مسألة الاستواء في الفكر الصّوفيّ

مسألة الاستواء في الفكر الصّوفيّ

مسألة الاستواء في الفكر الصّوفيّ

د. عبد السلام الحمدي

باعتباره نصّا مقدّسا، اقتضى القرآن أن يكون مجالا لجهود تفسيريّة مستمرّة اتّخذت من دلالات آياته ومعانيها مطلبا، وتنوّعت مناهجها على قدر ما اختلفت زوايا النّظر فيه، وتكلّفت كشفَ الغطاء عن “المتشابهات” منه، ولاسيّما النِّسَب المضافة إلى اللّه في الآيات الّتي اصطُلح على تسميتها بآيات الصّفات (1). وقد تباين الإسلاميّون في تفسير ما تَشَابَهَ عليهم من “الكتاب” حتّى كان ما ينبغي أن يُعطى من المعاني مدارا ـ في بعض الأحيان ـ للمعارك الكبرى بين المتكلّمين بمختلف مدارسهم (2)، وما أكثر ما خاض هؤلاء في تلك النِّسَب خاصّة، إذ لم يكن كافيا أن يقفوا عند الإقرار بأنّ اللّه مطلق ومنزّه عن قيديْ الزّمان والمكان، وإنّما كان عليهم أن يطرحوا أسئلة من نوع : كيف يمكن التّفكير في اللّه بوصفه قويّا حيّا سميعا بصيرا وهلمّ جرّا… إذا أ ُخِذ بعين الاعتبار أنّه متعالٍ عن البشريّة، بل بلا صورة أصلا وبلا مكان؟ وكيف ينطبق عليه أيّ نعت أو اسم ممّا أ ُلْحِقَ به في القرآن؟ (3)

وقد أدلى الصّوفيّة بدلائهم في الموضوع، في غير صنف من مصنّفاتهم، فلنحاول أن نقف على منهجهم في معالجة إشكاليّة الصّفات الخبريّة من خلال كتاباتهم ولاسيّما مؤلّفاتهم في تفسير القرآن، ولنتّخذ الاستواء على العرش نموذجا في عملنا هذا، لكونه صفة «من عضال المباحث» (4)، انفردت عن سائر تلك الصّفات بأهمّيّة خاصّة ضمن كتب العقائد (5). لكن لا بدّ من لفتة، قبل ذلك، إلى مقالات المتكلّمين في المسألة، على سبيل التّوطئة.

مقالات المتكلّمين في الاستواء:

يمكن حصر مواقف المتكلّمين، حيال صفة الاستواء وسائر أمثالها من الصّفات، في ثلاثة اتّجاهات : أحدها التّوقّف في تأويلها والسّكوت والتّسليم، والثّاني تأويلها، والثّالث إجراؤها على الظّاهر وفق ما يُفهم عند إطلاقها على الأجسام. فأمّا الموقف الأوّل فكان شأنَ أهل السّنّة وأصحاب الحديث، إذ مذهبهم في المسألة ـ على ما بيّن الأشعريّ (ت 324 ﻫ) من عقيدتهم ـ الإقرار بأنّ اللّه على العرش، دون الخوض في كيفيّة استوائه، لكن مع تنزيهه عن الجسميّة وعن مشابهة الأشياء (6). وأجلى تعبير عن هذا الاتّجاه عبارة مشهورة منسوبة إلى مالك بن أنس (ت 199 ﻫ) يقول فيها : «الاستواء معلوم، والكيفيّة مجهولة، والإيمان به واجب، والسّؤال عنه بدعة» (7). وقد ذكر الشّهرستاني (ت 548 ﻫ) صاحبَ هذا القول وأحمدَ بن حنبل (ت 241 ﻫ) في طلق واحد ضمن جماعة ممّن اصطُلح على تسميتهم بـ “السّلف”، حاذرت التّشبيه ولم تتعرّض للتّأويل (8). وكان لهذا المنحى في مواجهة الصّفات الموهمة للنّقص صدى لدى بعض الأشاعرة على ما يبدو من كلام فخر الدّين الرّازي (ت 604 ﻫ) حول مسألة الاستواء أثناء تفسيره الآية الرّابعة والخمسين من سورة الأعراف، حيث انتهى من استدلال طويل إلى القول : «وعند هذا حصل للعلماء الرّاسخين مذهبان : الأوّل أن نقطع بكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة، ولا نخوض في تأويل الآية على التّفصيل، بل نفوّض علمها إلى اللّه (…) وهذا المذهب هو الّذي نختاره ونقول به ونعتمد عليه. والقول الثّاني أن نخوض في تأويله على التّفصيل» (9). ومن اللاّفت للنّظر أنّ الرّجل لم يظهر منه رفض ثاني القولين رغم ركونه إلى أوّلهما، فإنّه رأى من الحقّ والصّدق والصّواب قولَ من اعتبر العرش كناية عن الملْك وتأوّل الاستواء على أنّه استقامةُ الملْك للمَلِك واطّرادُ أمره وحكمه (10).

وتعكس هذه الضّبابيّة في تفكير الرّازي حال الأشاعرة عموما، بل ربّما هي انعكاس لتردّد أبي الحسن الأشعريّ نفسه في مسألة تأويل الصّفات بين التّجويز والرّفض، على ما يبدو من كلام الشّهرستاني في شأنه حيث قال : «أثبت [ أبوالحسن ] اليدين والوجه صفات خبريّة، فيقول : ورد بذلك السّمع فيجب الإقرار به كما ورد، وصُغوه إلى طريقة السّلف من ترك التّعرّض للتّأويل. وله قول أيضا في جواز التّأويل» (11). ولعلّنا لا نجانب الصّواب إذ نشارك المستشرق ونسنك Wensinck في بعض استنتاجاته، فنضع ضمن اعتباراتنا أنّ مسلك أبي الحسن الأشعريّ في معالجته بعض المسائل الاعتقاديّة، ولا سيّما مسألة الاستواء، يُظهره بمثابة ابن روحيّ لأحمد بن حنبل (12)، وعلى هذا يمكن القول إنّ المستشرق المذكور كان محقّا حين تساءل في استغراب : هل هذا هو الأشعريّ الّذي لعن الحنابلةُ أتباعَه ومقَتَه ابن حزم (ت 548 ﻫ)؟ أو هو رجل ذو وجهين؟ (13). ومن يتأمّل مقالة الرّجل في الاستواء ضمن كتابه “الإبانة” ويقارنه بما عزا هو نفسه لأصحاب الحديث وأهل السّنّة، يقف على وجاهة هذا التّساؤل، فهو يقول هناك : «إنّ اللّه تعالى استوى على العرش، على الوجه الّذي قاله، وبالمعنى الّذي أراده، استواء منزّها عن المماسّة والاستقرار والتّمكّن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته وهو فوق العرش وفوق كل شىء إلى تخوم الثرى فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد وهو على كل شيء شهيد» (14). ومن يُردْ أن يستكمل عناصر الصّورة يمكنه أن ينظر خاتمة عرضه لعقيدة أصحاب الحديث وأهل السّنّة، في كتابه المعروف “مقالات الإسلاميّين”، أين يرد هذا الإقرار الصّريح : «(…) وبكلّ ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب» (15).

لقد تجاذبت الأشاعرةَ نزعتان في مواجهة الصّفات الخبريّة : التّسليم الّذي اتّسم به أصحاب الحديث، والتّأويل الّذي ميّز المعتزلة حتّى بات كخصيصة حصريّة فيهم مع أنّهم لم ينفردوا به. ولعلّ كتاب الزّمخشريّ (ت 538 ﻫ) في تفسير القرآن أجلى مظهر للمنهاج الّذي تصدّى به “أصحاب العدل والتّوحيد” لما تثير آيات الصّفات من الشّبهات، إذ استند مؤلّفه فيه إلى عنصر المجاز باعتباره، لدى أهل الاتّجاه الّذي يمثّله، آليّةً ناجعة في درء التّعارض بين الآية والآية أو بين آي القرآن وأدلّة العقل (16)، وهكذا نحا منحاهم في تأويلهم الاستواء تحديدا على أنّه الاستيلاء(17)، قائلا : «لمّا كان الاستواء على العرش، وهو سرير الملْك، ممّا يردف الملْك جعلوه كناية عن الملْك، فقالوا : استوى فلان على العرش، يريدون : مَلَكَ، وإن لم يقعد على السّرير البتّة، وقالوه أيضا لشهرته في ذلك المعنى ومساواته مَلَكَ في مؤدّاه وإن كان أشرح وأبسط وأدلّ على صورة الأمر» (18).

وأمّا الاتّجاه الثّالث في مواجهة الصّفات الخبريّة الموهمة للنّقص فمذهب من شاع نعتهم بالمشبّهة والمجسّمة، وهم أصناف : أحدها جماعة من أصحاب الحديث عُرفوا بـ “الحشويّة” (19). وثانيها الكرّاميّة الّذين قال زعيمهم إنّ اللّه على العرش استقرارا، مماسّ له من الصّفحة العليا (20)، فساروا على نهجه في التّجسيم، لكن مبدلين لفظ المماسّة بلفظ الملاقاة (21)، مختلفين في تحديد أينيّة اللّه من العرش (22). وثالثُ أصناف المجسّمة بعضٌ من غلاة الشّيعة، أبرزهم هشام بن الحكم (ت 179 ﻫ) الّذي حُكي عنه أنّه قال : «إن اللّه تعالى مماسّ لعرشه، لا يفضل منه شيء عن العرش، ولا يفضل من العرش شيء عنه» (23).

أقوال المتصوّفة في الاستواء:

لأقوالهم في المسألة وجهان، أحدهما الموقف الكلاميّ الّذي تسفر عنه بعض كتاباتهم، وثانيهما ضرب من التّأويل ينتهجونه تحت عنوان “التّفسير الإشاريّ”.

1 ـ الموقف الكلاميّ:

لم نجد في ما اطّلعنا عليه من المؤلَّفات الصّوفيّة مظهرا للتّجسيم، ولكنّنا لا نملك مع ذلك أن ننفي نفيا قطعيّا وجود مجسّمة بين المتصوّفة، فربّما كان الأشعريّ يشير إلى بعضٍ من هؤلاء في حديثه عن قوم ممّن يسمّيهم النّسّاكَ مذهبُهم أنّ اللّه ذو أعضاء وله ما للإنسان من الجوارح (24)، ما يعني أنّهم يأخذون على الظّاهر كلَّ مُضاف إليه في القرآن من اليد والعين وغيرهما وكلَّ ما نسب إلى نفسه من الصّفات الفعليّة كالنّزول والاستواء وسواهما. وإذا صحّ هذا الاحتمال ثبت غلط أبي بكر الكلاباذي (ت 380 ﻫ) في زعمه أنّ أهل التّصوّف اجتمعوا على أن ليس اللّه بذي جوارح ولا أعضاء (25)، وفي دعواه إجماعَهم على أنّ السّمع والبصر والوجه واليد صفات له ليست بجوارح ولا أعضاء ولا أجزاء (26). أمّا الصّفات الفعليّة ـ وهي ما يهمّنا في هذا السّياق لكون صفة الاستواء إحداها ـ فالحاصل من كلام الكلاباذي في شأن المتصوّفة حيالها أنّهم اختلفوا على مذهبين : أحدهما إثبات تلك الصّفات على ما يليق بالذّات الإلهيّة، والاكتفاء في التّعبير عنها بمجرّد التّلاوة والرّواية، مع إيجاب الإيمان بها وعدم إيجاب البحث فيها، وهو قول الجمهور منهم(27). والثّاني تأويلها، مال إليه بعضهم(28).

ولا غرو أن تتعدّد آراء القوم في المسألة، فإنّ التّصوّف ظاهرة عابرة لسائر الفرق الإسلاميّة، إذ يجتمع تحت سقفه السّنّيّ والشّيعيّ والأشعريّ والمعتزليّ وغير هؤلاء من ذوي الانتماءات المذهبيّة، لكن هل يمكن القطع بأنّ السّواد الأعظم من الصّوفيّة كانوا على ما اعتقد في الصّفات الخبريّة أصحابُ الحديث وأهلُ السّنّة من غير الحشويّة؟ ربّما كان ذلك إلى عصر الكلاباذي، أمّا بعدئذ فالملاحَظ أنّ النزوع إلى التّأويل أخذ مجراه لدى المتصوّفة على نحو لافت، فهذا أبو حامد الغزالي (ت 505 ﻫ) ـ الصّوفيّ الأشعريّ ـ أخذ لفظ الاستواء على محمل المجاز، وفهم منه معنى القهر والاستيلاء (29)، ونحو هذا المعنى اتّجه أبو القاسم عبد الرّحمان اللّجائيّ (ت 599 ﻫ) في كتابه “قطب العارفين” حيث يبدو متشبّعا بمبادئ الطّريقة الأشعريّة (30)، إذ ذهب إلى القول بأنّ اللّه «استوى على عرشه قهرا واقتدارا» (31). حتّى الشّيخ الأكبر محيي الدّين بن عربي (ت 638 ﻫ)، الّذي قيل في ما أفصح عنه على سبيل الإشهاد ضمن مقدّمة كتابه الضّخم “الفتوحات المكّيّة” (32) إنّه «عقيدة الشّيخ أبي الحسن الأشعريّ ليس فيها ما يخالف رأيه» (33)، لم يسعه أن يضرب صفحا عن التّأويل.

لقد أشرع ابنُ عربي البابَ إلى التّأويل لمن يغلب عليه الفضول أو يتصدّى للبدعيّ المجسّم (34)، ومن هذا الباب ولج إلى معالجة إشكاليّة الاستواء، فأوّله بالاستيلاء (35). وهكذا هدم عمليّا نظريّته حول الصّفات الخبريّة الّتي ما فتئ يؤكّد أنّ السّلامة في الإيمان بها مع تسليمها إلى اللّه على علمه فيها وعدم تأويلها (36)، وذلك على اعتبار أنّ التّنزيه بغير تشبيه «لا سبيل لمخلوق إليه إلاّ بردّ العلم فيه إلى اللّه» (37)، وقد اتّخذ مسألة الاستواء نفسها مضربا للمثل في هذا الاعتبار، قائلا : «(…) فغاية النّظر العقليّ في تنزيه الحقّ مثلا عن الاستواء أنّه انتقل عن شرح الاستواء الجسمانيّ عن العرش المكانيّ بالتّنزيه عنه إلى التّشبيه بالاستواء السّلطانيّ الحادث، وهو الاستيلاء على المكان الإحاطيّ الأعظم أو على الملك، فمازال في تنزيهه من التّشبيه، فانتقل من التّشبيه بمحدث ما إلى التّشبيه بمحدث آخر فوقه في الرّتبة، فما بلغ العقل في التّنزيه مبلغ الشّرع فيه في قوله : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» (38) (…)» (39). ومن هذا الوجه طعن الرّجل على الّذين أوّلوا آيات الصّفات من الأشاعرة (40)، نافيا كونهم فارقوا التّشبيه بتأويلها، معتبرا أنّهم انتقلوا من التّشبيه بالأجسام إلى التّشبيه بالمعاني، مبيّنا أنّ الاستواء «حقيقة معقولة معنويّة تُنسب إلى كلّ ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذّات» (41)، ما يعني أنّ أساس التّفرقة هو التّمايز الذّاتيّ لا التّمايز الصّفاتيّ (42)، فالاستواء للّه وللإنسان، ولكنّه لهذا وفق حقيقته الإنسانيّة ولذاك وفق حقيقته الإلهيّة، إذن تنعدم الحاجة إلى صرف الصّفة عن ظاهرها (43). وقد انتهى الشّيخ الأكبر إلى فهمه هذا للاستواء على ضوء تصوّره لما يسمّيه “حقيقة الحقائق” أو “الحقيقة الكلّيّة” (44)، وهذه الحقيقة هي ـ في نظره ـ معقول مجرّد، يتّصف به الخالق والخلق، كلٌّ على ما يختصّ به، ففي القديم هو قديم، وفي المحدَث هو محدَث، وفي المتنزِّه متنزِّهٌ، وفي المتعدِّد متعدِّد، مثله كمثل العوديّة في الخشبة والكرسيّ والمحبرة والمنبر والتّابوت (45).

ويُستخلص من كلام ابن عربي في نقد الأشعريّة أمران : فأمّا الأوّل فأنّ الميل إلى تأويل الصّفات الخبريّة كان متفشّيا داخل أوساطهم إلى حدٍّ أثار حفيظة صاحب الفتوحات، والظّاهر أنّ الغزالي واللّجائيّ كانا ضمن أهل تلك النّزعة من الأشاعرة، وهؤلاء من المرادين ـ على الأرجح ـ بلفظة “الخلف” في قول عبد الوهّاب الشّعراني (ت 973 ﻫ) إنّ «مذهب السّلف التّسليم ومذهب الخلف التّأويل» (46)، ومن الطّبيعيّ أن يكون لما حصل من تطوّر على هذا الصّعيد أثر في عقائد سائر الصّوفيّة، ولاسيّما عند سيادة المذهب الأشعريّ بفعل الغلبة السّياسيّة كما هو الشّأن مثلا على عهد السّلاجقة الّذين عاش في كنف دولتهم الغزالي، وكما هو الحال حين انتصرت بشمال إفريقيا الدّعوة التّومرتيّة الّتي كانت حياة اللّجائيّ في ظلّ من حكموا بأحكامها.

وأمّا الأمر الثّاني فأنّ الشّيخ الأكبر كان ذا وجهين في تعاطيه مع مسألة الاستواء وآيات الصّفات عامّة وسائر المسائل العقائديّة الخلافيّة : وجهٍ يوافق مذهب أهل السّنّة في صيغته الأشعريّة التّسليميّة، وقد تجلّى في مقدّمة كتاب الفتوحات، حيث أشهد المؤلّف “إخوته المؤمنين” على عقيدته الّتي هي «عقيدة أهل الإسلام مسلّمة من غير نظر إلى دليل ولا إلى برهان» (47)، مقرّا بأنّ اللّه «إذا شاء استوى على عرشه كما قاله، وعلى المعنى الّذي أراده، كما أنّ العرش وما سواه به استوى» (48). ووجهٍ يخالف مذاهب المتكلّمين، ظهرت تقاسيمه في أدراج ذلك الكتاب نفسه، أين نقف على نزعة صوفيّة في معالجة المسائل الاعتقاديّة ولاسيّما إشكاليّة الصّفات الخبريّة، ومن مظاهر تلك النّزعة اعتبار الوليّ جهة علم يقينيّ يُفوَّض إليها علم الصّفات الإلهيّة (49)، وهذا باب شارع إلى ما يسمّى بـ “التّفسير الإشاريّ”.

2 ـ التّفسير الإشاريّ:

قبل الانشغال بهذا الوجه من أقوال المتصوّفة في مسألة الاستواء، لا بدّ من وقفةٍ توضيحيّة عند مفهوم “الإشارة” لديهم.

أ ـ مفهوم الإشارة لدى الصّوفيّة :

يعتمد المتصوّفة على حديث معزوّ إلى النّبيّ (50) في قولهم بأنّ القرآن «ظاهر وباطن» (51). ويستند كثير منهم في ذلك إلى روايات للحديث النّبويّ المذكور تتضمّن مزيد تفصيل، خلاصتها أنّ للكلام الإلهيّ المنزّل على الرّسول ظاهرا وباطنا وحدّا ومطلعا (52)، وعلى أساسها ذهب غير صوفيّ إلى تحديد رباعيّ يأخذ بعين الاعتبار عنصر المتلقّي، فهذا اللّجائي تطرّق إلى الحديث عن فوائد القرآن، فبيّن أنّها تكون على قدر رتبة سامعه، وتوسّع في البيان قائلا : «فمن سمعه من أمثاله ففائدته علم أحكامه. ومن سمعه كأنّما يسمعه من السّفير الأعلى ففائدته تبيّن معجزاته وشرح الصّدور بلطائف خطابه. ومن سمعه كأنّما يسمعه من الرّوح ففائدته مطالعة الغيوب ودقائق الإشارات من محبّة المحبوب. ومن سمعه كأنّما يسمعه من المتّصف به فني ومُحقت صفاته، وصار موصوفا بصفات التّحقيق، فيفنى عن علم اليقين وعن عين اليقين، وتحصل له درجات حقّ اليقين» (53). وقد يتّضح معنى هذه الفقرة اللّجائيّة المشوبة بقدر من الإبهام على ضوء فقرة أخرى لابن عربي يقول فيها : «انظر في القرآن بما أنزل على محمّد ـ ص ـ، لا تنظر فيه بما أنزل على العرب فتخيب عن إدراك معانيه، فإنّه نزل بلسان رسول اللّه ـ ص ـ لسان عربيّ مبين، نزل به الرّوح الأمين جبريل عليه السّلام على قلب محمّد ـ ص ـ، فكان به من المنذرين أي المعلّمين، فإذا تكلّمت في القرآن بما هو به محمد ـ ص ـ متكلّم نزلت عن ذلك الفهم إلى فهم السّامع من النّبى ـ ص ـ، فإنّ الخطاب على قدر السّامع لا على قدر المتكلّم، وليس سمعُ النّبى ـ ص ـ وفهمُه فيه فهمَ السّامع من أمّته فيه إذا تلاه عليه، وهذه نكتة ما سمعتها قبل هذا عن أحد قبلى، وهى غريبة وفيها غموض» (54).

إذن، يمكن القول على لسان الشّيخ الأكبر إنّ تنزّل النّصّ القرآنيّ كان على مراحل، واكبه في كلٍّ منها مستوى في الفهم تميّزت به عن سابقتها ولاحقتها، إذ لا يفهم البشر الكلام الإلهيّ كما فهمه محمّد الّذي نقله إليهم، وكذا شأن النّبيّ في ذلك مع جبريل الّذي أنزل القرآن على قلبه، فأولئك تلقّوه على ما يظهر منه بمقتضى معطيات اللّغة العربيّة، ولا ينفذ إلى المستوى الباطن الّذي تنطوي عليه الشّفرة النّبويّة الخاصّة إلاّ من يتجاوز منهم أسوار اللّغة العامّة، ويبلغ مستوى الحدّ من يتّخذ منهم موقع النّبيّ في تلقّيه عن الملَك جبريل يُنزل على قلبه القرآن، ويكون المطلع لمن يسمع عن اللّه/المتكلّم، مباشرة بلا واسطة (55).

والدّعوة الأكبريّة إلى طلب ما وراء الصّيغة المحمّديّة للنّصّ القرآنيّ تنبني على خلفيّة القول بأنّ اللّه ما أغلق باب النّبوّة والرّسالة حتّى أبقى لخلقه باب الفهم عنه فيما أوحى به إلى نبيّه (56)، وخصّ به “رجالَ الباطن”، إذ «يفتح لهؤلاء الرّجال في باطن الكتب المنزّلة والصّحف المطهّرة وكلام العالم كلّه ونظم الحروف والأسماء من جهة معانيها ما لا يكون لغيرهم اختصاصا إلهيّا» (57). وإذا وضعنا بعين الاعتبار أنّ مستويات القرآن الأربعةَ متداخلةٌ، يقود الأدنى منها إلى الأرقى (58)، أدركنا عدم حاجة الشّيخ الأكبر إلى أن يوضّح كون ذلك الاختصاص الإلهيّ في فهم القرآن يشمل أيضا أصحاب الحدّ وأهل المطلع.

بالمستويات الثّلاثة الكامنة تحت الظّاهر يتعلّق معنى “الإشارة” في الاصطلاح الصّوفيّ (59) على ما يبدو من فتوحات ابن عربي المكّيّة، ولاسيّما الباب الرّابع والخمسين (60)، أين نقف على أوضح ما بيّن أهل التّصوّف من أمر هذا المصطلح الّذي يُستخلص من كلام صاحب الفتوحات أنّهم اعتمدوه لفظَ تقيّةٍ، إذ أطلقوه على ما يقولونه في شرح القرآن ليقوا أنفسهم من تشنيع الفقهاء “أهل الظّاهر علماء الرّسوم” (61) الّذين يستسيغون أن يقال في الشّروحات الصّوفيّة إنّها إشارات (62)، ويرفضون عدّها ضربا من التّفسير (63)، ويُجهّلون من يقول : «فهّمني ربّي» (64). ولا ينفي المتصوّفة في قرارة أنفسهم أنّ مسمّى “الإشارة” لدنهم هو تفسير لمعاني النّصّ القرآنيّ حقيقةً، يرد إلى الصّوفيّ بإعلام ربّانيّ (65)، فإنّه في اعتقادهم فهْم يتنزّل على قلبه من عند اللّه كما تنزّل القرآن على النّبيّ (66)، وعلى هذا وصفه الشّيخ الأكبر بقوله إنّه «العلم الصّحيح عن العالم المعلّم الّذي لا يشكّ مؤمن في كمال علمه ولا غير مؤمن» (67). فهذا وجه.

ووجه آخر أنّ المتصوّفة يرون كون الخطاب القرآنيّ منطويا على تنبيهات إلهيّة بواسطة الرّمز، جُعل الوقوف عليها امتيازا لطائفة من النّاس (68)، يمكنها الجواز إلى باطن القرآن عبر ظاهره، على نحو ما وضّح ابن عربي من خلال تأويله كلمتيْ “الاعتبار” و “العبرة”، حيث تحدّث عمّا في كلام اللّه من رمز وإلغاز قائلا خلال ذلك : «وقال [ اللّه ] : «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ» (69)، أي تعجّبوا وجوزوا واعبروا إلى ما أردته بهذا التّعريف : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ» (70) من عبرتُ الوادي إذا جزته» (71). فعلى تلك التّنبيهات أطلق أهل التّصوّف مصطلح “الإشارات”، ومن هذا الوجه أمكن أن يُنعت كلامهم في شرح الآي بـ ” التّفسير الإشاريّ “، إذن لم يجانب الصّواب من عرّف هذا النّوع من التّفسير بقوله : «هو تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفيّة تظهر لأرباب السّلوك» (72). ومن فضل الحديث القول إنّ هذا المنحى في التّأويل لا ينبني على مقدّمات علميّة، بل ينتج عن مجاهدة روحيّة يخوض غمارها الصّوفيّ حتّى يسمو إلى مرتبة في القرب لا يخفى على بالغها ما تحت ظاهر العبارات القرآنيّة من إشارات قدسيّة (73).

ومن الجدير بالذّكر أنّ المتصوّفة ما انفكّوا يبدون حرصا على ألاّ يبدو التّفسير الإشاريّ نقضا لمذهب المفسّرين من أهل الظّاهر، فالحاصل ممّا يعلنون أنّهم لا ينفون كون الآية تحتمل معنى غير المعنى الإشاريّ، بل يرون أنّ المراد منها أوّلا هو المعنى الظّاهر (74) الّذي ما برحوا يؤكّدون إقرارهم به، كحال ابن عربي، مثلا، في قوله : «وإنّما فرّقنا في التّعبير بين الإشارة والتّحقيق لئلاّ يتخيّل من لا معرفة له بما آخذ أهلَ اللّه أنّهم يرمون بالظّواهر، فينسبونهم إلى الباطنيّة، وحاشاهم من ذلك، بل هم القائلون بالطّرفين» (75). وربّما كان حرصهم هذا ضربا من التّقيّة يصونون به أنفسهم كشأنهم مع مصطلح “الإشارة” في بعض استعمالاتهم، فإنّ تفسيراتهم الإشاريّة كثيرا ما تكون بعيدة عن المنطق السّائد كما سنلاحظ من خلال نماذج تتعلّق بمسألة الاستواء.

ب ـ التّأويلات الإشاريّة لخبر الاستواء :

ملجؤنا في دراسة هذا النّوع من التّأويلات صنف مخصوص من مؤلّفات الصّوفيّة، مداره على تفسير القرآن، ونستند إلى نموذجين في هذا الميدان، أحدهما التّفسير المسمّى “لطائف الإشارات”، وجليّ من عنوانه أنّ مؤلِّفه أبا القاسم عبد الكريم القشيريّ (ت 465 ﻫ) نَهَجَ فيه نهجا إشاريّا. والثّاني هو التّفسير الّذي اشتهرت نسبته إلى ابن عربي مع أنّه ليس من أعماله، وقد بات من المسلَّم به الآن (76) أنّه من تأليف عبد الرّزّاق القاشاني (ت 736 ﻫ)، ولهذا الصّوفيّ قَدَمٌ راسخة في العقيدة الأكبريّة (77)، فلا غرو أن يُعزى كتابه إلى صاحبها.

الاستواء في تفسير القشيري :

وقف أبو القاسم القشيريّ عند مسألة الاستواء في خمس من سبع مناسبات يتيحها عدد الآيات الّتي تضمّنت الخبر «استوى على العرش»، وفي جلّ وقفاته يبدو متقيّدا بميزانٍ قوامُه على مبدإ “الإثبات بلا تشبيهٍ والتّنزيه بلا تعطيلٍ”، وأجلى مظهر لهذا المبدإ ما ورد في كلام صاحب “اللّطائف” خلال تفسيره الآية الرّابعة من سورة السّجدة، حيث قال : «ليس للعرش من هذا الحديث إلاّ هذا الخبر، استوى على العرش ولكنّ القديم ليس له حدّ، استوى على العرش لكن لا يجوز عليه القرب بالذّات ولا البعد، استوى على العرش ولكنّه أشدّ الأشياء تعطّشا إلى شظيّة من الوصال لو كان للعرش حياة ! ولكنّ العرش جماد، وأنّى يكون للجماد مراد؟! استوى على العرش لكنّه صمد بلا ندّ، أحد بلا حدّ» (78).

وشأنُ توجّهٍ كهذا أن يستلزم تعاملا مع ما يتعلّق بالمسألة من الآيات القرآنيّة على أساسٍ غير حرْفيّ، لذا ذهب القشيريّ إلى القول، أثناء تصدّيه للآية الثّالثة من سورة يونس، بأنّ اللّه توسّل في إخباره عن استوائه «بما يقرب من فهم الخلق» (79)، ومن هذا المنطلَقِ ضرب صفحا عن دلالة الخبر الحسّيّة، آخذا لفظه على غير محمله الظّاهر الموهم بالجسميّة والجهة والحدّ، منتهيا إلى تفسيره قائلا : «معناه اتّصافه بعزّ الصّمديّة وجلال الأحديّة، وانفراده بنعت الجبروت وعلاء الرّبوبيّة» (80). وهذا واحد من تفسيرات ثلاثة للاستواء الإلهيّ على العرش السّماويّ في الكتاب “لطائف الإشارات”.

فأمّا التّفسير الثّاني فبرز في سياق التّعرّض للآية الثّانية من سورة الرّعد، ومداره صرف كلمة “العرش” إلى معنى “المُلك”، اعتمادا على عادة التّعبير عن زوال مُلك شخص بالقول : «اندكّ عرش فلان»، وحاصله كون المراد بالخبر «استوى على العرش» أنّه «احتوى على ملكه احتواء قدرة وتدبير» (81). وأمّا التّفسير الثّالث فتطرّق إليه مؤلّف “اللّطائف”، عند خوضه في الآية التّاسعة والخمسين من سورة الفرقان، بالتّركيز على كلمة “استوى” هذه المرّة، وتوجيهها إلى ما يفيد أنّ العرش مفعول به لا مفعول فيه، قائلا : «انتظم به الكون ـ والعرش من جملة الكون ـ ولم يتجمّل الحقّ سبحانه بشيء من إظهار بريّته، فعلوّه على العرش بقهره وقدرته، واستواؤه بفعل خصّ به العرش بتسوية أجزائه وصورته» (82).

لا يخفى أنّ هذه التّفسيرات غير متناقضة على اختلافها، فكلّها أوجه يحتملها الخبر مجتمعة، ولا يُبطل أيٌّ منها سواه، بل إنّها تبدو متكاملة، إذ تتضافر في تكوين صورة عن تمثّلٍ محوره اللّه بوصفه المتعالي القاهر القادر الفاعل بقدرته. ومن اللاّفت للنّظر أنّها اتّسمت بمعالم تدلّ على وجهةٍ أشعريّةٍ في معالجة المسألة، تظهر جليّة لمن يتأمّل ما تمّ سوقه من “إشارات” القشيريّ، على ضوء ما فرط عرضه من كلام الرّازي وما سبق بيانه من أقوال الأشعريّ عينه.

بيد أنّ تلك المعالم تندثر تماما في معرض تفسير الآية الخامسة من سورة طه، أين يتطرّق صاحب “اللّطائف” إلى نوع آخر من الاستواء الإلهيّ، ألا وهو الاستواء على العرش الأرضيّ، يعني “قلوب أهل التّوحيد”، فيقول :«استواء عرشه في السّماء معلوم، وعرشه في الأرض قلوب أهل التّوحيد. قال تعالى : «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ» (83). وعرش القلوب : قال تعالى : «وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» (84). أمّا عرش السّماء فالرّحمان عليه استوى، وعرش القلوب الرّحمانُ عليه استولى. عرش السّماء قبلة دعاء الخلق، وعرش القلب محلّ نظر الحقّ.. فشتّان بين عرش وعرش !» (85).

والظّاهر أنّ القول بالاستواء القلبيّ كان من وحي الحديث المنسوب إلى النّبيّ : «قلب المؤمن عرش اللّه»، وهو من المرويّات الجارية على ألسنة أهل التّصوّف، لكن لا أثر له في الكتب السّتّة المشهورة، بل أدرجه الصّغاني (ت 650 ﻫ) ضمن الموضوعات (86). وفي مجرى هذا الحديث يصبّ أيضا خبر عن اللّه أنّه قال : «ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن التّقيّ النّقيّ الوادع»، ورواج هذا الخبر لدى المتصوّفة ـ مع أنّ من تعقّبه لم ير له أصلا (87) ـ أمر تغني كتاباتهم عن بيانه. إذن، لم يأت من فراغٍ ما ذهب إليه القشيريّ، وإنّما صدر عن خلفيّة من صميم ثقافةٍ صوفيّةٍ شأنها أن تُلهم من يتشبّع بها معنى كالّذي تردّد صداه حتّى زمن محمود الألوسيّ (ت 1270 ﻫ) فطفا على السّطح في طَيِّ تفسيرٍ من مؤلّفاته، أين قال الرّجل بمناسبة وقوفه عند آية الاستواء من سورة طه : «ذكر بعض الصّوفيّة أنّ العرش إشارة إلى قلب المؤمن الّذي نسبة العرش المشهور إليه كنسبة الخردلة إلى الفلاة بل كنسبة القطرة إلى البحر المحيط، وهو محلّ نظر الحقّ، ومنصّة تجلّيه، ومهبط أمره، ومنزل تدلّيه» (88).

ولا يظفر بطائل من تتعلّق همّته بطلب ما يشير إليه القشيريّ بالجملة «عرش القلوب الرّحمان عليه استولى»، حتّى في ضوء الحديث والخبر المذكوريْن، إلاّ على سبيل الاحتمال والتّرجيح استنادا إلى تصوّر المتصوّفة عموما لعلاقة العبد بالمعبود، ذلك أنّ المحبّة تمثّل لديهم عنصرا حيويّا في التّفاعل الإنسانيّ الإلهيّ، فليس من المستبعَد أن يكون المراد بالاستيلاء على قلوب الموحّدين درجةً فيها عبّر عنها غير صوفيّ ممّن عرض أقوالَهم صاحبُ “اللّطائف” ضمن رسالته الشّهيرة، حيث ذكر هذا الخبر : «سُئل الجنيد (ت 297 ﻫ) عن المحبّة، فقال : دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحبّ»، ثمّ عقّب على إجابة المسؤول قائلا كالمفسّر : «أشار بهذا إلى استيلاء ذكر المحبوب، حتّى لا يكون الغالب على قلب المحبّ إلاّ ذكر صفات المحبوب، والتّغافل بالكلّيّة عن صفات نفسه والإحساس بها» (89). وفي الرّسالة القشيريّة جُمل أخرى من نوع ما ورد على لسان الجنيد، نقلها المؤلّف عن غير صوفيّ، منها قول دلف الشّبليّ (ت 334 ﻫ) : «سمّيت المحبّة محبّة لأنّها تمحو من القلب ما سوى المحبوب» (90) وعبارة محمّد بن الفضل الفرّاوي (ت؟) : «المحبّة سقوط كلّ محبّة من القلب إلاّ محبّة الحبيب» (91).

وربّما يشير مؤلّف كتاب “اللّطائف” إلى ضربٍ قلبيٍّ من التّوحيد عبّر عنه بعض الصّوفيّة بكلام مرويّ ضمن الرّسالة القشيريّة أيضا، يمكن أن تُؤخذ على محمله عبارةُ “أهل التّوحيد” الواردةُ في سياق تفسير القشيريّ للآية الخامسة من سورة طه : يقول الجنيد مجيبا مَنْ سأله عن “توحيد الخاصّ” : إنّه «أن يكون العبد شبحا بين يدي اللّه سبحانه، تجري عليه تصاريف تدبيره في مجاري أحكام قدرته، في لجج بحار توحيده بالفناء عن نفسه وعن دعوة الخلق له وعن استجابته بحقائق وجوده ووحدانيّته في حقيقة قربه، بذهاب حسّه وحركته لقيام الحقّ سبحانه فيما أراد منه، وهو أن يرجع آخر العبد إلى أوّله، فيكون كما كان قبل أن يكون» (92).

الاستواء في التّفسير المنسوب إلى ابن عربي :

لئن حصر القشيريّ الاستواء الإلهيّ العرشيّ في معنى إشاريّ ضيّق لا يتعدّى أهل التّوحيد الصّوفيّ، فإنّ القاشاني وسّع نطاقه ليشمل الموجودات المحدَثة كلّها، إذ تَمثّله وفق تصوّر لعلاقة الخالق بمخلوقاته، محوره ما يعبّر عنه ابن عربي بـ “رحمة الامتنان”، تمييزا منه للاسم الإلهيّ “الرّحمان” عن الاسم الإلهيّ “الرّحيم” الّذي يتعلّق ـ في رأيه ـ بوجه آخر من الرّحمة هو “رحمة الوجوب” (93)، فإنّه يعني بهذه ما كتب اللّه على نفسه من الرّحمة لعبده إن استحقّها بأعماله (94)، بينما يريد بتلك ظهورَ العالَم وإرسالَ النّبيّ إلى العالمين (95).

وفق هذا المفهوم الأكبريّ للرّحمة الامتنانيّة تأوّل القاشاني الاستواء الإلهيّ على وجهين : فأمّا الوجه الأوّل فقوله عند تفسيره الآية الخامسة من سورة طه : «(…) استوى على عرش وجود الكلّ بظهور الصّفة الرّحمانيّة فيه وظهور أثرها، أي : الفيض العامّ منه إلى جميع الموجودات» (96)، وتعليقه على ما جاء ـ ضمن الآية الرّابعة من سورة الحديد ـ في الاستواء، إذ قال : «استوى على عرش الرّوح الأعظم بالتّأثير في جميع الأشياء في الصّورة الرّحمانيّة بالسّويّة والظّهور باسم الرّحمان» (97)، وتنبيهه على إمكان أن يكون المراد بالآية التّاسعة والخمسين من سورة الفرقان خلقَ الجنين، قائلا : «ويمكن أن تُؤوّل “الأيّام” بالشّهور السّتّة الّتي يتمّ فيها خلق سماوات أرواح الجنين وأرض جسده وما بينهما من القوى، والاستواء بالظّهور التّامّ على عرش قلبه الّذي كان على ماء النّطفة قبل خلقه ما خلق في الشّهر السّابع الّذي أنشأه فيه خلقا آخر بحصوله إنسانا، والرّحمانيّة بعموم فيضه المعنويّ والصّوريّ من قلبه إلى جميع أجزاء وجوده» (98).

من الجليّ أنّ القاشاني تمثّل الاستواء الإلهيّ فعلا إيجاديّا، وتظهر في تمثّله هذا معالم عقيدة وحدة الوجود كما صاغها شيخه الأكبر محيي الدّين بن عربي، فهو لم يَعْنِ بـ «الرّوح الأعظم» سوى ما شاع تسميته بـ “العقل الأوّل” (99) وأطلق عليه صاحب الفتوحات المكّيّة مصطلحات كثيرة يفوق عدُدها العشرين، منها مصطلح “الرّوح الأعظم” عينه و “العرش” و “الإنسان الكامل” و “الحقّ المخلوق به” و “القلم الأعلى” و “البرزخ” و “الحقيقة المحمّديّة” و “آدم الحقيقيّ”… إلخ (100). والمسمّى بهذه الأسماء المختلفة (101) يعتبره ابن عربي وأتباعه أوّل ما خلق اللّه من الأرواح وأوّل ما أوجد من المخلوقات (102)، ويعدّونه وسيطا وجوديّا ومعرفيّا بين اللّه والعالَم (103)، فإنّه أصل الوجود، في اعتبارهم، منه سُلخ العالَم (104)، إذ «به ظهرت صور الأشياء وحقائق أعيانها وصفاتها وترتيب الموجودات ونظامها على ما هي عليه» (105)، وهو القضاء السّابق «المنتقش بكلّ ما كان ويكون أزلا وأبدا على الوجه الكلّيّ المنزّه عن المحو والإثبات» (106)، كما أنّه مستودَع كلّ العلوم، فيه انتقش العلم اللّدنيّ (107).

وقد يكون من فائض الكلامِ القولُ إنّ تصوّرهم هذا للرّوح الأعظم هو من بعض الوجوه صدى لأفكار فلسفيّة قديمة، ولاسيّما نظريّات أفلاطون وأفلوطين (108)، وقد أتاح لهم النّصّ القرآنيّ بما ينطوي عليه من قابليّةٍ مجالا لأسلمة فكرة الفيض الأفلوطينيّة، مثلا، وإخراجها في قالب صوفيّ إسلاميّ، فإذا الفعل “خَلَقَ” دالّ على إظهار الممكنات من حالة الوجود بالقوّة إلى حالة الوجود بالفعل، لا على إحداثها من العدم المحض، وهذا انزياح منهم عن الدّلالة المألوفة عند غيرهم، يرجع أيضا إلى مفهوم “الأعيان الثّابتة” كما تصوّره الشّيخ الأكبر، وخلاصته في عرفانهم أنّ حقائق الموجودات وماهياتها ثابتة في علم الحقّ أزلا وأبدا (109). فعلى ضوء هذا المفهوم وتلك الفكرة تأوّلَ الاستواءَ صاحبُ التّفسير المنسوب إلى ابن عربي، مستعملا مصطلحات من نوع “الظّهور” و “التّأثير” و “الفيض”، بدلا عمّا يتّصل ـ من المشتقّات الاسميّة ـ بالفعل “خَلَقَ” الوارد في مختلف السّياقات القرآنيّة الّتي تخلّلها ذكر الاستواء الإلهيّ العرشيّ.

وأمّا الوجه الثّاني من تأويل القاشاني للاستواء فقوله فيه إنّه التّجلّي الإلهيّ التّامّ على عرش القلب المحمّديّ(110)، ومبنى قوله هذا على ما فرط بيانه من دلالة الفعل “خَلَقَ” لدنه، فمن وجهة نظره، كان ظهور الممكنات احتجابا للخالق في صور مخلوقاته. وخير توضيح لهذه الفكرة تعليقه، في سياق تفسيره للآية الرّابعة من سورة الحديد، على العبارة القرآنيّة «خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام»، قائلا : «من الأيّام الإلهيّة، أي الآلاف السّتّة الّتي هي من زمان آدم إلى زمان محمّد عليهما السّلام جميع مدّة دور الخفاء، أي احتجب بها، فظهر الخلق دونه، إذ الخلق احتجاب الحقّ بالأشياء، وهذا الزّمان زمان الاحتجاب» (111).

هذا الاحتجاب الإلهيّ انقضى ـ في رأي مؤلّف التّفسير المنسوب إلى ابن عربي ـ مع بعثة خاتم النّبوّة، إذ ظهر اللّه بالصّورة المحمّديّة (112) مع مطلع الألف السّابعة من الأيّام، أي اليوم السّابع من الأيّام الإلهيّة، وهو يوم الجمعة (113)، وذلك بتجلّيه التّجلّيَ الأتمَّ الأكملَ على قلب محمّد بجميع صفاته (114). وعمدة هذا التّصوّر قولُ ابن عبّاس في ( ص ) إنّه «جبل بمكّة كان عليه عرش الرّحمان حين لا ليل ولا نهار» (115)، فقد رأى القاشاني أنّ المراد بالجبل جسد محمّد بينما المقصود بعرش الرّحمان قلبه (116).

هكذا انتهى الرّجل إلى القول بأنّ محمّدا كان صورة الرّحمة (117)، مستندا في ذلك إلى الآية : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (118)، على اعتبار أنّ الرّحمة الإلهيّة عمّت الخلائق من خلال الاستواء الإلهيّ على عرش القلب المحمّديّ. ومن ثمّ خلُص إلى أنّ وجود النّبيّ بين قومه منع نزول العذاب بهم، إذ أبى أن يدعو عليهم عند تعرّضهم له بالإساءة، ولم يفعل فعل نوح من قبلُ حين قال غاضبا : «رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا» (119)، بل دعا لهم بالهداية (120).

وبعدُ، يتّضح ممّا فرط بيانه من تأويلات القشيري والقاشاني لآيات الاستواء خطأ من يجاري الاعتقاد الشّائع بإرجاع إشكاليّة الصّفات الخبريّة إلى أصل في الخطاب القرآنيّ حصرا، ذلك أنّ ما وقفنا عليه من شأنهما مع تلك الآيات يثبت أنّ القراءة ليست عمليّة تفتيشيّة تسير في اتّجاه واحد صوب النّصّ المقروء، يبحث داخله القارئ عن المعنى، فيجده فجأة قابعا بزاوية من زواياه (121)، بل هي علاقة تفاعليّة تتشكّل من خلالها الدّلالات (122) بمقتضى ما يحفّ بها من أطر معرفيّة متنوّعة ومتداخلة يتفاعل معها أيضا القارئ (123) والمقروء على حدّ سواء. فمن يتأمّل، من هذه الزّاوية، ما اتّصل بمسألة الاستواء في “لطائف الإشارات” والتّفسير المنسوب إلى ابن عربي يلحظ معالم ثلاث دوائر من تلك الأطر : فأمّا أضيقها فالخلفيّة الصّوفيّة الّتي تتّخذ من القرآن نفسه سندا لها، وتساهم في توجيه مسار التّفسير نحو معان “إشاريّة” محدّدة. وأمّا أوسعها فالموروثُ الإنسانيّ الّذي يبرز بمظهره الفلسفيّ في تأويلات القاشاني، ويتجلّى ببعده الدّينيّ في القرآن ذاته على أشكال مختلفة من قَصص وغيره. وأمّا ثالثة الأثافي فالإطار المرجعيّ الإسلاميّ الّذي لم يزل تشيّد أعمدتَه تراكماتٌ على النّصّ القرآنيّ والنّصوص الحافّة به، ولم يفتأ يمدّ المفسّر الصّوفيّ بموادّ تؤثّر في بناء المعنى.

إنّ هذه العلاقة التّفاعليّة المركّبة تكتسب حيويّتها ممّا يتّسم به القارئ والمقروء كلاهما من حركيّة : فالثّاني بنية لغويّة زئبقيّة ذات قابليّة لا متناهية للمعاني المترادفة والمتباينة بل المتناقضة أحيانا. والأوّل فُرادى وجماعات على قدر من التّنوّع في طرق التّفكير تبعا لتباين الخلفيّات المعرفيّة والمرجعيّات العقائديّة والمذهبيّة، ما يكون له أثر في توجيه القراءة وتكييف نتائجها، خاصّة عند مواجهة أخبار من نوع خبر الاستواء الإلهيّ. إذن، يمكن القول إنّ لإشكاليّة الصّفات الخبريّة أصلا في ما يحمله القارئ من قِيَمٍ ساهم في تشكيلها النّصّ القرآنيّ نفسه، ولاسيّما آيات على منوال العبارة «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»، أفضت من خلال مسار تفاعليّ ـ أيضا ـ إلى تصوّر محدّد للتّنزيه يُحْتَكَمُ إليه في مواجهة تلك الصّفات.

إذن، تحدث عمليّة إنتاج المعنى المتعلّق بالصّفات الخبريّة في خضمّ فاعليّة لعناصر ضاغطة من جهة المفسِّر ومن ناحية المفسَّر، فإذا كان من طبيعة تلك الصّفات ألاّ تكتسب معانيَ مجرّدة عن تأثيرات سياقها القرآنيّ والفضاء المعرفيّ في دلالاتها، فإنّ الصّوفيّ ليس بوسعه أن يفتح، بمعزل عن حيثيّاتها القرآنيّة والمعرفيّة، ما يشاء من الآفاق التّأويليّة. ولا يقتصر هذا التّشابك المزدوج على الصّعيد الإشاريّ، بل ينسحب أيضا على الآراء الّتي تتّخذ طابعا كلاميّا، كشأن ما عرضنا من المقالات الصّوفيّة الّتي لا تعدو كونَها ضربا من التّفسير أو موقفا من التّفسير ( السّكوت مع التّسليم )، فبعضها يتّسم بطريقة أصحاب الحديث في مواجهة الإشكاليّة، وبعضها محكوم بقيم من خصائص الإطار المعرفيّ السّنّيّ الأشعريّ، وبعضها موسوم بطابع صوفيّ ظاهر… وكلّ موقف منها ذو مستَنَد ضمن النّصّ القرآنيّ يدعم وجاهته من وجهة نظر معيّنة.

فإذا كان ذلك كذلك، فمن نافلة القولِ تأكيدُ أنّ عمليّة بناء المعنى في تأويلات المتصوّفة، سواء على الطّريقة الإشاريّة أو وفق المنهج الكلاميّ، لا تتمّ خارج محدّدات موضوعيّة من نسيج النّصّ القرآنيّ ومن أحوال المؤوِّل وممّا يداخلهما من تفاعلات الأطر المعرفيّة المختلفة، فحتّى تأويلاتهم الّتي يُتَوهّم أنّها بعيدة عن دلالات النّصّ لا تتشكّل إلا ّ على ضوء عناصر ـ من الأطر المعرفيّة المذكورة ومن سياق النّصّ وذهنيّة القارئ ـ تمارس ضغطها في لحظة التّأويل، مهما اعتقد المتصوّف أنّ معرفته بأسرار الصّفات الإلهيّة «تنبع من ذاته المتّصلة بالذّات العليّة، ولا من شيء خارج عنها» (124).

إذن، لئن ظلّ ما يتعلّق بآيات الصّفات من التّأويلات الصّوفيّة، ولاسيّما الإشاريّة، متجاهَلاً على هامش مقالات الفرق في المسألة، فليس ذلك لأنّه ينطوي على غرابة في حدّ ذاته، بل لأنّه لا يخضع لضوابط من وضع السّنّة المعرفيّة السّائدة بفعل مشروعيّة اجتماعيّة يُعبَّر عنها بمصطلحات من نوع «الإجماع». أمّا إذا تمّت مقاربته من زاوية نظر لا تحكمها معايير كثنائيّة الخطإ والصّواب أو ثنائيّة الشّرعيّ والبدعيّ، فإنّها تبدو دليلا إضافيّا على أنّ النّصّ، أيّ نصّ، «ليس بيانا بالحقيقة، بقدر ما هو ساحة للتّباين والتّعارض» (125).

الهوامش:

(1) من المعلوم أنّ المسلمين اختلفوا في تحديد المتشابه ( انظر مذاهبهم في ذلك ضمن : رازي ( فخر الدّين ) : مفاتيح الغيب، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 2000،ج7، صص147 ـ 151 )، ومذهب بعضهم إدراج آيات الصّفات في أنواعه ( انظر رأي ابن خلدون، مثلا، في : المقدّمة، الدّار التونسيّة للنّشر ـ تونس 1993، صص574 ـ 575، 576 ).

(2) Gardet ( Louis ) et Anawati ( M.-M ) : Introduction à la théologie musulmane , essai de théologie comparée , 3éme éd. , Librairie philosophique J.Vrin – Paris 1981 , p 30.

(3) Wensinck ( A.J ) : The Muslim creed , Its genesis and historical development , Cambridge university press – 1932 , pp 69 – 70.

(4) شعراني ( عبد الوهّاب ) : اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، دار إحياء التّراث العربي ـ بيروت 1997،ج1، ص177. ووردت نسبة الاستواء على العرش إلى اللّه في سبع آيات : «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» [الأعراف : 54]، «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ»[يونس : 3]، «اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ» [الرّعد : 2]، «الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» [طه : 5]، «الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا» [الفرقان : 59]، «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ» [السّجدة : 4]، «هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» [الحديد : 4].

(5) Wensinck ( A.J ) : The Muslim creed , p 67.

(6) أشعري ( أبو الحسن عليّ بن إسماعيل ) : مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين، تصحيح هلموت ريتر، دار النّشر فرانز شتايز ـ قيسبادن،ط3، 1980، ص211، 290.

(7) شهرستاني ( محمّد بن عبد الكريم ) : الملل والنّحل، تحقيق محمّد سيّد كيلاني، دار المعرفة ـ بيروت 1404 ﻫ،ج1، ص93.

(8) نفسه،ج1، ص93، 103 ـ 104.

(9) رازي : مفاتيح الغيب،ج14، ص94.

(10) نفسه،ج14، صص94 ـ 95.

(11) شهرستاني : الملل والنّحل،ج1، ص101.

(12) WensincK : The Muslim creed , p 90.

(13) نفسه، ص91.

(14) أشعري ( أبو الحسن عليّ بن إسماعيل ) : الإبانة عن أصول الدّيانة، تحقيق فوقيّة حسين محمود، دار الأنصار ـ القاهرة 1397 ﻫ، ص21.

(15) أشعري : مقالات الإسلاميّين، ص297.

(16) انظر : أبوزيد ( نصر حامد ) : فلسفة التّأويل ـ دراسة في تأويل القرآن عند محي الدّين بن عربي، المركز الثّقافي العربي ـ الدّار البيضاء،ط6، 2007، ص5. وراجع كتابه : الاتّجاه العقليّ في التّفسير ـ دراسة في قضية المجاز عند المعتزلة.

(17) أشعري : مقالات الإسلاميّين، ص157، 211. ابن حزم ( أبو محمّد عليّ بن أحمد ) : الفصل في الملل والأهواء والنّحل، مكتبة الخانجي ـ القاهرة (د.ت)،ج2، ص97.

(18) زمخشري ( أبو القاسم محمود بن عمر ) : الكشّاف عن حقائق التّنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التّأويل، تحقيق عبد الرّزّاق المهدي، دار إحياء التّراث العربي ـ بيروت (د.ت)،ج3، ص54.

(19) انظر : شهرستاني : الملل والنّحل،ج1، ص105.

(20) نفسه،ج1، صص108 ـ 109.

(21) بغدادي ( عبد القاهر ) : الفرق بين الفرق وبيان الفرقة النّاجية، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت 1977، صص203 ـ 204.

(22) نفسه، ص204. شهرستاني : الملل والنّحل،ج1، ص109.

(23) شهرستاني : الملل والنّحل،ج1، ص184. وانظر أيضا : أشعري : مقالات الإسلاميّين، ص210.

(24) أشعري : مقالات الإسلاميّين، ص288.

(25) انظر : كلاباذي ( أبو بكر محمّد بن إسحاق ) : التّعرّف لمذهب أهل التّصوّف، ضبط أحمد شمس الدّين، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 2001، صص31 ـ 33.

(26) انظر : المصدر نفسه، صص35 ـ 36.

(27) نفسه، ص37. وممّن رُوي عنهم ما يوافق هذا المذهبَ الصّوفيُّ منصور بن عمّار (ت 225 ﻫ) إذ قيل : كتب إليه بشر بن غياث المريسيّ (ت 218 أو 228 ﻫ) ـ وهو من أعلام المرجئة ـ يسأله : كيف استوى الرّحمان على العرش؟، فكان جوابه : «استواؤه غير محدود، والجواب فيه تكلّف، ومسألتك عن ذلك بدعة، والإيمان بجملة ذلك واجب (…) فانته رحمك اللّه من العلم إلى حيث انتُهِيَ بك إليه، ولا تُجاوز ذلك إلى ما حُظِرَ عنك علمه فتكون من المتكلّفين وتهلك مع الهالكين، والسّلام عليك» ( أخبار الصّوفيّة والزّهّاد من تاريخ بغداد، جمع وتحقيق بلسم بصري عزّت، دار الغرب الإسلاميّ ـ بيروت 2004، صص299 ـ 300 ).

(28) نفسه، ص38.

(29) غزالي ( أبو حامد محمّد بن محمّد ) : إحياء علوم الدّين، تصحيح عبد المعطي أمين قلعجي، دار صادر ـ بيروت 2000،م1، ص148.

(30) انظر : لجائي ( أبو القاسم عبد الرّحمان بن يوسف ) : قطب العارفين في العقائد والتّصوّف، تحقيق محمّد الدّيباجي، دار صادر ـ بيروت 2001، مقدّمة المحقّق، صص27 ـ 28.

(31) نفسه، ص58.

(32) انظر : ابن عربي ( محيي الدّين ) : الفتوحات المكّيّة، دار الفكر ـ بيروت 1994،ج1، صص172 ـ 176.

(33) صفدي ( صلاح الدّين خليل بن أيبك ) : الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط / تركي مصطفى، دار إحياء التّراث ـ بيروت 2000،ج4، ص125.

(34) فتوحات،ج1، ص280.

(35) نفسه،ج1، ص284.

(36) نفسه، 1/280. 2/579. 3/204 ـ 205، 546. 5/109 ـ 110. 6/339.

(37) نفسه،ج2، ص562.

(38) الشّورى : 11.

(39) فتوحات،ج2، ص562.

(40) انظر : المصدر نفسه، 1/187. 4/32. 6/435.

(41) نفسه،ج1، ص187.

(42) فلسفة التّأويل، ص73.

(43) فتوحات،ج1، ص187.

(44) انظر : فلسفة التّأويل، صص73 ـ 74.

(45) فتوحات،ج1، ص322. وانظر وظائفه الوجوديّة والمعرفيّة، في : فلسفة التّأويل، صص67 ـ 75.

(46) اليواقيت والجواهر،ج1، ص186.

(47) فتوحات،ج1، ص172.

(48) نفسه،ج1، ص173.

(49) نفسه،ج1، ص280.

(50) ورد في بعض كتب الحديث الثّانويّة أنّ النّبيّ قال : «أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكلّ آية منها ظهر وبطن» ( انظر : ابن حبّان ( محمّد ) : صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرّسالة ـ بيروت 1993،ج1، ص276. طبراني ( سليمان بن أحمد ) : المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السّلفي، مكتبة الزّهراء ـ الموصل 1983،ج10، ص105 ).

(51) انظر مثلا : طوسي ( أبو نصر عبد اللّه بن عليّ السّرّاج ) : اللّمع، تصحيح كامل مصطفى الهنداوي، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 2001، ص26. مكّي ( أبو طالب محمّد بن عليّ ) : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التّوحيد، تصحيح باسل عيون السّود، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 1997،ج1، ص106.

(52) انظر مثلا : محاسبي ( الحارث بن أسد ) : فهم القرآن ومعانيه، تحقيق حسين القوّتلي، دار الكندي / دار الفكر ـ بيروت 1398 ﻫ، ص328. مكّي : قوت القلوب،ج1، ص95. سُلمي ( أبو عبد الرّحمان محمّد بن الحسين ) : حقائق التّفسير، تحقيق سيّد عمران، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 2001،م1، ص21. غزالي : إحياء،م1، ص138. أيضا : مشكاة الأنوار، ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي، دار الفكر ـ بيروت 2000، ص283. سهروردي ( شهاب الدّين أبو حفص ) : عوارف المعارف، تصحيح محمّد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 1999، ص20. ابن عربي : الفتوحات المكّيّة 1/451 ـ 452. 5/180. ابن عطاء اللّه السّكندري ( تاج الدّين أحمد بن محمّد ) : لطائف المنن، دار المعارف،ط2، (د.ت)، ص137.

(53) قطب العارفين، صص108 ـ 109.

(54) فتوحات،ج8، صص258 ـ 259.

(55) انظر : فلسفة التّأويل، صص286 ـ 295.

(56) فتوحات،ج1، ص451.

(57) نفسه،ج1، صص452 ـ 453.

(58) فلسفة التّأويل، صص287 ـ 288.

(59) لمصطلح ” الإشارة ” في الاستعمال الصّوفيّ غير دلالة، ونحن نقتصر في هذه الدّراسة على ما يتعلّق مباشرة بالموضوع، ومن يُرد الوقوف على مختلف دلالاته ينظر : فتوحات : 1/ 629 ـ 634. 3/ 138 ـ 139، 229. 4/230، 240، 242 ـ 243، 454. 5/529 ـ 530.

(60) انظر : فتوحات،ج1، صص629 ـ 634.

(61) نفسه،ج1، ص630، 631.

(62) نفسه،ج1، ص631.

(63) فلسفة التّأويل، ص270.

(64) فتوحات،ج1، ص632.

(65) نفسه،ج1، ص630.

(66) نفسه،ج1، ص631.

(67) نفسه.

(68) نفسه،ج5، ص530.

(69) الحشر : 2.

(70) آل عمران : 13. النّور : 44.

(71) فتوحات،ج1، ص455. وانظر : فلسفة التّأويل، صص267 ـ 268.

(72) ذهبي ( محمّد حسين ) : التّفسير والمفسّرون، مكتبة وهبة ـ القاهرة،ط4، 1989،ج2، ص338.

(73) نفسه.

(74) نفسه.

(75) فتوحات،ج2، ص512.

(76) انظر : التّفسير والمفسّرون،ج2، صص383 ـ 384. مالح ( محمّد رياض ) : الشّيخ الأكبر محيي الدّين بن عربي سلطان العارفين وإمام المحقّقين وبقيّة المجتهدين، هيئة أبو ظبي للثّقافة والتّراث ـ المجمع الثّقافيّ ـ أبو ظبي 2007، ص197، 198.

(77) انظر : جهانكيري ( محسن ) : محيي الدّين بن عربي الشّخصيّة البارزة في العرفان الإسلاميّ، تعريب عبد الرّحمان العلوي، دار الهادي ـ بيروت 2003، صص595 ـ 596.

(78) قشيري ( عبد الكريم بن هوازن ) : لطائف الإشارات، تحقيق سعيد قطيفة، المكتبة التّوفيقيّة ـ القاهرة (د.ت)،ج5، ص140.

(79) نفسه،ج3، ص79.

(80) نفسه.

(81) نفسه،ج3، ص222.

(82) نفسه،ج4، ص320.

(83) الحاقّة : 17.

(84) الإسراء : 70.

(85) لطائف الإشارات،ج4، صص114 ـ 115.

(86) انظر : صغاني ( الحسن بن محمّد القرشيّ ) : موضوعات الصّغاني، تحقيق نجم عبد الرّحمان خلف، دار المأمون للتّراث ـ دمشق 1405 ﻫ، ص50.

(87) انظر : ألوسي ( أبو الفضل شهاب الدّين محمود ) : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني، دار إحياء التّراث العربي ـ بيروت (د.ت)، ج16، ص209.

(88) نفسه.

(89) الرّسالة القشيريّة، تحقيق معروف زريق / عليّ عبد الحميد بلطه جي، دار الجيل ـ بيروت،ط2، (د.ت)، ص321.

(90) نفسه.

(91) نفسه، ص323.

(92) نفسه، صص299 ـ 300.

(93) انظر : فتوحات،ج7، ص365. فصوص الحكم، تحقيق أبي العلا عفيفي، الشّعاع للنّشر،ط2، 2008، ص151.

(94) فصوص الحكم، ص151.

(95) فتوحات،ج7، ص365.

(96) تفسير ابن عربي، تصحيح عبد الوارث محمّد عليّ، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 2001،ج2، ص16.

(97) نفسه،ج2، ص299.

(98) نفسه،ج2، ص84.

(99) انظر : قاشاني ( عبد الرّزّاق ) : اصطلاحات الصّوفيّة، تصحيح عاصم إبراهيم الكيّالي، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 2005، ص32.

(100) انظر : عفيفي ( أبو العلا ) : نظريّات الإسلاميّين في «الكلمة» ( The Logos )، مجلّة كلّيّة الآداب، جامعة فؤاد الأوّل،م2،ج1، مايو 1934،ط2، صص47 ـ 48.

(101) يرجع تنوّع أسمائه إلى تعدّد وظائفه ( انظر : فلسفة التّأويل، صص90 ـ 91 ).

(102) انظر أوّليّة ظهور “الحقيقة المحمّديّة” من وجهة نظر ابن عربي، في : فتوحات،ج1، ص320، 323. كتاب ختم الولاية عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب، تحقيق قاسم محمّد عبّاس، دار المدى ـ دمشق،ط2، 2006، ص98. عقلة المستوفز، ضمن مجموعة كتب من مؤلّفات ابن عربي، دار الكتب العلميّة ـ بيروت 2005، ص166. وانظر هذه الفكرة أيضا في : تفسير ابن عربي : 1/27، 2/222.

(103) انظر : فلسفة التّأويل، صص86 ـ 95.

(104) كتاب ختم الولاية عنقاء مغرب، ص87.

(105) تفسير ابن عربي،ج2، ص222.

(106) نفسه،ج1، ص367. وانظر أيضا :ج1، ص260.

(107) نفسه،ج2، ص222.

(108) انظر : نظريّات الإسلاميّين في الكلمة، صص48 ـ 52.

(109) جهانكيري : محيي الدّين بن عربي، ص383.

(110) تفسير ابن عربي : 1/260. 2/16، 83، 139، 298.

(111) نفسه،ج2، ص298. وانظر أيضا : ج1، ص260، 317.

(112) انظر : المصدر نفسه : 1/260. 2/198، 206.

(113) انظر : المصدر نفسه،ج2، ص83، 139، 298.

(114) نفسه : 1/260. 2/16، 83، 139، 298.

(115) نفسه : 1/251. 2/175، 262.

(116) نفسه،ج1، ص251.

(117) نفسه،ج1، ص278. وانظر أيضا : ج1، ص300.

(118) الأنبياء : 107.

(119) نوح : 26.

(120) تفسير ابن عربي،ج1، ص278.

(121) جهلان ( محمّد بن أحمد ) : فعاليّة القراءة وإشكاليّة تحديد المعنى في النّصّ القرآنيّ، دار صفحات للدّراسات والنّشر ـ دمشق 2008، ص28.

(122) نفسه.

(123) لا أعني بـ “القارئ” هنا مجرّد ذات فرديّة وحسب، وإنّما أقصد أيضا الذّات الجمعيّة بتجلّياتها في الأفراد، أي النِّحلة والفِرقة.

(124) فعاليّة القراءة، ص232.

(125) نفسه، ص28.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!