تَعَلّمتُ من مولانا بأقلام المُحبّين
خالد محمد عبده
مولانا جلال الدين الرومي ضوء لمع في سماءٍ لم تكن تعرف سوى النقل أو العقل، وشهدت خصومات ظلّت تتجدد على مرّ القرون، سُجن من أجل (الكلام) خلف قضبان الحديد خلقٌ كثيرٌ، وحُرقت دفاترُ وأوراقُ كثيرة، وحُرثت قبورٌ تحتها أجساد طاهرة، وتلوثت المياه بسواد الأحبار وسواد القلوب، وظلّ السجن مفتوحًا لاستقبال أجيال أخرى، اختارها طوعًا أتباع (الكلام) ومشعلو حرائق الكلام من أصحاب العمامات والقبعة، خلع مولانا عمامة الكلام وألقاها، كما ألقى شمسه يوم اللقاء دفاتر والده في الماء، ليغسل قلب الرومي الحيّ بماء الحقيقة التي لا تخبره عنها الكتب أو الأسفار، حمل شمس الماء الطهور وغسل به القلب الحيّ، كما غسل ملاكُ ذات مرّة قلب نبيّ صادق، فانتقل من الغار إلى عوالم العشق الأكبر، ومضى لتمتزج روحه بأرواح الأنبياء عائشًا أحالهم، ثم تحرر طائر روحه من القفص (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).
مولانا جلال الدين -كما تصفه شيمل- رجل لا ييأس حتى في الساعات الأكثر عتمة، وفي الأوقات الأكثر شدّة، ومن الكوارث نفسها يستخرج عناصر الأمل والتفاؤل .. مكنتني أشعاره وكتاباته من التغلّب على اليأس والتشاؤم اللذين أصابا روحي.
تقول زهيّة جويرو في بحثها عن (جلال الدين الرومي أو الدّين مُحبّة): (إننا في زمن أصبح فيه الدين تدينا لا يتعدى الأعراض إلى الجواهر وغدا فيه الإيمان طقوسا وشعائر يأتيها الجسد والروح منه خواء ورسوما في الهيئة لاتتعدى الثياب وترديدًا لما قيل ويقال وخبرا منقولا بلا اعتقاد … نحتاج إلى التذكير بمفهوم الدين عند الصالحين وإلى إجلاء علم العلماء الربانيين وقد تمثلوه في آثارهم وسيرهم إيمانا روحيًّا تجاوز حدود الإقليم ورسوم الدين ليشع على البشرية قاطبة وليصوغ للإسلام صورة ارتقت به إلى مقام الرسالة الإنسانية الخالدة ومن هؤلاء مولانا جلال الدين الرومي الذي تفوق في معرفة حقيقة الدين ولامس «بعقل» أعمق حالات الإيمان فتشبع بها واستبدل العقل الجسماني بعقل إيماني ينور الآفاق ويبزغ نوره على القلوب والأرواح وينجده من المشكلات والأزمات ويفتح له الأقفال المعقدة ويحقق له ما أعياه أمره بكل يُسر).
ولما كانت ذكرى انتقال مولانا والاحتفال بيوم عُرسه هذه الأيام، رأينا أن نجمع في هذه المقالة شهادات لمحبّين لعالم الرومي الجميل، وها أنا أبدأ بنفسي:
تعلّمت من مولانا: أن الحكايات قشّ والمعنى هو القمح المطلوب .
-أن الله ليس شخصًا يقف لك بالمرصاد ينتظر صدور خطأ عنك حتى يلقي بك في النار.
-أن الله لا يصنع لك قالبًا تسير فيه بقدر ما ينير لك الطرق وعليك أن تختار ومع الاختيار تكون الصحبة ولا طريق دون صحبة وخير صاحب لك أنت وهو أو من كان في علاقة سابقة مثل علاقتك يشبهك وتشبهه فإن وجدت شخصًا على هذه الصورة فهو أنت وأنت معه في كل أيامك تشهد العيد والفرح والسرور.
-تعلّمت من مولانا أنه لا شيء أقدس من الإنسان نفسه، “كتاب الله وسنتي” أتت مع إنسان فلا تقدّم على الإنسان وهو بعد لم يحيا ولم يولد، يمكن للكلمات أن تتحول إلى لحم ودم في الأفعال أما أن نكتفي بترديدها كالببغاوات فالتراب الأصيل أفضل منها ومن ناطقها.
-لا أزال أتعلّم درس التماس الجمال في كل شيء حتى وإن كان صعبًا على النفس بحكم التربية الخطأ والتعليم الزائف الذي أثّر في تشكيل عقليتي وغيري بالسلب لا الإيجاب عدم الاستمتاع بالجمال.. فمن يسبّح الله ويعبده في الدير أو الكنيس أو حتى في البساتين والصحراء ينبغي عليّ أن أشهد جزءًا من تأملاته وإلى من يتوجّه وأن أرى الله في كافة أفعال الخلائق.
-الأنبياء بشرٌ مصطفون أخيار، لكنهم في الآن نفسه بشرٌ طبيعيون مثلنا خلقوا من نفس المادة ولهم تصرفات تشبه تصرفاتنا، كلهم على رأسي وأحترمهم وأجلّهم، لكن اتباعهم لا يتمثّل في إطلاق لحية كلحية فلان أو إمساك سيف كعلان أو السياحة دون أهل أو وطن أو تقديم القرابين .. الاتباع الحقّ لسنن الصالحين أنبياء وأولياء بتكرار التجارب الكفاحية والسعي لتحقيق الذات بعيدًا عن صخب المؤمنين بي أو الكافرين على حدّ سواء.
-الشرائع والحلال والحرام قنطرة من قناطر التعليم والتربية، ولأن الكلّ ! اليوم بحاجة إلى اكتشاف نفسه من جديد والبحث عن مركزه في دائرة الحياة المزعجة فعليّ أن ألتزم بشريعتي أمام نفسي ما ارتضيته أحتفظ به لنفسي وما لم أقنع به ولا أراه مناسبًا لي فدين لنفسي ودين الناس للناس.
-أنا الحقُّ ليس شطحًا أو كبرياء بل سعيًا لأن أكون حقًّا مع الحق ومن أجل الحق وبالحق.
-العمل الصالح الباقي السعي في منافع العباد .. كل طقوسي وعباداتي شأن وهذا العمل شأن آخر إن أخفقت فيه فكل الطقوس هباء.
– كلما كان التعبيرُ بسيطًا وسهلاً وخاليًا من التعقيد والتصنّع والتزيّد في مصطلحات لا يتقنها القارئ ولا تضيف له شيئًا كلما كان أوقع وأسرع وصولاً إلى الإنسان.
عدنان المقراني: علّمني مولانا أن أرى الحقيقة ألوانًا وألحانًا وحنانا.
علّمني مولانا كيف يكون الحب دينًا ودنيا وإنسانا.
علّمني مولانا أن أقطف من القرآن ريحانًا ومرجانًا.
علّمني مولانا أن أرى البشر إخوانًا وخلانا.
محمد حربي: تعلمت من مولانا ن الشعر طريقي الى الله.
عائشة موماد: تعلمت أن لا أقتفي طريق فلان أو علان وأخطو خطواتي بثقة، لا تهمني المسافة ولا الوقت طالما حددت وجهة لي. فإن تعثرتُ أو أجهدت أسلم وجهي للحق لا للخلق فهو العليم بما تضمر السرائر.
عادل بن عبد الله: تعلّمت من مولانا أن أرى الناس بعين الرحمة… وأن أتحمل رؤيتهم لي بعين الوهم (شرعيًّا أو عقليًا كان ذلك الوهم).
فاطمة زكوان: تعلّمت من مولانا أن أكون مفتوح القلب لجميع الناس لذا صار قلبي قابلاً كل صورة وامتزجت فيه جميع ألوان الطيف، فالحياة على قصرها لا تستحق أن يُزرع فيها سوى شجرة المحبة والسلام.
إبراهيم الجعلوف: تعلّمت من مولانا أن وجه القمر لا يتسخ، يمرُّ بنوره على المزابل والأوساخ يضيئها ولا يتسخ وجهه!
عبد الحفيظ رؤوف: تعلّمت من مولانا أن غسل القلب وبعثه وانتضاءه حرًّا فتيًّا نقيًّا لا يعرف الأعمار . وأن اتباع هوى النفس المستنيرة لا يعد منقصة . بل براق يبدّد المسافات.
عبد الله: تعلمت من النّاي الحنين إلى الاصل, وتعلّمت من ذكر شمس تبريزي الطيّار أن العشق هو اختراق الحجاب.
عمرو بيرقدار: تعلّمت من مولانا أن الحب مفتاح الحياة لا نستطيع أن نبدأ عملاً بدونه ويجب أن يكون حاضرًا في كل لحظاتنا في العمل والعلم مع الاصدقاء والغرباء والطبيعه والجماد.
ما أن بدأت اتبع خطى مولانا حتى بِتُّ أشعرَ بمحبةٍ مطلقةٍ لكل من حولي ولذاتي
أحبُّ الغريب قبل القريب، والمختلف قبل الشبيه، والمخطئ قبل المصيب والقاطع قبل الواصل.
تعلّمت من مولانا الصبرَ على المحن وأن كلَّ شيء خير، وأن لا أنظر إلى الامور من شكلها الخارجي وعليّ أن أتمعن في المعنى من ورائها.
محبة مولانا نهجُ حياة وليست درسًا يشرح في سطور. تعلّمت من مولانا “الحب” وما أعظمه من علم.
فراس درويش: تعلّمت من مولانا أن الإنسان ذو قيمة وشأن كبير عند الله.
أنّ كلَّ الطرقِ قد تنتهي، إلاّ طريق العشق لا نهاية له.
أن لا أحزن على شيء ما قد أخسره، فهو سيعود إليَّ بهيئة أخرى.
من الذكاء السعي لتغيير العالم، ولكن من الحكمة البدء بتغيير النفس أولاً.
تعلّمنا من مولانا وما زال لدينا الكثير لنتعلّم منه.. مولانا نهرٌ لا ينضب.
محمد حاجيوي: تعلّمت من مولانا أن الأشياء الأكثر بداهة واعتيادا هي الأشياء الأغزر معنى والأقل فهمًا من العامة. فمن أراد أن يفهم لغز الحياة فعليه أن يسائل كل شيء ويدقق النظر في تفاصيل الأشياء التي نمر عليها كل يوم، والألوان وما تكتنزه، والأشياء وما تخبؤه وما ترمز إليه والآخرون وما لا نفهمه عنهم … وقبل كل شيء النفس وخباياها العديدة التي لا نعرف عنها إلا النزر اليسير. وهذه هي بداية الطريق إلى الحقيقة.
سارة أوتباس: تعلمت من مولانا أن “الجرح هو المكان الذي يوجد فيه الضوء الذي يدخل إلى أعماقك”. أن “الآلام التي تشعر بها إنما هي رسل. فاستمع إليهم جيدًا”.
تعلمت من مولانا أن “القمر يبقى مشرقًا عندما لا يتجنب ظلمة الليل”. أن “ما يجرحك يسقط عليك النعم. والظلام شمعة تضيء سبيلك”.
تعلمت من مولانا أن “لا تلتفت بعيدًا. حافظ على بصرك على مكان جرحك. هناك حيث يدخل الضوء إليك” . أن ” لا تسمح لشيء سواك بالسيطرة على عواطفك“.
تعلمت من مولانا أن “لا تحزن. فأي شيء تفقده يأتي في شكل آخر”. أن “تتوقف عن التصرف على نطاق ضيق جدًّا. فأنت الكون في أوج عنفوانه”.
تعلمت من مولانا أنه “بالأمس كنتُ ذكيًّا، لذلك أردت تغيير العالم أما اليوم فقد صرت حكيما لذا أريد أن أغيّر نفسي “
تعلمت من مولانا أن الحب هو كل شيء وأنه أقدس ما في الوجود “هذا هو الحب أن تطير نحو سماء خفية، أو تتسبب في كشف مائة حجاب في كل لحظة.. أهجر الحياة أولاً، وأخيرًا، اخطُ دون أن تحرك قدميك”.
تعلمت من مولانا أن أجلس في صمت لفترة من الوقت وسيبدو كل شيء أكثر منطقية “الصمت لغة الله وما عداه هو ترجمة سيئة. تعلمت الكثير من مولانا جلال الدين الرومي ولا زلت أتعلم.
براء مُحمّد: تعلمت أن آخذ الحياة ببساطة وأنظر إلى مواطن الجمال في كل تفصيلة مهما كانت مؤلمة أو مزعجة. تعلّمت الحب.
هبة خليفة: تعلّمت إن هذه الطريق الوعرة سار فيها أناس كثيرون وأناروا الدنيا. تعلّمت أن الوصل حقيقة، أن تكون متّصلاً بروحك .. بالدنيا.. بالناس وأن تصدّق وحي السماء،تعلّمت أن الانفصال والحرمان الحقيقي هو الحرمان من الوصل، وأسأله أن يصل روحي به دائما وبكل من يعرّفنا عليه.