التصوف واللقاء الإسلامي المسيحي

التصوف واللقاء الإسلامي المسيحي

لم يستطع الإنسان حتى الآن أن يطوِّر جميع قدراته، ولا هو توصل إلى استعمالها كلها، فهو لا يستخدم سوى قسم صغير من خلايا مخه، فماذا إذا استطاع أن يسخّر جميع طاقاته! أليس في استطاعة الإنسان اليوم أن يصنع ما لم يستطع في الماضي، فأمامنا مثلا الحاسب الآلي، والسيارات والطائرات والروبوت، والمركبات الفضائية والهاتف المحمول…..الخ لو عرضت علي إنسان الماضي لاعتبر كلَّ هذا من المعجزات. فلِمَ نستبعد وجود قدراتٍ لأشخاصٍ تفوّقوا روحيًا بتحررهم من المادّّيات التي تعطّل الذهن وانطلاق الروح وصفاء النفس، قبل ذلك، لم لا نتبين فيهم إمكاناتٍ وكشوفًا روحيّة لا تتيسّر لسواهم من ملايين البشر الذين يعيشون حياةً عادية.

لقد شدّد المسيح في تعاليمه مرارًا على ضرورة التحلّي بصفات الطفولة، ومعنى ذلك العودة إلى الصفاء الأول في الإنسان قبل أن تستغرقه الحياة الدنيا. إنّ المسيح يشدّد على ضرورة عودة الإنسان الذي طحنته الحياة المادّية، فوقع في المعاصي، إلى صفاء الطفولة وطهارتها، قلبًا نقيًا، كي تنعكس فيه بعد صقله، الأنوار الربّانية.

فانظر إلي عمالقة الشعر الصوفي: «الرومي و»العطار» و»ابن عربي» وغيرهم، وقد استلهموا من تعاليم الكتاب المقدس والقرآن ولم يفرّقوا بين الأديان أبدًا؛ يقول ابن عربي:

لقد صار قلبي قابلاً لكل صورةٍ          فمرعيً لغزلانٍ وديرٍ لرهبان

  وبيت لأوثانٍ وكعبـــة طائفٍ         وألواحَ توراةٍ ومصحفَ قرآن

  أدين بدينِ الحبّ أنّى توجهـت         ركائبُه فالحب ديني وإيمـاني

ثم جاء الشاعران الفارسيان المسلمان «سعدي الشيرازي» و «حافظ الشيرازي» فأعلوا من شأن المسيح واقتبسوا من أنواره، وهكذا فعل من سبقهم في تاريخ الأدب الفارسي. وعلماء التصوف يعرفون التصوف بأنه «حب المطلق»، فبذلك يتميز التصوف الحقيقي عن طقوس الزهد الأخرى، وحب الله يجعل المُريد يتحمل كل الآلام والمصائب التي يبتليه الله بها ليختبر حبّه ويطهّره، بل ويجعله يستمتع بها، وذلك الحب يمكّن قلب المحب من الاتصال بالحضرة الإلهية.

ولأن التصوف مبني على مبدأ الذوق فإنّ المناهج المختلفة للتربية الروحانية والرياضات المتبعة في الطرق الصوفية والدرجات النفسية للترقي وتكوين الطرق ودورها الاجتماعي والحضاري تفتح مجالاتٍ هامّةً ومثيرة.

وقد كان موقف العلماء المستشرقين من ظاهرة «التصوف الإسلامي» متفاوتًا. ففي العصور الوسطي تم أول اتصال موضوعي بالأفكار الصوفية الإسلامية، وفي القرن التاسع عشر تم طبع العديد من الأعمال عن تاريخ التصوف، مما مكّن العلماء تدريجيًا من الحصول على تصوّر أفضل عن بدايات وتطوّر التصوف الإسلامي. ومن أعمق الدراسات عن التصوف الإسلامي ما قام به حديثًا عالم الدراسات الإسلامية المستشرق السويسري المرموق «فريتز ماير» (1912-1998 م) Fritz Meier، فله أربع مجلدات تعتبر من أهم المراجع الحديثة في التصوف الإسلامي، قام بتدريس اللغة الفارسية بجامعة الإسكندرية (فاروق سابقًا)، وكان أستاذًا في جامعة بازل السويسرية.

والمثير حقًا أن هناك الكثير من المشاهدات لممارسات المسيحيين التي تتشابه مع أعمال الصوفية الإسلامية، ومن أهمها ما يلي:

•   التعميد وطقوسه المصاحبة، ورهبة الموقف، وهذا يشبه عند المتصوفة (أخذ) الطريقة والبركة إلى حد كبير.

•   لا تكاد تجد فرقًا بين التوقير الذي يحظي به القسيس عن الأدب والمكانة التي يحظى بها شيخ الطريقة.

•   «المواجيد» أو التواجد الذي يعيش فيه من يسمع التراتيل الكنسية والمدائح والتواشيح الصوفية.

•   يغيب المتصوفة عن الوعي في لحظة (مشاهدة) فوق طاقتهم، وهو ما يُعرف بالتسامي الروحي (الإستحوال) وقد عبّر عنه «النفري» (ت. 354 هـ) المتصوف الكوفي الكبير بـ (عندما تتسع الرؤيا تضيق العبارة)، ونفس (الحالة) نراها تنتاب الذاكر المسيحي في الكنيسة، ذات الدموع وكلمة الموافقة عند الصوفية (نعم) يقولها المريد بلا سؤال كأنه يوافق خاطرة ما بذهنه ويردد المسيحي(إي مان) لموافقة كلمة الرب.

•   وكثيرًا ما يُشاهد (انجذاب) مسيحي لا فرق فيه بين حال المسيحي وحال المتصوفة.

•   في الحبشة تلبس مجموعة من (الفقراء) الجبّة المرقّعة ويتجمعون في دائرة يتوسطها ضارب الدُف (مثل أهل النوبة) ويميّزهم صليب كبير يدل علي مسيحيتهم.

ولعل ما سبق يقودنا إلي السؤال الآتي:

ما الفرق بين التسامي في المسيحية والتصوف في الإسلام؟ بعبارة أخرى، ما الفرق بين تريزا الآبلية الاسبانية (1515 – 1582م) ورابعة العربية (شهيدة الحب الالهي) ويوحنا الصليبي (1521 – 1597 م) وبين الحلاج الصوفي العراقي والبسطامي الفيلسوف الفارسي وابن عربي مثلاً؟ إن أهم ما يجمع بين هؤلاء هو البحث عن طريق اللقاء بالله، فثمة رباط محبة مع الله، لا رباط يمحو المتصوف في ماهية الله، فيما يُعرَف بـ «الفناء».

ولله در الشاعر الصوفي الكبير «سلطان العاشقين عمر بن الفارض» الذي قال:

أنا بيني وبين هوايا أبعاد                  

ضلّت وتضل بها المرافد

كالعيس في البيداء يكاد يقتلها الظمأ     

والماء فوق ظهورها محمول

عيسي أخـوك محمد، موسي أخوك     

محمد، وكلــكم بانٍ وشائد

فالمسلمـون بالمسـاجد والنصارى     

بالكنائس واليهـود بالمعابـد

ألم يك آدمُ واحدًا       

أليس دينُ الله واحد

جعلوا قواعدَ للحياة    

فهل الحياةُ لها قواعد

( مجلة الهدى ).

مقالات ذات صله

1 تعليقات

  1. أحمد

    وضع أ. د قبل اسم ما لا يعني أن كل ما يهرف به مناسب للنشر .
    هل يصدق من لديه أدنى إطلاع على التصوف وعلى الشعر العربي أن ابن الفارض يقول هذا الكلام المركب من الشرق والغرب؟
    لا تخربوا مستوى المجلة في سبيل ألقاب للتسويق

    الرد

الرد على أحمد اغلق الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!