كما يقول الامام الشعراني “كالميت بيد مغسّله لا كلام ولا حركة” ولكل طريقة أورادها الخاصة ، كما يُمايز الكاتب ما بين الطريقة الصوفية والطائفة الصوفية فيشير إلى أن الاولى أي الطريقة دالة على البناء الفكري والطريق الموصل إلى الله أما الثانية وهي الطائفة فهي مجموع السالكين لذلك الطريق .

وهنا نتوقف عند حديثه عن الزوايا والخانقاوات والرباطات  الذي يشير إليه عرضاً التي انتشرت على حدود الدولة الاسلامية لمقاتلة الأعداء وحراسة الثغور وحديثا الأمير عبد القادر الجزائري وعمر المختار لنتسائل تساؤلا باعتقادي هام وهو هل يُقاتل الصوفي ويقتل ؟ هذا تساؤل على رتبة كبيرة من الحرج فالمتصوف والصورة التي تقدم عنه دوما أنه رجل مسالم لا ينخرط في أمر مجتمعه إلا عبر التكافل وفقط ، ولكن لنحاول أولا التفرقة بين لونين من المتصوفة ، فالمتصوفة ليسوا على درجة واحدة من موقفهم من المجتمع أ- اللون الأول : وهم المتصوفة الانعزاليين أو المنسحبين فهم بالأساس لا يرون أحداً من حولهم بل حتى في بعض الاوقات لا يرون ذواتهم  وأنفسهم فهو لا يري سوى ذاتها والذات الالهية ويظل سائراً طالبا الفناء فيه ب- المتصوفة المنخرطين : وهم متصوفة لهم تواصل بالمجتمع وهم من نقصدهم بتساؤلنا هذا .

 فلنبدأ أولا  بالنفي السالب بالقول بأن الصوفي لا يقاتل على معنى أو تأويل فالمعنى عنده لانهائي كمّا التأويل ، ولنقل ثانيا في الإقرار الموجب نعم الصوفي يقاتل فقط لدفع ظلم وبالأخص عندما يكون خارجيا فهو لا يهتم من الاصل بكل صراع داخلي على السلطة ولذلك هو يأخذ مسافة كبيرة من تشابكات وتعقيدات المجتمع الذي يحيا بداخله  وأعتقد أن تلك المسافة بحاجة إلى جسر هُوتِها خصوصا في ظل حضور نمط علاقة جديد مغاير للنمط الذي كان متسيدا في العصر الوسيط فهو نمط دولة حديثة في طابع استبدادي يحاول تأميم كل المساحات الاجتماعية وهذا أمر يخنق التصوف ويجعله تابعا وأحد الامور التي يحتاجها التصوف لتجديد ذاتها مما يعتريه هو كسب مساحات اجتماعية أكبر من ذلك .

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!