السلطان أكبر ودين التوحيد

السلطان أكبر ودين التوحيد

السلطان أكبر ودين التوحيد

عبد الرحمن بدوي

السياسة التي اتبعها السلطان جلال الدين أكبر، امبراطور المغول العظيم في الهند، (1542-1605)، كانت مثار الاختلاف الشديد بين الناس في عصره وحتى يوم الناس هذا. ففريق المتزمّتين من أهل السّنة اتهمه بالانسلاخ عن الدين لأمور ذكروها تفصيلاً، وفريق الأوروبيين من المبشرين والرّحالة الذين وفدوا على بلاطه توهموا فيه ظنونًا أملتها رغباتهم ومهماتهم التي يقومون بها، وفريق ثالث يتألف من أتباع الهندوكية والبوذية والبارسية والجينينية راحوا يصورون عقيدته بما يكفل لهم القرب عنده.

والفريق الأول على رأسه الشيخ عبد القادر البدايوني صاحب كتاب (منتخب التواريخ ) بالفارسية الذي راح يكيل الاتهامات للسلطان، الذي عاش في بلاطه ورعايته حتى وفاته حوالي سنة 1595، وكان الشيخ عبد القادر أحد ثلاثة من العلماء النجباء الذين تتلمذوا على الشيخ مبارك في سنة 1558، وهم: فيضي الذي تخصص في الشعر والطب، وأبو الفضل الذي برع في علم التوحيد والتاريخ، والشيخ عبد القادر الذي تميّز في النحو والمنطق، والتحق هذا الأخير ببلاط السلطان أكبر في سنة 1573 وأجرى عليه (مدد معاش) من ريع ألف (بجهة) من الأرض. ولفت نظر السلطان بسعة علمه وقدرته على الجدل في الأمور الدينية.

ماذا أخذ البدايوني وأشباهه على السلطان الأكبر حتى يتهموه بالانسلاخ من الدين؟

أخذوا عليه ما يلي:

أكبر- طواسين

  • إباحة زواج المتعة.
  • وضع في نقش خاتمه ” الله أكبر ” بدلاً من ” بسم الله الرحمن الرحيم “.
  • أمر بترجمة كتب الهندوس المقدّسة.
  • أمر بوضع “تفسير” للقرآن.
  • إنشاء إدارة للحج على رأسها “مير حج” = أمير للحجّ.
  • قراءة خطبة الجمعة في المساجد باسم “أكبر”.
  • إدخال “السجدة” في البلاط (أي السجود على الأرض حين المثول أمام السلطان).
  • الأمر بترجمة الإنجيل إلى الفارسية، وقد قام بذلك أبو الفضل.
  • السماحُ بحلقِ اللحية (بناء على فتوى من الحاج إبراهيم).
  • اقتضاؤه قسم الولا للسلطان والدرجات الأربع حدد.
  • الاحتفال بعيد النوروز.
  • إنشاء التقويم الألفي بدلا من التقويم الهجري القمري.
  • تنظيم بيع الخمور.
  • السماح بتربية الكلاب والخنزير البري.
  • السماح بأكل لحم النمر البري.
  • السماح بلبس الحرير واتخاذ الذهب.
  • تحديد سن الزواج.
  • صرف الناس عن المآتم وتشجيع الاحتفال بالموالد (موالد الأشخاص).
  • وقف الصلاة والأذان والحج.
  • الدعوة إلى التخلص من العربية والحروف الخاصة بها (ق، ع، ظ، ط، ض، ص، ح، ث) وتشجيع الفارسية.
  • تحطيم المصاحف.
  • عدم السماح في البلاط بإطلاق اسم أحمد، ومحمد، ومصطفى.
  • إنشاء جماعة (الأربعين) (جهل تنان) للفصل في الأمور الدينية وفقًا للعقل لا للنقل.
  • السماح بالميسر وبأخذ الفائدة على المال.
  • دفن الموتى ورؤوسهم ناحية المشرق.
  • السماح للبراهمة بالفصل في المنازعات بين الهندوس.
  • جعل التحية: (الله أكبر) بدلاً من (السلام عليكم).
  • الختان اختياري، ويجب ألا يتم قبل سن الثانية عشرة.
  • التسامح مع جميع الأديان.
  • السماح ببناء المعابد والكنائس.

وقبل الحكم على هذه (البدع) في نظر الملتزمين يجب أن نوضح الأمر فيما يتعلق ببعض النقط الخطيرة فعلا لو صحّت، وهي الواردة بأرقام 19، 21، 22، ثم بعض ما ورد في رقم 15.

أما ما ورد في رقم 21 من تحطيم المصاحف فمغالطة فاحشة، لأن المصاحف التي أمر السلطان أكبر بتحطيمها ( وكان ذلك في الفترة ما بين 1578 و 1584) فهي المصاحف الزائفة المحرفة التي دُسّت عليها عبارات، دسّها زعماء الفتنة في بنجالة وبهار لأغراض في أنفسهم، ولمحاربة السلطان. ولم يثبت أبدًا أن أكبر أمرَ بتحطيم مصاحف صحيحة في أي مكان من أرجاء الدولة الشاسعة. فهذه التهمة باطلة كل البطلان. أما ما ورد في رقم 19 فلم يقمْ على حدوثه دليلٌ أبدًا.

وما ورد في رقم 22 ينقصه أن (أكبر) نفسه اسمه جلال الدين محمد، وظلّ يوقع بهذا الاسم إلى آخر حياته. وإنما أصل التهمة مغالطة خسيسة أخرى، ذلك أن العادة جرت بألا يذكر اسم النبي الكريم (أحمد، محمد، مصطفى) ألا ويقرن بالتصلية (صلى الله تعالى عليه وسلّم). فعزّ على السلطان أن ينادي على أحد من رجال بلاطه باسم الرسول لأنه لن يُقرن بالتصلية. وإذن فالدافع إلى هذا القرار كان هو زيادة التقديس لاسم النبي صلى الله عليه وسلم.

والبدايوني نفسه قد ساءه وأحنقه أن تُسمّى بعض الجاهلات البائسات باسم بنت نبينا الكريم فاطمة فكيف يأخذ على السلطان أكبر تقديسه البالغ لاسم الرسول ورغبته في صونه عن أن يحمله من ليسو جديرين به؟!

أما عن السماح بأكل الخنزير البري، فالأمر فيه يحتاج إلى إيضاح. لقد صدر الإذن بذلك أثناء حملة جتور ( 1568-1569) وكان الجيش مؤلفًا من راجبوت (وهم هندوكيون) وترك، والإذن إنما توجّه إلى الراجبوتيين لا إلى المسلمين.

أما أكل لحم النمر فكان مألوفًا في أسيا الوسطى التي جاء منها آل تيمور (السلاطين المغول).

وبعد أن أوضحنا هذه النقط الثلاث يستطيع المرء إذا أمعن في سائر النقط السبع والعشرين أن يقرر في اطمئنان أنها لا تتنافى مع الدين في شيء، وقصارى أمرها أنها أمور تنظيمية فرعية لا تمسّ حقيقة الإسلام في شيء ولا يمكن أبدًا أن يؤاخذ عليها مسلمٌ حتى في ذلك العهد، فضلاً عن أن يُكفّر بها! وإنما تدلّ على أن أفق أكبر الديني كان واسعًا يتجاوز الحدود الضيقة التي يتوهّم بعض المتزمتين ضرورة وضعها للإسلام. فما بالك إذا نظرنا إليها بروح العصر الحاضر!

هذا من حيث التنظيم الديني. أما من حيث العقيدة فقد أخذ الشيخ عبد القادر البدايوني ومن اتبعه على السلطان جلال الدين أكبر أنه أراد إقامة (دين جديد) باسم دين إلهي أو توحيد إلهي… وحقيقة الأمر نقرأها في الجزء الثاني من المقال.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي، لا يمكن نسخه!!